الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كتاب خصوصية نشأة وتطور الطبقة العاملة السودانية

تاج السر عثمان

2018 / 12 / 27
الحركة العمالية والنقابية


خصوصية نشأة وتطور الطبقة العاملة السودانية
( 1900 - 1956 م )







تأليف
تاج السر عثمان الحاج
الخرطوم : أغسطس 2005


الإهــداء


إلى روح المرحوم الصديق الجز ولي سعيد



تقديم:
1 – ليس من أغراض هذا البحث إعادة إنتاج السرد التاريخي المعروف لتطور الطبقة العاملة السودانية خلال الفترة ( 1900 –1956) ، وهي الفترة التي شكلت قسمات ونشأة الطبقة العاملة السودانية ، فقد كتب الكثير حول هذا الموضوع .
يهدف هذا البحث إلى تسليط الضوء على العوامل التي شكلت وعى الطبقة العاملة السودانية في الفترة ( 1900 – 1956 م ) ، ولتحقيق هذا الهدف كان لابد من دراسة ذلك التطور في علاقته وارتباطه بالتطورات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي شهدتها تلك الفترة وابراز العوامل التي أسهمت في نمو وتطور وعى الطبقة العاملة ، ويرى كاتب هذا السطور أن الطبقة العاملة اكتسبت الوعي السياسي من المصادر الآتية :
_ نضالها من اجل تحسين مستوى حياتها منذ بداية القرن العشرين .
_ احتكاك الأقسام المتقدمة منها بتنظيمات الحركة الوطنية الحديثة : جمعية اللواء الأبيض ، تأسيس أندية العمال ، مؤتمر الخريجين .
_ بعض الجنود الذين اشتركوا في الحربين العالميتين الأولى والثانية خارج السودان والذين اكتسبوا الوعي في الخارج وبعد تسريحهم انضموا لصفوف الطبقة العاملة واسهموا في إدخال الوعي في صفوفها .
_ تأثرها بالتطور السياسي والثقافي والاجتماعي والأدبي الذي نشأ مع تأسيس الصحافة الوطنية والندوات الثقافية في أندية العمال والخريجين والإذاعة عام 1940 م وتأسيس الأحزاب السياسية بعد الحرب العالمية الثانية والتطورات السياسية المحلية والعالمية .
_ الدور الذي لعبه الخريجون في إدخال الوعي في صفوفها وخاصة طلائع الخريجين من أقسام الهندسة والتلغراف من كلية غردون والذين احتكوا وارتبطوا بالطبقة العاملة في العمل اليومي في الورش والمؤسسات الحكومية .
_ الاحتكاك بالعمال الأجانب ( المصريون ، الأرمن ، ..... ) والذين كانت لهم خبرة نضالية سابقة في بلدانهم ، ولهم معرفة بالإضرابات وغيرها كوسيلة لانتزاع المطالب العمالية .
_ الدور الذي لعبته الحركة السودانية للتحرر الوطني ( الحزب الشيوعي فيما بعد ) في مساعدة الطبقة العاملة في تأسيس أول تنظيم نقابي لها ( هيئة شئون العمال عام 1947 م ) وتقديم الخبرات السياسية والقانونية والتنظيمية لها .
إذن ، يمكن القول أن هناك عوامل متشابكة ومتداخلة ومترابطة لايمكن الفصل بينها ، أسهمت في إدخال الوعي في صفوف الطبقة العاملة ، والبحث يسعى إلي توضيح تلك المنطلقات .
تم تقسيم البحث إلى الأجزاء التالية :
_ الفصل الأول : ويشمل النشأة والتطور
_ الفصل الثاني : يتناول التطور السياسي والاجتماعي والثقافي .
_ الفصل الثالث : يتناول تطور نضال الطبقة العاملة .

_ خاتمة .
وفى نهاية البحث أوردنا المصادر الأولية والثانوية وملاحق بجداول ووثائق .
واخيرا يتمنى المؤلف أن يثير هذا البحث نقاشا مثمرا ، .كما لا يفوتني أن اشكر العاملين في دار الوثائق المركزية الذين أمدوني بكل الوثائق والصحف التي طلبتها منهم .
تاج السر عثمان
15/ أغسطس / 2005

مقدمة :

أولا: في المفاهيم والمصطلحات ومنهج الدراسة
هناك مفاهيم ومصطلحات تم استخدامها في الدراسة لابد من توضيحها :
أ _ مصطلح العاملين بأجر :
المقصود به القوى الاجتماعية الجديدة التي نشأت في بداية القرن العشرين ومع بداية منشات الاستعمار البريطاني الاقتصادية والتعليمية وتتكون هذه القوى من شقين
الأول : الخريجون ( ألا فندية ) ، والمقصود بهم خريجي كلية غردون والمدرسة الحربية والمدارس العليا والوسطى ، وتطورت هذه القوى وتوسعت بعد إنشاء مؤسسات التعليم الحديثة منذ بداية القرن العشرين. ويتميز الخريجون بأنهم كانوا اكثر إفصاحا عن مطالب الحركة الوطنية ، كما انهم كانوا متفاوتين في التعليم والثقافة ومتباينين في الدخل وفى المدارس الفكرية والسياسية والثقافية وفى مصادر التعليم ( غربي ، مصري ، ديني ) ولكن ما يربط بينهم انهم كانوا يعملون بأجر تحت حكم أجنبي ، وكانت لهم مصلحة في شغل المناصب العليا للدولة التي كان يشغلها الإنجليز أولا ثم يليهم المصريون أو الأجانب الآخرون ، ثم يليهم السودانيون . وكانت الدولة تشكل المخدم الرئيسي ، فحتى عام 1944 م كانت نسبة العاملين في الدولة94 % .
الثانية : الطبقة العاملة ( أو العمال ) :
والمقصود بهم العاملين اليدويين بأجر الذين نشأوا مع مشاريع الإدارة الاستعمارية الحديثة ( سكك حديدية ، ميناء ، محالج ، مشاريع زراعية حديثة – عمال زراعيين ) . وهذه القوى الاجتماعية كانت متفاوتة ومتباينة في الدخل وفى التعليم المهني والأكاديمي وفى المشارب السياسية والفكرية ، وفى الأصول الاجتماعية ، وانحدرت إما من المزارعين والرعاة الذين تركوا الزراعة والرعى في الريف ونزحوا إلى المدن التي تطورت مع النهضة الحديثة ، أو من الأرقاء الذين تم تحريرهم في بداية القرن العشرين ( تم إلغاء نظام الرق مع اتفاقية الحكم الثنائي في بداية 1898 م ) ، وفى عام 1932 م تم تصفية نظام الرق نهائيا وتحول كل نظام العمل إلى العمل المأجور ، والذين شكلوا مصدرا للعمالة في الصناعة والزراعة وفى أعمال البناء والمقاولات والخدمات والأعمال المنزلية ، ... الخ .
ويمكن تقسيم هذه القوى إلى قسمين :
_ العمال المهرة ( أو الفنيين ) : وهم خريجو المدارس الصناعية والفنية أو معاهد التدريب الحرفي التي كانت موجودة آنذاك .
_ العمال غير المهرة .
هذا وقد كان دور العمال المهرة أو الفنيين كبيرا في الدفاع عن حقوق ومصالح الطبقة العاملة وكان لهم شرف المبادرة في انتزاع حق التنظيم النقابي عام 1947 م .
ثانيا: - ترجع جذور الطبقة العاملة السودانية إلى فترة الحكم التركي _ المصري عندما قامت ترسانة الخرطوم للنقل النهري ومصانع الذخيرة والنيلة والصابون وتطور العمل المأجور ، وظهرت فئات عاملة بأجر مثل : الكتبة والموظفين والقضاء والمعلمين ، وكذلك نتيجة لترك أعداد كبيرة من المزارعين لسواقيهم واراضيهم الزراعية بسبب الضرائب الباهظة ، أي تحرر أعداد كبيرة منهم من الارتباط بالأرض ، ولكن نظام الرق ونظام السخرة الذي كان موجودا في بعض المؤسسات لم يساعد في إيجاد عمال أحرار في التنقل ، إذ أن من الشروط الأساسية لظهور ونشؤ الطبقة العاملة أن يكون لها حرية التنقل وحرية التعاقد ، أي حرية بيع قوة عملها . ذلك انه في نمط الإنتاج الرأسمالي أصبحت قوة العمل بضاعة ، وقيمة قوة العمل هذه شأن قيمة كل بضاعة أخرى تتحدد بكمية العمل الضروري اجتماعيا لانتاجها ، إذن قيمة قوة العمل هي تكاليف إعادة تكوين قوة العمل هذه في إطار اجتماعي محدد ( المأكل ، الملبس ، المسكن ، .... الخ ) .
وبالتالي يمكن القول وبهذا المفهوم أن الشكل الحديث لنشؤ وتطور الطبقة العاملة لم يظهر إلا مع بداية القرن العشرين عندما تم إلغاء نظام الرق والسخرة في السودان .
كان من ضمن أهداف الفتح الإنجليزي للسودان هو إلغاء تجارة الرقيق ، وجاء في صلب اتفاقية 1898 م إلغاء تجارة الرقيق ومنعها منعا باتا في السودان وإلغاء كل أشكال التعامل بالرقيق . جاء في المادة ( 11 ) من الاتفاقية (( ممنوع منعا مطلقا إدخال الرقيق إلى السودان أو تصديره منه ))
وفى بداية الحكم الاستعماري واجهت الإدارة البريطانية مشكلة الرقيق التي وصفها أحد السياسيين الإنجليز كما يلي : كان على الحكومة الخيار بين أمرين أحلاهما مر : فإما الاعتراف المؤقت بالرق السائد أو التحرير الفوري للرقيق ، الأمر الذي كان يؤدى إلى تقويض الاقتصاد في البلاد ، ذلك لان التحرير الفوري كان يؤدى إلى هجر اكثر المزارع الكائنة على ضفاف النيل ، والى فقدان قطعان كثيرة من الماشية التي يملكها البدو والى موت آلاف من الأبرياء الذين اجبروا على العيش دون خطأ من جانبهم على العيش في ظلال نظام اجتماعي معاد للأفكار الغربية ، والتي قبلوها باعتبارها أمرا ضروريا لاغنى عنه لممارسة الحياة اليومية ، والتحرير الفوري للرقيق كان يعنى إطلاق سراح آلاف الرجال والنساء دون تحمل للمسئولية في مواجهتهم والذين كانوا يصبحون مصدرا للشغب والإخلال بالآداب . ( محمد عمر بشير : مشكلة جنوب السودان ، 1983 م ، ص 59 . )
ولحل مشكلة الرقيق كانت السياسة الحكومية تقوم على المبادئ والإجـراءات التالية :
_ العمل على تخديم الأفراد وتطوير نظام العمل بالأجر ( كبديل عن العمل عن طريق السخرة ) وذلك عن طريق تطوير الاقتصاد .
_ اتخاذ إجراءات مضادة ومعادية لتجارة الرقيق ، مماثلة لتلك السياسة التي اتبعت فى بلدان أخري خضعت للسيادة الأوربية .
_ السماح لكل رقيق بترك سيده إذا قرر ذلك طائعا مختارا .
_ حرمان السيد من ممارسة حقوقه القانونية لاسترداد الرقيق الذي اثر الحرية . ( بشير المرجع السابق ص 59 _ 60 ، وللمزيد من التفاصيل راجع محمد إبراهيم نقد : علاقات الرق في المجتمع السوداني ، 1995 . ) وللقارئ الذي يرغب في المزيد من آليات التحول من نظام الرق إلى العمل المأجور يمكن أن يرجع إلي بحث د . أحمد العوض سكنجة
(Slaves Into Workers ,1898 -1956 , )
بهذا الشكل حاربت والغت الإدارة الاستعمارية نظام الرق المتخلف ، وكان ذلك خطوة للأمام وعممت نظام العمل بالأجر ، أي خلقت شكلا جديدا أرقى من الاستغلال وهو العمل بالأجر بدلا عن نظام السخرة ( الرق ) الذي كان يعمل فيه الرقيق طول الوقت لصالح سيده مقابل معيشته ومعيشة اولاده .
هذا فضلا عن أن الإدارة البريطانية كانت محتاجة لهذا الشكل ( نظام العمل بالأجر ) ، حيث كانت تحتاج لعمال متحررين من قيود العبودية لكي يعملوا في المشاريع الاقتصادية والعمرانية التي كانت تخطط لها في بداية دخولها للسودان مثل : مشروع الجزيرة ، السكك الحديدية ، الميناء .... الخ . وان نظام العبودية كان نظاما متخلفا ولا يتناسب مع الشكل الجديد للاستغلال الرأسمالي الذي كانت الإدارة البريطانية تريد غرسه في السودان .
على انه يجب القول أن تحرير الرقيق كان خطوة إنسانية تقدمية في سلم تطور الإنسان السوداني ، فالسودان عرف نظام الرق منذ اقدم مملكة سودانية ( مملكة كرمة عام 2000 ق . م ) ، واستمر هذا النظام في كل الممالك السودانية القديمة حتى نهاية القرن التاسع عشر . هذا إضافة إلى أن المشاريع الجديدة كانت محتاجة إلى عقلية جديدة تتعامل مع أدوات الإنتاج الحديثة التي ادخلها المستعمر ، والواقع أنها بدأت تدخل السودان منذ بداية الحكم التركي مثل البواخر النهرية التي بدأت تحل محل المراكب ، والتلغراف الذي بدأ يحل محل الهجانة ، والأسلحة النارية التي حلت محل الأسلحة البيضاء وما احتاجته من مصانع للذخيرة والبارود ، كما دخل نظام التعليم الحديث الذي بدأ يحل محل الخلاوى الذي انتشر في فترة السلطنة الزرقاء .
ومنذ نهاية القرن الثامن عشر اندفعت الثورة الصناعية في إنجلترا ومنها إلى بلدان العالم الرأسمالي الأخرى والمستعمرات . وبإعادة احتلال السودان عام 1898 م ارتبط السودان مرة أخرى عن طريق إنجلترا بالنظام الرأسمالي العالمي ، وبدأ السودانيون يعرفون القاطرات ، والعربات والشاحنات ، كما بدأت تحل طلمبات الري محل السواقي ، وحلت الطواحين محل المرحاكة ( والفندك والهون ) ، كما حلت عصارات الزيوت الميكانيكية محل عصارات الجمال ، وبدأت التراكتورات تدخل في الأساليب الحديثة للإنتاج الزراعي .
كل هذه التطورات والآلات الحديثة التي بدأت تدخل السودان واتسعت منذ بداية القرن العشرين ، كانت محتاجة إلى قوى عاملة جديدة ، وكانت محتاجة إلى نوع جديد من التعليم للتعامل معها ، وبالتالي طور الاستعمار نظام التعليم ليتواءم مع احتياجاته الجديدة لتسيير مشاريعه الصناعية والخدمية ، ولسد النقص في الإداريين والكتبة لتسيير دولاب الدولة .
هكذا بدأت تظهر طبقة عاملة وفئات متعلمة تعليما حديثا ، وظهرت شركات ومشاريع زراعية وصناعية ، وبالتالي تطورت طبقة التجار الأجانب والمحليين واصحاب الملكيات الزراعية ، وهكذا ظهرت علائق انتاج جديدة ، وتوسع العمل المأ جور الذي حل محل نظام الرق .
ثالثا - مفهوم النهضة :
تم استخدام هذا المفهوم في الدراسة بمعنى محدد ، فليس المقصود هو كمثل النهضة التي تمت في أوربا ( (renaissance أو عصر الإصلاح والنهضة العلمية التي حدثت في أوربا من منتصف القرن الرابع عشر إلى السادس عشر ، بعد فترة الجمود والركود الطويلة التي سادت في القرون الوسطى ، وتم بعث العلوم والفلسفات القديمة ( يونانية ، رومانية ، إسلامية ) ، وحدثت حركة الإصلاح الديني ونشأت المدن وازدهرت التجارة وحدثت الكشوفات الجغرافية ، والتطورات العلمية والتقنية والفكرية والسياسية ، والتراكم الرأسمالي التجاري من الأراضي الجديدة وتجارة الرقيق وغيرها ، الذي مهد للثورة الصناعية في إنجلترا والثورة الفرنسية والتي أدت إلى ظهور الطبقة البورجوازية أو الطبقة الصناعية الرأسمالية في أوربا وزالت النظم الإقطاعية ، وظهرت طبقة العمال الصناعيين ( البروليتاريا ) بعد انتصار نمط الإنتاج الرأسمالي في أوربا .
فالنهضة بمعنى التحول الاقتصادي والفكري والاجتماعي والسياسي وانتقال المجتمع من درجة دنيا في المدنية إلى درجة عليا ، هذه النهضة تمت في أوربا بفعل عوامل باطنية ( اقتصادية ، اجتماعية ، سياسية ، قومية ، دينية .... الخ ) ، واكتملت بعد نهب شعوب المستعمرات والتوجه إلى الخارج . أما النهضة التي حدثت في السودان منذ بداية هذا القرن فتتميز بالآتي :
_ إنها تمت بفعل مؤثر خارجي ولم تتم كنتيجة لتطور باطني أو داخلي ، وهذا المؤثر الخارجي كما هو معلوم الاستعمار البريطاني بعد إعادة فتح السودان 1898 م ، وقبل ذلك كانت بذور هذه النهضة أيضا قد تم غرسها في تربة السودان بفعل مؤثر خارجي أيضا هو الاحتلال التركي للسودان عام 1821 م . فالاستعمار بحكم مصالحه وأهدافه ولكيما يؤمن تلك المصالح عمل على تحويل السودان إلى مزرعة قطن كبيرة للقطن بهدف مد مصانع لانكشير بالقطن الخام الرخيص وتحويل السودان إلى سوق لتصريف منتجاته الصناعية . ولضمان ذلك قام الاستعمار البريطاني بإنشاء بنيات تحتية مثل السكك الحديدية ، الميناء ، المؤسسات التعليمية الحديثة ، المشاريع الزراعية ... الخ . وهذا بدوره أدى إلى نهضة والى ارتباط السودان بالسوق الرأسمالي العالمي عن طريق القطاع الحديث الذي تم إنشائه ، وأدى إلى تحول اقتصادي _ اجتماعي في تركيبة البلاد ، كما أدي إلى نشؤ وبروز قوى اجتماعية جديدة اصطدمت أو تعاونت مع الاستعمار في النهاية وكانت العملية في داخلها وحدة وصراع أضداد : الاستعمار يحتاج للعاملين بأجر لسير دولاب الدولة ، ومن جهة أخرى كان يحاول تحجيم هذه القوى لكي لا تلعب دورها الوطني ، ودخل في تناقض وصراع معها . ولكن هذه القوى خرجت عن الحدود التي رسمها المستعمر وشبت عن الطوق وشكلت حركة وطنية وسياسية جديدة ضده بمختلف الأشكال وفجرت ثورات وحركات مسلحة واصلاحية كانت تعبيرا عن رفض للاستعمار وسياساته ، وكانت هذه القوى التي خلقها الاستعمار ( طبقة عاملة وخريجين .. ) نفسه هى حفارة قبره ، أي القوى التي اخرجته مع الشعب السوداني عام 1956 م .
- هذه النهضة لم تقدها طبقة بورجوازية أو طبقة إقطاعية مستنيره كما حدث في اليابان مثلا ، أو طبقة عاملة . فالطبقات الاجتماعية بالمفهوم الذي كان يتحدث عنه ماركس ( الدور في الإنتاج ، الوعي الطبقي أو الامتداد الثقافي والأيديولوجي ) ، أو علماء الاجتماع الآخرين غير الماركسيين الذين حددوا معايير أخري مثل : المهنة ، الدخل ، الثروة ، ارتفاع درجة الكفاءة الشخصية ، القيمة الذاتية ، الوظيفة ، نوع المعيشة ، القدرة على التزاوج ، تبادل الزيارات بين درجات أفراد الطبقة الواحدة ... الخ . كل هذه المفاهيم للطبقات الاجتماعية التي نشأت في البلدان الصناعية المتطورة لم تكن تنطبق بشكل كامل على الفئات والطبقات التي نشأت في السودان في بداية القرن العشرين ، ومن المهم اخذ خصوصية وسمات نشؤها وتكوينها في الاعتبار . فالدولة في السودان هي التي تصدت لعمل المشاريع الزراعية والبنيات التحتية الأساسية أو كشريك أساسي فيها مثل مشروع الجزيرة الذي تحول إلى ملكية الدولة بعد انتهاء عقد الشراكة في عام 1950 م، كما كانت الدولة اكبر مخدم صناعي في البلاد ( على سبيل المثال في عام 1944 كان 94 % من العاملين يعملون في الدولة ) . وهذه عكس الحالة التي نشأت في أوربا عقب الثورة الصناعية الأولى مباشرة ، حيث ظهرت طبقة البورجوازية التي تمتلك وسائل الإنتاج ، وبالتالي تستحوذ على فائض القيمة والتي قادت النهضة الصناعية والزراعية ، كما ظهرت طبقة العمال الصناعيين (البروليتاريـا) التي لا تملك شيئا غير قوة عملها ، والتي تم اقتلاعها من الأرض بعد زوال الإقطاع وإدخال العمل المأجور في الزراعة ( الزراعة الرأسمالية ) ، فمن غير السليم إقحام هذه المفاهيم ( برجوازية وبروليتاريا ) بالمعنى الذي كان عليه في أوربا على السودان في بداية هذا القرن ، هذا فضلا أن هذه المفاهيم نفسها شهدت تغييرا كبيرا نتيجة للثورة العلمية التقنية التي يشهدها عالم اليوم الرأسمالي المتطور والذي نتج عنها متغيرات عميقة في تركيب الطبقة العاملة ، والتي أصبحت تضم فئات العاملين اليدويين والذهنيين والذين يتعرضون للاستغلال الرأسمالي .
- النهضة التي أحدثها المستعمر كانت محدودة وضيقة ومحكومة بالأهداف التي رسمها المستعمر الذي حارب الصناعة وغيرها من المشاريع التي توسع الطبقة العاملة عدديا ونوعيا ، كما حارب التوسع في التعليم المهني والصناعي .
رابعا : -منهج الدراسة : -
انطلق منهج الدراسة من أن هناك عوامل متعددة كانت محركة للتطور في الفترة موضوع الدراسة ، هذه العوامل تفاعلت وتشابكت وكان لها الأثر في تطور التشكيلة الاجتماعية في تلك الفترة ، وكانت هذه العوامل مركبة من : اقتصادية واجتماعية وسياسية ووطنية ومطلبيه ودينية .. الخ .
خامسا : - مفهوم الطبقة العاملة المستخدم في الدراسة :
مهم أن نحدد مفهوم الطبقة العاملة المستخدم في الدراسة من خلال التعريفات الآتيـة : -
البروليتاريا : يقصد بالبروليتاريا في الاستعمال الماركسي طبقة العمال الأجراء الذين يشتغلون في الإنتاج الصناعي ، ومصدر دخلهم هو بيع ما يملكون من قوة عمل ، وهذه الطبقة تعاني من الفقر والاستلاب أو التهميش نتيجة للاستغلال الرأسمالي لها ، ولأنها هي التي تتأثر اكثر من غيرها بحالات الكساد والأزمات الدورية . ويشير د . راشد البراوى في قاموسه الاقتصادي إلى أن ثمة اختلاف بين البروليتاريا وفقا للتعريف السابق وبين الطبقة العاملة ككل التي تضم جميع ما يتعين عليهم أن يزاولوا العمل حتى يكسبوا عيشهم ، وهم يحصلون مقابل ذلك على أجر أو مرتب ، ويتدرج في هذه الطبقة العمال غير اليدويين ( أصحاب الياقات البيضاء كما يطلق عليهم ) وعمال الزراعة والعمال الذين يشتغلون في الخدمات المتصلة بالتوزيع .
وفي المفهوم الماركسي ، البروليتاريا هي وليدة قيام النظام الرأسمالي الحديث ، وهي التي تخلق فائض القيمة أو القيمة الزائدة أو القيمة المضافة الذي يستحوذ عليه الرأسماليون باعتباره المصدر الأساسي لأرباحهم . هذا إضافة إلى أن البروليتاريا لها حرية التنقل وتغيير مواقع عملها إذا رغبت في ذلك . كما أن قيمة قوة العمل لا تشتمل علي سعر السلع الحياتية الضرورية لاعادة تكوين تلك القوة من زاوية فيزيائية صرف ( ولاعالة أولاد العمال ، أي إعادة إنتاج قوة العمل ) فحسب ، بل تشتمل أيضا على عنصر معنوي وتاريخي ، أي سعر البضائع ، بل تشتمل أيضا على عنصر معنوي وتاريخي ، أي سعر البضائع ( وفيما بعد سعر بعض الخدمات الشخصية ) التي تدرجها تقاليد البلاد في الحد الأدنى الحيوي ، وهذه الحاجات تتعلق بالمستوي النسبي للحضارة الغابرة والراهنة ، أي في التحليل النهائي بالمستوي الوسطى لإنتاجية العمل لامد متوسط أو طويل . ( ما ندل :1973 ، ص 160 ) .
- وفي هذه الدراسة ، وفي حدود الفترة تحت الدراسة استخدمنا مفهوم الطبقة العاملة بالمعني الآتي : -
أ – عمال الخدمات .
ب العمال الصناعيين .
ج – العمال الزراعيين .
د – صغار الكتبة وأمناء المخازن .
أي أن مفهوم الطبقة العاملة هنا مفهوم أوسع من مفهوم البروليتاريا الضيق ، والذي لا يعبر عن الحالة التي نحن بصددها ، ومن مميزات هذه الطبقة أنها كانت تسكن المدن أو الحضر ومتفاوتة في تركيبها المهني والعضوي وفي مستوى تعليمها المهني والأكاديمي ومتفاوتة في الدخل وفي الأصول الاجتماعية .
الفصل الأول
النشأة والتطور
لايمكن تناول نشأة وتطور الطبقة العاملة السودانية بمعزل عن النهضة الاقتصادية والاجتماعية التي حدثت خلال فترة الحكم البريطاني ، وكما أشرنا سابقا إن جذور الطبقة العاملة ترجع إلى فترة الحكم التركي ، ولكن التطور الذي شهدته الطبقة العاملة كان منذ بداية الحكم الإنجليزي للسودان عام 1898 م .
ويفيد هنا أن نتابع مظاهر التطور الاقتصادي الذي نشأ في البلاد في القطاعات الزراعية والصناعية والتجارية والخدمات ( مواصلات ، تعليم ، صحة ... الخ ) ، لنرى كيف تطورت الطبقة العاملة من خلال تلك التحولات الاقتصادية والاجتماعية .
أولا : القطاع الزراعي .
أ _ مشروع الجزيرة : شكل القطن محور السياسة البريطانية في السودان ، واصبح السودان جراء تلك السياسة منتجا للقطن ، وتم بذلك تحقيق هدف الاستعمار البريطاني للسودان وهو ضمان القطن الخام اللازم لصناعة الغزل والنسيج في لانكشير بإنجلترا ، وارتبط السودان بمحصول نقدي رئيسي واحد ( القطن ) مع بعض المحاصيل النقدية الأخرى : صمغ ، سمسم ، فول سوداني ، ... الخ . ومقابل ذلك غزت منتجات الصناعة البريطانية وغيرها السوق السوداني : ملابس قطنية وصوفية ، آلات ، مضخات رافعة للمياه ، سيارات ، قطع غيار ، أحذية ، .... الخ . وبهذا الشكل ارتبط السودان بالسوق الرأسمالي العالمي : مصدرا لمواده الأولية للدول الصناعية ومستهلكا بثمنها مصنوعات تلك البلدان وفقا لعلاقة التبادل غير المتكافئة ، كما تم تدمير الصناعات الحرفية المحلية التي كانت سائدة أيام المهدية .
لن نتوقف كثيرا عند فكرة مشروع الجزيرة ، وكيف تم انتزاع الأراضي من المزارعين ، وكيف تم إعادة توزيعها على المزارعين ؟ ، وكيف نشأت فئات المزارعين المختلفة ( أغنياء ، متوسطين ، فقراء ) ، وفرض الحكومة البريطانية لعلاقات الإنتاج لنظام الشراكة الوهمي الذي كانت فيه الشركة والحكومة تستحوذ على 60 % من عائد القطن ، لان ذلك خارج إطار الدراسة ، ولكن ما يهمنا هنا هو اثر مشروع الجزيرة في ظهور عمال زراعيين وصناعيين نفصلهم كما يلي في الآتي :
_ العمال الزراعيين :
كان مزارعو الجزيرة في مستوياتهم المختلفة يستعينون بالعمال الزراعيين في أوقات الذروة في عمليات البذر والحش وتنقية الحشائش والجنى ، وتقليع عيدان الحطب ، وكان هؤلاء العمال الزراعيون قادمين من غرب السودان أو أفريقيا الاستوائية مثل الفلاتا ، الهوسا ، البرنو ، البوجو ، الفور ، الرزيقات ، إضافة لجماعات عربية من إقليم النيل الأبيض وجنوب النيل الأزرق وجماعات رعوية غير مستقرة . وعلى سبيل المثال كان عدد العمال الزراعيين في مشروع الجزيرة 212,168 في عام 1956 م (د . زكى البحيري : التطور الاقتصادي والاجتماعي في السودان ، 1988 م ، ص 72 ) .
وهؤلاء العمال الزراعيين كانوا من ذوى الوعي المنخفض بحكم وضعهم وظروفهم ودوافعهم المختلفة للعمل في مشروع الجزيرة .
_ العمال الصناعيين
مع قيام مشروع الجزيرة وتطوره قامت معه الشركة وسككها الحديدية ، وقامت معها مخازنها ومبانيها ، كما قام خزان سنار عام 1925 م والذي احتاج لمهندسين وعمال وفنيين ، كما قامت مصانع لحلج القطن في المشروع ، ونتج من هذا قيام فئة من العمال الصناعيين بلغ عددها حوالي 3843 عاملا ، بعضهم يتوقفون عن العمل لفترة من الوقت ويتركز عملهم خلال موسم القطن مثل سائقي المحاريث والعربات وموظفي الإدارة الموسميين وعمال استلام ووزن القطن والكتبة والخفراء والممركين ( واضعو أرقام العبوات ودرجات النقاء ) ، وعمال المحالج والشحن والتفريغ وعددهم في محالج الجزيرة الثمانية بلغ خلال الخمسينيات من القرن الماضي حوالي 4608 ( د . زكى البحيرى ، ص 73 ) .
كان العمال الزراعيين يتعرضون لاستغلال من أغنياء ومتوسطي المزارعين ، فكان العامل الزراعي يتقاضى أجرا عبارة عن قرشين ونصف مثلا عن كل 30 رطلا يتم جنيها ، كما أن المزارعين أنفسهم خضعوا لاستغلال الشركة والحكومة فحتى عام 1950 م عندما انتهى عقد الشركة كانت الحكومة والشركة تستحوذ على 60 % من عائد القطن حسب علاقة التوزيع : 35 % للحكومة ، 25 % للشركة ، 40 % للمزارع .
_ مشاريع الطلمبات :
قامت الحكومة بإنشاء سبعة مشاريع لزراعة المحاصيل الغذائية وعلف الحيوانات ، وذلك على ضفاف النيل في المديرية الشمالية ، وكانت تلك المشاريع تعتمد على الري بالطلمبات وكل واحد منها يغطى مساحة تتراوح بين 2000 إلى 4000 ( تيم نبلوك : صراع السلطة والثروة في السودان ، ص 25 ) . وكان إنشاء هذه المشاريع خلال الحرب العالمية الأولي يستهدف تلبية احتياجات البلاد من الغذاء ، واحتياجات فرق الخيالة العسكرية البريطانية فى مصر من علف الحيوان في الوقت نفسه ، وترتب على قيام هذه المشاريع إنشاء ورش لصيانة طلمبات الري ، ولخراطة قطع الغيار شملت مهندسين وعمال مهرة ( فنيين ) وعمال .
_ مشاريع القطن الخاصة :
إضافة لمشاريع الحكومة كانت هناك مشاريع دائرة المهدى في الجزيرة أبا ، القندال ، الهدى ، القطينة ، الطويلة ، والحديب ، والشوال ، الرياض ، الكنوز ، قلى ، ابوهنده ، الجملاب ، والفقيراب ... الخ .
ويذكر محمد عمر بشير انه في العام 1933 م كانت المساحة المعدة للزراعة في الجزيرة أبا ومديريات الفونج والنيل الأبيض وكسلا 13.000 فدان وكان دخل السيدعبدالرحمن يتراوح ما بين 15.000 إلى 40.000 جنيه في العام الواحد وبلغ نفوذ القوى العاملة بمشروع الجزيرة أبا 4500 شخص تقريبا ، وهذا الوضع بالطبع جعل من السيد عبد الرحمن رجلا ثريا وذا نفوذ سياسي بالغ الأثر . ( محمد عمر بشير : تاريخ الحركة الوطنية في السودان ، ص 159 ) .
بالإضافة لدائرة المهدى كانت هناك مشاريع خاصة يعمل بها عمال زراعيون مثل : مشروع محمد البربرى لزراعة القطن في الزيداب ، مشروع عزيز كافوري في شمال وشرق الخرطوم بحري ، السيد على الميرغنى الذي بالإضافة لاراضيه في الشمالية وكسلا منحته الحكومة مشروعين : الأول في العالياب بالمديرية الشمالية والثاني في الخليلة وقد نقل مجال عمل المشروع الأخير إلى الخرطوم بحري إلى جوار مزرعة كافوري ( د . زكى البحيري : ص 110 _ 111 ) . هذا إضافة للمشاريع الأخرى التي منحتها الحكومة للشريف يوسف الهندي وكبار الشيوخ والتجار والرأسماليين من الأجانب والمحليين .
مشاريع الزراعة الآلية :
خلال الحرب العالمية الثانية كانت البلاد تعانى من نقص كبير في المخزون من الحبوب ، وكان من الصعوبة تغطية هذا النقص عن طريق الاستيراد نتيجة لظروف الحرب وكان لابد من اتخاذ الخطوات الضرورية لتشجيع انتاج الحبوب ، وبدأت مشاريع الزراعة الآلية في منطقة القدمبليه شرق مدينة القضارف ، وبدأت هذه العملية في البداية في قطاع الدولة ثم انتقلت في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي إلى القطاع الخاص .
ما يهمنا هنا إن العملية واكبتها تطور في عدد العمال الزراعيين سائقي التراكتورات والجرارات وفنيي الصيانة ، إضافة لعمال الزراعة من بدايتها وحتى نهايتها . ويقدر د .سعد الدين فوزي إن حجم المساحة الزراعية التي دخلت المشاريع الزراعية الخاصة موسم 1957 م حوالي 400.000 فدان ( فوزي : جوانب من الاقتصاد السوداني ، ص 42_47 ) ، كما يقدر د . زكى البحيري متوسط الجرارات الزراعية المستخدمة في الزراعة في السودان في الفترة 1952 – 1956 م بحوالي 215 جرارا و8 آلاف آلة للحصاد ( بحيرى ، ص 123 ) .
المشاريع الزراعية التعاونية :
هناك أيضا مشاريع الزراعة التعاونية التي قامت في منطقة النيل الأزرق وشندى وشمال الخرطوم وفى المديرية الشمالية . صدر قانون التعاون في سبتمبر 1948 م وبلغ عدد الجمعيات التعاونية عام 1952 م ما يقرب من 233 جمعية أكثرها زراعي تقوم على زراعة القطن والمحاصيل الغذائية ، كما قامت الجمعيات التعاونية للزراعة الآلية ( محمد احمد داؤد : الحركة التعاونية السودانية ، 1991 ، ص 34 – 36 ) . وهذه المشاريع الزراعية ارتبط بها عمال زراعيون وعمال و فنيون لصيانة وتشغيل الطلمبات التي كانت تعمل بها هذه المشاريع .
مشاريع الإعاشة :
وهى التي نشأت بعد قيام خزان جبل الأولياء عام 1936 م وذلك كتعويض لأهالي المنطقة عما أصابهم من ضرر وقامت الحكومة المصرية بدفع 750.000 جنيها مصريا كتعويض للمزارعين الذين فقدوا أراضيهم الزراعية بسبب إنشاء الخزان ( تيم نبلوك ، ص 35 ) .
وارتبط بقيام الخزان عمال وفنيون ومهندسون وعمال زراعيون في المشاريع التي قامت ، وكان اكبر هذه المشاريع هو مشروع عبد الماجد الذي كانت مساحته 38.000 فدان في عام 1944 م وكان يروى من قنوات مشروع الجزيرة .
مشروعا القاش وطوكر لزراعة القطن :
قام هذان المشروعان على دلتا نهر القاش وطوكر لزراعة القطن وكان بهما عمال زراعيون من أبناء المنطقة ، ولكن اغلبهم كانوا من مهاجرى نيجريا وأفريقيا الاستوائية كما كانت توجد محالج للقطن في طوكر وبور تسودان .
وبلغ عدد العمال الزراعيين عام 1947 م في القاش حوالي 12 ألف ، وكان عددهم يصل إلى 20.000 وقت الحصاد . هذا إضافة للعمال الذين كانوا يحضرون من المديرية الشمالية وسنكات ليعملوا في نقل وتعبئة وشحن القطن إلى بور تسودان أو طوكر وقد بلغ عددهم في طوكر حوالي خمسمائة عامل ( صوت السودان 26 – 5 – 1947 م )
مشاريع جبال النوبة وكردفان لزراعة القطن :
قامت هذه المشاريع على أساس الزراعة المطرية ، وبلغت المساحة المزروعة قطنا موسم 54 / 1955 حوالي 252.000 ، وكان بهذه المشاريع عمال زراعيين ( بحيرى ، ص 164 ) .
مشروع الزاندى :
كان يهدف المشروع إلى تنمية المنطقة الجنوبية الغربية للسودان التي كانت تسكنها قبيلة الزاندى ، والتي كانت تحترف الزراعة كحرفة رئيسية . لم يكن المشروع قاصرا على عملية انتاج القطن فقط إنما ارتبط به قيام مشروعات صناعية تقوم على حلج القطن وغزله ونسجه وتسويقه وعصر البذرة لاستخراج الزيوت ، وكذلك إقامة صناعات تعتمد على زراعة محاصيل أخري كالسمسم وقصب السكر ، كما قام مصنع للنسيج في انزارا ، وتوقف المشروع بسبب تدهور الوضع الأمني في المنطقة بعد تمرد 1955 م ( للمزيد من التفاصيل راجع : تيم نبلوك ، مرجع سابق ) .
ثانيا : قطاع الخدمات :
_ السكك الحديدية : بقيام السكك الحديدية قامت ورش للصيانة والخدمات وتركزت الورش الأساسية للسكة حديد في عطبرة ، كما أدى قيام السكك الحديدية ألي تكوين طبقة عاملة ذات خبرات فنية جديدة كما شجعت عاى تطوير التعليم ألفني ، هذا وقد بلغ مجموع العاملين في السكة الحديد والنقل النهري في العام 1953 م : 25.263 ( سعد الدين فوزي : الحركة العمالية في السودان ) .
_ ميناء بور تسودان : بقيام الميناء في عام 1909 م ، تطورت مدينة بورتسودان ، وقامت بها ورش للصيانة ونشأت واتسعت فئة عمال الشحن والتفريغ .
_ الطرق البرية : إضافة للسكك الحديدية كانت هناك حاجة لشق الطرق وتعبيدها لخدمة أغراض الإدارة لكي تتصل بالأجزاء النائية بالمدن والقرى ولكي تيسر مهام الإدارة . وترتب على ذلك قيام عمال لتشييد الطرق والكباري ، كما ترتب على ذلك أيضا ظهور سائقين وفنيين لصيانة هذه اللوارى والشاحنات وانتشرت فئات العمال و الميكانيكيين في المدن للقيام بتلك الأعمال . وكان من نتائج ذلك أن بدأت الصناعة البترولية في السودان بصورة تجارية في عام 1928 م بواسطة شركة شل الهولندية البريطانية وذلك باستيراد وتوزيع المنتجات البترولية الرئيسية وزيوت التزييت والشحوم وقد شملت المنتجات الرئيسية بنزين السيارات وكيروسين الإضاءة والجاز اويل والديزل والفيرنس ( أمين عبد الرحيم اوشى : قطاع البترول : تاريخ ورؤيا مستقبلية ، مخطوط غير منشور ، ص 6 )
_ النقل النهري : تطورت وتوسعت مصلحة النقل النهري ، وقامت معها ورشها التي تركزت في الوابورات بالخرطوم بحري وكوستى وكريمة ، ونشأت فئات من عمال الصيانة للبواخر
_ الخطوط الجوبة : في عام 1950 م أنشئت مصلحة الطيران المدني ، وبالتالي نشأت معها ورشها التي ضمت عمالا وفنيين ومهندسين .
_ شركة النور والطاقة السودانية : في عام 1928 م أنشئت شركة النور والطاقة السودانية ، وقامت معها ورشها التي ضمت عمالا ومهندسين وفنيين ، إضافة لعمال وسائقي الترام الذي كان تابعا لشركة النور ، والواقع إن شركة مواصلات العاصمة كانت قد أنشئت منذ عام 1924 م ، وبعدها أصبحت تتبع لشركة النور والكهرباء .
تطور التعليم الفني والصناعي : اتجهت الإدارة البريطانية للتعليم الحديث ، وكان هدفها الأساسي منه إيجاد موظفين وعمال مهرة يساعدونها على ملئ الوظائف الصغرى في دواوين الحكومة . ما يعمنا فى هذا المقام هو تطور التعليم الفني والصناعي لما له من ارتباط بتخريج الفنيين والعمال المهرة الذين شكلوا العمود الفقري لتطور حركة الطبقة العاملة فيما بعد . وفى عام 1901 م تم تأسيس مدرسة ام درمان الصناعية ، وفى عام 1924 م تم إنشاء المدرسة الصناعية في عطبرة ، كما قامت مدارس صناعية أخرى في الحصاحيصا وجبيت وغيرهما . وفى عام 1903 م بعد اكتمال مباني كلية غردون تم إنشاء ورشه للكلية فيها مركز جديد للتدريب .
ولكن ظلت قاعدة التعليم الفني محدودة ، ذلك نتيجة لخطة مدروسة من الإدارة البريطانية التى تجاهلت تطوير وتشجيع التعليم الفني وحصرته في حدود احتياجاتها المباشرة لفنيين وعمال مهرة .
_ الخدمات الصحية : في عام 1900 م شيدت مستشفيات في أمد رمان والخرطوم وبربر ودنقلا ، كما تأسس قسم طبي مدني مستقل عام 1904 م ، وفى الوقت نفسه أسست معامل أبحاث ويلكوم كهبة من السير هنري ويلكوم ومن ثم ألحقت بكلية غردون .
ما يهمنا هنا انه مع تطور الخدمات الصحية نشأت فئات جديدة من المهنيين والعاملين في الحقل الصحي : أطباء ، مساعدين طبيين ، ممرضين ، قابلات ، فنيي معامل ، وعمال صحة الخ .
_ مصلحة الغابات : اهتمت الحكومة بالغابات ، وانشات مدرسة ملاحظي الغابات بالخرطوم ، كما أنشأت مدرسة لتدريب عمال المناشير في المديرية الاستوائية ، وقامت بتطوير صناعة الخشب ، وبالتالي ظهرت فئة عمال المناشير .
_ قوة دفاع السودان : في عام 1925 م قامت قوة دفاع السودان ، ما يهمنا هنا انه في داخل أفرع قوة دفاع السودان كانت هناك ورش لصيانة الأسلحة والعربات والطائرات وأقسام للأشغال العسكرية والهندسة وأسلحة متخصصة يعمل فيها فنيون وعمال ، وعندما يترك هؤلاء الخدمة ينضم بعضهم إلى صفوف الطبقة العاملة .
_ مصلحة النقل الميكانيكي والمخازن والمهمات : قامت مصلحة النقل الميكانيكي لصيانة العربات الحكومية ، وقامت ورشها التى استوعبت أعدادا من الفنيين والعمال في أقسام الميكانيكا والكهرباء المختلفة ، كما كانت مصلحة المخازن والمهمات تمد الوزارات والمصالح الحكومية بالأدوات المختلفة التى تقوم بتصنيعها من أدوات مكتبية وملابس ، وكان بها عمال ونجارون ونقاشون وترزية .. الخ .
_ عمال المطابع : مع تطور الصحافة تبعها توسع المطابع مما أدى إلى تطور العاملين والفنيين في مجال الطباعة في القطاعين الحكومي والخاص .
ثالثا : القطاع الصناعي :
ا لسمة الغالبة على التطور الصناعي خلال الفترة تحت الدراسة ، انه كان هناك عدد قليل من الصناعات الكبيرة ، وكانت الغالبية هي عبارة عن صناعات صغيرة ، وهذا راجع إلى أن الاتجاه كان نحو الصناعات الخفيفة . وكانت المجالات الرئيسية للاستثمار الصناعي تتمثل في تكرير : صناعة حلج القطن ، الزيوت ، الصابون ، الألبان ، حفظ وتعليب اللحوم ( مصنع كوستى 1952 ) ، دباغة الجلود ، العصير والفواكه ، السكر ، ملح الطعام ، المياه المعدنية ، البيرة ، الثلج ، النسيج ، صباغة المنسوجات ، التعدين ، الأسمنت ، الطوب ، الزرار ير ، مطاحن الدقيق ، الحلويات ، الطباعة ، الورش الهندسية ، ورش النجارة ، الصفيح ، ... الخ .
كانت المميزات الرئيسية لقطاع الصناعات تتمثل في صغر حجمه الكلى وصغر وحداته الإنتاجية الفردية والتي يعكسها لنا نمط الاستخدام داخل القطاع . ففي عام 55 / 1956 م كانت الصناعات تستخدم حوالي 9.500 من القوى العاملة و90 % من هذه القوى كانوا يعملون في وحدات تستخدم اقل من عشرة أفراد . ( تيم نبلوك ، ص 52 ) . وهكذا بدأت تظهر صناعات حديثه خفيفة ، تم استخدام الآلات وأدوات الإنتاج الحديثة ، كما بدأ ينشأ جنين طبقة عاملة صناعية تعمل في تلك الصناعات ، وتتعرض للاستغلال الرأسمالي وتستحوذ الشركات ألا جنبيه أو الرأسماليون المحليون على فائض القيمة أو العمل المضاف الذي شكل مصدر أرباحهم الحقيقة إضافة للأرباح الأخرى ، كما كانت الشركات ألا جنبيه مثل الشركات أو فروع الشركات التى كانت تشرف على صناعة البيرة والأسمنت تصدر فوائض تلك الأرباح للخارج ، إضافة لتهربها من الضرائب والإعفاءات والتسهيلات الجمركية إلى كانت تحصل عليها .
بالإضافة للصناعات الحديثة ، كانت هناك صناعات محليه أهمها : الاحذيه ، البلح في المنطقة الشمالية ، الخبز ، الخميرة ، الفخار ، صناعة العنا قريب والقفف والابراش .. الخ
فترة الحرب العالمية الثانية : 1939 – 1945 م :
آدت ظروف الحرب العالمية الثانية إلي قيام صناعات محليه بسبب نقص الاستيراد الخارجي مثل : صناعة الزجاج ، كما أدت ظروف الحرب إلى توسع حجم القوى العاملة ، وذلك نتيجة للمساهمة التى قدمها السودان للحلفاء في الشرق الأوسط ( في مجال التسهيلات ومجال المساهمة المباشرة في العمليات الحربية ) ، وهذا أدى ألي توسع في الصناعات الصغيرة أثناء فترة الحرب وبسبب الحاجة لانتاج المعدات الحربية لجيوش الحلفاء وانتاج السلع الاستهلاكية التى لم يكن من الممكن استيرادها في تلك الظروف ( للمزيد من التفاصيل راجع هند رسون : السودان الإنجليزي المصري ، تيم نبلوك مرجع سابق ، عبد الخالق محجوب : لمحات من تاريخ الحزب الشيوعي السوداني )
رغم أن السودان كان لايملك المصانع ولا العمالة المدربة ، الاانه نجح في إنتاج المعدات العسكرية الصغيرة في ورش المخازن والمهمات والسكة حديد والأشغال .
لقد كان للتوسع الكبير الذي شهدته قوة دفاع السودان خلال فترة الحرب وتسريح إعداد كبيرة من الجنود بعد انتهاء الحرب تأثيرات هامة وإيجابية في مجال تنمية اهتمامات جديدة وسط سكان المدن ، فقد ارتفع عدد الجنود من 4.500 عام 1939 م إلى 30.000 عام 1944 م ( تيم نبلوك ، المرجع السابق ، ص 117 ) . ومن المهم أن نشير هنا إلى أن بعض العمال الذين تقدموا نشاط الحركة النقابية العمالية في الأربعينيات من القرن الماضي ، كانوا من الجنود المسرحين من قوة دفاع السودان ، وخاصة الذين تحصلوا على تدريب في المجالات الفنية . يقول السير جيمس روبرتسون في مؤلفه فترة الانتقال ( كانت مرتبات الجنود تعتبر عالية بالمقارنة مع مستوى الدخول في السودان ، والعديدون منهم قاموا بالعمل في الشرق الأوسط ، سيريلانكا ، إريتريا ، وطرابلس الغرب . وعندما كانوا مع القوات البريطانية كانوا يتمتعون بشروط حياة أرقى بكثير من شروط حياتهم العادية بالإضافة إلى ذلك فقد قام بعضهم بزيارة مصر وتعلم أساليب حياة جديدة لم تكن معروفة ، ونجح عدد من العمال حوالي 2 __ 3 ألف عامل على الأقل في التدريب على قيادة السيارات ، الحدادة ، التلغراف ، وغير ذلك من المهن الجديدة ، وكنا نتساءل كيف يعود هؤلاء مرة أخرى إلى أساليب حياتهم التقليدية ؟ ) .
أما بالنسبة لحالة العمال المعيشية خلال فترة الحرب فقد كانت في قمة التدهور نتيجة لارتفاع معدلات التضخم أثناء سنوات الحرب وارتفاع تكاليف المعيشة والأسعار ، ففي عام 1946 م ظلت أجور عمال السكة حديد مثلا كما هي دون تغيير يذكر منذ 1935 م ، وكانت تتراوح ما بين 105 __ 200 قرشا مصريا في الشهر . ( تقرير الحاكم العام : 1939 __ 1941 م )
رابعا : تطور التشريعات العمالية :
نلاحظ مما سبق تطور العمل المأجور ، وظهور عاملين بأجر مع مشاريع الإدارة الاستعمارية في الخدمات والصناعة والتعليم والصحة ... الخ .
وفى تقرير أعده كر ومر عام 1900 م أشار إلى أهمية صرف بعض الأموال في المشاريع التي تقدم البلاد وتساعد فى تنميتها (تقرير الحاكـم العام : 1939 _ 1941 م) .
وفى تقرير الحاكم العام لسنة 1903 م يقول ( إن المواطنين في السودان يكادون يجمعون على أن أهل السودان ليسوا أهل الكد والعمل ) ويواصل التقرير ويقول ( ولكن لا غرابة في كراهية السودانيين للعمل إذ أن حاجتهم بسيطة وقليلة ، فانهم لا يحتاجون إلى ثياب للملبس ولا بيوت للسكن ولا وقود يذكر للطبخ ، ولا تعلموا ولا تثقفوا حتى يطمعوا بتحسين حالته)، أما المستر (بنفل) فشكك في هذا الزعم حيث اكد أن المواطنين السودانيين (متى عرفوا من يعاملهم وينقدهم الدراهم التي توفر لهم ما يريدون ويعاملهم بالعدل والحسنى جاءوه أفواجا ).كما أشار المستر(بنفل) للسبب الرئيسي لضعف الإنتاج وهو الغبن الواقع على العامل وعلى الوطن ككل للاستعمار وسياسته الاستعمارية) .
ثم تأكد ضعف زعم قلة قدرة العامل على العطاء بما جاء في تقرير الحاكم العام ( ثم تبين إن قليلين من عرب البدو استخدموا في التعدين فجاء عملهم على ما يرام ) يواصل ويقول ( ثم أكد هؤلاء البدو قدرتهم وحرصهم على العمل حينما اقر سلاطين استخدامهم في بناء السكة حديد .. فقال عنهم الكولونيل مكولى : انهم اثبت على العمل مما كنت أظن . ويواصل مكولى ويقول : وهم يطلبون العمل فلا يخلو محل واحد حتى يطلبه ثلة منهم ولم يبد منهم ما يوجع الرأس ويشغل البال . ( تقرير الحاكم العام 1903 م )
وكانت أوضاع العاملين سيئة في بداية القرن العشرين ، كما كانت أجورهم ضعيفة ، وبالتالي قامت إضرابات واحتجاجات تطالب بزيادة الأجور وتحسين أحوال العاملين ، وكان من نتائج احتجاجات العاملين وتطور العمل والعاملين ، أن تطورت ونشأت التشريعات العمالية على النحو التالي :
• في عام 1904 م انشئي مكتب مركزي للعمل بالخرطوم وله عدة فروع بالمديريات لكي يعمل على توفير العمال وتطوير العمالة إلى الحد المطلوب .
• وفى عام 1908 م صدر قانون لتعويضات العمال ، والغرض منه هو إيراد نصوص افضل لتعويضات العاملين في حالة الإصابة التىتلحق بالعامل أثناء تأدية خدمته أو أدائه لاعماله بموجب عقد . ( محمد عمر بشير : تاريخ الحركة الوطنية في السودان ، ص 41 ) .
• وفى عام 1921 م تم تكوين لجنة العمل واستمرت دون نشاط يذكر حتى عام 1936 ، وفى الفترة اللاحقة الممتدة حتى عام 1945 م كان نشاطها نادرا ودون حكم مسبق ، وكان من المفترض أنس تقوم لجنة العمل المذكورة بتقديم الاستشارة اللازمة في شئون العمل للإدارة الاستعمارية الحاكمة والقيام بالمشاركة في المفاوضات بين الإدارة وأي طرف آخر ، بالإضافة إلي تقديم الاستشارة في قضايا العمل والأجور لحكام المديريات وقوة دفاع السودان ( د . حسن احمد الجاك : الحركة النقابية والتطور السياسي في السودان ، مجلة الثقافة الوطنية ، عدد يناير 89 ، ص 50 ) .
• وفى عام 1924 صدر قانون محاسبة العاملين .
• في عام 1904 م صدر أول قانون للمعاشات وفوائد ما بعد الخدمة ، ثم صدر قانون معاشات 1919 م ، وكان قانون 1904 ، 1919 يشمل السودانيين والأجانب .
وفى عام 1922 م أصدرت الحكومة هيكل مرتبات هدلستون ، وفى عام 1935 م تم هذا الهيكل وصدر هيكل جديد للمرتبات استمر حتى عام 1948 م .
كانت الطبقة العاملة السودانية محرومة من حق التنظيم النقابي ومحرومة من حق الإضراب حتى عام 1948 م حينما انتزع عمال السكة حديد الاعتراف بهيئة شئون العمال . وهذا الحرمان نجد التعبير عنه في صدور قانون الجمعيات غير المشروعة لسنة 1924 م من الإدارة البريطانية ، الذي كان ينص على عقوبة صارمة على كل من يشارك في إنشاء مثل تلك الجمعيات وكانت العقوبات تشمل ( السجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات للأعضاء ) ويسترسل القانون ( أي شخص يدير أو يساعد في إدارة أي جمعية غير قانونية أو تنظيم اجتماع لأي جمعية غير مشروعة يعاقب بالسجن لمدة تصل إلي سبع سنوات ) ( جمهورية السودان: قوانين السودان 1901 __ 1925 م ، النائب العام ، الخرطوم 1975 م ) . وهذا القانون رغم انه عام ويشمل الأحزاب السياسية إلا انه بالطبع يشمل أيضا التنظيم النقابي ويحرم الإضراب ، وبقياب التنظيم النقابي وتحريم حق الإضراب تعرضت الطبقة العاملة لاستغلال بشع من الشركات الأجنبية والرأسماليين الأجانب والمحليين في الصناعة والزراعة . هذا فضلا عن أن هذا القانون شكل عقبة كبيرة في تطور وعى الطبقة العاملة السياسي والنقابي وعقبة في طريق تكوين تنظيمها النقابي .
خامسا : ملاحظات على التطور الصناعي وتطور الطبقة العاملة :
حتى لا نبالغ في التطور الصناعي ، وبالتالي في تطور الطبقة العاملة خلال الفترة تحت الدراسة نضع الحقائق آلاتية في الاعتبار :
أ _ كان القطاع الصناعي ضعيفا ، وعلى سبيل المثال في عام 1956 م كانت الصناعة تساهم بأقل من 1 % من إجمالي الناتج المحلى وتستخدم حوالي 3 % من عموم القوى العاملة في البلاد ، والواقع كما يشير تيم نبلوك : إن مساهمة الصناعة الحديثة في إجمالي الناتج المحلى كانت اقل من ثلث مساهمة الصناعة الحرفية التقليدية مثل : صناعة الحصائر ، الحبال ، النجارة ، الغزل ، النسيج ، الملابس ، الطواقي ، الأواني ، المريسة ، الجلود ، الأحذية ، الجلادة ، التنباك ، منتجات العاج ، أشغال الذهب . ( تيم نبلوك : ص 54 ) .
وكان نصيب القطاع الصناعي لا يزيد نصيبه من مجمل الإنتاج الأهلي عن 9 % يقابل هذا تفوق في ثقل الإنتاج الحرفي بالأدوات القديمة والذي كان يمثل 3 % من مجمل الإنتاج ، وكان نصيب الصناعة بالأرقام من إجمالي الإنتاج الأهلي مطلع الاستقلال لا يتعدى مليونين و762 ألفا من الجنيهات مقابل 9,9 ملايين للقطاع الحرفي ، وكان نصيبها بين القوى العاملة 12.257 عاملا ، وهذا لا يتعدى 5 % من مجمـوع المستخدميـن من الرجـال . ( الماركسية وقضايا الثورة السودانية ، طبعة دار الوسيلة 1987 ، ص 70 ) .
وكان نصيب العامل من مجموع إنتاج تلك الصناعات لم يكن يتعدى 375 جنيها سنويا ، بل يصل هذا النصيب إلى مستوى مخجل في مطاحن الدقيق إذ لم يتعد 101 جنيها في السنة ، وقد ترك هذا الانحدار أثره على مستوى معيشة جماهير العاملين في الصناعة ، فواجهت انخفاضا مستمرا في الأجور وفقدانا لكل ضمانات العمل وامنه . ( الماركسية .. المرجع السابق ، ص 70 _ 71 ) .
وكان من أسباب تخلف الصناعة هي :
أ _ تركيز الحكومة الإنجليزية على الزراعة ( القطن في المقام الأول ) ، واعتبار النشاط الصناعي نوعا من الترف إضافة لأضراره الاجتماعية عليها .
ب _ لم يخضع الاستثمار الصناعي لمحاولة جادة بل إن الحكومة الثنائية خلقت من العقبات أمام تطور الصناعة .
ج _ السياسة التجارية في فترة الحكم الثنائي كانت تسير في اتجاه تسهيل عمليات التبادل بين منتجات السودان الزراعية والسلع الصناعية البريطانية ( وبقدر اقل السلع المصنعة ) ، وفى هذا الخصوص كانت الضرائب الجمركية متدنية تماما ، كما هو الحال في البلدان المستعمرة الأخرى ، ولم ترفع نسبتها الابعد الحرب العالمية الثانية ، ومع ذلك ظلت متدنية ، فقد كانت النسبة العامة لرسوم الواردات حتى عام 1950 م في حدود ال15 % فقط بجانب نسب أعلى أخري للمشروبات الكحولية ، التبغ ، الحرير ، والملابس الصناعية . ( تيم نبلوك : ص 54 ) ، وفى الوقت نفسه كانت السلع المستوردة من مصر عن طريق ميناء وادي حلفا معفاة في معظم الأحيان ، لذلك لم تكن الصناعة المحلية تتمتع بأي نوع من الحماية الجمركية ، ولذلك تعرضت الصناعة المحلية الجديدة لمنافسة جديدة شديدة من السلع المستوردة . وهى منافسة غير متكافئة بحكم التفاوت الكبير بين الصناعات الكبيرة الحجم والصناعات المحلية الصغيرة الحجم ، وهذا ما جعل من الاستثمار الصناعي مغامرة لا تستحق حتى مجرد المحاولة . ( تيم نبلوك ، ص 54 ) .
رغم التقدم الملموس الذي تم في مجالات الزراعة المروية ، الزراعة الآلية ، المواصلات والتوزيع ، البناء والتشييد ، وفى مجالات حديثة أخري ورغم توسع الخدمات الحكومية ونمو المدن التي شهدت نموا متزايدا في أعداد الحرفيين يلبى احتياجات سكان المدن ، ولكن رغم ذلك ظل الجزء الأكبر من سكان السودان مسجونا في إطار القطاع التقليدي ( المعيشي ) الذي يعتمد على أساليب الزراعة التقليدية وتربية الثروة الحيوانية .. وتوضح الإحصاءات الرسمية إن القطاع الحديث كان يساهم ب 43.6 % من إجمالي الناتج المحلى في عام 55 / 1956 م ، بينما كان يساهم القطاع التقليدي ب 56.4 % ( الدخل القومي في السودان ، مصلحة الإحصاء 1959 م ) . كما أن وجود القطاع الحديث لايعنى بالضرورة أن مستوى السكان المرتبطين به كانت في مستوى معقول ، فالواقع إن العكس هو الصحيح ، وذلك لان أجور العمال غير المهرة في القطاع الحكومي وقطاعات الصناعة والتجارة ومتوسط عائدات المزارعين كانت في معظمها متدنية إلى درجة أنها لاتوفر لاصحابها سوى مستوى معيشة قريب من حد الكفاف .
سادسا : تطور المدن السودانية :
أشرنا سابقا إلى أن من سمات الطبقة العاملة أنها كانت تسكن المدن فما هو التطور الذي حدث في المدن خلال تلك الفترة ؟ .
أدت التطورات الاقتصادية السابقة إلى ازدهار المدن القديمة وقيام مدن جديدة ، وازدادت الهجرة من الريف إلى المدن ، وانتقل العمال إلي مناطق العمل في المدن الكبرى كالعاصمة المثلثة ، مدنى ، بور تسودان وعطبرة وكسلا وكوستى والأبيض والجزيرة أبا والحصاحيصا وكادوقلى والدلنج ... الخ . وانتشرت في تلك المدن ورش السكة حديد ومحالج القطن والمصانع الحديثة والصناعات الحرفية . وبازدياد مستوى الوعي والبحث عن العمل والرغبة في التعليم زادت الهجرة إلى المدن ولكن ضعف الصناعة والتطور الصناعي عموما لم يساعد في تحسين وزن الطبقة العاملة كما ونوعا ، وبالتالي فان الهجرة لم يقابلها طلب زائد على العمالة .
وفى المدن الكبرى تطورت الحياة الاجتماعية والمؤسسات الحديثة ، وظهرت فيها الأندية الرياضية والاجتماعية والثقافية وانتشرت فيها المقاهي ودور اللهو ووسائل النقل الحديثة من بصات وترام ( العاصمة ) ، كما ارتبطت بعض المدن بنشاطات اقتصادية معينة مثل العاصمة المثلثة التي انتشرت فيها التحويلية كالحلج ومعاصر الزيوت والصناعات الأخرى كالصابون والمشروبات الروحية وغيرها .
وارتبطت بور تسودان بعمال الشحن والتفريغ في الميناء كما كان بها أربعة مناطق صناعية ، كان القسم الرئيسي منها يقع في الغرب وبه جراجات وورش ومصانع الثلج والمياه المعدنية والصابون ومعاصر الزيوت ودباغة الجلود ..
أما مدينة عطبرة فقد تركزت فيها ورش السكة الحديد وكان بها مصنع الأسمنت ومصنع الزرار ير ومعمل الألبان ، إضافة للمنطقة الصناعية التي كانت تقع شمال شرق عطبرة والتي انتشرت فيها الجراجات والورش الصغيرة . وكان عمال السكة الحديد فى عطبرة يشكلون قوة عمالية كبيرة ومتجانسة ، وذلك بعكس الحالة العامة لاوضاع عمال المدن الأخرى في البلاد حيث كانت الغالبية تعمل في ورش ومجالات تجارية متعددة ومتنوعة ومع مخدمين متعددين ومتنوعين وتحت شروط خدمة متباينة في شروطها وظروفها .. ويرى هولت ان عمال السكة الحديد وسواهم كانوا يشكلون 90 % من سكان عطبرة في عام 1946 م ( هولت : تاريخ السودان الحديث ، 1961 ) .
أما مدينة الأبيض فقد ازدهرت كمركز لتجارة الصمغ والفول السوداني والسمسم والماشية وخاصة بعد مد السكة الحديد إليها .
وارتبطت مدينة ود مدنى بمشروع الجزيرة وقام حولها وغيرها من المدن داخل المشروع المحالج وعمال الري ، وكذلك مدينة سنار التي ارتبطت بالخزان الذي انشئي عام 1925 م .
وارتبطت مدينة القضارف بالزراعة الآلية وعمال التراكتورات خاصة منذ الحرب العالمية الثانية . كما ارتبطت كوستى والخرطوم بحري بورش وموانـي النقـل النهـري . وبخصوص الأوضاع الاجتماعية وحالة الطبقة العاملة في تلك المدن فقد كانت سيئة ، كان العمال يسكنون في أحياء ( ديوم ) قديمة عبارة عن منازل من الطين أو قطاطى من الطوب أو القش ، وكانت مساحة المنزل من الطين 200 متر مربع ، كما كانت تعوزها المياه والنور والمطابخ ودورات المياه .
وفى بور تسودان كانت المساكن من الخشب ، وفى بعض المدن الأخرى كالقضارف ومدن الجنوب والغرب كانت المنازل تبنى من القش .
أما الغذاء الأساسي فكان عبارة عن الكسرة والملاح وعصيدة الدخن ، والويكة ، واللحم الجاف ( الشرموط ) . وازدادت حالة الطبقة العاملة سوءا خلال الأزمة الاقتصادية العالمية في بداية الثلاثينيات من القرن الماضي ، وبعد تخفيض المرتبات وتسريح آلاف العمال ..
وخلال فترة الحرب العالمية الثانية التي ارتفعت فيها أسعار المواد الضرورية خاصة بعد الحرب ، وارتفعت من 100 عام 1938 م إلى 183.4 في آخر سنة 1946 م ثم إلي 329.3 في آخر سنة 1947 م ، وكانت نسبة الزيادة 230 % عن سنة الأساس 1938 م ( انظر د.زكى البحيرى : المرجع السابق ص 53 _54 ، وتقرير الحاكم العام 1947 م ) .
وكان متوسط دخل الفرد في السودان عام 1956 م 27.4 جنيها مصريا، هذا إضافة للمجاعة التي حدثت عام 1948 م – 1949 م نتيجة لشح الأمطار خلال تلك السنوات والتي انعكس آثارها على العمال وغيرهم من المواطنين .
وكانت منازل العمال مسقوفة بالجريد والبر وش والدوم ( المروق والرصاص ) أو غير مسقوفة ، والمباني من الجالوص تطلى داخليا بالرمل ، ومن الخارج بروث البهائم ( الزبالة ) ، والأثاثات عبارة عن بروش وعناقريب للنوم وبعض الأواني الفخارية وملاعق من الخشب ( إذا وجدت) وبراد لعمل الشاي وبعض الأكواب .
وغالبا ما كانت توجد حول بيوت العمال زرائب للغنم أو برج للحمام أو قفص للدجاج ، بحكم انتقال أعداد كبيرة من هؤلاء من الريف إلى المدينة ، كما كان للعمال ارتباط بأهلهم في الريف ، ويمارس بعضهم الزراعة والرعى في أوقات الإجازات ، أو في فترات جنى المحاصيل .
ومن الأثاثات أيضا كانت شنط الحديد والسحارات وملابس الرجال كانت تتكون من العراقي والجلابية والعمة والمركوب ، أما ملابس المرأة فكانت عبارة عن مركوب وتوب زراق ، وطرحة لغير المتزوجة .
وعموما الأحياء الشعبية كانت ذات شوارع ضيقة وبها محال غير منتظمة (دكاكين ) مسقوفة بالأخشاب ( حوانيت الحرفيين ) .
أما عن الخدمات الصحية فقد كانت أوضاع العمال والشعب السوداني سيئة ومزرية ، وحتى عام 1946 م لم يزد عدد الأطباء في كل السودان عن 94 طبيبا ، وكانت الأمراض المنتشرة هي التهاب السحائي والحمى الشوكية ، وفى عام 1951 م بلغ عدد المصابين بالحمى 57.000 ( د. زكى البحيرى : المرجع السابق ، ص 397 ) . وحتى عام 1956 م لم يكن متوفرا فى السودان سوى 40 مستشفى ، إضافة لبعض العيادات ونقاط الغيار الخارجية . وفى عام 1952 م كان يوجد سرير واحد في المستشفيات لكل 1.100 مواطن ( جاك وديس : جذور الثورة الإفريقية ، القاهرة 1971 م ) .
وإذا قارنا أحياء العمال بالأحياء التي كان يقطنها الإنجليز والأجانب الآخرين ، أن الأحياء الخاصة بهم تتكون من مباني جميلة من الحجر أو الطوب والمباني على النمط الإنجليزي ، واثاثانها راقية ، وبها حدائق غناء وأحواض للسباحة وميادين لسباق الخيل والتنس والجولف ، وبها متاجر واسعة مليئة بالسلع الاستهلاكية من معلبات ومأكولات وغيرها ، وكانت المنازل تتكون من أثاثات فاخرة ، راديو فيلبس ، ثلاجة كهربائية ، سيارة فورد ( كانت هذه السلع الاستهلاكية نادرة خلال تلك الفترة ، ولا يملكها إلا الأثرياء من الأغنياء والتجار ) ، وطقم غرفة نوم وسجاجيد كبيرة ، وقس على ذلك منازل كبار الرأسماليين والتجار الأجانب وكبار التجار والرأسماليين السودانيين ، هذا إضافة لاستمتاع الإنجليز والأجانب لدور لهو ، سينما وبارات خاصة ( كانت البارات تخص الإنجليز فقط ، وكان السودانيون ممنوعين من ارتيادها ) ، ونوادي ليلية للتسلية والترفيه تنتشر فيها المشروبات الكحولية كالخمور والبيرة ، هذا إضافة لنمط الحياة الآخر : السكن في أحياء خاصة والأثاثات المنزلية ألا وربيه والمواصلات الخاصة ، أما بعض أفراد الطبقة الرأسمالية من الأجانب والسودانيين فكانوا يسكنون العمارات والقصور الفاخرة ولهم نوادي وحدائق خاصة ويرتدون احسن أصناف الملابس ومنازلهم بها أثاثات جيدة ويمتلكون السيارات ويسافرون كل عام للخارج .
وكان لكل من ال عبد المنعم وال ابو العلا وال المهدى وال كونت ميخالوس ومعلوف وعزيز كافوري وعثمان صالح وغيرهم قصور واستراحات ومساكن عالية المستوى تجاور بيوت السادة من الأجانب والإداريين والإنجليز ( د. زكى البحيرى : المرجع السابق ، ص 473 ) .
أما بخصوص الفوارق في الأجور ، وكما أشارت وثيقة الماركسية وقضايا الثورة السودانية ، إن نصيب العامل من مجموع الإنتاج الصناعي لم يكن يتعدى 375 جنيها سنويا عشية الاستقلال ، في حين كان مرتب الحاكم العام 5000 جنية فى السنة ( اى اكثر من عشرة أمثال مرتب العامل ) ، ومرتب رئيس قسم الهندسة الميكانيكية فى السكة الحديد 2100 جنيها مصريا في السنة .
وكان إجمالي مرتبات الموظفين الإنجليز في سنة 1949 م 970.000 جنية مصري ، وهذا يمثل متوسط مرتباتهم الإجمالية للسنوات الممتدة من 1939 حتى 1949 م وهو يمثل 20 % من ميزانية 1939 م و16 % من ميزانية 1945 م ، 7 % من ميزانية 1949 م وحوالي 60 % من إجمالي المرتبات ( د . زكى البحيرى : مصدر سابق ، ص 472 ).
وفى المدن والمناطق الأخرى انتشر التعامل النقدي ، وكانت العملة هي الجنية المصري ، وانتشرت الأسواق الكبيرة التي تعرض المواد الغذائية الضرورية : الفواكه ، اللحوم ، الخضر وات ، منتجات الألبان ، وكان أهم هذه المراكز يتمثل في العاصمة المثلثة ( الخرطوم ، أم درمان ، الخرطوم بحري ) التي بلغ عدد سكانها حوالي 81880 نسمة فى عام 1904 م ثم ارتفع إلى 202,381 في عام 1930 م والى 245.360 في تعداد 1956 ( تيم نبلوك : مرجع سابق ، ص 26 ) .
وكان من الطبيعي إن تلعب هذه القوى التي تتحصل على مرتبات نقدية كل شهر دورا هاما في جذب صغار المنتجين في الأرياف إلى نطاق اقتصاديات السوق والتعامل مع المراكز الحضرية مثل : العاصمة المثلثة ، بور تسودان ، عطبرة ، كوستى ، مدنى ، الأبيض وغيرها .
ومع توسع النشاط التجاري وانتشار التعامل النقدي زاد حجم طبقة التجار التي تمكنت من تحقيق أرباح وفوائد كبيرة .
الخلاصة :
حسب ما خطط الاستعمار البريطاني فقد برز السودان خلال الفترة : 1898 _ 1956 كواحد من البلدان الرئيسية المنتجة للقطن إضافة للصادرات الأخرى مثل : الصمغ والجلود والماشية والفول السوداني والسمسم وحب البطيخ .. الخ . وقد أدى تطور المواصلات وقيام الميناء إلي تطور اقتصادي وتجارى ملحوظ ، وكان للقطن نصيب الأسد في صادرات السودان الخارجية بلغ 90% عام 1930 ، كما ازدهر التعليم الأكاديمي والفنى والصناعي ونشأت المدن واتسع التعامل بالنقد ، وارتبط السودان بالسوق الرأسمالي العالمـي .
كل ذلك أدى إلي زيادة الإنتاج المحلى وتوسيع النشاط التجاري الداخلي ، ولكن ذلك التطور كان محدودا ، ولم يخرج عن الإطار الذي رسمه له المستعمر ، وهذا واضح من أن 75% من إجمالي الناتج المحلى في عام 1930 كان يعتمد على القطاع التقليدي ( المعيشي ) ، مما يشير إلى أن الغالبية العظمى من السكان ظلت بعيدة عن تأثيرات النتائج المباشرة وغير المباشرة لنمط التنمية الاقتصادية التي أقامها المستعمر .
لم يكن واردا في تخطيط المستعمر توسيع التعليم الفني والصناعي وتطوير الصناعة في البلاد بل ركز على الزراعة وجعلها حجر الزاوية في الاقتصاد السوداني ، وكان لذلك انعكاسه السلبى على تطور ونمو الطبقة العاملة السودانية من حيث الكم والنوع .
رغم ذلك أدت النهضة المحدودة إلي نشؤ طبقة عاملة من خلال المنشآت التي قامت في الزراعة الحديثة وقطاع الصناعة والخدمات أهمها في مجال السكة الحديد . وأخذت تنمو وتتطور مع تطور الاقتصاد والحياة الاجتماعية والسياسية ، وكان لعمال المدن التأثير الأكبر في الحياة السياسية من العمال الزراعيين .
وحسب إحصاء 55 /1956 كان مقدار وحجم عمال المدن في السودان على النحو التالي :
الحرفيون والميكانيكيون 109.586 ، الخدمات الشخصية 108.182 ، عمال الماكينات
33.648 .
العمال الزراعيين في مشروع الجزيرة كان العـدد عـام 1956 ( 212.168 ) ( المصدر : د .زكى البحيرى ، ص 482 ) .
في القاش وطوكر : كان العدد في نهاية الأربعينيات من القرن الماضي في القاش 20.000 وفى طوكر كان 13.000 ( المرجع السابق )
في جبال النوبة : بلغ عدد العمال الزراعيين في عام 1939 حوالي 1500 .
في مشروعات دائرة المهدى بلغ العدد عام 1941( 16000 ) ( المرجع السابق ) .
هذا إضافة للعمال الزراعيين الذين كانوا يعملون في مشروعات زراعية أخرى كان يحوزها البعض مثل : الدكتور معلوف ، عزيز كافوري ، عثمان صالح ، الهندي ، السيد على الميرغنى والبربرىوغيرهم .
العمال الصناعيين :
عدد عمال الصناعة لم يزد عن 100 ألف في بداية الخمسينيات من القـرن الماضي .
عمال السكة الحديد والنقل النهري : بلغ عددهم عام 1953 ( 25.263 ) ( سعد الدين فوزي : الحركة العمالية في السودان ) .
صغار الكتبة : وهم العاملون في الإدارة والمصالح الحكومية وادارة المديريات والمراكز وصغار موظفي البريد والتلغراف ، وهؤلاء بلغ عددهم حوالي 5.000 عام 1951 .
وقدر عدد الفنيين والعمال في صفوف الخدمة المدنية الحكومية ما بين 50.000 إلى 60.000 . (البروفيسور محمد عمر بشير : التعليم ومشكلة العمالة ، 1980 ، ص 28 ) .
هذا ويلاحظ أن الطبقة العاملة لم تتجاوز ال10% من الأفراد النشطين اقتصاديا في السودان حسب نتائج الإحصاء الأول عام 1956 .


الفصل الثاني

التطور الاجتماعي والثقافي

كان من الطبيعي أن يلازم التطور الذي حدث تطور اجتماعي وثقافي وفكري وسياسي ، وأدي انتشار التعليم الحديث إلى تطور واضح في حياة الناس الفكرية والثقافية والاجتماعية وقيام وعى جديد ، فكل تحول في قوى وعلاقات الإنتاج ( البنية التحتية للمجتمع ) يلازمه تحول في الوعي الاجتماعي ، وتظهر بنية فوقية جديدة تعبر عن هذا التحول ، ولكن هذه العملية معقدة ولاتتم بصورة آلية ، ولا يجوز التبسيط فيها ، فالوعى الاجتماعي الجديد الناتج من الوجود الاجتماعي الجديد يؤدى بدوره إلى التأثير في هذا الوجود نفسه ويعمل على تحويله وتغييره . وقد تستمر بنية فوقية قديمة تعبر عن علاقات قبلية وإقطاعية سابقة ، رغم زوال أساسها المادي والاقتصادي ، وقد تظهر بنية فوقية جديدة تعبر عن واقع جديد في شكله الجنيني داخل التشكيلة الاجتماعية المعينة وتتصارع أو تتعايش مع البنية الفوقية السائدة في هذه التشكيلة حتى تصبح هي السائدة .
فالتحولات الاقتصادية والسياسية التي تمت أدت إلى تفكك المجتمع القبلي ، وقامت المدن والأسواق وظهرت تنظيمات سياسية واجتماعية أرقى من رابطة القبيلة والطريقة الصوفية ، وبدأت الأشكال الجنينية للطبقات تظهر : الطبقة العاملة ، المزارعون على أساس الزراعة الحديثة ، التجار ، الرأسمالية . وحدثت خلخلة في البنية القبلية القديمة ، وازدادت موجة الهجرة من الأرياف إلى المدن ، كما ظهرت الصحافة .
وكل هذه التطورات كان لها الأثر في تطور وعى الطبقة العاملة .
حركة التجديد والنهضة الفكرية :
1 _ على المستوى السياسي :
نتيجة للتطور الاقتصادي والاجتماعي الذي تم ظهرت أساليب جديدة في الكفاح والصراع السياسي ضد المستعمر لم تكن موجودة منذ هزيمة الدولة المهدية وخاصة بعد القضاء على انتفاضات القبائل في جنوب السودان وجبال النوبة ، والانتفاضات الدينية في أواسط وشرق وغرب السودان والتي كانت مستمرة في السنوات الأولى للحكم الثنائي وبعد الحرب العالمية الأولى وحتى عام 1926 حيث تم إخضاع آخر القبائل الجنوبية المتمردة ( التبوسا ) ، وعام 1929 عندما تم قمع المعارضة نهائيا بقمع الليرى في جبال النوبة ، وقبل ذلك كان إخضاع دار فور بهزيمة السلطان على دينار عام 1916 .
من هذه الأشكال والأساليب الجديدة :
_ إنشاء الجمعيات والاتحادات السرية ( جمعية الاتحاد السوداني ، وجمعية اللواء الأبيض )
_ تأسيس الأندية الاجتماعية والرياضية والثقافية مثل : أندية الخريجين واندية العمال ، واندية الجاليات الأجنبية .
_ ظهور وتطور الصحافة .
_ المظاهرات والمنشورات والكتابة في الصحف بأسماء مستعارة .
_ الخطب في المساجد وليالي المولد .
_ انتفاضات وتمرد الضباط والجنود ( تمرد ألا ورطة السودانية 1900، وثورة العسكريين المسلحة في 1924 ) .
_ ثورة 1924 .
_ الجمعيات الأدبية والثقافية التي تكونت بعد هزيمة ثورة 1924 ( جمعية أبى روف وجمعية الفجر ) وهور مجلتا النهضة السودانية والفجر .
_ إضراب طلاب كلية غردون عام 1931 ، وإضرابات العمال . تكوين مؤتمر الخريجين كتنظيم اجتماعي وإصلاحي .
_ظهور الأحزاب السياسية بعد الحرب العالمية الثانية وانفراط عقد مؤتمر الخريجين .
_ انتزاع الطبقة العاملة السودانية لتنظيمها النقابي في السكة حديد عام 1947 ( هيئة شئون العمال )، كما سنرى ونفصل لاحقا ..
دخلت هذه الأساليب الجديدة بتأثير النهضة وظهور أجيال جديدة من المتعلمين والخريجين والقوى الحديثة التي عبرت عن نفسها وعن مطالبها بهده الأشكال الجديدة التي ابتدعتها من خلال تجربتها واحتكاكها بالعالم الخارجي ووصلت المواجهة إلى قمتها في الثورة المسلحة في عام 1924 .
ولاريب في أن تلك الأشكال كان لها الأثر الواضح في نمو وتطور وعى الطبقة العاملة التي لم تكن بمعزل عن هذه التطورات ، إضافة إلى تجربتها الذاتية نفسها المنبثقة من أوضاعها المعيشية السيئة التي كانت تعانى منها خلال فترة الحكم الاستعماري .
2- تعليم ونهضة المرأة :
ظهرت الدعوة لتعليم المرأة ولخروجها للعمل ولتلعب دورها في المجتمع وتحريرها من اسر العلاقات الإقطاعية المتخلفة ، ودار صراع بين المجددين الذين دعرا إلى تعليمها ونهضتها لان البلاد لايمكن أن تنهض وتتقدم بدون تعليمها وبين القوى المحافظة التي قاومت ذلك الاتجاه ودارت المناقشات الحادة حول هذا الموضوع على صفحات مجلة النهضة السودانية ( انظر على سبيل المثال مجلة النهضة السودانية العدد ( 26 ) بتاريخ 27 _ 3 _ 1932 ومقال عرفات محمد عبد الله في العدد الثالث من مجلة النهضة ) ومجلة الفجر ، وقبل ذلك كان بابكر بدري قد بادر وفتح أول مدرسة لتعليم البنات في رفاعة عام 1907 ( بابكر بدري : تاريخ حياتي ، الجزء الثاني ، ص 63 )
ثم بعد ذلك انتشر تعليم المرأة واصبح الآباء تدريجيا يقتنعون بأهمية تعليمها . فخلال الفترة : 1900 – 1920 قامت خمسة مدارس كان بها 146 طالبة ، وفى الفترة : 1920 _ 1927 ارتفعت إلى عشرة مدارس كان بها 694 طالبة ، في عام 1928 تم تأسيس سبعة مدارس أولية للبنات .
وفى عام 1956 بلغ عدد المدارس 1973 ضمت 26581 ( محمد عمر بشير : تطور التعليم ، 1970 ، ص 169 ) ، هذا إضافة للجهود الخاصة وجهود الجمعيات الإرسالية التي ساعدت في تغطية النقص في تعليم البنات . وفى عام 1946 قامت مدرسة أوسطي للبنات فى مدني وأخرى في الأبيض . وفى عام 1949 أنشئت مدرسة أم درمان الثانوية بنات ، وكان قبلها مدرسة ثانوية ( قطاع خاص ) هي مدرسة الاتحاد العليا ، وظلت تمثل المدرسة الحكومية الوحيدة في البلاد حتى عام 1956 وكانت تستوعب 265 طالبة .
أما في مجال التعليم العالي فكانت الفرص محدودة ، ففي عام 1945 فقط التحقت أول بنت سودانية بكلية غردون ، ثم أربع بنات في عام 1946 ، وفى عام 1956 ارتفع العدد إلى حوالي الأربعين ( سجلات جامعة الخرطوم )
ومع ذلك فقد ظل تعليم المرأة محدودا كما رأينا ، وفى مطلع الاستقلال عام 1956 كانت نسبة الأمية وسط النساء 96 % ، هذا إضافة إلى أن المرأة العاملة كان مرتبها يساوى أربعة أخماس مرتب الرجل ، رغم إنها تعمل نفس العمل المتساوي مع الرجل .ولم يكن لها فرص متساوية مع الرجال في مجال التدريب خارج البلاد . وهذا الواقع المزري أدى إلى قيام تنظيم الحركة النسائية في منتصف الأربعينيات من القرن الماضي بتأثير الوعي الذي حدث بعد الحرب العالمية الثانية وقيام الأحزاب السياسية والنقابات والاتحادات الطلابية والعمالية .
وفى عام 1948 قامت جمعية المعلمات التي رفضت مصلحة المعارف الاعتراف بها ، وفى العام نفسه أيضا قامت نقابة الممرضات ، وفى عام 1952 تم إعادة تكوين الاتحاد النسائي وشملت لجنته التنفيذية فاطمة طالب ، د. خالدة زاهر وفاطمة احمد إبراهيم .......الخ . وكانت من أهداف الاتحاد تنمية الوعي السياسي للمرأة ، ومحو الأمية ، والاهتمام بقضايا المرأة العاملة ، وتوسيع تعليم المرأة ، ومحاربة العادات الضارة ..... الخ .
خروج المرأة للعمل : كان التعليم الحديث للمرأة هو المدخل لخروجها إلي العمل ، ونقصد عمل المرأة الحديث بأجر ، لأن المرأة السودانية قبل ذلك كانت عاملة في الزراعة والرعى وصناعة الغزل والنسيج وصناعة الفخار والأدوات المنزلية وغير ذلك حسب التقسيم الاجتماعي للعمل بين الرجال والنساء في القطاع التقليدي . وكانت النافذة الأولى لخروج المرأة السودانية للعمل هي حقل التعليم والحقل الطبي فيما بعد . ونظرا للتوسع في تعليم البنات كانت الحاجة ماسة لمدرسات سودانيات لتعليم البنات . وفى إبريل 1921 تم تأسيس كلية المعلمات التي بدأت بست عشر طالبة في السنة الأولى ، ودار صراع شديد حول هذه القضية في البداية فقد تردد الآباء في أول الأمر في إرسال بناتهم لكلية المعلمات ، إذ كانت فكرة إلحاق الفتاة بخدمة الحكومة وكسب عيشها عن طريق العمل أمورا جديدة في نظرهم بل خشوا من أن يكون في إكمال لتعليمها ضياع فرص الزواج ، كما كان سن الزواج المبكر يمثل صعوبة أخرى ، وكان الأباء يفضلون زواج بناتهن من السماح لهن بمواصلة التعليم ، وحتى في الحالات التي وافق الأباء على التعليم لعقد فترة تدريب المعلمات ، فقد تم ذلك على مضض نظرا لترك بناتهم تحت إشراف جنس آخر ودين مختلف . ( التقرير السنوي لمصلحة المعارف 1928 ) ، تم التغلب جزئيا على تلك المشاكل بأن تقرر بأن يسمح للفتاة باصطحاب والدتها أو جدتها للإقامة معها أثناء فترة التدريب ، وان تدفع مكافأة تعادل مرتب شهر بعد الانتهاء من العمل لمدة عام بشرط أن تعمل المدرسة المتمرسة أربع سنوات متوالية بعد تخرجها في الكلية ، وهنا أيضا ساعد المثل العملي الذي ضربه بابكر بدري لما وافق على إرسال ابنته واثنين من بنات أخته للالتحاق بكلية المعلمات على إغراء بعض الآباء لكي يحذوا حذوه .
ارتفع عدد طالبات كلية المعلمات من 20 طالبة عام 1922 إلى 28 طالبة عام 1925 ، وبلغ عدد الطالبات 61 في عام 1930 ( المصدر السابق ، ص 170 ) .
هذا إضافة لعمل المرأة في الحقل الطبي حيث بلغ عدد المؤهلات عام 1946 ( 477 ) وعدد الممرضات ( 137 ) ممرضة ( سجلات السودان ، ص 80 ) .
الصحافة السودانية :
لعبت الصحافة دورا بارزا في تطور وعى الشعب السوداني والطبقة العاملة ، وقد شهدت الصحافة تطورا خلال الفترة موضوع الدراسة :
_ في عام 1899 صدرت الغازيتة السودانية ، وفى عام 1903 صدرت جريدة السودان ، كما صدرت مجلة الغرفة التجارية في سنة 1908 والخرطوم سنة 1909 وكشكول المساح سنة 1911 ، ورائد السودان عام 1915 وحضارة السودان عام 1919 ( محجوب محمد صالح : الصحافة السودانية في نصف قرن ، الجزء الأول ، وحسن نجيلة : ملامح من المجتمع السوداني ، الجزء الأول ) ، كما صدرت الجريدة التجارية سنة 1926 لصاحبها سليمان داؤد منديل وتحولت سنة 1931 إلى جريدة ملتقى النهرين التي اندمجت عام 1934 مع حضارة السودان ، كما قامت مجلة النهضة السودانية التي أسسها محمد عباس أبو الريش في أوائل الثلاثينيات وتبعها مجلة الفجر التي أسسها عرفات محمد عبداللة عام 1934 .
وفى عام 1935 تأسست جريدة النيل اليومية التي كانت تعبر عن لسان حال طائفة الأنصار . كما تأسست جريدة أم درمان كجريدة اجتماعية ، وفى عام 1939 تأسست صوت السودان التي عبرت عن طائفة الختمية ، كما تأسست جريدة المؤتمر 1942 التي عبرت عن الخريجين ، وتأسست السودان الجديد عام 1943 التي رأسها أحمد يوسف هاشم .
وفى عام 1944 صدرت جريدة الأمة لسان حال حزب الأمة ، كما صدرت السودان التي اشرف عليها على البرير ، وفى عام 1945 صدرت الرأي العام ، وفى عام 1945 صدرت أمد رمان التي كانت تعبر عن الاتجاهات الشيوعية والوطنية في مصر وكان رئيس تحريرها محمد أمين حسين ، وفى عام 1947 صدرت السودان الجديد والأخبار والرائد والتلغراف ، وفى عام 1948 صدرت الأديب واللواء والجهاد ، وفى عام 1949 صدرت المستقبل والجزيرة ، وفى عام 1950 صدرت الصراحة والأحرار وصدى الجنوب ، وفى عام 1951 صدرت الشعب والحقيقة ، السودان في أسبوع ، الهدف وأخبار الأسبوع .
وفى عام 1952 صدرت وادي النيل التي رأس تحريرها محمد نورا لدين ، وفى عام 1953 صدرت الأيام وإفريقيا ،والطليعة ( لسان حال اتحاد العمال ) ، الأخبار اليومية ( إنجليزية ) والاتحاد ، والسودان الحديث ..، وفى عام 1954 صررت الميدان لسان ( لسان حال الجبهة المعادية للاستعمار) ، والشروق والعلم ، وفى عام 1955 صدرت الاستقلال وصوت المرأة والمنار والصباح الجديد ، والفجر الجديد .
التجديد في العمل الصحفي :
أشرنا سابقا إلى أن تطور الصحافة في البلاد نتيجة النهضة الاقتصادية والاجتماعية التي حدثت .وعندما نتحدث عن الصحافة السودانية وروادها المجددين الأوائل لابد أن
أن نذكر حسين شريف وعرفات محمد عبد الله ومحمد احمد المحجوب والتنى ومحمد عباس أبو الريش ... الخ . ويمكن القول أن أسس العمل الصحفي في السودان تم إرساؤها على يد عرفات محمد عبد الله ورفاقه .. من حيث استحداث الأساليب الصحفية الحديثة والمتنوعة التي تشبع أذواق القراء على مختلف ميولهم ومشاربهم واحترام شرف المهنة .. الخ ومن خلال مجلة النهضة والفجر وغيرهما اطلع المتعلمون السودانيون على عوالم ثقافية وفكرية متنوعة وكانتا منبرين هامين لخدمة البلاد في شتى المجالات : التعليم ، الاقتصاد ، الوطنية السودانية ، نهضة المرأة ، التعريف بالمدارس الأدبية والفنية فى العالمين الغربي والعربي _ الإسلامي وكمثال على الأفكار الناضجة عن الصحافة ما جاء في افتتاحية الفجر الصادرة في أول أغسطس 1935 بعنوان (( الصحافة الوطنية )) بمناسبة صدور صحيفة النيل والتي كتبها عرفات محمد عبد الله : تطرقت الافتتاحية إلى الحديث عن الصحافة الوطنية ووظيفتها و أشارت إلى آلاتي :
_ في البداية نرى انه من العبث اقتفاء اثر الصحف العربية والأوربية في صحافتنا وذلك لاختلاف و تباين واقع البلاد ومشاكلها عن تلك البلدان ، بالإضافة إلى عدم وجود ( سياسة )
بمعنى وجود أحزاب وبرلمان ووزارات وانتخابات .... الخ .
_ والصحفي المغامر لن يلبث طويلا حتى يكتشف بعد دروس قاسية أن بضاعته المستوردة لن تجديه فتيلا .. يتعرض المقال للصعاب والعقبات التي تعترض الصحافة في البلاد منها .
1_ قلة السكان وقلة عدد المدن 2 _ الأمية المتفشية 3 _ فقر الأهلية وانخفاض مستوى التعليم 4 _ حداثة العهد بالصحافة وانعدام التعود على المطالعة حتى عند من أصابوا جانبا من التعليم .
كما أن هناك عقبات تواجه الصحفي الذي يريد أن يرضى ضميره وعليه معالجتها بكل حكمة ومنها :
_ ما ينسب للدين والتعصب القبلي والمصالح الشخصية أو مصطلحات الطرق الصوفية والعادات المستحكمة .. الخ .
_ هناك الرقيب الحكومي عن كثب ولابد لك من حكمة ومن من المران لتعرف كيف تقول ما من دون أن تغضب أحدا فقد تكون مقتنعا كل الاقتناع أن م دبجت من نقد كان من باب النقد الإصلاحي الرشيد وليس هدفا في شئ ولكنك قد تطال أرضا محرمة .
_ على الصحفي أن يبث في قرائه روحا جديدة من التسامح واتساع أفق النظر لاعهد لهم بها فيما سبق ..
التجديد الأدبي والفنى :
كانت قد قامت حركة تجديد في الأدب والفن ( شعر ، نثر ، موسيقى ، أغنية ، .... ) وكان من رواد النهضة في هذا المجال على سبيل المثال :
_ حمزة الملك طمبل الذي حمل لواء تجديد الشعر بقوله (( لا يحتاج السودانيون لاكثر من عكس واقعهم وظروفهم وبيئتهم ، دون تقليد أعمي )) ولخص ذلك بعبارته (( يادباء السودان اصدقوا وكفى )) ( حمزة الملك طمبل : ديوان الطبيعة ، 1972 ، ص 86 ) .
_ من رواد التجديد أيضا عرفات محمد عبد الله الذي كانت له نظرة متقدمة وعميقة لمسألة التجديد .
ففي أول عدد لمجلة الفجر الصادر بتاريخ 6/ 6 / 1934 كتب عرفات الافتتاحية بعنوان (( قل هذا سبيلى )) وضح فيها أهداف المجلة ، ورد فيها على بعض الأفكار والتهم التي وجهت للمجلة وهى أنها باسم التجديد تريد أن تطمر القديم من الأدب العربي بخيره وشره يقول (( ليس معنى التجديد الهدم ولا التدمير وان الآداب والفنون لا تستطيع مطلقا أن تهمل القيم أو تتناساه وان التراث العربي الفني الخصيب سيجد من عنايتنا ورعايتنا وبرنا افضل ما تصل إليه طاقاتنا كما إننا نود أن نؤكد لهم إن الآداب الأجنبية لا مندوحة عن قراءتها ودرسها )) .
ويواصل ويقول (( علينا معالجة مشاكلنا الخاصة قبل أن نتصدق على الأغنياء باكاسر الذرة وبطونهم ملآى بشهي الطعام والشراب )) .
_ وفى ميدان تجديد الأدب والنقد والفن لابد أن نذكر محمد احمد المحجوب ، عبد الله عشري الصديق ، ومحمد عشري الصديق ، الأمين على مدني ، التيجانى يوسف بشير ، معاوية محمد نور ، ويوسف مصطفى التنى ......الخ .
وفى عدد الفجر الصادر بتاريخ أغسطس سنة 1935 نجد مقالا بعنوان (( بين الادبين )) ليوسف مصطفى التنى يرد فيه على مقالة سابقة لمحمد حمزة عبد القادر بعنوان (( الأدب المصري والسوداني وخطأ الفصل بينهما )) يوضح المقال النقاط التالية :
• إننا ندعو إلى قراءة كل ما تيسر قراءته من نتاج الفكر البشرى دون قيد من جنس أو وطن أو دين (الجانب السلبي من الثقافة ) ولكننا نقول إن الجانب الإيجابي أي نتاجنا الأدبي يجب أن يكون عليه طابعنا الخاص وشخصيتنا القومية .
• إننا نريد أدباءنا أن يقرءوا أدب مصر وغير مصر حينما يقرءون ، ولكن يجب أن يكونوا سودانيين عندما ينتجون وليس في جعل أدبنا أدبا سودانيا ما يمنعه من أن يكون عربيا إلا إذا أنكرت على السودانيين عربيتهم ، بل أريد أن اذهب حدا ابعد ، فاذكرك بان ليس هناك ما يمنع الأدب القومي من أن يكون أدبا عالميا متى توفر عنصر( الإنسانية ) اللازم .وخذ من قصص الروس ومسرحيات شكسبير واخيرا من كتاب الأيام لطه حسين أدلة مقنعة لمن ألقى السمع وهو شهيد ، وهذا مثال لرفض النقل الأعمى لتجارب واداب الآخرين والإسهام في الآداب العالمية من خلال محليتنا ..
• كما تطورت كتابة القصة التي عكست الهموم والآمال والأحلام والطموحات للفئات الاجتماعية الجديدة الناشئة مع التطورات الاقتصادية ، فدارت القصص حول الحب والزواج والأحوال المالية والأسعار والمغامرات ومحاربة العادات الضارة ( د. عبد المجيد عابدين : ص 333 _345 ، د. مختار عجوبة: القصة الحديثة في السودان )
ويتناول عرفات محمد عبد الله قصص الحب بصورة ناقدة وواقعية ويقول (( إن بلادنا ليس فيها من حوادث ما يتخذ موضوعا لقصة قوية لان الاختلاط بين الجنسين غير ميسور )) ويقول أيضا " إن مجتمعنا السوداني اقل ازدحاما بالعاشقين والمعشوقات ، وذلك لطبيعة بلادنا وعادات أهلنا الموروثة وتقاليد ديننا ، وإذا أخذنا فقد الاتصال فلاسبيل إلي هذا الحب إلا إذا كان حبا صوريا كاذبا لاقوة فيه )) ( د.عبد المجيد عابدين : ص 336 ).
_ وتطور المسرح والمسرحية السودانية منذ عام 1904 من مسرح مدرسي إلى مسرح للمجتمع ، وظهرت مسرحيات في مجلة الفجر مثل زواج المصلحة ومسرحية تاجوج ( نفسه :346 ). كما ظهرت الدعوة لبناء مسرح وطني وقيام فرق للمحترفين وتشجيع التأليف المسرحي ، والدعوة للمسرح لكيما يواكب النهضة الثقافية الجديدة .
- وفي ميدان الأغنية السودانية لابد أن نشير إلى ثورة التجديد فيها والتي قام بها إبراهيم العبادي ، وصالح عبد السيد ( أبو صلاح ) ، وخليل فرح ، ومحمد بشير عتيق ... الخ ، وكان خليل فرح رائدا في هذا المضمار ، كتب الهادي العمرابي عن حالة الشعر الغنائي قبل ظهور الخليل يقول : ً وإنني آسف جدا اذا أقول تمخضت العقول فولدت كلاما ركيكا سخيف ومبتذلا ، ولكنه رغم ركاكته وسخفه وابتذاله فقد وجد طريقه إلى العقول فاستعبدها وإلى الرؤوس فسكنها ً(علي ألمك : ديوان الخليل ص 13 ) . ويكتب إسماعيل العتباني ويقول : ( ولكن شد ما ينقبض له القلب هو أن الغناء عندنا خال من العنصر الإنساني السامي ، عنصر الوطنية والإيمان بالحق والذود عنه لذلك نجد نفوس الجماعة في بياننا خالة من جذوة المثل العليا في بحور المادة وكل ما يصيب شهواتنا وبطونها من متاع ، وجاء خليل فرح ومن معه وجاهدوا لمحو ذلك الإسفاف وتلك الركاكة وذلك الضعف ، وفي الفترة التي قضاها الخليل في مصر أدرك أهمية تطوير الأغنية السودانية استنادا إلي العلم ، والتقي هناك بموسيقي ضرير هو محمود صبحي ودرس علي يديه شيئا من علوم الموسيقي ( على المك : المرجع السابق ، ص 12 ) ، وكان خليل فرح بحق مجددا في الغناء والموسيقي السودانية ( للمزيد من التفاصيل راجع : جمعة جابر : في الموسيقي السودانية ، وراجع أيضا : عبد الوهاب ( أبو رامه ) الأغاني ، الجزء الأول . ) وظهرت أيضا الأفكار الجيدة لتطوير الأغنية والموسيقي السودانية مثل الدعوة إلي الاستماع إلي النقد البناء وعدم الضيق بالنقد ، وضرورة الاعتماد علي العلم في الموسيقي والغناء ( مذكرات خضر حمد ) . ونشير هنا إلي أن بعض رواد التحديث والتجديد في الأغنية السودانية كانوا أنفسهم من القوى الحديثة مثل محمد بشير عتيق ( خريج مدرسة الصناعية بعطبره ) وخليل فرح ( خريج كلية غردون ، قسم الهندسة ) وغيرهما ..
وفي ميدان الفن ظهرت الأفكار التي تدعو إلي إنتاج ثقافي يتكيّف بالوسط الطبيعي والشخصية القومية والتي تتري وعظمة الفنان بمقدار تجاوب نتاجه مع وسطه الطبيعي ونزعات شعبه نحو المستقبل ، وكذلك الأفكار التي تدعو إلي دراسة الفن الإفريقي وتحسينه لتخرج منه فنا محترما قريبا جدا إلي مزاجنا وعيه طابعنا بدلا من التقليد الأعمى لفنون الغرب مثل نزعة المستقبلية ( Futurism ) والتكعيبة ( Cubism ) وتقليد موسيقي الرومبا الغربية التي أصلها إفريقي ( الفجر العدد ، 19 ، أول مايو 1935 ) .
الفكر الاشتراكي :
بذور الفكر الاشتراكي كانت موجودة في السودان قبل الحرب العالمية الثانية ، صحيح أن التنظيمات الاشتراكية مثل الحركة السودانية للتحرر الوطني ( الحزب الشيوعي فيما بعـد ) ، التي تأسست في أغسطس 1946 نشأت بعد الحرب العالمية الثانية ، ولكن كما - ذكرنا – فإن الأفكار الاشتراكية كانت موجودة في السودان قبل الحرب العالمية الثانية ، وتعرّف عليها المتعلمون والخريجون السودانيون من مصادر مختلفة وسنحاول إثبات ذلك من الأمثلة التالية :
- في مجلة النهضة السودانية العدد ( 26 ) ص : 23 – 24 ، نجد قائمة بأسعارها لكتب عصرية حسب ما وصفتها مكتبة النهضة السودانية ، من ضمن هذه الكتب كتاب عن روح الاشتراكية ، ترجمة الأستاذ محمد عادل زعيتر وثمنه 22 قرشا وغالبا ما يكون بعض الخريجين أو المتعلمين السودانيين في الثلاثينيات قد تداولوا هذا الكتاب وتعرفوا ولو علي لمحات من الفكر الاشتراكي .
- في مجلة الفجر العدد ( 1 ) مجلد ( 3 ) الصادر بتاريخ 1 – 3 – 1937 م ، ص 8 – 10 ، نجد دراسة تحت باب دراسات اقتصادية بعنوان ( لمحة عن الاشتراكية ) للكاتب عبد الرءوف فهمي سمارة .
وبعد الحرب العالمية الثانية اتسع دخول الفكر الاشتراكي بمدارسه المختلفة من ماركسية وغيرها ، وتأثرت أقسام من العمال والمثقفين بها .
الفكر الديني المستنير :
من الأشياء التي نلاحظها في كتابات الثلاثينيات من القرن الماضي ظهور الفكر الديني المستنير الذي يتناول الدين في ارتباط مع العلم والمدنية الحديثة ، ويدعوا إلي مواكبة العصر والاجتهاد ونبذ الجمود الذي يكبل ويخنق تطور وإبداع الإنسان . وعلي سبيل المثال ، في مجلة النهضة السودانية العدد ( 27 ) ، نجد مقالا لعرفات محمد عبد الله بعنوان ( تمجيد الخالق )0
ويخلص فيه بعد دراسة مطولة بقوله : ( إنما أردت أن الغي من بعض العقول فكرة خاطئة هي أن تمجيد الخالق معناه الصلاة والصوم والمناسك الأخرى لا أكثر ، فليس أكثر من هذا إمعانا في الضلال ، فالصلاة والصوم والحج مثلا بصفتها أعمالا بدنية مجردة عن كل شعور روحي بالغاية منها وحكمتها لاتمت إلي تمجيد الخالق بصلة ، بل ربما جاءت من باب النفاق أو على الأقل من باب إرهاق البدن بما لاطائل ، ولكن للمناسك جميعها حكمة بالغة تتخلل تفاصيلها وجزيئاتها وشعور النفس بالقنوت وتحقيق الحكمة هو الذي يجعل لتلك الصور والأشكال قيمة حقيقية .
حرية الفكر والمناقشة والنقد :
نالت هذه المواضيع اهتماما من كتاب الثلاثينيات ويتضح ذلك من المقالات التي نشرت في مجلتي الفجر والنهضة ، فنجد مولانا : أبو رنات يكتب بجثا عن حق حرية المناقشة ويتعرض لجذوره في القانون الفرنسي وقوانين بعض البلدان الغربية ، كما نجد مقالا بعنوان حرية الفكر واستقلاله لإسماعيل العتباني في مجلة النهضة السودانية العدد (24 ) صفحة ( 7 ) يدعوا إلي صيانة حرية الفكر وأن يعمل قادة الفكر وكل وطني لتقويتها وتعزيزها .
كما نجد مقالا آخر لرمضان عبد الرحمن عن حرية الفكر في مجلة النهضة السودانية العدد ( 31 ) ص 10 يقول فيه ( إن لكل فرد كامل حريته وهو طلق من كل قيد وشرط في أن يجتمع بمن شاء أني شاء ، وفي أن يبدي آراءه ويجاهر بها علمية كانت أو سياسية أو دينية ، وأن يسطرها في كتب أو يطبعها في نشرات أو يظهرها علي صفحات الجرائد السيارة في مشرق الأرض ومغاربها ، لكن كل ذلك في دائرة القوانين وتحت مسئوليته ) .


الفكر الفلسفي والعلمي :
وفي الفجر العدد ( 2 ) الصادر بتاريخ : 16 –6 – 1934 م ، نجد مقالا فلسفيا لعبد الله عشري الصديق تحت عنوان ( مسائل الكون الكبرى – البداية ) ، ويخلص في نهاية المقال إلي أن ( كل ما توصل إليه الفكر البشرى حتى أيام الفلسفة العربية يتلخص في ثلاث نظريات لشرح أصل الكون وبدايته هي نظرية الخلق ، ونظرية التوليد ، ونظرية الخروج والانبعاث ، وقد وجدت كل من هذه النظريات أنصارها وناشريها ، وأخذت مكانها بين أخواتها كأخر حل يمكن الوصول إليه لهذه المسألة الغامضة ) . وفي البحث الفلسفي أيضا نشير إلى المقالات التي كتبها معاوية محمد نور بعنوان ( عالم القيم والنظريات ) التي ناقش فيها مذهب الشك الفلسفي ( معاوية محمد نور : مقالات في الأدب والنقد ، دار جامعة الخرطوم للنشر ، المقالات كتب أغلبها معاوية في الصحف المصرية وجمعها رشيد عثمان خالد ) .
كما نجد في العدد ( 20 ) للفجر بتاريخ 16 – 5 – 1935 م تحت باب العلوم سردا تاريخيا لتطور علم النفس وسردا تاريخيا للنفس الإنسانية .
وفي أعداد النهضة السودانية : 29 ، 30 ، 32 ، والصادرة بتاريخ : 20 – 11 – 1932 ، 27 – 11 – 1932 ، 11 – 12 – 1932 على التوالي ، نجد تحت باب أبحاث علمية حلقات عن مذهب النشؤ والارتقاء لداروين ، لعوض حامد جبر الدار ( استند الكاتب إلى بحث إسماعيل مظهر ً ملتقى البيبل ً وكتابات داروين Voyage of Beagle ، كما نشير إلى ترجمة إسماعيل مظهر لكتاب داروين أصل الأنواع . ) ، وقدم الكاتب نظرية داروين المعروفة ، وأوضح حياته وأبحاثه العلمية والميادين التي طرقها ، وكيف توصل إلى قانون البقاء للاصلح ، ونظريته حول الخلق المتسلسل ولبس المستقل .
ويرى الكاتب في النهاية إن الاطلاع على نظرية داروين ضرورية ، وليس على الإنسان الإيمان بها ، بل بمجرد الاطلاع ، بل الإحاطة بها من وجهة تكوين الثقافة العلمية .
تبلور المدرسة التاريخية السودانية :
على صفحات مجلة النهضة والفجر وغيرهما بدأت تتبلور المدرسة السودانية لدراسة التاريخ السوداني والعربي الإسلامي بشكل عام ، فنجد محمد عبد الرحيم الذي كتب نفثات اليراع والمناقشات التي دارت حوله . كما نجد مولانا محمد إبراهيم النور يقدم ويناقش كتاب طبقات ود ضيف الله ، وعلى عبد الرحمن الأمين أيضا يشير الأهمية الكبيرة لكتاب ود ضيف الله كوثيقة تاريخية هامة عن فترة السلطنة الزرقاء . هذا إضافة للدراسة والتناول الناقد للمدارس التاريخية الغربية التي تناولت تاريخ السودان أو التاريخ العربي الإسلامي من مواقع متحيزة أو من جانب واحد . ومن الأمثلة لذلك :
• ما ورد في مجلة الفجر العدد ( 20 ) الصادر بتاريخ : 16 – 5 – 1935 م حول نقد لكتاب ً السودان المصري الإنجليزي ً لهارولد ماكمايكل ، ويشير الناقد إلي أسباب الثورة المهدية ويحددها في الآتي : 1 – الضرائب المرهقة والمكوس علي السكان ، 2 –تذمر رجال العلم والدين من دخل المساوئ المدنية الراحلة إليهم ، 3 – عدم التفاهم بين الحاكم والمحكوم . ويشير الكاتب أن الحكومة ليست في حاجة لنبش الماضي فقد ذهب بخيره وشره ويمكن أن نقدمه ليحكم الناس ويشهد التاريخ . إضافة إلى أن كتابة التاريخ بحث فلسفي لامرافعات محامين ولا خطابات سياسية انتخابية . والمؤرخ لا ينصف إذا نظر للأمور دائما من ناحية واحدة لا ينحرف عنها إلى سواها ، كما هاجم المؤلف عهد الدراويش رغم أن المهدى لم يتحدث عنه غير أعدائه وحديث أنصاره منهم ، أما المنصفون فلم يوجدوا بعد ، وإن وجدوا فليست لهم الفرصة سانحة لهم للكلام ولا لجمع الحقائق ، ومن يدرى لعله يأتي يوم ببعيد يستطيع سوداني منصف أن يكتب عن محمد أحمد المهدى ، وعن خليفته وعهدهم وحسناتهم وسيئاتهم دون أن تقوم عليه قائمة الأنصار ولا الخصوم ، أما اليوم فلم يؤن الأوان .
• كما نجد مكي شبيكة يبلور أفكاره حول التاريخ الإسلامي على صفحات الفجر ، وفي العدد ، 4 ، مجلد ، 1 ، الصادر بتاريخ 16 – 7 – 1934 ، نجد مقالا له تحت باب ( صفحات من التاريخ الإسلامي ) بعنوان ( العلم بين ظلمات السياسة ) ينتقد فيه المؤرخين المحدثين الذين اقتصروا عند بحثهم في التاريخ الإسلامي على عصر الراشدين والعصر الأموي والقرن الأول من العصر العباسي وعودونا أن لانهتم بما تلاها من العصور لأن الحالة السياسية في رأيهم هي المقياس الذي نطبقه علي الأمم ، فالعصور التي تسودها الفوضى السياسية مظلمة في جميع نواحيها وازدهار السياسة دليل التقدم والرقي ، ويشير إلى أن هذه نظرة خاطئة ، وقد أثبت البحث التاريخي أن ما نفاخر به من تقدم وما اكتتبت به الدول الإسلامية للمدنية عامة حدث بعد عصر المأمون الذي يعده أرقي ما وصلت إليه المدنية الإسلامية ، ففي الحقب الأولي للعصر العباسي كان المسلمون يتعرفون علي العلوم ولكن عملية التشرب والإنتاج ظهرت فيما بعد ، والعلماء الذين كان لهم الأثر الأكبر في العلوم المختلفة ظهروا وأنتجوا فيما ندعوه عصر الانحلال السياسي ، ابن سيناء في الفلسفة والطب والغزالي في العلوم الإسلامية ، والبيروني في نقل الثقافة الهندية ، والطبري وابن الأثير في التاريخ وأبو الفرج الأصفهاني في تاريخ الأدب وكثير غيرهم ، ثم يواصل البحث في العدد ( 5 ) مجلد ( 1 ) الصادر بتاريخ أول أغسطس 1934 م .
تطوير التعليم :
نال التعليم اهتماما كبيرا من كتاب الثلاثينيات ، ففي عدد الفجر علي سبيل المثال ، العدد 12 ، بتاريخ 16 – 6 – 1935 ، نجد الافتتاحية بعنوان ( علمونا ) ، والتي تشير إلى الآتـي : -
- حاجة البلاد إلى طبقة عالية من الشباب للنهوض بها ، وحاجة البلاد الي شباب متعلمين ليعرفوا أمور البلاد .
- التقهقر الذي حدث منذ عام 1932 م حيث تم تخفيض عدد طلبة كلية غردون التذكارية ، وتم تعديل المقرر ليخرج النوع المطلوب لدواوين الحكومة نظرا للضائقة الاقتصادية ثم وقف إرسال المختارين من المدرسين إلي جامعة بيروت وبهذا وضع حد لنبع من التعليم العالي الذي كان يتلقاه الوطنيون وإن كان مقصورا علي طبقة خاصة .
- المدرستان الثانويتان اللتان تقومان إلى جانب الكلية ( كلية غردون ) مدرسة كمبوني ومدرسة الأقباط يحكمهما قانون لا يجيز للسوداني أن يكون طالبا في إحداهما ومعلمو المدرستين ليس مستواهم بأحسن من مستوى معلمي كلية غردون التذكارية ، ولكن برامج التدريس فيهما أحسن بكثير ، ومع أنهما ثانويتان فقط ، فإنهما يعدان الطالب للتعليم الجامعي سواء في مصر أو في الخارج .

- يأمل المقال أن يتوفر التعليم العالي ، ويرى أن فتح مدرسة الحقوق ومدرسة الزراعة ومدرسة عليا للهندسة الملكية والميكانيكية أصبحت لا محيد عنها لمستقبل هذه البلاد ، ولقد آن الأوان ليعطي السودان فرصا احسن في حكومة بلاده ، والتعليم العالي هو السبيل الوحيد لتحقيق تلك الفرص .
- يطالب الكاتب في الختام بالآتي : -
1 – زيادة عدد الطلبة في كلية غردون التذكارية .
2 – تحسين المقرر ليؤهل الطلبة للتعليم الجامعي ، وأن يكون في الوقت نفسه كاملا في ذاته كخطوة نهائية .
3 – فتح مدرسة كمبوني والأقباط الثانويتين للسودانيين أسوة بالجاليات الأجنبية .
4 – مواصلة البعثات إلي جامعة بيروت ويجب إن أمكن إلا تكون قاصرة علي المعلمين فقط .
• كما تناقش افتتاحية الفجر العدد ( 3 ) الصادر بتاريخ : 16 – 7 – 1935 م موضوع البطالة وتشير إلي الآتي : -
1 – جرثومة البطالة كامنة في نظام تربيتنا فرجال التعليم عندنا بعد أن مكثوا ربع قرن يجهدون في إنتاج صنف ( الأفندية ) لتأدية الطلب الحاضر في دوائر الحكومة جابهتهم الحقيقة المرة وهي أن بضاعتهم لم يعد لها ذلك الطلب الحاضر ، وها نحن نراهم يعدلون الأساليب والبرامج وسنري ما يكون لذلك من أثر .
2 – التعليم ذلك هو المفتاح الذهبي لهذه المشكلة فلا يجب أن نقنع بمحاولات ضعيفة لا ترتفع عن الأمية المطلقة إلا قليلا وتجارب متقطعة في التعليم الصناعي كما أنه لن يجدي فتيلا أن نقلل من انتشار التعليم خوف ازدياد عدد الشباب العاطلين بل إن التعليم الحقيقي – اعني التعليم العملي – التعليم الشامل وحده هو الكفيل بإخراج جيل مفيد حقا ، جيل من الشباب تفتقت عقولهم واتسعت نظرتهم إلي الحياة وتسلحوا لتلك الحرب الزبون ، حياة هذا العصر ، نريد سودانيين راقين لا أشباه إفرنج .
3 – من أسباب البطالة أيضا عزوف خريجي المدارس الابتدائية عن ممارسة أي ضرب من الأعمال الحرة ، العمل في المتاجر والمقاهي والجزارات .... الخ .
المسائل الوطنية :
في الأعداد ( 19 ) ، ( 20 ) ، ( 21 ) عالجت افتتاحية الفجر قضايا الوطنية السودانية ، نجملها في النقاط التالية : -
• دعوة زعماء الطوائف الدينية والوطنيين والأجانب إلي تقبل النقد الحر الصريح .
• الدعوة للجميع لطلب الحياة الحقة والاعتراف بها لغيرهم .
• أهل السودان مزيج من شعوب عديدة ( السود ، البجة ، النوبة ، العرب ، ... ) ، فإن احتفظت بعض القبائل البدوية وبعض العشائر الجبلية بخصائصها القديمة من لغة وعادات ، فإنها قد خضعت للوحدة السياسية العامة التي عرفت باسم السودان .
• الشباب السوداني لا يحمل حقدا علي نزيل مجد يرضي أن بعمل في وئام وسلام ويتمتع بثمرة جده غير منقوصة .
• السودان بحاجة إلي المال والعلم لتنمية ثرواته واستثمارها في مشاريع مفيدة ، وهذا يجد التشجيع ، والذي لا نستسيغه أن يعتبر السودان مرتعا خصبا لكل أفاق لا أخلاق له ولا أن يكون منفي مناسبا للاثمة أو المجرمين أو حثالة الأمم .
• التمسك بحق الوطني بالأولوية إذا نشأت الفرص في ممارسة الوظائف العامة أو مزاولة بعض المهن وإلا فلنتساوي في ذلك .
• الجيل الجديد بدأ حياته عقب الثورة المهدية ببداية الفتح الإنجليزي – المصري للسودان وكلية غردون هي المعمل الذي كيّف هذا الجيل ، 1 – حاجة دواوين الحكومة 2 – تقلد الحياة الاجتماعية والفكرية في البلاد ، وعلي الجيل الجديد أن يقوم بواجباته إلي أبعد واعمق من تكوين الأسرة والجيل الجديد يطمح لتمييز نفسه سياسيا واجتماعيا وأدبيا ولا يحمل عداءا للهيئة الحاكمة ولا للدخلاء ( أو رجال القبائل والدين ) ، ويجب أن تكون الصراحة والفصاحة هي من صفاته .
• المطالبة بإعطاء الفرص للعناصر الوطنية لكسب الصفات للحكم الذاتي والمكانة الثانية في الدواوين مباشرة بعد كبار الموظفين البريطانيين حتى يحتك بمشاكل ومعضلات البلاد التي تؤهلهم للغد .
• الإدارة الأهلية قائمة علي النعرة القبلية والأرستقراطية الدينية وهي مصدر مصائبنا ، ويجب أن تكون الإدارة الأهلية في الجيل المتقدم .
• الاستفادة من تجارب الماضي والحاضر علي ضوء العلم والبحث الحديثين .
الخلاصة :
هذه باختصار ، نماذج من التطور الاجتماعي والثقافي والسياسي ، كما عكستها كتابات وصحف تلك الفترة والتي مهدت للتطورات السياسية والوطنية اللاحقة بعد الحرب العالمية الثانية . وقد يتساءل البعض ما علاقة ذلك بتطور الطبقة العاملة السودانية ؟ الإجابة : إن دراستنا لتطور الطبقة العاملة السودانية لا يقتصر علي دورها في الإنتاج ، أو دراسة أوضاعها وأحوالها المعيشية ، وإنما يرتبط بذلك الوعي الطبقي أو الامتداد الثقافي المتنوع الذي يؤثر بهذا القدر أو ذاك علي الطبقة العاملة . ومعلوم أن الطبقة العاملة إضافة لتجربتها وتعليمها الأولي ( المهني والأكاديمي ) لا تكتسب الوعي في مختلف جوانب الحياة الاجتماعية والثقافية والفكرية والسياسية من خارجها ، وهذا الوعي أو المدارس الفكرية المختلفة ينتجها المثقفون الذين تفرغوا ونالوا قسطا وافرا من التعليم ، كما تكتسب الطبقة العاملة الوعي أيضا من الصراع الطبقي والوطني الدائر في المجتمع ، فالي جانب الطبقة العاملة الوليدة ، كانت شريحة الخريجين التي كانت تصارع من أجل تحسين حياتها المادية ولإيجاد وظائف أعلي في الخدمة المدنية التي يحتكرها الإنجليز والأجانب ، وهذا الصراع له انعكاس بهذا القدر أو ذاك علي تطور الطبقة العاملة . وإلي جانب ذلك كانت هناك طبقة المزارعين التي كانت تناضل من أجل تحسين شروط حياتها ضد الإدارة البريطانية في المشاريع الحديثة مثل مشروع الجزيرة الذي كانت فيه الشركة والحكومة تستحوذ علي 60% من عائد محصول القطن ، إضافة لذلك كانت هناك فئات الرأسماليين الوطنيين والتجار الذين كانوا يصارعون ضد احتكار الشركات الأجنبية للتجارة الخارجية وغير ذلك . كل هذه الصراعات وتفاعلها كان لها الأثر في بهذا القدر أو ذاك في تطور وعي الطبقة العاملة خلال تلك الفترة .



الفصل الثالث :

تطور نضال الطبقة العاملة :

من الخطأ في التقدير كما لاحظ البروفيسور محمد عمر بشير إذا تصورنا أن نضال الطبقة العاملة السودانية الاقتصادي من أجل تحسين مستوى معيشتها وحياتها الاجتماعية والثقافية لم يبدأ إلا بعد الحرب العالمية الثانية أو بعد عام 1947 عندما انتزع عمال السكة الحديد شرعية تنظيمهم النقابي للدفاع عن مطالبهم . ولكن إضرابات ونضالات الطبقة العاملة السودانية ترجع جذورها بعيدا والتي تلازمت مع نشؤها وميلادها في بداية القرن العشرين ، فالطبقة العاملة الحديثة الوليدة والتي نشأت مع مشاريع الاستعمار الحديثة : سكك حديدية ، مشروع الجزيرة ، صناعات خفيفة ... الخ . كانت تعاني من الاستغلال البشع للاستعماريين كما رأينا في الفصل الأول من هذه الدراسة ، في ضآلة الأجور التي كانت تتقاضاها ، وكان عمال الجنوب يعانون من اضطهاد طبقي وعنصري من خلال نظام الأجر غير المتساوي للعمل المتساوي مع عمال الشمال ، كما كانت المرأة تعاني من اضطهاد طبقي وجنسي من جراء الأجر غير المتساوي بين الرجال والنساء ، وكان جهاز الدولة الاستعماري هو المخدم الرئيسي والذي كان ينهب خيرات البلاد الاقتصادية ويصدر فائضها الاقتصادي للخارج ، وبالتالي كان من مصلحته أن يعيش العمال والمزارعون وصغار الموظفين وبقية القوي الأخرى العاملة بأجر علي حد الكفاف ليجنى أكبر قدر من الأرباح .
وفي هذا الفصل نتابع بقدر ما أمكن متابعة نضال الطبقة العاملة منذ بداية القرن العشرين ، ولكن من المهم فبل أن نبدأ في ذلك أن نشير إلي المؤثرات الخارجية التي أسهمت في تطور وعي الطبقة العاملة السودانية ومنها تطور الحركة الوطنية والتقاليد النضالية للشعب السوداني ، وظهور الفكر والوعي الجديد في مختلف المجالات الاجتماعية والاقتصادية والأدبية والفنية والرياضية وتطور أشكال التنظيم السياسي والاجتماعي ( جمعية الاتحاد السوداني ، جمعية اللواء الأبيض ، مؤتمر الخريجين ، أندية العمال التي بدأت تنشأ في البلاد منذ منتصف الثلاثينيات من القرن الماضي في الخرطوم وعطبرة وبور تسودان .. الخ ، وغير ذلك مما فصلناه سابقا . كما نشير إلي تأثر العمال السودانيين بر صفائهم المصريين والأرمن وغيرهم الذين جاءوا من بلاد فيها تقاليد الإضرابات كوسيلة لانتزاع المطالب والحقوق . وإذا أخذنا مصر كمثال والتي كانت حركة الطبقة العاملة فيها أكثر تطورا في المنطقة العربية ، نجد أن أول إضراب عرفته مصر قام به في مارس 1882 م عمال تفريغ الفحم في بور سعيد للمطالبة بزيادة الأجور ، وقد سجل عام 1899 م بداية تحركات عمالية جديدة من أهمها إضراب عمال السجائر الذي نجح في تحقيق مطالب العمال الخاصة بزيادة الأجور ، وبين سنتي 1899 ، 1907 م لم تنقطع الحركة الاضرابية المطلبية ( عبد المنعم الغزالي :تاريخ الحركة النقابية المصرية ، 1899 – 1952 ، القاهرة 1986 ) . وفي نهاية القرن التاسع عشر سافر بعض الطلاب للدراسة في أوربا ، وهناك تأثر البعض منهم بالأفكار الاشتراكية ومدارسها المختلفة : ماركسية ، فابية ، ... الخ ، وعندما اكملوا دراساتهم رجعوا إلي مصر وبشروا بالأفكار الاشتراكية التي تطالب بتحسين أحوال ومستويات العمال والكادحين وتناصر المستضعفين ضد الاستعمار والاضطهاد الرأسمالي وقامت أحزاب اشتراكية في مصر ، ومن هؤلاء المفكرين كان سلامة موسي الذي أول من آلف كتابا عن الاشتراكية في مصر عام 1913 ، وعصام الدين حفني ناصف ومصطفي المنصوري وغيرهم . وقد أسهمت هذه الأفكار في تطور وعي الطبقة العاملة ( للمزيد من التفاصيل راجع : أمين عز الدين : تاريخ الطبقة العاملة المصرية منذ نشأتها حتى 1919 ، دار الكاتب العربي للطباعة والنشر بدون تاريخ ) . ومع بداية القرن العشرين بدأت الإدارة البريطانية في السودان تشرع في إنجاز مشاريعها الزراعية والصناعية والخدمية في السودان والتي أشرنا لها بالتفصيل في الفصل الأول من هذه الدراسة ، واتجهت إلى توفير الأيدي العاملة من السودانيين وتشجيع العمل المأجور في التعدين وبناء السكك الحديدية وفي قطع الأخشاب وفي المشاريع الزراعية ، وكانت ظروف العمل سيئة والأجور ضئيلة ، وتشير تقارير الحاكم العام عام : 1903 ، 1907 ، 1908 ، إلى إضرابات وقعت في تلك الفترة . وإذا تتبعنا خيوط نضال الطبقة العاملة السودانية في الفترة : 1900 – 1939 ، نلمس الآتي : -
1 – في عام 1903 ، 1907 أضرب عمال مصلحة الغابات احتجاجا علي ظروفهم السيئة .
2 – وفي عام 1907 قام العمال المصريون الذين جاءوا إلي العمل في مصلحة البواخر النيلية بإضراب نتيجة تذمرهم من ضآلة أجورهم ، وكان السجن نصيب البعض منهم . وفي العام نفسه حدث إضراب للعاملين بمزرعة الفاضلاب ببربر وكانت أعمار العاملين تتراوح ما بين الثانية عشره والرابعة عشرة ( ويعكس هذا الاستغلال البشع لللاحداث دون سن ال16 سنة ) .
3 – وفي عام 1908 م قدم موظفو السلك الكتابي مذكرة ضمت شكواهم من شروط الخدمة وضآلة المرتبات .
4 – في عام 1909 م قام سبعون من عمال الزراعة بمشروع الكاملين الحكومي بإضراب عن العمل لزيادة أجورهم ، ولم يتم الاستجابة لمطلبهم ، وتم فصلهم ، ومع ذلك حدث إضراب آخر من جانب عمال المزرعة الباقين ( محمد عمر بشير : تاريخ الحركة الوطنية .. ، ص 213 ) .
5 – وفي عام 1912 ، 1913 م أضرب عمال ميناء بور تسودان وعمال طريق أر كويت ، وكانت هذه الإضرابات جنينا وبذورا وشكلا جديدا للنضال ضد المستعمر ولمقاومته في الحقلين الصناعي والزراعي كما لاحظ محمد عمر بشير .
وبعد الحرب العالمية الأولى دخلت نضالات الطبقة العاملة مع الحركة الوطنية بأسرها مرحلة جديدة في تطورها ذلك أن الأسعار قد ارتفعت وبوجه أخص سعر السكر ، ومن ثم ازداد بؤس أصحاب ذوي الدخل المحدود بالمقارنة مع الطبقات والفئات الأخرى هذا إضافة للكساد الاقتصادي الذي حدث عام 1908 م في النظام الرأسمالي العالمي وكان له انعكاسه علي السودان الذي أصبح دائرا في فلكه منذ عام 1898 م . زد علي ذلك تدهور التجارة في عام 1913 م نتيجة لللازمة التي بدأت مع الحرب العالمية الأولى والازمة الاقتصادية والمجاعة التي حدثت عام 1914 م ويذكر الشيخ بابكر بدري في تاريخ حياته أن الحكومة اضطرت لاستيراد الذرة من الهند . وفي اجتماع عقده الموظفون الحكوميون في نادي الخريجين بأم درمان في 23 – 10 - 1919 م لمناقشة مشكلة ارتفاع الأسعار قرر الموظفون مطالبة الحكومة بزيادة المرتبات ومن ثم تقدموا بمذكرة للحكومة ، وبعد مناقشة مجلس الحاكم العام لها ، وملاحظته القلق السائد لدي موظفي الحكومة طلب المجلس من لجنة الاقتصاد المركزية القيام بعمل إحصائيات بشأن مستوي الأسعار فيما قبل الحرب وبعدها . ولكن لم تتخذ الحكومة أي إجراء من جانبها للاستجابة لمطلب زيادة الأجور مما أدي ازدياد قلق المواطنين المصريين العاملين بعطبرة ووادي حلفا ، وقام موظفو وادي حلفا بإضراب في : 20 – 10 – 1919 م . وتمت تعبئة وحشد قوات الجيش وأرسلت بعض الفرق البريطانية والمصرية لكل من بور تسودان وكوستي وعطبرة ، وعكس إرسال الجنود قلق الحكومة فيما يتعلق بتطور روح المقاومة بين العمال والموظفين وقامت بتهديد وإنذار العمال بالفصل واستخدام قوات الجيش للقمع عند الضرورة ، ولكن ذلك لم يمنع من انتشار روح المقاومة وسط العمال إذ حدث إضراب مماثل لعمال السكة الحديد بعطبرة خلال الأعوام 1920 إلى 1923 م ، وذلك بعد تهديدهم بالإضراب عندما اقترحت الحكومة تطبيق نظام التدرج الجديد عام 1920 م أو هيكل مرتبات هدلستون الذي بدأ العمل به عام 1922 م وهو يتدرج علي النحو التالي : -
هيكل مرتبات هدلستون ( 1922 – 1934 ) بالجنيهات المصرية في السنة

الدرجة المرتب الابتدائي ( سنويا ) المرتب النهائي ( سنويا )

العليا 2250 2500

الأولى 1200 1500
الثانية 852 1080
الثالثة 480 852
الرابعة 432 720
الخامسة 252 540
السادسة 168 396
السابعة 96 276
الثامنة 60 168
الابتدائية 48 60

وفي يناير 1921 احتج 108 عامل من عمال ورش السكة الحديد بالخرطوم علي تطبيق ذلك النظام الجديد واضربوا عن العمل ( محمد عمر بشير ، ص 211 – 212 ) .
ونتيجة لهذه التحركات والإضرابات تم تأسيس لجنة العمل والتي كانت من المفترض أن تقوم بتقديم الاستشارات اللازمة في شئون العمل للإدارة الاستعمارية الحاكمة والقيام بالمشاركة في المفاوضات بين تلك الإدارة وأي طرف آخر بالإضافة إلي تقديم الاستشارة في قضايا العمل والأجور لحكام المديريات وقوة دفاع السودان ، ولكن ما حدث أن تلك اللجنة استمرت دون نشاط حتى عام 1936 م ، وفي الفترة اللاحقة الممتدة حتى عام 1945 م كان نشاطها نادرا ومحددا ودون حكم مسبق . ( أحمد حسن الجاك : المرجع السابق ) .
عمال القطاع الخاص :
لم ينضم عمال القطاع الخاص بالمساهمة والاشتراك في الحركة المطلبية إلا منذ عام 1929 ، ومن ثم انضموا إلى ركاب الحركة الوطنية .
الطبقة العاملة وثورة 1924 : -
لم تكن الطبقة العاملة الوليدة بمعزل عن ثورة 1924 ، بل كان بعض العمال أعضاء في جمعية اللواء الأبيض علي سبيل المثال : في تحليل لتركيب 104 من أعضاء جمعية اللواء الأبيض نلحظ التالي : 40 موظفين ، 27 ضباط سابقين ، 10 عمال ، 8 تجار ، 6 كتبة ، 4 طلاب ، 4 قضاء ، 3 مدرسين ، 2 من نواب المآمير(محمد عمر بشير : تاريخ الحركة الوطنية ، ص 86 ) . ما يهمنا هنا وجود 10 عمال في هذه العينة كانوا أعضاء في جمعية اللواء الأبيض مما يؤكد ملامسة أقسام من الطبقة العاملة الوليدة للتنظيم السياسي الحديث في السودان ( جمعية اللواء الأبيض ) ، وأن هذه الأقسام لم تكتفي فقط بالنضال الاقتصادي والمطلبي ، بل ربطت مصيرها بالقضية الوطنية والسياسية العامة في البلاد . كان قادة جمعية اللواء الأبيض يحاولون التأثير علي العمال وجذبهم لاهداف الجمعية ، جاء في تقرير مديرية الخرطوم في عام 1924 بأن ( هناك في الخرطوم جماعة من العمال منظمة بواسطة جمعية اللواء الأبيض ، وقد قصدت بذلك أن تضع في الوقت المناسب تحت تصرف الجمعية نشاط جميع الفنيين السودانيين ( محمد عمر بشير ، ص 212 ) ، ويمكن أن نستنتج من ذلك – إن صح الاستنتاج – أن قادة جمعية اللواء الأبيض كانوا يركزون علي الفنيين لما لهم من تأثير وسط جماهير العمال . وذكر علي احمد صالح الذي اصبح شاهد ملك لدي محاكمة أعضائها : ( إن أعضاء اللواء الأبيض حاولوا أن يجذبوا إليها كل من عمال الورش والبواخر ومصلحة الأشغال العامة ( المرجع السابق ، ص 212 ) ، وكان من قادة العمال في جمعية اللواء الأبيض : عثمان احمد سعيد العامل بمصلحة الأشغال ، ورمضان محمد العامل بمصلحة البواخر بالخرطوم ، وبذل أولئك الرجال مع علي عبد اللطيف جهدا شاقا للحصول علي تأييد العمال لجمعية اللواء الأبيض ( نفسه ، ص 212 ) ، ومن العمال الذين شاركوا في ثورة 1924 م التهامي محمد عثمان الذي كان يعمل نجارا بالري المصري بالخرطوم وقد شارك في رفع الرايات في المظاهرات وكان من ضمن الذين وقعوا برقية الجمعية الموجهة إلى جريدة الأهرام بمصر ، وقد حوكم في حوادث 1924 وحكم عليه بعامين سجن كم حكم عليه أيضا في حوادث السجن العمومي بعامين آخرين . ومن العمال الذين حوكموا بالتهمة ذاتها العامل عبد الله احمد سعيد ، وكذلك العامل حامد حسنين وقد عليه بعام ونصف ثم حكم عليه في حوادث السجن العمومي بعامين ، وقضي العامل عبد الله ريحان عامين بالمعتقل بتهمة القيام بالاتصال بالجمعية وتبليغ الأعضاء بالقرارات ، بالإضافة إلي إعداد الإعلام للمظاهرات ، أما محمد أبا يزيد النجار بورشة كلية غردون بالخرطوم فقد وضع بالسجن وهرب إلى مصر ثم أعيد إلى السودان ( عبد الرحمن قسم السيد : عمال السودان والسياسة ، ص 38 ) ، وكانت أشكال مشاركة العمال في جمعية اللواء الأبيض تتلخص في : المظاهرات ، توزيع المنشورات والملصقات ، وضع الإعلام والإعلان عن آرائهم في الاجتماعات الداخلية للتنظيم ( المرجع السابق ، ص 38 ) ، ويذكر المؤرخ العمالي عبد الرحمن قسم السيد في مؤلفه ( الأندية العمالية والحركة الوطنية ) أن سدس عدد المتهمين الثماني والعشرين في حوادث 1924 كانوا من العمال . كما حوكم أيضا بعض العمال في حوادث السجن العمومي وانحصر اتهامهم في تنظيم الاجتماعات غير المشروعة واستعمال القوة والكسر والشروع في كسر أبواب السجن لاخراج المعتقلين ( المرجع السابق : ص 38 – 39 ) .
وفي مقال له بجريدة الأضواء السودانية يناير 1969 م يذكر الأستاذ محمد سليمان ، المقال بعنوان ( صحائف مطوية من تاريخنا الحديث ) ، أن أولى المحاولات لإنشاء نقابات العمال بدأت في تلك الفترة فيقول ( كما كانت ثمة محاولات تجري لتنظيم العمال في نقابات ، بل كان هناك اتصال بما يسمي بمجلس العمال المصري لبعض العمال السودانيين وجاء في تقرير المخابرات في شهر يوليو عام 1924 ما يلي : وصلتنا معلومات تفيد بأن حزبا عماليا قد تكون برئاسة علي أحمد صالح يضم النجارين والبناءين وصناع الأحذية وغيرهم بهدف حماية مصالح العمال ، ويقال أن رئيس الحزب يسعي لضم حزبه مع حزب علـي عبد اللطيف ) .
كما يذكر المؤرخ العمالي عبد الرحمن قسم السيد في بحثه عمال السودان والسياسة أن علي احمد صالح كان من طلائع الحزب الشيوعي ، ومن مؤسسيه الأوائل ، ولكن هذا الزعم لا يستند علي أي أساس ، فالمعروف أن الحركة السودانية للتحرر الوطني تأسست في أغسطس 1946 ، أما الزعم الذي أورده د . جعفر محمد علي بخيت وعبد الرحمن قسم السيد وغيرهما ، بأن هناك حزبا شيوعيا تكون كفرع للحزب الشيوعي المصري خلال أحداث 1924 م فلا نعلم عنه شيئا موثقا ولا يستند علي دليل وبرهان ثابت فيما نعلم .
إذن يمكن القول ، أن أقساما من الطبقة العاملة الوليدة ارتبطت بأول تنظيم سياسي حديث في السودان قام علي شعارات سياسية ووطنية ، بعد هزيمة التنظيمات والانتفاضات السابقة التي قامت علي أسس دينية وقبلية في بداية القرن العشرين .
الأزمة الاقتصادية 1929 :
في عام 1929 م نشبت الأزمة الاقتصادية للنظام الرأسمالي العالمي ، وكانت مرحلة الكساد الاقتصادي بين : 1928 – 1938 ، حيث انخفض حجم التجارة الدولية في المنتجات الصناعية بنسبة 13 % رغم أن إنتاجها شهد زيادة قدرها 20 % ، وانخفضت صادرات بريطانيا في الفترة نفسها بنسبة 22 % ، والصادرات الأمريكية 26 % والألماني 38 % والفرنسية 45 % واتجهت روؤس الأموال للاستثمار داخل البلد الام وانتهي دور بريطانيا كمصدر صافي لرؤس الأموال كما انخفض الطلب علي السلع الغذائية والمواد الأولية التي تنتجها المستعمرات ( توفيق الشيخ : البترول والسياسة في المملكة العربية السعودية ، دار الصفا للنشر والتوزيع ، لندن ، 1988 ، ص 89) وكان تأثير هذه الأزمة علي السودان كبيرا ، فقد تجاوز عجز الميزانية المليون جنية ، واتخذت الحكومة الإجراءات التالية : - - سحب مبلغ كبير من حساب الاحتياطي العام ، - بيع بعض الأوراق المالية الحكومية التي بلغت قيمتها 600 ألف جنية مصري ، - تخفيض الإنفاق الحكومي إلى أدني حد ممكن ، - تأجيل مشاريع الخدمات والإصلاح الاجتماعي ، - الاستغناء عن عمل حوالي 1000 موظف ربعهم من الإنجليز ، وخفضت عدد الوظائف بميزانية الحكومة المركزية من 5888 في 1930 إلي 4753 وظيفة في 1933 ، أي ما يعادل 20 % من الوظائف ( محمد عمر بشير : التعليم ومشكلة العمالة في السودان ، ص 18 ) ، هذا إضافة لإيقاف الترقيات وتخفيض المرتبات بنسبة تتراوح بين : 10 % - 15 % ( د . زكي البحيري : مرجع سابق ، 285 ) ، وأيضا كان من آثار هذه الأزمة علي السودان انخفاض أسعار المحاصيل الزراعية وبوجه أخص القطن ، كما أن رداءة الأحوال الجوية وغزو أسراب الجراد سب انخفاضا عظيما في الكمية المنتجة ، ومن ثم انخفضت قيمة الواردات في عام 1930 بمقدار 679 ألف جنيها ، كما انخفضت قيمة الصادرات بما يجاوز 1,550,000 جنيها ، ومرة أخري انخفضت الواردات بمقدار 2,5 مليون جنيه وانخفضت الصادرات بمقدار 3 ملايين من الجنيهات ( محمد عمر بشير : تاريخ الحركة الوطنية ، 129 ) ، كما تقلص حجم تجارة السودان من 13,5 مليون جنية إلى 5’ 5 مليون جنية مصري ( عبد الخالق محجوب : لمحات من تاريخ الحزب الشيوعي السوداني ، طبعة دار الوسيلة ، ص 25 ) . نتيجة لذلك اضطرت الحكومة إلي اتباع سياسة تخفيض القوي العاملة أملا في تخفيض المصروفات ، وطلب من المصالح الحكومية الاستغناء عن بعض الموظفين والخدمات ومن ثم فصل 1095 موظفا تقريبا من بينهم 271 موظفا بريطانيا و520 مصريا و69 سودانيا والباقون من السوريين والجنسيات الأخرى ، وتم استقطاع نسبة تراوحت بين : 5 –10 % من المرتبات كما خصمت بعض العلاوات الخاصة وتم تحقيق وفر قدره 125 ألف جنيه في السنة ( محمد عمر بشير : تاريخ الحركة الوطنية ، ص 129 ) .
كان رد الموظفين السودانيين إرسال عريضة للحاكم العام عبروا فيها عن معارضة سياسة التقشف وكانت العريضة التي وقعت من اللجنة المنتخبة ( لجنة العشرة ) من أعضاء نادي الخريجين تشتمل علي المقترحات التالية بدلا من تخفيض مرتبات السودانيين : - 1 – يجب أن يطلب من الحكومة البريطانية والمقرضين بلندن وقف مطالباتهم لاستيفاء القروض في مواعيد استحقاقها ، 2 – لا تخفض أي وظيفة شغلها سوداني ، 3 – لا يخفض مرتب خريج كلية غردون ، 4 – المطالبة بوجوب إصلاح نظام التعليم بحيث يهئ السودانيين لممارسة المهن الحرة خارج دواوين الحكومة واقترحوا بوجه خاص توسيع برنامج التعليم ليشمل بعض المهن التي لم تكن قد أنشئت لها مؤسسات تعليمية بعد مثل كلية التجارة والقانون والزراعة والبيطرة وكانت العريضة أول عمل منظم من جانب الخريجين منذ عام 1924 م ( راجع نص العريضة في حسن نجيلة : ملامح من المجتمع السوداني ، الجزء الثاني ، دار جامعة الخرطوم للنشر 1991 ، ص 97 وما بعدها ) . رفضت الحكومة المقترحات التي وردت في العريضة ومن ثم اضرب طلاب كلية غردون في عام 1913 والذي كان من مطالبهم إلغاء قرار الحكومة بتخفيض المرتب الشهري للخريج من 8 جنيهات إلى 5 جنيهات و500 مليم ، ورغم أن الإضراب لم ينجح في تحقيق أهدافه إلا أنه كان معلما بارزا في صراع الخريجين ضد الإدارة البريطانية ( للمزيد من التفاصيل عن إضراب 1931 راجع مذكرات عبد اللطيف الخليفة ، الجزء الأول ، دار جامعة الخرطوم للنشر 1988 ، وحسن نجيلة : ملامح من المجتمع السوداني ، الجزء الثاني ) . مرة أخرى أرسلت لجنة العشرة عريضة تطالب بالطالب السابقة نفسها في يناير 1932 ، وكان رد الحكومة إيجابيا هذه المرة إذ أعادت النظر في قرارها فيما يتعلق بمرتب الخريج الجديد ، إذ قررت أن يكون 6 جنيهات شهريا بدلا من 5 جنيهات و500 مليم ، وكان القرار في نظر لجنة العشرة انتصارا ، وبنجاح إضراب كلية غردون أضحي الخريجون اكر ثقة في بالنفس وتوصلوا إلى إمكانية إزالة بعض المظالم الواقعة عليهم من خلال العمل الجماعي المنظم ، ودفع ذلك الخريجين إلى اتباع وسائل اكثر فعالية لمواصلة عملهم ، وفي الواقع إن دور الخريجين بدأ يتعاظم ويزداد في الحياة العامة بعد إضراب 1931 ومذكرة لجنة العشرة ، وتعيين سايمز حاكما عاما والذي طرح أفكارا تحررية حول التوسع في التعليم العالي وتقليص نفوذ الإدارة الأهلية ، وبدأ الخريجون يخرجون للحياة العامة بأشكال جديدة ، حيث ظهرت مجلتا الفجر والنهضة السودانية والجماعات الأدبية المختلفة وازداد النشاط الثقافي في أندية الخريجين بأم درمان ومدني وغيرهما . وأثمرت هذه الجهود تكوين مؤتمر الخريجين عام 1938 م ، بالإضافة للخريجين ، كان اثر الأزمة الاقتصادية كبيرا علي الطبقة العاملة وعلي مستوي معيشتها من تخفيض للأجور وتشريد واسع من العمل والمعاناة التي كان يواجهها المزارعون نتيجة للانخفاض المستمر في أسعار السلع الزراعية ونتيجة لذلك اضرب عمال ورش النجارين التابعة للسكة الحديد ( عبد الخالق محجوب : المرجع السابق ، ص 25 ) . وكان أثر الأزمة الاقتصادية كبيرا علي العمال الذين فضلا عن ذلك ازدادوا استياءا من استيعاب العمال الأجانب في الوقت الذي يعاني فيه الكثير من العمال السودانيين من البطالة ويعيشون حياة العوز والفاقة . وفي عام 1934 م اضرب 200 عامل بخزان جبل أولياء مطالبين بزيادة الأجور ، كما قام العمال المصريون في الخزان نفسه بإضراب مماثل ( محمد عمر بشير : ص 212 ) وفي سنة 1934 قام سائقو الترام والمفتشون وجامعي التذاكر بشركة الماء والقوي الكهربائية بإضراب لمدة خمسة أبام ( نفسه : ص 212 ) ، كما يشير النقابي إدريس عبد القادر في مؤلفه : نضال العاملين عبر السنين ص 9 – 15 إلى إضراب عمال التراموي ( عمال مواصلات العاصمة ) في مايو عام 1928 ، ( إضراب شركة النور والقوي الكهربائية فيما بعد ) ، نتيجة لخصم 25 % من مرتب كل عامل لقيام حفل وداع للسيد الإنجليزي ( مدير المصلحة ) والذين قادوا ذلك الإضراب هم : علي عبد الله ، إسماعيل أبو حراز الفضل ابر أهيم سليمان .. الخ . وفي عام 1935 اضطرت الحكومة نتيجة لإضرابات وضغوط العمال أن تصدر هيكلا راتبيا جديدا ، وتم رفع الحد الأدنى للأجور كما كان معمولا به في جدول هدلستون من 180 قرشا مصريا وزيادة الحد الأقصى للأجور من 15 إلى 17 جنيها كما هو موضح بالجدول التالي :

هيكل الأجور والمرتبات ( 1934 ) بالجنية المصري :

القسم الدرجة المرتب السنوي

الأول A 1200 – 1800
B 852 – 1200
C 480 – 1200
D 480 – 936
E 432 – 800

الثاني E 432 – 800
E2 252 – 600
F 360 – 600
G 204 – 432
H 144 – 300

الثالث J 78 – 204
K 36 -120


ويلاحظ انخفاض الأجور في هذا الهيكل ، واستمر العمل بهذا النظام حتى عام 1934 م حيث استحدثت علاوة غلاء المعيشة نتيجة لضغوط العاملين وارتفاع الأسعار ، تراوحت علاوة غلاء المعيشة بين 30 إلي 285 قرشا مصريا في الشهر ، كذلك أدخلت علاوة الانتقال بين المنزل والمكتب للعاملين بالعاصمة ..




الجدول التالي يوضح هيكل أجور العمال ( 1935 – 1948 ) : -

الدرجة الحد الأدنى ( شهريا ) الحد الأقصى ( شهريا )

الأولي 2,100 2,400
الثانية 2,400 2,700
الثالثة 2,850 3,150
الثالثة / الرابعة 3,300 3,900
الرابعة / الخامسة 4,800 5,400
الرابعة / الخامسة 5,400 6,000
الرابعة / الخامسة 6,600 7,800
الخامسة / السادسة 7,800 9,600
الخامسة / السادسة 10,500 11,400
السادسة / السابعة 10,500 12,000
السابعة / الثامنة 14,000 16,000
الثامنة 17,000 17,000

المصدر : مقترحات لاصلاح الهيكل الراتبي : إصدار الحزب الشيوعي السوداني ، دار الوسيلة ، أبريل 1989 .
واضح أن الجدول أعلاه يتكون من ثماني درجات وثلاثة أقسام عمالية ( عمال مهرة ، عمال شبه مهرة ، عمال غير مهرة ) ، وطبق هذا الجدول علي العمال بالسكة الحديد أولا ثم حري تعميمه علي كافة الوحدات الحكومية بحلول عام 1939 م . ورغم صدور الهيكل الجديد لاجور العمال إلا أن إضرابات العمال تواصلت : ففي عام 1938 م أضرب 60 عاملا من عمال مصانع حلج القطن بالحصاحيصا كما أضرب عمال ميناء بور تسودان وخلال عام 1940 م حدثت إضرابات من جانب العاملين بالزراعة في مديرية كسلا والجزيرة والشمالية ( محمد عمر يشير : تاريخ الحركة الوطنية ، ص 213 ) .
فترة الحرب العالمية الثانية ( 1939 – 1945 م ) :
اندلعت نيران لحرب العالمية الثانية والتي كان لها آثار بعيدة علي الشعب السوداني ، واشترك فيها السودانيون إلى جانب الحلفاء ضد الفاشية والنازية واضطر الاستعمار البريطاني أن يوسع الجيش السوداني لإرساله إلى شرق إفريقيا وشمالها للاشتراك في المعارك ضد جيوش الفاشية ، كما خلفت الحرب جوا ديمقراطيا نسبيا وخلقت وعيا سياسيا لدي جماهير الشعب السوداني والجنود الذين اشتركوا في المعارك في الخارج . كما أن إعلان الأطلنطي الخاص بتقرير المصير دفع مؤتمر الخريجين لرفع مذكرته الشهيرة عام 1942 م التي طرحت تقرير المصير ، كما قامت بعض الصحف التي أصبحت اكثر جرأة في نقد المظالم الواقعة علي السودانيين ونقد سياسة المفتشين البريطانيين ، كما تحرر الوضع في معاهد التعليم ، وتم إلغاء عقوبة الجلد وسمح للطلبة بإصدار صحف الحائط وبتكوين اتحادات إقليمية خلال العطلات المدرسية ، كما ادخل نظام للجمعيات التي يديرها الطلبة ، ومن جانب آخر ( كما فصلنا في الفصل الأول ) وخلال فترة الحرب ونتيجة للحصار البحري والجوي علي بريطانيا ، اضطرت الإدارة البريطانية لإنشاء العديد من ورش الصيانة لآلات الحرب والمواصلات .
وابتدأ العمال السودانيون يتدربون علي الآلات الجديدة ، مما سمح بتطور في مستوي التدريب الفني لديهم ، كما أن نشؤ هذه الصناعات وسع من عدد الطبقة العاملة ، فتزايدت وانضم إلى صفوفها عدد من المزارعين السابقين والنازحين من القري ( راجع الفصل الأول من هذه الدراسة ) . ولكن الطبقة العاملة كانت تعاني الأمرين : من اختفاء السلع الضرورية ومن جشع التجار وقسوة السوق السوداء ، إن الطبقة العاملة بدأت تحس بكيانها وتنمو عدديا ، كما إنها كانت ساخطة علي الاستغلال البشع والعمل الإضافي غير المدفوع في كثير من الأحوال ( عبد الخالق محجوب : لمحات من تاريخ الحزب الشيوعي السوداني ، ص 30 – 31 ) . هذا إضافة لمعاناة المزارعين الذين كانوا مجبرين علي بيع إنتاجهم للحكومة بأسعار منخفضة ومعاناة صغار التجار من غير الذين كرسوا جهودهم للعمل في السوق السوداء ، فالسلع أصبحت شحيحة والاستيراد صعبا ، كما أن التصدير في كثير من الاحيان محتكرا للإدارة البريطانية ، وعلي سبيل المثال تتناول صحيفة السودان الجديد الصادرة بتاريخ : 25 / 2 / 1944 م ميزانية ذلك العام بالنقد والتحليل جاء فيه : ( ماذا ينتظر الناس في ميزانية حكومة لاتصل إلى الستة ملايين من الجنيهات ، ومع ذلك فهي تنفق علي ما يزيد المليونين والربع مرتبا للموظفين وملزمة بدفع 415 ألف جنية للمعاشات و416 ألف جنية علاوة حرب و600 ألف جنية لمصروفات قوة دفاع السودان ، وهذه المبلغ تزيد عن 3,5 مليون حنية مصري ، أي حوالي 60 % من ميزانية البلاد كانت تنفق علي المصالح الاستعمارية في الحرب العالمية الخاصة ببريطانيا وحلفاءها ) . من كل ما سبق ، يتضح أن ظروف الحرب نتج عنها ارتفاع في أسعار البضائع والسلع الاستهلاكية في حين أن أجور العمال كانت ثابتة .
يقول د . سعد الدين فوزي ( إن الانخفاض الفعلي في مستوي دخل الفرد قد أثر علي جميع أقسام وفئات العاملين ، ذلك أن أجورهم لم تتغير منذ عام 1935 ، إذ أن ارتفاع الأسعار لم يواجه إلا بزيادة ضئيلة عبارة عن بدل حرب وبدل غلاء للمعيشة منذ نهاية الحرب ، وقد تضاعف مستوي المعيشة للسوداني ذي الدخل الأقل من 12 جنيها في 1946 بالمقارنة مع مستواها قبل الحرب ، ولكن تلك الظروف لم تحرك الحكومة لاتخاذ عمل إيجابي كان من شأنه تحسين أحوال معيشة العاملين أو زيادة أجورهم ( د . سعد الدين فوزي : الحركة العمالية في السودان ، 1946 – 1955 م ، جامعة اكسفورد ، بالإنجليزي ، 1957 ) .
وكان من الطبيعي ونتيجة لهذه الظروف القاسية أن تنفجر موجة الإضرابات من قبل العاملين في المصانع المختلفة ، وخلال الفترة : 1941 م – 1942 م وقعت الإضرابات الآتية : -
- إضراب عمال مصلحة الري بالجزيرة في اكتو بر 1941 م .
- عمال مصنع الزراير بعطبرة في نوفمبر 1941.
- إضراب عمال المقاولات بكسلا في يناير 1942 م .
- عمال بحر الغزال في يناير 1942 م .
- عمال مصلحة الأشغال العمومية بالخرطوم في إبريل 1942 م .
- عمال بجوبا في نوفمبر 1942 م .
- عمال الري بالشجرة عام 1942 م
- عمال مصلحة السكة الحديد بالمقرن بالخرطوم عام 1942.
كما امتدت الإضرابات جنوبا إلى جوبا وتسربت إلى صفوف الجيش السوداني ، ففي أبريل 1941 أعلنت إحدى فرق قوات دفاع السودان المحاربة بليبيا حالة إضراب في مراكز عملها احتجاجا علي إلغاء الإجازات ( محمد عمر بشير : تاريخ الحركة الوطنية ، ص 213 – 214 ) .
والجدول الآتي يوضح الأرقام القياسية لتكاليف المعيشة * بالنسبة للسودانيين الذين تقل مرتباتهم عن 12 جنية ( سنة الأساس 1939 ) .

السنة الغذاء الملابس الكهرباء
المياه والوقود الإيجار كل البنود

1943 135,3 559,5 121,7 100 176,6
1944 144,4 357,2 121,7 100 160,4
1945 170,9 285,7 121,2 100 170,2
1946 190,2 285,7 121,2 102 183,4
1947 243,0 357,1 144,6 102,8 229,3

المصدر : سعد الدين فوزي ، المرجع السابق ، ص ، 22 .
• الأرقام القياسية لتكاليف المعيشة هي معرفة التغيير النسبي في مستوي الأسعار بين سنة معينة بالقياس لسنة ثابتة تسمي سنة الأساس ، والمقارنة بين الأرقام القياسية تهدف إلى معرفة ذلك التغيير .
تكوين النقابات :
بنهاية الحرب العالمية الثانية وهزيمة الفاشية والنازية ، اتسعت دائرة الديمقراطية في العالم ونهضت شعوب المستعمرات في حركة عارمة من أجل تقرير المصير ، ونشأ مد ثوري علي نطاق العالم ، وبدأت شعوب العالم تتطلع إلى حياة جديدة ومستقبل أفضل ، وازدادت تصميما ألا تتكرر مأساة الحرب العالمية الثانية من جديد ، وتم إنشاء هيئة الأمم المتحدة عام 1945 م ، وكان لهذا المد أثره في السودان حيث ازداد الوعي السياسي وانفرط عقد مؤتمر الخريجين ، وتكونت الأحزاب السياسية ، فقام حزب الأمة الذي كان يدعوا لشعار السودان للسودانيين ، وأحزاب الأشقاء والاتحاديين التي كانت تدعوا لوحدة وادي النيل بمستويات مختلفة ، كما كان للمؤلفات الاشتراكية والماركسية التي دخلت السودان قبل الحرب العالمية ، وانهمر سيلها بعد الحرب ، وسفر بعض الطلاب السودانيين للدراسة في مصر في أوائل الأربعينيات من القرن الماضي وانتصار الاتحاد السوقيتي وظهور المعسكر الاشتراكي ، كل ذلك كان له لأثر في تلقف نفر من المثقفين والعمال لتلك المؤلفات ، وتكونت أول حلقة للماركسية اللينينية في السودان تحت اسم الحركة السودانية للتحرر الوطني عام 1946 م ، وكان تكوينها متزامنا مع تصاعد الحركة الجماهيرية المعادية للاستعمار ، وفي مارس من عام 1946 خرجت أول مظاهرة بعد حوادث 1924 تضامنا مع طلاب مصر ، وارتفعت شعارات سقوط الاستعمار في معظم المدن ، وطرحت الحركة السودانية شعار الجلاء وتقرير المصير في مقابل شعارات وحدة وادي النيل تحت التاج المصري والسودان للسودانيين تحت التاج البريطاني ، كما طرحت شعار الكفاح المشترك بين الشعبين المصري والسوداني ضد الاستعمار البريطاني . كما أسهمت الحركة السودانية مع بقية الأحزاب الوطنية الأخرى في النضال ضد الاستعمار ، نجدها أيضا أسهمت بنشاط مع الأحزاب والقوي الوطنية الأخرى في مساعدة الطبقة العاملة السودانية في بناء منظماتها عام 1947 م ( هيئة شئون العمال ) وأسهمت في بناء وتأسيس الحركة النقابية التي لعبت دورا هاما في استقلال السودان وقدمت الشهداء في سبيل ذلك مثل شهداء الجمعية التشريعية عام 1948 وفيهم العامل قرشي الطيب ورفاقه .
عطبرة :
في عام 1946 م بدأت أولى الخطوات لتنظيم الحركة النقابية السودانية في مدينة عطبرة مركز رئاسة مصلحة السكة الحديد ، ومعلوم أن عمال السكة الحديد يشكلون في عطبرة قوة عمالية كبيرة ومتجانسة ، وذلك بعكس الحالة العامة لاوضاع عمال المدن الأخرى في البلاد حيث كانت الغالبية تعمل في ورش ومحلات تجارية صغيرة متعددة ومتنوعة ومع مخدمين متعددين ومتنوعين وتحت شروط خدمة متباينة في شروطها وظروفها ، أما في عطبرة في عام 1946 كان العمال يشكلون 90 % من سكان المدينة ( هولت : تاريخ السودان الحديث ، لندن ، 1961 ) ، وحوالي ال 40 % من مجموع عمال السكة الحديد ، وبحكم وجود مدرسة السكة حديد في مدينة عطبرة نفسها فقد كان العمال المهرة يشكلون جزءا هاما من مجموعات العمال هناك ، مثال ذلك في عام 1944 م كان عدد العمال المهرة حوالي 66680 عاملا من مجموع عمال السكة الحديد البالغ عددهم 20,000 ( هند رسون : المرجع السابق ) وللمزيد من التفاصيل عن تاريخ مدينة عطبرة راجع الناصر عبد الله أبو كروق : تاريخ عطبرة ، رسالة دكتوراه من جامعة أم درمان الإسلامية ، راجع أيضا بحث محمد العوض سكنجة عن عطبرة .
الفنيون ( العمال المهرة ) :
والواقع أن مجموعة العمال المهرة هي التي تحملت مسئولية المبادرة وبداية النشاط النقابي وسط عمال السكة الحديد ، وذلك نتيجة لوعيهم المتقدم ولشعورهم الحاد بالغبن والاضطهاد ، فرغم التدريب الذي تلقوه في المدرسة الصناعية ، ومن خلال الخبرات العملية ، فإن أجورهم كانت قريبة جدا من أجور العمال ( تيم نبلوك : المرجع السابق ، 120 ) يقول هند رسون ( العامل الصناعي بورش السكة حديد امهر صانع في السودان لا يدانيه في مهارته أو يجاريه عامل صناعي في أي بقعة من بقاع السودان ، يمكن أن يضع مقاس لنسبة الواحد من الألف للبوصة الواحدة ، ومع ذلك فهو يصطدم بواقع متناقض : فبعد عشرين سنة من الخدمة يجد ابنه الصغير من أرباب الياقات البيضاء في الكادر الكتابي قد حصل علي مرتب اكبر من مرتبه ) . ومن المهم أن نذكر هنا أن بعض العمال الذين تقدموا نشاط الحركة العمالية في الأربعينيات كانوا من الجنود المسرحين من قوة دفاع السودان ، وخاصة الذين تحصلوا علي تدريب في المجالات الفنية داخل وخارج السودان . كما تكونت أندية العمال في منتصف الثلاثينيات من القرن الماضي في المدن الكبري مثل : الخرطوم ، عطبرة ، بور تسودان والتي انطلقت منها النواة الأولى للتنظيم النقابي فيما بعد . يقول الجز ولي سعيد ( كانت حالة العمال رديئة وظروف الحرب سائدة حيث كان التموين والتقتير في توزيع السلع أحد معالم تلك الفترة هي الحركة الطلبية لنجاري ورش السكة حديد بعطبرة والذين مارسوا الإضراب المطلبي 1938 م ( في رواية الطيب حسن أن هذا الإضراب حدث عام 1940 ، انظر مذكرات الطيب حسن ، ص 6 ) ، كما كان أحد معالمها بالمثل إضراب خريجي المدرسة الصناعية القسم الثانوي بعد مفاوضات اجروها مع الإدارة تتعلق بالمرتب الذي يتخرجون به ( أربعة جنيهات ونصف ) ، وكان أحد نتائج الإضراب قفل القسم وتجميد الدراسة لمدة سنة )
يواصل الجز ولي ويقول :( في عام 1946 م نشأت هيئة شئون العمال في عطبرة ، وبدأت تطالب لمدة سنة الاعتراف بها ، وكان في قيادتها سليمان موسى ( اتحادي ) رئيسا ، الطيب حسن ( اتحادي ) سكرتيرا ، قاسم أمين ( شيوعي ) نائب السكرتير ، الحاج عبد الرحمن ( شيوعي ) . بد أ الإضراب في : 12 / 7 / 1947 م واستمر 10 أيام ، وجاء من الخرطوم وفد يمثل الجبهة الاستقلالية والجبهة الاتحادية ( محمد نور الدين ومحمد احمد المحجوب ) ، ولاول مرة يحدث مثل هذا الإضراب الواسع .
ويواصل الجز ولي سعيد ( كان في الحركة – كتقييم – عنصر الوطنية الشاملة فيها الجميع ، لكن الشيوعيين لعبوا دورا مهما ) ( مذكرات الجز ولي سعيد : مجلة الشيوعي ، العدد 150 ، ص 76 ) .
ويقول محمد السيد سلام ( الرئيس السابق لاتحاد نقابات السودان ) في محضر لقاء أجراه معه عبد الرحمن قسم السيد في كتابه عمال السودان والسياسة ص 143 وما بعدها ( الذين تصدوا لا نشاء الحركة النقابية كانوا من العاملين من قيادات مؤتمر الخريجين العام والأحزاب السياسية وفي مقدمتها حزب الأشقاء أمثال سليمان موسى ، الطيب حسن ، عبد القادر سالم ، دهب عبد العزيز ، بشير حسين ، محمد إدريس ، حسين السيد ، ، محمد عبيدي برودويل ، عثمان محمد جسور . اليساريون : إبراهيم ذكريا ، قاسم أمين ، الشفيع أحمد الشيخ ، الحاج عبد الرحمن ، علي محمد بشير . حزب الأمة : عبد الله بشير ، النور آدم وآخرين ومن بينهم مثقفون شاركوا في الجمعيات الأدبية التي كانت رائجة ومؤثرة في الحياة الفكرية أمثال : محمد السيد سلام ، سعد الدين الأمين ، عثمان ابر أهيم حربي ، فضل بشير ، الأمين علي عبد الله ، هاشم السعيد ، مصطفي فضل المولي ، كانوا حزبيين في تنظيمات الأشقاء .
ومن نادي العمال بالخرطوم : شريف أحمد شرفي ، الجاك موسى ، عبده حسن عجيب ، حسين محمد حسن ، زيدان بريمة ، جمعة الجاك .
ثم يواصل ويقول : ( كان وجود هؤلاء الأشخاص في قيادة الحركة النقابية العمالية مبررا طبيعيا لاتصال زعماء الأحزاب السياسية بالحركة العمالية ، إلا أن الحركة النقابية كانت مستقلة كامل الاستقلال بدليل رفض هيئة شئون عمال السكة حديد لكل محاولات الوساطة عند إضراب ال33 يوما بما في ذلك الزعماء الدينيون ، الأمر الذي أجبر الحكومة في ذلك الوقت لتكوين مفوضية برئاسة قاضي المحكمة العليا مستر واطسون للتقاضي مع الهيئة الذي أسفر عن وضع أول كادر للعمال من ثمان درجات برفع الحد الأدنى إلي 2,100 مليمج بدل عن 1,100 والحد الأقصى إلي 11,500 بدلا عن 10,500 إلى جانب بعض القضايا الخاصة بعمال السكة حديد في مقدمتها مشاكل عمال السينافورات مما يؤكد استقلالية الحركة النقابية العمالية في السودان وتأثيرها المباشر علي الحياة الاجتماعية في البلاد .. وهذا الموقف يشهد علي هذا ) .
هكذا نصل إلي أن قيادة الحركة النقابية كانت تتكون من اتجاهات متعددة ( أشقاء ، شيوعيون ، أمة ، وطنيون ، ... الخ ) ، وإنها كانت حركة مستقلة عن الأحزاب .
أما ما أورده عبد الرحمن في كتابه عمال السودان والسياسة ص 69 ( استطاع الحزب الشيوعي أخيرا أن يدس بعض عناصره في الحركة العمالية وفي قيادتها) ، هذا الحديث لا يستند إلي أساس ، فإذا كانت قيادة الحركة النقابية تضم تيارات سياسية متباينة جاءت بانتخاب ديمقراطي من القواعد العمالية ومن ضمنهم الشيوعيون ، فكيف استطاع الحزب الشيوعي أن يدس بعض عناصره في قيادة الحركة العمالية ؟ .
أثمر إضراب 1947 م قانون 1948 م وتم كشف مخطط نيومان لعمل نقابات علي الطراز الإنجليزي ، وتم انتزاع الموافقة علي النقابة حسب إرادة العمال ، كما ذكرنا سابقا أنه من داخل أندية العمال والتي كانت بالإضافة إلي أراضها الثقافية والترفيهية تمثل مركزا للاجتماعات ومنبرا للعمال ، ومن داخل هذه الأندية نبعت فكرة هيئة شئون العمال ، مثلما نبعت فكرة تنظيم مؤتمر الخريجين من نادي الخريجين بوادي مدني .
وقد لنادي خريجي المدرسة الصناعية بعطبرة الدور الكبير في ذلك ، كما لعب العمال المهرة دورا قياديا في ذلك يقول د . الجاك ( إن العمال المهرة كانوا نتاج سياسات الإدارة الاستعمارية ، وكان وضعهم المتردي والذي هو الآخر نتاجا للسياسة الاستعمارية في حالة تحركهم لتغيير ذلك الوضع وما يتصل به من شروط خدمة واضطهاد سواء أن اتخذ ذلك التحرك شكل المفاوضات أو المواجهة ، إذ أن العمال المهرة في القطاعات التقليدية للعمالة المدنية والذين كانوا في غالبيتهم يعملون في ورش صغيرة يديرها أصحابها بأنفسهم ، لم يكونوا في وضع يمكنهم من المبادرة بتكوين تنظيمات عمالية جماعية تعما لحماية وتطوير مصالحهم ) ( د . الجاك : المرجع السابق ، ص 51 ) .
وفي مضمار التنظيم النقابي والذي كان له الأثر في رفع وتائر وعي الطبقة العاملة النقابي ، نجد أن مزارعي الجزيرة كانوا في عام 1946 م قد خاضوا معركة ( مال الاحتياطي ) ونجحوا في قيادة إضراب ، كما نجحوا في تنظيم أنفسهم في هيئة كانت النواة لانتزاع تنظيمهم الدائم ( اتحاد المزارعين ) في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي ، كما نظم طلاب المدارس الثانوية والعليا أنفسهم في اتحادات ، كما أن الأجواء الديمقراطية التي خلقتها الحرب العالمية الثانية كان لها الأثر في رفع وتائر وعي الطبقة العاملة .
فتم تأسيس الإذاعة سنة 1940 م ، وازداد عدد الصحف المحلية التي كان نقدها واضحا للسياسة الاستعمارية ، وفي البداية حاولت الحكومة أن تعرقل اتجاه العمال لتكوين النقابات من خلال إنشاء ( لجان العمل ) بهدف الحد من موجة الإضرابات التي كانت واسعة وسط عمال السكة حديد وعمال مشروع الجزيرة .
لجان لعمل ( أو الورش ) .
يقول تيم نبلوك ( كان الإطار العام لهذه اللجان تقوم علي نموذج ( مجالس هواتيلي مارتين Whitely Martney Councils ) ) ، وعلى العموم كانت لجان الورش تختلف عن تلك المجالس في جانب رئيسي وحيد – فمجالس هوا يتلى كانت تعمل في ترابط مع نقابات العمال – أما لجان العمل ( أو الورش ) المقترحة فقد كان من المفترض إدخالها في غياب النشاط النقابي . والفكرة مأخوذة من كتاب العلاقات الصناعية ، وزارة العمل البريطانية 1944 م ) ( تيم نبلوك : ص 120 ، انظر النص الكامل لصيغة لجان العمل ، ملحق ( ) من هذا البحث ) . كما ورد في أحد التقارير الحكومية الرسمية عنها ما يلي :
( إنه بناءا علي نصيحة من لجنة العمل ، وهي لجنة كونت قبل سنوات للقيام بدور استشاري بالنسبة للحكومة فيما يتعلق بجميع المسائل المتعلقة بالعمل ، ولكي تقترح عن طريق الوسائل الصحيحة الإجراءات التي تراها ضرورية قررت الحكومة اتخاذ خطوة جديدة للاعتراف بحق العمال عن طريق هيئات تمثلهم ، وكان التدبير الجديد المقترح لتهدئة الخواطر هو إنشاء ( لجان العمل ) علي النهج الموجود بإنجلترا والذي بموجبه يشترك ممثلو العمال المنتخبين من جانبهم مع الأعضاء في إنجلترا ، فإن الغرض الأساسي لقيام اللجان الاستشارية هو إيجاد وسائل معترف بها لادارة حوار بين الإدارة والعمال لتجنب الانقسام وسوء التفاهم ، ولكي تعطي العمال حوافز أكبر ومسئوليات اكثر بالنسبة للظروف التي يؤدون فيها أعمالهم . ( محمد عمر بشير : تاريخ الحركة ، ص 214 – 215 ) ، وكان الهدف الحقيقي من ذلك هو الحد من موجة الإضرابات ، وقد أخذت أحكام لجان العمل بالتفصيل ( كما ذكرنا سابقا ) من موجز كتاب أصدرته وزارة العلاقات الصناعية للعمل في بريطانيا ، ولم يكن الغرض من مثل هذه اللجان الاهتمام بمسائل الأجور ، ولا أن تكون هيئات تمثيلية للمفاوضة نيابة عن جميع العمال من الحكومة أو المخدمين ، وذلك إن وظيفة تلك اللجان اقتصرت أساسا علي الحد من موجة الإضرابات ولكن العمال رفضوا صيغة ( لجان العمل ) . وبعد سلسلة اجتماعات في الفترة من : 29 / 6 – 16 / 7 / 1946 م توصل العمال إلي أسس تكوين تنظيمهم النقابي واختاروا له اسم هيئة شئون العمال ( انظر صيغة هيئة شئون العمال ، ملحق (2 ) ) . وقد حدد العمال أهداف هيئتهم الجديدة علي النحو التالي :
1 – تنظيم العمال في هيئة لتحسين مستوى حياتهم الاقتصادية والثقافية ولرعاية مصالح العمال والدفاع عن حقوقهم بالأساليب المشروعة لتكون حلقة وصل بين العمال والمخدمين وللدفاع عن حقوق أعضائها في مواجهة المخدمين بالاعتماد علي الطرق القانونية .
2 – تقديم مساعدات مادية ومعنوية للأعضاء وإنشاء الجمعيات التعاونية وما شابه ذلك .
3 – تنظيم المحاضرات الأدبية والعلمية بهدف تطوير المستوى التعليمي للأعضاء .
وانبثقت فكرة هيئة شئون العمال من وسط عمال قسم الهندسة الميكانيكية في عطبرة ، وكانت اللجنة التي تقدمت بطلب الاعتراف تتكون من عشرين عضوا تركيبهم كالآتي : - 15 من خريجي المدرسة الصناعية بعطبرة ، 5 عمال ، مما يعكس الدور القيادي لخريجي المدرسة الصناعية أو العمال المهرة .
أما دستور الهيئة وتركيبها التنظيمي فقد كان يعكس إصرارها أن تصبح تنظيما نقابيا حقيقيا وجادا ، رغم أن النشاطات التعاونية والثقافية كانت من بين أهدافها وتنظيما بديلا لتنظيم الحكومة ( لجان العمل ) . ( الجاك : ص 52 ) .
وانعقدت الاجتماعات التي أدت إلي تكوين الهيئة في نادي خريجي المدرسة الصناعية في عطبرة ، ومن بين أعضاء اللجنة التنفيذية ، كان هناك رئيس عمال الورش ( الرئيس ) خراط ، ( نائب الرئيس ) سباك ، ( السكرتير ) كهر بجي ، ( مساعد السكرتير ) نجار ، أمين المال ( محولجي ، ( مساعد أمين المالية ) لحام ، مسئول العلاقات العامة ( فوزي : المصدر السابق ) .
ورفضت إدارة السكة الحديد الاعتراف بهيئة شئون العمال كممثل للعمال وأصرت علي أن تكون هناك عدة هيئات للعمال مستقلة عن الأخرى فتقدمت هيئة شئون العمال بمذكرة للحاكم العام بتاريخ 16 – 3 – 1947 م ، ولكنها لم تتلق ردا مرضيا عنها .
- ردت الهيئة في 12 – 7 – 1947 م بتسيير مظاهرة سلمية للعمال جنوب رئاسة السكة الحديد لاعلان احتجاجهم ، ولما اقترب المتظاهرون من مباني الرئاسة تصدت لهم القوات المسلحة ، وحالت دون تقدم مسيرتهم معلنة أنه لن يسمح لغير رئيس الهيئة من تقديم المذكرة للإدارة . ورغم ذلك أصر العمال المتظاهرون علي استمرار المسيرة وتقديم المذكرة بصفة جماعية وتصدي البوليس للمظاهرة بالعنف .
- أضرب عمال السكة الحديد ولم يرفعوا الإضراب الابعد اعتراف الحكومة بالهيئة في 23 – 7 – 1947 م .
وأخيرا اقتنعت الإدارة البريطانية إنها تواجه حركة عمالية صلبة موحدة وديمقراطية لاتقبل بديلا عن قيام نقابات للعمال معبرة فعلا عن إرادتها .
وفي عام 1948 م صدر قانون نقابات العمال والذي استمد أحكامه من قانون النقابات الإنجليزي لسنة 1871 م فيما عدا أن قانون نقابات العمال لسنة 1948 م أكد علي ضرورة تسجيل النقابات كما صدر في العام نفسه قانون منازعات العمال لسنة 1948 م وقانون منازعات العمال ( التحكيم والتحقيق ) ، كما صدر أيضا قانون المخدمين والأشخاص المستخدمين لسنة 1948 م ، وقانون تعويضات العمال لسنة 1948 م ، وكانت القوانين المذكورة مثل قانون نقابات العمال تستمد أحكامها من القوانين واللوائح الإنجليزية المماثلة ، وقد عهد لصياغة جميع تلك القوانين إلي أحد الخبراء البريطانيين الذي أنتدب من وزارة العمل والخدمة الوطنية .
وبعد أن حصلت هيئة شئون العمال علي اعتراف الحكومة بها أبدت رفضها لاحكام قانون نقابات العمال نظرا لما انطوي عليه من فرض اشتراطات وقيود كثيرة ، ولذلك احتج العمال من جديد .
وفي يناير 1948 م أضرب العمال ن كما أضربوا في مارس 1948 م إضرابا امتد 33 يوما ونتيجة للضغط تم تعديل القوانين لإزالة القيود ومن ثم انهالت طلبات تسجيل النقابات في عام 1949 م حيث كان هناك خمس فقط من النقابات التي استكملت إجراءات التسجيل ، وفي عام 1951 م ارتفع عدد النقابات المسجلة إلي 86 ثم إلي 99 في عام 1952 م وإلي 123 عام 1954 م ، وفي عام 1956 م ارتفع العدد إلي 135 نقابة ، وكانت تضم في عضويتها حوالي 87355 عاملا . ( تيم نبلوك : ص 123 ) .
الأجور : -
في عام 1948 م وبعد إضراب عمال السكة حديد ، رفع الحد الأدنى للأجور ليصبح 210 قرشا مصريا بالإضافة لعلاوة غلاء المعيشة وعلاوات عينية أخري ( دمورية ، كاكي ، ذرة ، ... ) أدي هذا إلي لزيادة بلغت 100 % للذين كانت أجورهم لا تتجاوز 250 قرشا في الشهر و78 % ( كحد أقصي ) لمن كانت مرتباتهم في حدود 21 حنيها أو أكثر ..
وفي عام 1950 جري تعديل في مستوى المرتبات وعلاوة غلاء المعيشة حيث ارتفعت أجور العمال بنسبة 50 % لمن كان أجره يقل عن عشرة جنيهات في الشهر وبنسبة أقل من ذلك لمن زاد أجره عن العشرة جنيهات ، كذلك زيدت علاوة غلاء المعيشة بنسبة 150 % للمرتبات الدنيا ، وبنسبة 100 % للمرتبات العليا .
وفي ديسمبر 1950 ونتيجة لضغط اتحاد نقابات العمال بشأن تحسين الأجور والمرتبات ، تم تكوين لجنتين لمراجعة أجور العمال والموظفين ( لجنة ويكفيلد وملز ) . أدخلت لجنة ويكفيلد نظام الدرجات المعتمدة علي المؤهلات حيث خصصت الدرجات الثالثة والرابعة والخامسة للعمال المهرة ، وكذلك زادت الأجور بنسبة 30 % ، فأصبح الحد الأدنى للأجور يعادل 580 قرشا مصريا بناءا علي دراسات تكاليف المعيشة واحتياجات العامل واسرته في حدها الأدنى ( شعيفة وأم تكشو ) . ثم تقرر أن تزداد علاوة غلاء المعيشة كلما ازدادت تكاليف المعيشة علي أن تمنح سنويا ( كانت تمنح كل عامين ) . هذه المقترحات لم تشمل العمال بالجنوب ، فلقد تحدد الحد الأدنى للأجور هنالك ب250 قرشا في الشهر ، وفرض علي العاملين بالجنوب إلا يتخطوا المجموعة الرابعة ، أي أنه كان هناك عدم مساواة بين العاملين في الشمال والعاملين في الجنوب ، كما هو موضح في الجدول التالي : -
هيكل أجور لجنة ويكفيلد( 1951 م ) بالجنية المصري .
المنطقة المجموعة الأولي المجموعة الرابعة المجموعة السابعة
شمال السودان 5,800 37,500
الزاندى – مريدى 1,300 16,500
توريت – ياى 1,750 16,000
أعالي النيل 2,500 16,500
المصدر : مقترحات لاصلاح الهيكل الراتبي ، مرجع سابق
أما لجنة ملز فقد وضعت جدولا للمرتبات وحددت أسس الترقي ، كذلك تم تقسيم العمل بالخدمة العامة لثلاثة أقسام هي الإداري ، المهني ، شبه المهني ، الفني ، والقطاع الكتابي واستبدل نظام الحروف الأبجدية بالقطاعات الوظيفية .
الإضرابات وساعات العمل المفقودة : -
خلال الفترة : 1947 – 1953 م فقدت البلاد حوالي 1,750,000 يوم عمل وذلك نتيجة للإضرابات النقابية ، والجدول التالي يوضح ذلك : - عدد أيام العمل المفقودة عن طريق الإضرابات في الفترة : 1947 – 1953 م في القطاع الحكومي .
السنة السكة حديد المصالح الأخرى الجملة
47 /1948 840.000 - 840.000
48 /1949 20.000 13.000 33.000
49 / 1950 60.000 57.181 117.181
50 /1951 141.000 56.721 198.305
51 / 1952 181.000 78.645 260.105
52 / 1953 213.938 47.987 261.925
المصدر : سعد الدين فوزي ، مرجع سابق .
وكانت هذه الإضرابات بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة ، وأن الأجور التي كان يتقاضاها العاملون لم تكن تكفي اكثر من حد الكفاف : مثال أن تكاليف المعيشة ارتفعت من 100 % 1938 م إلي 304 .6 % سنة 1948 ، وزاد سعر الذرة بمقدار 50 % وسعر السكر بمقدار 25 % ، كما زادت إيجارات المنازل ، هذا إضافة للمجاعة التي حدثت عام 1949 م وتأثرت بها مناطق شرق السودان : القضارف ، مسمار ، سواكن ، ودلتا القاش ، وهاجر الناس إلي مدن الجزيرة والمدن حول نهر النيل ، كما شملت المجاعة مناطق كردفان والقري المجاورة وجبال النوبة ، وخلت الأسواق من الذرة والمواد الغذائية .
وبينما كانت أجور العاملين والموظفين لا تتعدى حد الكفاف ، كانت أجور الموظفين الإنجليز كبيرة ومثال علي ذلك في عام 1949 م بلغ عدد الموظفين الكلي بأنحاء السودان 6852 موظفا منهم 5568 من السودانيين و978 موظفا من الإنجليز و306 من الأجانب غير الإنجليز . وقد بلغ نصيب 771 موظفا إنجليزيا سنة 1945 حوالي 61.3 % من إجمالي المرتبات في الميزانية بينما نصيب 4521 موظفا أغلبهم من السودانيين ما يعادل 38.7 % من جملة المرتبات ( زكي البحيري : مرجع سابق ) . ولم يتغير الوضع كثيرا عام 1949 م ، هذا إضافة للتعويضات الكبيرة التي تلقاها الموظفون الإنجليز بعد اتفاقية 1953 م والتي بلغت قيمتها 590.000 جنية والتي أجازها أول برلمان سوداني في جلسته رقم ( 45 ) بتاريخ 12 – 7 – 1954 م ، والتي عارضها النائب حسن الطاهر زروق ( محمد سليمان : اليسار السوداني في عشرة أعوام ) .
وفي رسالتها إلي السكرتير الإداري في نوفمبر 1947 م ، أشارت هيئة شئون العمال إلي الآتي : ( لقد عجزنا أن نفهم كيف تسمح إدارة السكة حديد أو الحكومة لنفسها بتحقيق أرباح هائلة علي حساب العمال الذين تتدهور شروط حياتهم بشكل خطير في الوقت الذي تستحوذ فيه الحكومة علي معظم هذا الأرباح وتنفقها في شكل مرتبات عالية للمسئولين البريطانيين ، في بناء المساكن الفاخرة التي تكلف مئات الآلاف من الجنيهات ( فوزي : المرجع السابق ) .
ورغم نجاح اتحاد العمال في تحقيق ارتفاع مستمر لاجور العمال ، الاأن ارتفاع الأسعار والسوق كان يمتص بسرعة الزيادات في الأجور ، رغم أن الأجور نفسها لم تكن تكفي أكثر من حد الكفاف ، إلا أن معدلات زيادة الأجور كانت أعلي من معدلات التضخم في تلك الفترة ، ففي عام 1955 م كان مستوى الأجور يعادل أكثر من ضعف مستواها عام 1949 م ( تيم نبلوك : ص 123 ) . وكان هذا تعبيرا عن اتساع الحركة المطلبية من أجل زيادة الأجور التي أشرنا لها سابقا .
تكوين اتحاد العمال :
في أغسطس 1949 م تكون مؤتمر العمال من هيئة شئون العمال وأربع عشر نقابة عمالية ، وكان مقره في عطبرة . وفي 15 – 11 – 1950 م تكون الاتحاد العام لنقابات عمال السودان ومقره الخرطوم ، واصدر دستوره الذي حدد أهداف الاتحاد ومالية الاتحاد ، وعلاقة الاتحاد بالنقابات المنضوية تحت لوائه ، وكيفية تكوين الاتحاد ، وعضوية الاتحاد ، وكيفية الانعقاد والتمثيل للمؤتمر العمالي ، وكيفية تكوين اللجنة التنفيذية التي حددها بعشرين عضوا ، وكيفية تعديل دستور الاتحاد ( دستور الاتحاد العام لنقابات عمال السودان ، 15 – 11 – 1950 ) .
وتم تكوين أول لجنة تنفيذية من الآتي أسماؤهم :
1 – محمد السيد سلام الرئيس
2 –محمد الخير المرضي نائب الرئيس
3 –الشفيع أحمد الشيخ السكرتير العام
4 – إسماعيل محمد عثمان نائب السكرتير
5 – الحاج زيدان بريمة أمين الصندوق
6 – محمد الحسن أحمد نائب أمين الصندوق
7 – حسين محمد حسن عضو
8 – فضل عبد الوهاب عضو
9 – حسن صالح الخير عضو
10 – حسن بشير عضو
11 – عبد القادر عبد الرحمن عضو
12 – الطيب مصطفي عضو
13 – عبد اللطيف محمد بشير عضو
14 – حسن عبد الرحمن عضو
15 – عبد الحفيظ محمد علي عضو
16 – حمزة الجاك عضو
17 – عبده خليل عضو
18 – حسن إسماعيل عضو
19 – أحمد حميدة عضو
20 – لم يحدد عضو
أما هيئة شئون العمال التي كان سكرتيرها الشفيع أحمد الشيخ فقد تحولت إلى نقابة عمال السكة الحديد ، وكانت عضويتها في عام 1950 حوالي 25.000 عامل ، أي حوالي 25 % من مجموع عضويته النقابات المسجلة وقتها عندما انعقد مؤتمر اتحاد العمال .
من المعارك التي خاضها اتحاد العمال : -
1 – إضراب أغسطس 1951 م لزيادة الأجور بنسبة 75 % ونحج الإضراب وتمت زيادة الأجور بنسبة كبيرة .
2 – احتج عام 1950 علي فصل 119 من طلبة مدرسة خور طقت وهدد بالاضراب لمدة 3 أيام ولكن لم ينفذ الإضراب .
3 – التضامن مع إضراب البوليس 1951 م من اجل تحسين شروط العمل ، وقد أعلنت الحكومة حالة الطوارئ في 10 / 6 ، واعتقلت محمد السيد سلام والشفيع وحكم عليهما بالسجن سنة واحدة وسنتين علي التوالي ، وذلك بتهمة تشجيع البوليس علي عدم القيام بواجباته .
4 – في نهاية 1950 وبداية 1951 دخل الاتحاد في مواجهة مع الحكومة بسبب موقفها من قضية تسجيل الاتحاد وتعديلها لقانون قوة دفاع السودان ، فقد كان الاتحاد يطالب بتسجيل الاتحاد تحت قانون النقابات لسنة 1948 م وذلك بهدف تأمين شرعية نشاطه ولكن الحكومة رفضت بحجة أن القانون يسمح بتسجيل النقابات الفردية فقط .
كما عارض الاتحاد اتجاه الحكومة لتعديل قانون قوة دفاع السودان ، وذلك بهدف وضع المزيد من السلطات تحت الحاكم العام وخاصة في حالة حدوث الإضرابات عن العمل ، وفشل إضراب ديسمبر 1950 احتجاجا علي هذه التعديلات .
5 – مقاومة قانون النشاط الهدام الذي وضع بواسطة المجلس التنفيذي التابع للجمعية التشريعية في عهد الإدارة الاستعمارية باسم القانون رقم ( 22) 1953 م ، وإعلان إضراب ابريل الذي كان إضرابا من أجل الحريات ، وبالرغم من فشل الحملة والإضراب إلا أن أول قرارات الحكومة الوطنية ( حكومة الأزهري ) كان إلغاء النشاط الهدام .
6 - وفي عام 1953 م دعي اتحاد العمال لإضراب عام ، ولكن إضراب فشل بسبب معارضبه لاتفاقية فبراير 193 م ، وكان موقفه منها يقوم علي أساس أن الاتفاقية تفتقد الضمانات الضرورية لتقرير المصير ، فالسلطات التي تمنحها للحاكم العام في الفترة الانتقالية حسب رأى الاتحاد كانت كبيرة وواسعة ، والطريقة المحددة لسودنة الوظائف الحكومية كانت بطيئة ( خاصة في القوات المسلحة والشرطة ) والمسئولون البريطانيون لم تتغير سلطاتهم خاصة في الجنوب . ولكن الشعور الغالب وسط العمال السودانيين كان يقف مع الاتفاقية ، وذلك لأنها رغم عيوبها كانت تستجيب لمطلب أهل السودان في حق تقرير المصير ، ولذلك فشلت دعوة الاتحاد للإضراب . وكان هذا الموقف من قيادة الاتحاد انعكاسا لموقف الحزب الشيوعي من الاتفاقية والتي قدرها من جانب واحد ( سلبي ) ، ولم يقدر الجوانب الإيجابية الأكبر في الاتفاقية ، وقد صحح الحزب الشيوعي نفسه موقفه من الاتفاقية في دورة اللجنة المركزية في مارس 1953 م ، وقدرها تقديرا سليما ، ومن زاوية أنها جاءت نتيجة لنضال الشعب السوداني وكفاحه الطويل ضد الاستعمار .
7 – وبعد تكوين أول حكومة وطنية وجه اتحاد العمال أول خطاب لرئيس الحكومة طالب فيه بالآتي : -
أ – الرد علي المذكرة السابقة .
ب – وقف التشريد وإرجاع المشردين .
ج – احترام المسئولين النقابيين والحقوق النقابية
د – تطبيق الأجر المتساوي للعمل المتساوي فورا وبدون أى تمييز بين الشمال والجنوب ( الأيام العدد 197 ، 22 – 5 – 1954 م ) .
أسهم اتحاد العمال في تأسيس الجبهة الاستقلالية ، وفي أبريل 1955 م تقدم الاتحاد بميثاق وطني ( قدمه الشفيع أحمد الشيخ ) سكرتير الاتحاد ، بعد أن أقرته لجان النقابات في جلسة السبت 9 – 4 – 1955 م ، جاء فيه : -
(( إننا نرى أن تتفق كلمة الأمة في هذه المرحلة العصيبة حول المبادئ التالية : - أ – تحقيق جلاء الجيوش الأجنبية في دورة فوق العادة للبرلمان في أول أغسطس هذا العام .
ب – إعلان استقلال السودان الموحد بكامل حدوده الجغرافية والإجماع علي تعديل الاتفاقية بحيث تكون مهمة الجمعية التاسيسية الوحيدة وضع دستور ديمقراطي للسودان المستقل بسيادته التامة .
ج – تأمين استقلالنا مع مراعاة الحقوق المشتركة بين الشعبين السوداني والمصري .
د – وضع حل ديمقراطي لمشكلة الجنوب بحيث تكون وحدتنا متينة ومنيعة ضد أى عبث استعماري .
ه – استقلال نظيف قائم علي أساس مبادئ الحريات الديمقراطية واحترام الأغلبية لحقوق الأقلية ( الصراحة العدد 506 ، إبريل 1955 ) .
ونجح البرلمان في 16 – أغسطس – 1955 في إصدار قراره الشهير بالجلاء .
وبعد تمرد 18 – أغسطس – 1955 م أصدر اتحاد العمال بيانا عن الجنوب بتاريخ 21 / 8 / 1955 م طالب فيه بالآتي : -
أ – وقف تدخل الحاكم العام في الجنوب .
ب – وقف نشاط الجواسيس الإنجليز والإرساليات المعادية في الجنوب .
ج – حق القوميات الجنوبية في الحكم الذاتي في إطار السودان الموحد .
هذه باحتضار لمحات من نشاط اتحاد العمال النقابي والقومي العام .


المؤتمر الثاني للاتحاد : -
وفي ديسمبر 1951 م انعقد المؤتمر الثاني للاتحاد ، وقد ربط الاتحاد نضال الحركة العمالية من أجل تحسين شروط حياتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالنضال السياسي ، وأن تلك الأهداف لن تتحقق بصورة كاملة الابعد خروج الاستعمار كما جاء في تقرير اللجنة التنفيذية .
بذلك ربط الاتحاد قضية النضال الاقتصادي بالنضال السياسي ، والواقع أن ذلك كان له ما يبرره إذ كان العمال لا يميزون كثيرا بين إدارة العمل في المصالح الحكومية والحكومة الاستعمارية التي كانت أكبر مخدم في البلاد ( حوالي 90 % من العاملين كانوا بالحكومة ) .
كما عدل الاتحاد دستوره في المؤتمر ليشمل بشكل واضح بعض الأهداف السياسية وتضمنت تلك التعديلات فقرة تقول ( هزيمة الاستعمار في السودان في كل أشكاله السياسية والإدارية والعسكرية) .وفقرة أخرى تقول ( العمل علي انتزاع حق السودان في تقرير مصيره بحرية تامة وبعيدا عن أي نفوذ أجنبي). ومثل هذه الأهداف تتحقق كما يقول الدستور عن طريق رفض التعاون بكل أشكاله مع النظام الاستعماري وتوحيد شعب السودان في جبهة متحدة تضم كل القوي السياسية والقوي الأخرى التي تتفق أهدافها مع أهداف الاتحاد ) . وشكلت تلك التعديلات الأساس لاشتراك الاتحاد في المسائل القومية كما أوضحنا سابقا .
وعندما انعقد المؤتمر الثالث للاتحاد في ديسمبر 1952 م كان عدد وحجم عضوية النقابات ما يلي : -
الحجم عدد النقابات حجم العضوية % لمجموع العضوية
اقل من 100 عضو 12 743 2.0 %
101 إلي 500 " 13 6203 16,4 %
501 إلي 1000 " 10 7574 20,0 %
1001 إلي 1500 " 5 5995 15.9 %
أكثر من 1501 " 1 17278 45.7 %
المجموع 41 37793 100 %
المصدر : الجاك ، مرجع سابق ، ص 54 وعبد الرحمن الطيب علي طه : نظام العلاقات الصناعية في السودان .
ونلاحظ من الجدول أعلاه أن عدد النقابات ذات العضوية الأقل من 500 إذ تشكل حوالي 60 % من العدد الكلي .
ومن ضمن المشاكل التي كان يواجها الاتحاد إضافة لي عدم اعتراف الحكومة به كانت :
1 – ضعف في الكوادر المنظمة المحترفة .
2 – ضعف الإمكانيات المادية .
3 – الفجوة بين القيادة والتنظيمات خاصة تلك التي تتواجد في المناطق الحضرية
4 – عجز الاتحاد في جذب الأعداد الصغيرة من القوي العاملة في المديريات الجنوبية ( كان الاتحاد يهدف إلي قيام اتحاد عمال واحد لشمال وجنوب السودان ، فكان يعمل علي تذليل هذه العقبات ) .
مطالب الطبقة العاملة : -
منذ انبعاث الحركة النقابية كانت مطالب الطبقة العاملة تتلخص في الآتي : -
1 – وضع تشريع بالحد الأدنى للأجور وسياسة أجور مناسبة .
2 – إعادة النظر في قوانين العمل وتطوير قانون نقابات العمل والعمال لعام 1948 ليسمح بازدهار الحركة النقابية .
3 – وضع تشريعات الضمان الاجتماعي وإعادة النظر في قانون المخدم والشخص المستخدم لعام 1948 .
4 – تحقيق سلامة العمال من حوادث العمل .
5 – تخفيض ساعات العمل .
6 – تدريب العمال بغرض زيادة الإنتاج .
7 – اعتراف الحكومة باتحاد العمال .
8 – الأجر المتساوي للعمل المتساوي في الشمال والجنوب .
9 – مساواة المرأة والرجل في الأجور .


خاتمة
نخلص ما سبق إلي الآتي : -
1. إن وعي الطبقة العاملة السودانية النقابي والسياسي بدأ يتبلور ويتشكل منذ ميلادها في بداية القرن العشرين ، ومن خلال احتكاكها وملامستها وصنعها للتحولات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية والسياسية لتي حدثت ، ومن خلال نضالها من أجل تحسين مستوي معيشتها والذي تابعنا خيوطه . إن ما حدث عام 1947 كان تحولا نوعيا في وعي الطبقة العاملة النقابي والوطني ومن خلال مركز ثقلها في السكة الحديد والذي ارتقي إلي أهمية التنظيم النقابي كشكل أرقي لانتزاع الحقوق والمطالب وتحسين أحوالها الاجتماعية والثقافية بدلا من الأعمال والإضرابات الفردية التي كانت سائدة قبل 1947 م . وكانت الطبقة العاملة هي المبادرة في انتزاع شرعية وحرية العمل النقابي ، وبالتالي كانت المثال والقدوة للفئات الاجتماعية الأخرى التي لحقتها وكونت تنظيماتها النقابية .
2. جاء التنظيم النقابي الذي تم انتزاع شرعيته عام 1947م ديمقراطيا وأصيلا ومعبرا عن إرادة العمال وهو نتاج حركة ديمقراطية وجماهيرية أصيلة . كما تم هزيمة اقتراح الإدارة البريطانية الخاص بلجان العمل والتي كان الهدف منها تكوين لجان تمثل الحكومة ولاتمثل إرادة العمال ، وكان الهدف منها إجهاض مطالب العمال والحد من الإضرابات ، إضافة غلي أن الفكرة نفسها لم تكن أصيلة ، أي نابعة من أوساط العمال ، بل جاءت من الخارج وعلي غرار تجربة بريطانيا ، كما تم هزيمة أفكار نيومان الإصلاحية ( وهو خبير بريطاني استدعته الإدارة البريطانية لاقتراح تصور إصلاحي للحركة النقابية السودانية والذي نقده قاسم أمين في مقالاته : كشفناك كشفناك يا نيومان ) .
3. تم تعميق شعار أن الحركة النقابية هي جبهة تضم في داخلها عمال ينتمون إلي أحزاب مختلفة ولهم أراء ومعتقدات متباينة يجمعهم العمل الموحد للدفاع عن حقوقهم وحقوق بلدهم ، وأن الحركة النقابية يجب أن تحافظ علي استقلالها التنظيمي عن الأحزاب السياسية . وبعد أن أرست الحركة النقابية جذورها في الداخل اتصلت الحركة النقابية برصيفاتها في العالم ، وكان الشفيع أحمد الشيخ هو نائب رئيس اتحاد النقابات العالمي ، كما لعب الشفيع شخصيا دور ا بارزا في تأسيس الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب وبهذا أوجد التصاقا عضويا بين النقابات السودانية وشقيقاتها في البلدان العربية ، وكذلك كان الحال بالنسبة للنقابات الإفريقية . كما أصدر اتحاد العمال مجلة الطليعة التي كان رئيس تحريرها محجوب عثمان ، وساهم منبر الطليعة في تدريب العديد من القادة النقابيين وعمم الخبرة بين النقابات المختلفة وعكس موقف الحركة النقابية من شتي المسائل السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، كما كان هناك وعي بالتنمية الشاملة لتطوير حياة العاملين وكان هناك وعي تقدمي بتبني شعارات تقدمية في علاقات العمل والعلاقات الدولية وتوزيع الدخل واحترام العاملين ومساواة المرأة بالرجل ومشاركة العاملين في صنع القرارات والتضامن مع حركات الشعوب في العالم الثالث والمستعمرات ووادي النيل .
4. كان تأسيس الحركة النقابية مرتبطا بنهوض الحركة الجماهيرية بعد الحرب العالمية الثانية ضد الاستعمار ، وكانت دوافع إضراب 1947 مطلبيه وسياسية لايمكن الفصل بينها . وبالتالي لم يكن نضال الطبقة العاملة الاقتصادي منفصلا عن النضال السياسي ضد الاستعمار ، ولم تكن هناك مشكلة في توضيح وشرح هذه المسألة للعمال إذ أن المخدم ( الإدارة البريطانية ) كان هو نفسه الاستعمار البريطاني . وحتى عام 1956 م عام الاستقلال كان موقف الاتحاد في المسائل القومية منسجما مع مواقف الأحزاب والقوي الوطنية التي كانت تطالب بالجلاء وتقرير المصير ، هذا الشعار الذي التفت حوله الجماهير حتى تم إعلان الاستقلال وجاء استقلال السودان نظيفا خاليا من أي ارتباط بأثر أجنبي .
من الخطأ والتبسيط الساذج إذا اعتقدنا أن الحركة النقابية كانت مطية للحزب الشيوعي يوجهها كيفما ما شاء ، الواقع أن الحركة النقابية كان لها استقلالها ، وكانت حركة ديمقراطية جماهيرية أصيلة ، خذ مثلا موقف الحزب الشيوعي الخاطئ من اتفاقية فبراير 1953 م والذي نظر إليها من جانب واحد ( الجانب السلبي ) ، ولم ينظر إليها من الجانب الإيجابي ، عندما دعي اتحاد العمال إلى إضراب ، وكان هذا انعكاسا ميكانيكيا لموقف الحزب الشيوعي ، نجد أن جماهير الطبقة العاملة وبحسها السليم اتخذت الموقف السليم ، وهو عدم الاستجابة للإضراب ونظرت إلى الجانب الإيجابي في الاتفاقية باعتبارها نتاج لنضال الشعب السوداني ولكفاح الطبقة العاملة نفسها . وقد صحح الحزب الشيوعي موقفه فيما بعد من الاتفاقية ، وهذا المثال يؤكد أن الطبقة العاملة لها استقلالها ، ولم تكن تسير بدون وعي خلف الأحزاب ، كما أن الطبقة العاملة لايمكن عزلها عن التيارات الفكرية ولسياسية في المجتمع ، ولكن يمكن القول أن الطبقة العاملة لم تكن تسير بدون وعي خلف الأحزاب حتى لو كان لحزب معين الهيمنة في قيادة الحركة النقابية ، المهم أنها كانت تسير خلف الموقف السليم والمعقول ، وأن وحدة العمال من أجل تحقيق مصالحهم النقابية لايعني أنهم موحدون سياسيا ، فالحركة النقابية تضم تيارات سياسية وفكرية ودينية مختلفة ، وبالتالي فإن النقابة هي جبهة عريضة تضم تلك التيارات ، وتدافع عن مجموع عضويتها .
لقد أكدت التجارب المعاصرة ومن خلال تجربتنا في السودان وتجارب الاتحاد السوفيتي وبلدان شرق أوربا وتجارب بلدان العالم الثالث إن أي محاولة لربط تنظيمات الطبقة العاملة أو التنظيمات النقابية الأخرى بالسلطة أو بحزب واحد تكون مصيرها الفشل ، ومتي ما فقدت الحركة النقابية استقلالها تصبح جسدا بلا روح . ومن خلال تجارب الحركة النقابية السودانية منذ نشأتها نلاحظ أن استقلال الطبقة العاملة واستقلال التنظيمات الجماهيرية هو الشرط لازدهار هذه التنظيمات والشرط لنجاحها وتحقيق أهدافها والتفاف جماهيرها حولها .
جاءت الأمثلة أعلاه في محاولة لتقدير موضوعي لدور الحزب الشيوعي وارتباطه بميلاد الحركة النقابية بعد الحرب العالمية الثانية ، وقد تناول هذه العلاقة عدد من الباحثين من زوايا ورؤى مختلفة في محاولة لتقدير هذه العلاقة وعلي سبيل المثال جاء في د . عبد الغفار محمد أحمد : السودان والوحدة في التنوع ص 73 ما يلي : ( لايمكن إنكار تأثير الحزب الشيوعي الذي تكون العام 1946 م في هذه الأحداث ، فقد كان هذا الحزب منظما تنظيما دقيقا رغم صغر حجم عضويته خاصة وأن معظم قيادات هيئة شئون العمال جاءت من عضويته ، أما التنظيمين السياسيين الأساسيين في البلاد في ذلك الحين جبهة مؤيدي الاستقلال بقيادة حزب الأشقاء فقد رأيا في هذه الحركة العمالية تهديدا لمصالحهما الاقتصادية نسبة لاستقلالهما عن نفوذهما ذلك بسبب أهدافها السياسية التقدمية التي تبعد كثيرا عمل تطرح الجبهتان من أهداف ) ، هذا علما أن المطروح في عام 1946 م عندما نهض العمال في عطبرة كان اعتراف الإدارة البريطانية بشرعية هيئة شئون العمال باعتباره التنظيم الأصيل والبديل لتنظيم الحكومة ( لجان العمل ) ، وهذا المطلب ساندته الأغلبية الساحقة من العمال ، وساندته جماهير عطبرة بمختلف طبقاتها واتجاهاتها والأحزاب الأخرى : أشقاء ، الأمة الصحف والشخصيات الوطنية ، وللمزيد من التفاصيل عن ذلك يمكن مراجعة مذكرات الطيب حسن عن الحركة العمالية ، ص 35 – 44 .
أضف الي ذلك أن أحزاب الأشقاء والامة وغيرها لم تكن بمعزل عن قيادة هيئة شئون العمال حتى تري في تلك الحركة تهديدا لمصالحها ، فعلي سبيل المثال من قيادات الأشقاء في هيئة شئون العمال كان : الطيب حسن ، عبد القادر سالم ، دهب عبد العزيز ، بشير حسين ، محمد إدريس ، حسين السيد ، محمد عبيدي برودويل ، عثمان محمد جسور ، سليمان موسى ، ومن حزب الأمة : عبد الله بشير ، النور آدم وآخرين . كما أنه ليس صحيحا أن معظم قيادات هيئة شئون العمال كانت من الحزب الشيوعي ، قيادة هيئة شئون العمال من أعضاء الحزب الشيوعي كانوا : ابر أهيم ذكريا ، الشفيع أحمد الشيخ ، قاسم أمين ، الحاج عبد الرحمن ، علي محمد بشير ، محجوب علي الخ ، يمكن القول أن دور الشيوعيين كان مؤثرا أو هاما ، ولكن لايمكن القول أنهم كانوا الأغلبية في القيادة ، كما أن المطالب التي طرحتها هيئة شئون العمال كانت تتجاوب مع مصالح العمال ، وأن الحركة كانت وطنية عامة ، كما لاإعتقد أن حزبي الأمة والأشقاء رأيا في تلك الحركة تهديدا لمصالحهما ، كما أنه لم يكن مطروحا في عام 1946 م أهداف سياسية تقدمية تبعد كثير عما تطرح الجبهتان من أهداف يقول أمين التوم ( وهو من قيادات حزب الأمة ) : -
( إن الحركة العمالية حصلت علي الكثير من النفع لتحقيق أهدافها بممارستها العمل السياسي في الوقت المناسب ، وبانتماء أفراد العمال ولجماعاتهم إلى الأحزاب السياسية ، وكانت في الطليعة من ذلك أن حصلت علي حقوقها المطلبية التي كانت محرومة منها لوقت طويل ، وتسنى لها في ظل الديمقراطية التي التزمت بها الأحزاب السياسية في كل عهودها أن تظل قوية وفاعلة بين فئات الشعب الأخرى ( أمين التوم من محضر لقاء أجراه عبد الرحمن قسم السيد في كتابه عمال السودان والسياسة ، ص 131 ) .
كما يقول الأستاذ محمود الفضلى ( وهو من الأشقاء ) : -
( في واقع الأمر أن نضال الطبقة العاملة لإرساء قواعد النقابات جاء نتيجة الوعي السياسي المكتسب من النضال في الحركة الوطنية ، فهو بذلك يصعب الفصل بينه وبين السياسة ) . ( المرجع السابق ) . ولقد عبر الجز ولي سعيد تعبيرا دقيقا في تقويمه للحركة عندما قال ( كان في الحركة عنصر الوطنية الشاملة وأسهم فيها الجميع ، ولكن الشيوعيين لعبوا دورا مهما ) ( الشيوعي 150 ) .
4 . لاحظنا دور العمال المهرة أو خريجي المدارس الصناعية بشقيها الأوسط والثانوي فمثلا في ال 20 هم مجموع اللجنة التنفيذية الأولي لهيئة شئون العمال نجد 15 منهم كانوا خريجي المدارس الصناعية ، وكانت اجتماعات هيئة شئون العمال تتم في دار خريجي المدارس وقد حاولت الإدارة أن تضع حاجزا بفصل خريجي المدارس الصناعية عن بقية العمال بأساليب مختلفة مثل عمل نادي عمال منفصل للسكة الحديد في عطبرة مجاور لنادي خريجي المدارس الصناعية ، أي أنها حاولت أن تفصل العمال المهرة أو الفنيين عن جسد الطبقة العاملة ، ولكن إرادة العمال انتصرت في النهاية وتم تكوين نقابة واحدة لعمال السكة الحديد تضم العمال المهرة وغير المهرة .
5 . ويمكن القول أن الشكل الحديث للطبقة العاملة لم يظهر إلا مع بداية القرن لعشرين عندما تم إلغاء نظام الرق والسخرة في السودان ، وظهر العمل المأجور بشكل واسع مع قيام المشاريع الزراعية والصناعية والخدمية ، كما أن هناك عوامل متشابكة ومتفاعلة أدت إلي اكتساب الطبقة العاملة لوعيها السياسي والنقابي مثل : نضالها من أجل تحسين مستوى حياتها ، احتكاكها بتنظيمات الحركة الوطنية الحديثة : جمعية اللواء الأبيض ، الاتحاد السوداني ، ، تأسيس أندية العمال ومؤتمر الخريجين ، الاحتكاك بالعالم الخارجي باشتراك الجنود السودانيين في الحربين العالمية الأولى والثانية ، تأثر الطبقة العاملة بالتطور السياسي والثقافي والاجتماعي والأدبي الذي نشأ مع تأسيس الصحافة الوطنية والندوات الثقافية في أندية الخريجين والعمال وتأسيس الإذاعة عام 1940 م . وتأسيس الأحزاب السياسية بعد الحرب العالمية الثانية والتطورات السياسية العالمية والمحلية ، الدور الذي لعبه الخريجون في إدخال الوعي في صفوف الطبقة العاملة ، الاحتكاك بالعمال الأجانب والاستفادة من خبراتهم النقابي والنضالية السابقة ، هذا إضافة للدور الذي لعبه الحزب الشيوعي في مساعدة الطبقة العاملة في تأسيس أول تنظيم نقابي لها .
6. من خصوصية وسمات نشأة الطبقة العاملة السودانية أن الدولة كانت تشكل المخدم الرئيسي ( حتى عام 1944 م كانت نسبة العاملين في الدولة 94 % ) ، وبالتالي فإن نضال الطبقة العاملة السودانية المطلبي كان مرتبطا بشكل أساسي بالنضال ضد الإدارة البريطانية .




الملاحق :

ملحق ( 1 )
صيغة لجان العمل :
نص الاتفاق الذي كان قد وقع عليه مدير ورئيس هيئة شئون العمال التنفيذية وكانت بنوده كالآتي : -
لقد وافق سعادة مدير عام السكة الحديد علي تكوين هيئات ( لجان ) عمالية كالآتي : -
1. تكوين هيئة داخلية لعمال الورش بعطبرة مع منح هذه الهيئة سلطة عليا فيما يتعلق باجتماعاتها كهيئة لها وصفها ونظمها الخاصة . تجتمع هذه الهيئة مع مأمور الأشغال وذلك بخصوص بعرض كل أمورها ، إما المواضيع التي تستعصى عليها فترفع لسعادة مدير عام الورش .
2. تكوين هيئات للمرمات والأحواض ولهذه اللجان ما لسابقاتها من الورش الداخلية بعطبرة .
3. لجنة مدير الورش تكون بنسبة متساوية من الثلاث هيئات السابقة الذكر .
ولللاعضاء المنتخبين من الهيئات الثلاث الحق في تكوين هيئة من سكرتير وأعضاء رئيس هذه الهيئة التي تعتبر هيئة عليا لمصلحة الورش ، يرأس هذه الجلسات في حالة غياب مدير عام الورش ، كما لرئيس كل هيئة من الهيئات الثلاث السابقة الحق في رئاسة الجلسات في حالة غياب رئيسها المباشر . الأقسام الخارجية التابعة لهذه الهيئات ترسل تقاريرها مباشرة للهيئة التي تنتمي إليها . لكل هيئة من هذه الهيئات بعد انتخابها الحق في وضع لوائحها الداخلية ولكل هيئة من هذه الهيئات بعد انتخابها الحق إذا أرادت أن تتخطي رئيسها المباشر إلى مدير عام الورش .
لهيئة مدير عام الورش الحق في تحديد مواعيد اجتماعاتها الدورية بعد انتخابها .
تنتخب هيئة من هيئة مدير عام الورش من العمال ممثلا فيها مندوبي الهيئات الثلاث لتمثيلهم في هيئة المصلحة العليا التي يرأسها مدير السكة الحديد .
تكون هيئة لكل من عمال الإدارة والمخازن والهندسة ، لكل هيئة الحق في تكوين لجان فرعية من أقسامها المختلفة إذا أرادت ذلك .
لكل هيئة من الهيئات الثلاث الحق في انتخاب ممثليها في لجنة المصلحة العليا ، لكل هيئة من الهيئات الثلاث الحق في عدم اجتماعها لرئيسها المباشر بعد انتخابها وتمثيلها في هيئة المصلحة العليا .
لهيئة المدير العليا الحق في وضع القانون الذي تسير عليه كل هذه الهيئات ، كما لها الحق في وضع الاسم لهذه الهيئة سيكون من اختصاص هذه الهيئات البحث في كل ما يتعلق بشئون العمال مثال ذلك : المرتبات ، ساعات العمل ، الإجازات ، وكل ما يتعلق بشروط الخدمة حتى تنظيم الأعمال الداخلية ( انتهى ) .
المصدر : مذكرات الطيب حسن ، ص 16 – 17 .




ملحق ( 2 ) :
صيغة هيئة شئون العمال التي تم فيها رفض صيغة لجان العمل والتي رفعت في خطاب لمدير الورش في : 29 – 6 – 1947 م .
نص الخطاب :
إن هيئة شئون العمال التمهيدية بعطبرة لا يسعها إلا أن تتقدم لسعادتكم بخالص شكرها علي ما تكرمتم وأوليتم به أفرادها من ثقة واعتراف بحقها في تمثيل بقية العمال مما يدل علي حسن نوايا المصلحة واستعدادها لوضع قاعدة جديدة وجيدة للتفاهم بينها وبين العمال ، إن المشروع الذي سبق الاتفاق عليه مع سعادة المستر وود والذي صادق سعادتكم علي تنفيذه مشروع جميل في حد ذاته ، ولكن رأت اللجنة أخيرا ضرورة بعض التعديلات وذلك بناءا علي إلحاح الكثيرين من العمال ، وإن هذا المشروع الجديد لم توافق عليه اللجنة الابعد التأكد من أنه في مصلحة العمال والمصلحة معا .
وختاما نأمل أن يجد هذا المشروع من سعادتكم عطفا كاملا شاملا .
المشروع :
1. تكون خمس لجان من مختلف فروع المصلحة وهي : - الهندسة ، الإدارة ، الورش والمخازن والوابورات .
2. يكون مقر هذه اللجان الرئيسية عطبرة .
3. يكون لكل من هذه اللجان الحق في تمثيل فروعها الخارجية كما تنتخب محليا عن طريق المكاتبات وليس بواسطة مندوبين كما تتقدم بمطالبها لرئيسها المباشر .
4. تكون لجنة عامة من هذه اللجان الخمس لدراسة المشاكل التي ترفع لهل من اللجان الرئيسية الخمس والتي يستعصي حلها مع رؤساء المصالح وهم : - باشمهندس الهندسة ، مأمور عموم الإدارة ، مدير عام الورش ، مراقب المخازن ومدير الوابورات ، كما أن لهذه اللجنة الحق في تقديم هذه المطالب للمدير العام .
5. كل لجنة رئيسية تكون حسب أقسامها .
6. اللجنة العمومية تتكون من اثني عشر عضوا منهم أربعة يكونون هيئة سكرتارية ويتناولون رئاسة الجلسات والبقية أعضاء .
7. للجان الرئيسية الحق في تكوين لجان اختصاص حسب ما تتطلبه أعمالها في الداخل والخارج .
إن هيئة شئون العمال ترى أن هذا الوضع الجديد يمنع تعدد اللجان ويحصر جميع المشاكل في دائرة واحدة ويوفر علي المصلحة تكاليف ترحيل المندوبين من الأقسام ، وأن الهيئة إذ تتقدم لسعادتكم بهذا المشروع لهي علي استعداد تام لمناقشته .
وختاما تقبلوا فائق الاحترام .
الإمضاء : -
رئيس هيئة شئون العمال التمهيدية – سليمان موسي .
سكرتير هيئة شئون العمال التمهيدية - الطيب حسن .
المصدر : مذكرات الطيب حسن ، ص 24 – 25 .

ملحق ( 3 ) :
الشاعر الغنائي محمد يشير عتيق تخرج في مدرسة الصناعية بعطبرة قسم البرادة عام 1930 م ، وعمل بمصلحة السكة الحديد إلى أن تقاعد عام 1962 م .
انفعل بأحداث هيئة شئون العمال وكتب القصيدة التالية بعنوان ( مظلمة ) ، مظلمة رفعت إلى مدير السكة الحديد البريطاني آنذاك سنة 1948 ، يقول : -
يا صاحب المعالي بعد شكاوي عديدة
ترفع هيئة شئون العمال ظلومة شديدة .
نحن نفرتق ألوا بور حديدة حديدة .
ونخلق فيه روح من كل فكرة جديدة .
سودنة الإدارة ٍغلبنا في تحديدة
والنغمة السائدة سئمنا من ترديده .
( السكة الحديد ) والتنا بتهديده .
ودائما لينا تنذر بعقوبة شديدة .
قالت انتو لسع ما بلغتوا جدارة .
لا في الهندسة لا في الورش وادارة .
وكيف تلقى الوظيفة السامية في مقداره .
وناس ( بادير ) ( وحنا )* رؤساء وأقطاب داره .

• بادير وحنا رمز إلى الأقباط والأجانب الذين كانوا يسيطرون علي جهاز الدولة .
ديوان عتيق ، الطبعة الأولى 1986 ، ص 86 .

ملحق ( 4 ) :
الحركة العمالية في السودان بين أعوام : 1946 – 1955 م ، للدكتور : سعد الدين فوزي .
بقلم عبد ا لخالق محجوب :
وصات إلى ( مكتبة السودان ) بالخرطوم الرسالة التي وضعها الدكتور سعد الدين فوزي في العام الماضي حول الحركة العمالية في السودان والرسالة موضوعة باللغة الإنجليزية وصدرت تحت رعاية المؤسسة الملكية للشئون الدولية بلندن وقامت بطبعها مطابع جامعة اكسفورد وتقع في مائة وسبعين صفحة من الحجم المتوسط وثمنها في الخرطوم 145 قرشا .
ومع أن عنوان الكتاب يحدد موضوعه إلا أن هذا التحديد ليس دقيقا وقد يثير بعض الغموض لدي الكثيرين من المهتمين بالشئون العمالية لأنهم يفهمون مدلول عبارة الحركة العمالية علي أنه يشمل كل المؤسسات العمالية – أساسا – أي المؤسسات العمالية الاقتصادية ، أي النقابات . يظهر هذا جليا من الفصول التي يتكون منها الكتاب فهو يتكون منها الكتاب فهو يتكون فهو يتكون من أربعة فصول هي المقدمة واصول الحركة العمالية في السودان وتطور الحركة العمالية وأخيرا الخاتمة .
فنحن إذن ، لم نكن بعيدين عن الحقيقة حينما قلنا أن الكتاب ينصب علي معالجة الجانب الاقتصادي للحركة العمالية ، أي التنظيم النقابي .
ولقد استند الباحث في معالجة هذا الموضوع إلى عدة مصادر حصرها في مقدمة كتابه في المصادر الآتية : -
أولا : الوثائق الحكومية التي أمكن الباحث الاطلاع عليها .
ثانيا : سجلات النقابات الكبرى ومسجل النقابات .
ثالثا : بحث للمؤلف قام به سنة 1952 في منطقة المنازل الشعبية بالخرطوم .
رابعا : الاتصالات العضوية والمحادثات مع مؤسسي الحركة النقابية وقادتها .
المصدر الأول يثير اهتمام المهتمين بالشئون النقابية والعاملين فيها ذلك لأنه لم يتيسر لهم من قبل الوصول إليه وبذلك يكون المؤلف قد سد نقصا واضحا في تاريخ الحركة النقابية . ولهذا فنحن نتوقع أن يكون البحث الذي قام به المؤلف بحثا شاملا وملما بكل الجوانب .
إن هذه الرسالة في نظرنا هامة للغاية لأنها أول بحث في شئون الحركة العمالية ذي طابع علمي وموضوعي ولهذا تستحق العناية و الاهتمام لامن قبل العاملين في هذا الحقل ، بل من قبل جميع المثقفين السودانيين أيضا . لأن الإنتاج الفكري في السودان مصاب بالجفاف وتصلب الشرايين ، وكل خطوة يخطوها مثقف مقدام يجب أن تقابل بالاهتمام والتقدير وهذا هو ما فعله الدكتور سعد الدين فوزي .
وتقديرا منا للعمل الذي قام به الدكتور سعد الدين رأينا من جانبنا ضرورة استعراض هذه الرسالة والتعليق عليها ، ولكن نظرا لضيق المجال سوف يكون تعليقنا عليها مفصلا ولكنه سيكون تعليقا عاما وشاملا بقدر الإمكان . وفي سبيل ذلك سنعمل علي تقديم أفكار المؤلف مع مراعاة ضيق المجال ، كما سنعمل على إبداء رأينا في هذه الأفكار وهذه مهمة صعبة نرجو أن نوفق فيها .
بما أن تعليقنا واستعرا ضنا للكتاب سيكون عاما ، فإننا لن نتعرض لكل الفصول التي يشتمل عليها الكتاب بنفس القدر من التفصيل وسيتركز تعليقنا علي الفصل الثاني من الكتاب وهو الفصل الخاص بنشأة وأصل الحركة العمالية في السودان ، وذلك لأننا نعتقد أن هذا الفصل هو أهم فصل في الكتاب فهو يقرر اتجاه الباحث وموقفه من القضايا المتتالية . فحركة نقابات عمال السودان حدث جديد في السودان والكثير من المعلومات والحوادث الخاصة بها موجودة ولا خوف عليها من التشويه لأنها عرضة لمراقبة النقابيين الين كانوا علي رأس الحركة فكلهم أحياء وما زالوا يعملون فيها . ولكنني اعتقد أن تحليل التيارات التي أحاطت بمنشأ الحركة النقابية ثم الإضرابات المتكررة حول مشاكل الصناعة الأخرى وتكوين الاتحاد العام وعلاقاته بالنشاط الوطني السياسي إلى آخر هذه القضايا المختلف على تقديرها نشأ أساسا من التيارات التي أحاطت بنشأة الحركة النقابية وأصولها عام 1946 م ، وما هي العلاقة بين هذه التيارات في نظره هذا ؟ يمكننا أن نلخص رأى المؤلف في النقطتين الجوهريتين التاليتين : -
أولا : يرى المؤلف أن الحركة النقابية كانت ( نتاجا ) لخطين للتطور مستقلين ومتتابعين يرجع تاريخهما إلى صيف 1946 . أحد هذين الخطين اتخذ شكل محاولة حكومية لتنمية العلاقات بين العمال والإدارة بوساطة اللجان التمثيلية . والخط الثاني انبعث من العمال أنفسهم واتخذ هيئة شئون العمال التي كانت تقوم بمهمة النقابات والجمعية الخيرية في آن واحـد .
والتفاعل بين خطى التطور هذين والصراع بينهما منذ البداية هو الذي قرر اتجاه ونمو حركة العمال المنظمة .
ثانيا : إن نمو الحركة النقابية انبعث في السودان ما بعد الحرب بحركته السياسية الجديدة وبالحركات الجماهيرية التي جرت في مشروع الجزيرة ، باختصار لابد من ملاحظة الصور الخلفية للحياة بعد الحرب التي تتميز باتساع الحركة الوطنية والوعي الوطني .
نني أرى أن القسمات الأساسية التي رسمها المؤلف للموقف عام 1946 صحيحة كحقائق ، ولكنى لا أوافقه في الرتيب الزمني بهذه الحوادث . فالمؤلف يركز – في فصله الأول وفي الفصول الأخرى من الكتاب – على الخطين السابقين لتطور الحركة النقابية ولكنه يخطئ في تحليله للعلاقة بينهما . أن أول ما يتبادر إلى ذهن قارئ هذا الكتاب هو أن اتجاه الحكومة في تكوين اللجان التمثيلية اثر في الحركة النقابية بمعنى أن تفكير الحكومة في تكوين اللجان التمثيلية هو الذي دفع العمال إلى تكوين هيئة شئون العمال ، في رأي أن وضع القضية بهذا الشكل فيه مجافاة للتاريخ وتفسير الحوادث ، فهل حقا أثرت اللجان التمثيلية في طابع الحركة النقابية العمالية في السودان ؟ الإجابة علي هذا السؤال تقتضي منا البحث في أصول الحركة العمالية عندنا وتحديد العلاقة بين التيارات التي أدت إلى نشوئها . ولكن قبل هذا وذاك علينا أن نحدد منهجنا في البحث .
نحن نرى انه من الخطأ البحث عن أصول الحركة العمالية خارج نطاق المحيط العمالي نفسه ، وبعبارة أخرى ، من الخطأ البحث عن أصولها في رغبة الحكومة في تحسين العلاقات بين العمال والإدارة باقتراحها إنشاء مجالس مشتركة من العمال والإدارة هي المجالس التمثيلية ذلك لأن التفكير النقابي العمالي ينشأ من داخل صفوف العمال أنفسهم ، من رغبتهم في الدفاع عن مصالحهم ، علي ذلك يجب علينا أن نبحث عن أصول الحركة النقابية العمالية داخل المحيط العمالي نفسه .
فإذا ما بحثنا في أصول الحركة العمالية نجد أن أول أشكالها اتخذ ، بحق ، شكل هيئة شئون العمال التي نشأت خلال عام 1946 ولكن تكوين هذه الهيئة جاء نتيجة لتيارات مختلفة انبعثت وسط العمال خلال الحرب وبعدها ولم يكن من بينها التيار الذي كانت تمثله الحكومة آنذاك والذي تجسد في رغبتها في إنشاء مجالس تمثيلية تشمل مندوبين عن العمال والإدارة .
ففي خلال الحرب اتسعت الطبقة العاملة عدديا وتطورت مهارة العمال في ورش النقل الميكانيكي وفي ورش السكة الحديد في عطبرة باختلاطهم مع العمال الأجانب من العسكريين الهنود والإنجليز وتسلم نفر منهم مسئوليات جديدة فازداد عدد الملاحظين السودانيين في الورش ، هذا الاختلاط إلى جانب ارتفاع مستوى المهارة مع الانخفاض الملحوظ في مستوى المعيشة بالنسبة إلى العمال خلال الحرب العالمية الثانية ادخل قيما نقابية جديدة .
لم يكن ميلاد هيئة شئون العمال منعزلا عن هذه الظروف بل علي العكس جاء نتيجة لها . فقد جرت عدة اتصالات في مدينة عطبرة ومناقشات بدار الخريجين وإثارة للمشاكل العمالية في الورش الكبيرة ظهرت في المنازعات الفردية بين العمال والملاحظين الإنجليز وكانت معظم هذه المنازعات حول إجراءات العمل في داخل الورش . في وسط هذه المنازعات قويت فكرة تكوين النقابة وانتشرت اكثر بين الخريجين .
في هذه الفترة وعلى إثر ذلك أسرع مكتب السكرتير الإداري في طلب تكوين ما يسمى باللجان التمثيلية . إنني أرى أن توقيت هذه العملية هام ، فاقتراحات الحكومة صدرت بعد أن اتسع انتشار الفكرة النقابية وعقدت الاجتماعات الأولية بين الخريجين بهدف تكوين النقابة . وهكذا يصبح واضحا أن اقتراحات الحكومة جاءت كترياق مضاد لانتشار الفكرة النقابية . فالعلاقة بين هذين الاتجاهين ، اتجاه العمال واتجاه الحكومة ، لم يكن علاقة انسجام بل علاقة تناقض وصراع . وعلى هذا لايمكن أن يتخذ اتجاه الحكومة كعامل اثر في التكوين النقابي الحالي ، إلا إذا رأينا أن الحركة النقابية الحالية نشأت خلال الصراع بين العمال والحكومة .
ولكن الحركة النقابية العمالية ، التي نشأت تلقائيا من داخل صفوف العمال ، لم تظل على هذا الحال فقد اثر فيها عامل خارجي تأثيرا كبيرا هذا العامل هو أن حركة النقابات نشأت في ظروف اليقظة الوطنية ونمو الحركة الجماهيرية الحديثة التي شهد فيها السودان المظاهرات تطوف الشوارع بعد اختفائها عشرين عاما وظهرت الأحزاب السياسية الحديثة وأخذت الصحافة تنشر الوعي الوطني وتنشر الكراهية ضد الاستعمار . ولقد اختلط الوعي النقابي بالوعي الوطني السياسي وامتزج به وهذا التفاعل بين التيار الوطني ومشاكل الصناعة ، بين الوعي الوطني والوعي النقابي ، أعطى حركة النقابات طابعا ثوريا وجعلها اكثر صلابة كما أشار إلى ذلك مؤلف الرسالة . ولهذا لم يكن غريبا أن تتخذ الحركة النقابية موقفا خاصا من الإدارة البريطانية يمتاز بالصلابة ، بل يذهب إلى اكثر من ذلك ويربط بين إمكانية حل المشاكل الصناعية وإنهاء الإدارة البريطانية .
إن الخطأ الذي وقع فيه مؤلف الكتاب بعدم فهمه للعلاقة بين اتجاه العمال الذي تجسد في هيئة شئون العمال واتجاه الحكومة الذي تجسد في اللجان التمثيلية وعدم فهمه لتأثير الحركة الوطنية في كل من الاتجاهين قد أثر كثيرا على مسلكه في كثير من القضايا العمالية .
فالباحث يرى أن النقابات أكثرت من الإضرابات وأنها لم تنجح في إيجاد جهاز للمفاوضة . إنني أرى أن هذه النتيجة خاطئة لأنها لم تبن على واقع الأمر في تلك الفترة . فالحركة العمالية كانت تسعي لاثبات نفسها وتكوين منظماتها الطبقية ، وقد قوبلت هذه الرغبة الجامحة من العمال بفكرة التدرج المبتدئة من اللجان التمثيلية حتى لجان المصالح . وقد أدى هذا الصدام بين الفكرتين إلى منازعات كبيرة والى حركة الإضرابات الواسعة التي شهدتها أعوام 1947 – 1948 . فالقضية بين العمال والإدارة لم تكن قضية نزاع حول أشكال التنظيم النقابي ، ولكنها كانت قضية خاصة بوجود الكيان النقابي المستقل أو عدمه . لهذا أرى أن حكم المؤلف على تعدد الإضرابات خاصة في ظروف الحركة النقابية في السودان .
وفي سرده لموقف العمال والقادة النقابيين من قانون نقابات العمل والعمال نلحظ أيضا حكما خاطئا على موقفهم فهو يرى أن قانون نقابات العمل والعمال قانون متقدم ولكن هذا القانون في رأى ليس متقدما وهو اقل من مستوى الحركة النقابية العمالية عند إصداره ويؤكد هذه الحقيقة مواقف المفاوضين العمال منه أثناء المفاوضات واعتبار هيئة شئون العمال قبولها لهذا القانون خطوة أولية لانه كسب للعمال وحق الانتظام في النقابات إما في ما عدا ذلك فقد رأت انه يقيد حق الإضراب ويمنح المسجل سلطات واسعة كان من الواجب منحها للقضاء . فقد يقول لنا المؤلف لماذا قبل القادة النقابيون والعمال هذا القانون مع انه كان اقل من مستوى الحركة العمالية ؟ في رأي أن القادة النقابيين قد كانوا في حاجة إلى مكسب معين يقدمونه للعمال فوجدوا في سماح الحكومة لهم بحق التنظيم النقابي هذا المكسب . إلى جانب هذا وذاك فقد جاء البحث خاليا من مناقشة نقطة هامة في الحركة العمالية السودانية وهى علاقة النقابات بالعمل السياسي ، لقد اشتركت هيئة شئون العمال عام 1948 بالإضراب احتجاجا على تكوين الجمعية التشريعية ، أعقب ذلك احتجاج اتحاد العمال على تشريد طلبة خور طقت الثانوية . إن اشتراك نقابات العمال في العمل السياسي هو أحد معالم الحركة العمالية في السودان ، دليلنا على ذلك هو إن النقابات لاتجد حرجا اليوم في إدراج قضية سياسية مثل قضية الحريات العامة في جداول أعمالها . إن إغفال هذا الجانب من كفاح العمال أو التقليل منه خطأ لان هذا الجانب محل اختلاف بين النقابيين أنفسهم .
هذا يقو دنى إلى نقطة أخرى لمسها المؤلف لمسا خفيفا واشار إليها بعبارة الاختلاف بين العناصر المعتدلة والمتطرفة . إن معالم الحركة العمالية السودانية الصراع بين فكرتين للتنظيم النقابي وما يتعلق به : فكرة تأكيد التنظيم الطبقي والإشارة حوله وربط النقابات بالعمل السياسي العام وهي الفكرة التي تبناها الاشتراكيون واليساريون والديمقراطيون في السودان ، والفكرة اليمينية في النقابات التي بدأت بتكوين لجان مختلفة مثل هيئة صيانة الحركة العمالية وهيئة مكافحة النشاط الهدام واتحاد عمال الحكومة السابق .
وأود أن أشير أخيرا إلى أن المؤلف اغفل تماما دور اليساريين في بناء الحركة العمالية في السودانية ، فقد لعب اليساريون دورا كبيرا في تكوينها خاصة في صيف 1947 عندما ظهر الوضوح في أهداف حركة عمال عطبرة وإصرارها على تكوين النقابة وعدم تسجيل بمقتضى قانون البلدية حسب رغبة سلطات السكة الحديد والإدارة .
ما هو الأساس الفكري للاختلاف في تقدير المسائل التي ذكرناها آنفا ؟ في رأى أن الأساس الفكري للاختلاف في تقدير هذه القضايا يرجع إلى كون أن المؤلف متأثرا كثيرا بالحركة العمالية البريطانية ونه أقرب إلى نظرتها وفلسفتها شأنه في ذلك شأن الكثير من المثقفين السودانيين الذين يرتبطون بالثقافة السائدة في بريطانيا اليوم . وهذا أمر طبيعي لمن هو في وضع المؤلف ، في رأي إن نظرته هي نظرة اشتراكي ( معتدل ) كما يقال . اعتقد أن هذا الوضع أثر كثيرا علي الاتجاه الفكري لهذا البحث ولا يمكن إصدار تقدير صحيح له دون اعتبار هذه النقطة .
إذا كان هذا هو الأساس الفكري الذي اصدر على أساسه المؤلف أحكامه ، فإن الحركة العمالية السودانية التي تستند إلى أساس فكرى مناقض له في حاجة إلى بحث آخر ، بحث من زاوية اشتراكية ، زاوية جماهير العمال والنقابيين الذين اشتركوا في تأسيس هذه الحركة . وهذا البحث سيختلف عن البحث إلى استعرضناه في أحكامه ونظرته إلى المستقبل وكلا البحثين ضروريان . ولقد قام الدكتور سعد الدين فوزي وهذا هو أقل ما يشكر عليه بمهمة هي من شأن النقابيين الذين يتصدرون للعمل النقابي . وإذا أدرك إخواننا في اتحاد العمال هذا الواجب وقدموا بحثا من زاو يتهم العمالية ، فإننا سنستمتع بالمقارنة بين البحثين حتما .
وفي النهاية فإن هذا البحث الذي قام به الدكتور سعد الدين فوزي يستحق المناقشة الدقيقة والإلمام به واملي أن يترجم هذا البحث إلى اللغة العربية ليطلع عليه العمال .

المصدر : مجلة الفجر الجديد ، العدد الثاني ، أول اكتو بر 1957 .


ملحق (5 ) :
جدول يوضح أرقام توزيعات الأفراد النشطين اقتصاديا في السودان حسب نتائج الإحصاء الأول عام 1956 م
الرقم المجموعة الوظيفية الوظيفة الرئيسية العدد النسبة المئوية
1 مزارعون 1,868,316 67,9
2 رعاة 279,214 10,1
3 ملاك حيوانات 150,025 5,4
4 حرفيون 79,518 2,9
5 عمال غير زراعيين 74,375 2,7
6 تجار 65,765 2,4
7 عماله مدربة في قطاع الخدمات 43,051 1,6
8 شبه متخصصين غير فنيين 34,148 1,4
9 عمال زراعيين 37,680 1,4
10 عمالة غير مدربة في قطاع الخدمات 29,981 1,1
11 صغار الكتبة 20,126 7,
12 خدمات وقائية 16,899 6,
13 فنيون شبه متخصصين 6و756 2,
14 كبار الكتبه 3,669 1,
15 متخصصون غير فنيين 2,621 1,
16 إداريون 1,486 1,
17 متخصصون فنيون 1,108 -
18 ملاك مزارع ,196 -
19المجموع 2,751,506 100 %
المصدر : عبد الرحمن الطيب على طه : الحركة العمالية السودانية : دراسة لاتحادات العمالة في مجتمع نامي ، رسالة دكتوراه 1970 ، ص 69 . وعبد الغفار محمد أحمد : السودان والوحدة في التنوع ، ص 51 .

المصادر والمراجع
أولا : وثائق ومذكرات ومجلات وصحف .
1 – تقارير الحاكم العام .
2- مجلة النهضة السودانية .
3- مجلة الفجر
4- مجلة الشيوعي ، العدد 150 ، 151 .
5- صحيفة الميدان ، أعداد مختلفة .
6- صوت السودان ، أعداد مختلفة .
7- ملتقى النهرين ، أعداد مختلفة
8- الصراحة ، أعداد مختلفة .
9- الأيام ، أعداد مختلفة .
10- الطليعة ، أعداد مختلفة .
11- محاضر هيئة شئون العمال : 46 – 47 – 1948 .
12- مذكرات ابر أهيم زكريا ، مجلة الشيوعي 150 .
13- مذكرات الجز ولي سعيد 150 .
14- مذكرات الحاج عبد الرحمن .
15- مذكرات إدريس عبد القادر : نضال العاملين عبر السنين ( مؤسسة سماعة للنشر د . ت )
16- مذكرات سير قوين بل : إدارة السودان في الحكم الثنائي ، أعداد بشير محمد سعيد ، دار جامعة الخرطوم 1988 .
17- مذكرات عبد اللطيف الخليفة : الجزء الأول ، دار جامعة الخرطوم ، 1988 .
18- مذكرات خضر حمد ، دار جامعة الخرطوم .
19- منشورات الحزب الشيوعي السوداني : ا- الماركسية وقضايا الثورة السودانية ، دار الوسيلة ، 1987 .
ب – مشروع الجزيرة : مشاكله وآفاق تطوره ، دار الفكر الاشتراكي 1968 .
ج – مدخل للإصلاح الزراعي في مشروع الجزيرة ، دار الوسيلة 1988 .
د – مقترحات لاصلاح الهيكل الراتبي ، دار لوسيلة 1989 .
ه – ثورة شعب ، دار الفكر الاشتراكي ، 1965 .
و - عبد الخالق محجوب : لمحات من تاريخ الحزب الشيوعي السوداني ، دار الوسيلة ، 1987 .
20 – حسن الطاهر زروق : رأينا في برنامج الحكومة ، رد على الخطاب الوزاري المقدم لافتتاح دورة البرلمان يوم 20 مارس 1954 ، مطبعة الصراحة بالخرطوم د . ت
21 – محمد سليمان : اليسار السوداني في عشرة أعوام ، مكتبة الفجر 1971 .
22 – دستور الاتحاد العام لنقابات عمال السودان ، 15 – 11 – 1950 .
23 – مذكرات الطيب حسن : عن الحركة العمالية ، دار جامعة الخرطوم 1989 .
14 –جمهورية السودان : قوانين السودان ، 1901 – 1925 م ، النائب العام 1925 .


ثانيا : كتب .
15 – أمين عبد لرحيم أوشي : قطاع البترول ، تاريخ ورؤية مستقبلية ( مخطوط غير منشور ) .
16 –أمين عز الدين : تاريخ الطبقة العاملة المصرية منذ نشأتها حتى 1919 ، دار الكاتب العربي للطباعة والنشر ، د . ت .
17 – ارنست ما ندل : النظرية الاقتصادية الماركسية ، الجزء الأول ، دار الحقيقة ، بيروت 1973 .
18 – بابكر بدري : تاريخ حياتي ( 3 أجزاء ) .
19 – تاج السر عثمان : التاريخ الاجتماعي لفترة الحكم التركي في السودان ( 1821 – 1885 ) ، مخطوط غير منشور .
20 – تاج السر عثمان : دراسات في التاريخ الاجتماعي لفترة المهدية في السودان ( 1881 – 1898 ) ، مخطوط غير منشور
21 – تاج السر عثمان : التاريخ الاجتماعي لفترة الحكم الثنائي في السودان ( 1898 – 1956 ) ، مخطوط غير منشور .
22 – توفيق الشيخ : البترول والسياسة في المملكة العربية السعودية ، لندن ، 1988 .
23- تيم نبلوك : صراع السلطة والثروة في السودان ، ترجمة محمد علي جادين والفاتح التجانى ، دار جامعة الخرطوم للنشر 1990 .
24 - جاك ووديس : جذور الثورة الأفريقية ، القاهرة 1971 .
25 – جورج جورجيفتش : دراسة في الطبقات الاجتماعية
26 – حسن علي الساعورى وعبد الرحمن قسم السيد وجمال البناء : عمال السودان والسياسة ، دار الفكر الخرطوم 1986 .
27- حسن أحمد الجاك : الحركة النقابية والتطور السياسي في السودان ، مجلة الثقافة الوطنية ، يناير 1998 .
28– حسن نجيله : ملامح من المجتمع السوداني ، الجزء الأول ، دار جامعة الخرطوم للنشر 1971 .
29 - – حمزة الملك طمبل : الأدب السوداني وما يجب أن يكون عليه أو ديون الطبيعة ، المجلس القومي لرعاية الآداب والفنون 1972 .
30 - – حسن نجيله ملامح من المجتمع السوداني ، الجزء الثاني ، دار جامعة الخرطوم 1991 .
31 – راشد البراوى : القاموس الاقتصادي .
32 –رفعت السعيد : تاريخ المنظمات اليسارية المصرية : 1940 – 1950 ، دار الثقافة الجديدة 1976 .
33 – زكي البحيري : التطور الاقتصادي والاجتماعي في السودان ، دار النهضة المصرية 1988 .
34 – سعد ماهر حمزة : الصناعة ومشاكلها في السودان ، النهضة المصرية ، القاهرة 1958 .
35 – عبد المجيد عابدين : تاريخ الثقافة العربية في السودان ، 1967 .

36 - عبد الوهاب أبو رامه : الأغاني
37 - عبد الغفار محمد احمد : السودان والوحدة في التنوع ، برلين الغربية 1987 .
38 – عبد المنعم الغزالي : تاريخ الحركة النقابية المصرية ، 1899 – 1952 .
39 – على المك : ديوان الخليل ، تحقيق وتقديم ، دار جامعة الخرطوم للنشر
40 – عمر محمد عثمان : تطور المواصلات والنمو الاقتصادي في السودان ، 1899 – 1957 ، رسالة دكتوراه عير منشورة ، جامعة لندن .
41 – فردريك انجلز : أنتي دوهرينغ ، دار التقدم ، موسكو 1984 .
42 – فردريك انجلز : حالة الطبقة العاملة في إنجلترا
43 – محجوب محمد صالح : الصحافة السودانية في نصف قرن ، الجزء الأول ، دار جامع الخرطوم للنشر 1971 .
44 – محمد احمد داؤد : الحركة التعاونية السودانية في نصف قرن ، دار الجيل ، بيروت 1991 .
45 – محمد سعيد القدال : تاريخ السودان الحديث ، القاهرة ، 1993 .
46 – محمد عمر بشير : تاريخ الحركة الوطنية في السودان ، ترجمة هنري رياض والجنيد على عمر ، 1987 .
47 – محمد عمر بشير تطور التعليم في السودان ، ترجمة هنري رياض واخرون ، دار الثقافة 1970 .
48 - محمد عمر بشير : مشكلة جنوب السودان ، ترجمة هنري رياض واخرون ، دار الجيل بيروت ودار المأمون 1983 .
49 – محمد عمر بشير : التعليم ومشكلة العمالة في السودان ، ترجمة هنري رياض والجنيد على عمر ، دار الجيل بيروت 1980 .
50 – محمد ابر أهيم نقد : علاقات الرق في المجتمع السوداني ، 1995 .
51 – مختار عجوبة : القصة الحديثة في السودان ، دار جامعة الخرطوم للنشر
52 – مكي شبيكة : السودان عبر القرون ، دار الثقافة بيروت 1965 .
53 – وليم . ز . فوستر : موجز تاريخ الحركة النقابية العالمية ، ترجمة عبد الحميد الصافي ، بغداد 1972 .

ثالثا :الإنجليزية :
1 – Fawzi . S . : Labor movement in Sudan ,Oxford 1957
2 – Gatitskell ,A , : The Gezira , London 1959 .
Galal Din Eltayeb : Industry and Peripheral Capitalism in the Sudan 3 U . of . K . Press 1989 .

Holt . P .M .: Amodern history of the Sudan , London 1961 -4


Henderson . K .D . : Survey of the Anglo-Egyptian Sudan , 1898 1947 5– The Sudan : A Record Of progress , 1889 –
Taha , A: The Sudanese labor movement , 1970 6
Warburg ,G , : Islam and communism in a traditional society : The -7 case Of the Sudan ,London 1978



الفهرست

الموضوع رقم الصفحة
تقديم 3
مقدمة 4
الفصل الأول : النشأة والتطور 9
الفصل الثاني :التطور الاجتماعي والثقافي 22
الفصل الثالث : تطور نضال الطبقة العاملة 33
الخاتمة 53
الملاحق 57
المصادر والمراجع 65








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صدامات بين طلبة والشرطة الإيطالية احتجاجا على اتفاقيات تعاون


.. التوحد مش وصمة عاملوا ولادنا بشكل طبيعى وتفهموا حالتهم .. رس




.. الشرطة الأميركية تحتجز عددا من الموظفين بشركة -غوغل- بعد تظا


.. اعتصام موظفين بشركة -غوغل- احتجاجا على دعمها لإسرائيل




.. مظاهرات للأطباء في كينيا بعد إضراب دخل أسبوعه الخامس