الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


توسيع مبدأ الفصل بين السلطات يغنينا عن العلمانية!؟

سليم نصر الرقعي
مدون ليبي من اقليم برقة

(Salim Ragi)

2018 / 12 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


الحل يكمن في (توسيع دائرة مبدأ الفصل بين السلطات) وليس (الأخذ بالعلمانية)!
(نحو ترسيخ فكر سياسي اسلامي ديموقراطي و ليبرالي كبديل عن الفكر السياسي الأصولي والعلماني!)
******************
بمنطلق أنني (مسلم ليبرالي)(غير علماني) يؤمن بإمكانية إقامة نظام ديموقراطي يتمتع بقدر كبير من الحريات والحقوق (الليبرالية) في بلداننا المسلمة - ونخص بالذكر هنا بلادي ليبيا كبلد مسلم (*) - بحيث ينضبط هذا النظام الديموقراطي الليبرالي في اطاره العام بالخطوط الحمراء الكبرى المتفق عليها بين المسلمين وعقلاء ليبيا فيما يتعلق بممارسة الحريات الفردية والشخصية - ومنها حرية الفعل والتصرف وحرية القول والتعبير - بحيث لا تتعدى هذه الحريات الشخصية على حقوق ومقدسات الشعب وقواعد الحياء العام عنده وتصل إلى حد التعسف في استعمال الحقوق!، من هذا المنطلق الفكري كباحث عن الحق والحقيقة والعدالة والحرية فإنني - ومع دعوتي لإقامة دولة ديموقراطية ليبرالية - رفضت (العلمانية) بشكل قاطع ومتكرر وهو رفض لا يصدر مني كمسلم مؤمن بأن الاسلام عقيدة وشريعة وحسب بل يصدر هذا الموقف الفكري عنّي باعتباري أؤمن بـ(الواقعية والعقلانية السياسية) سواء في بناء النظم السياسية أو في طريقة ممارسة السياسة الرشيدة التي يجب أن تقوم على مراعاة الواقع المحلي والواقع الدولي!.. فأكثر ما يلحق الضرر بالمجتمعات هو غياب الرشد السياسي لدى المفكرين والسياسيين مما يجعلهم ينزعون للحلول والسياسات الطوباوية والمثالية المؤدلجة وغير الواقعية التي ظاهرها جميل وشعارها نبيل ولكن نتيجتها العملية الخراب والفشل الذريع والحاق الضرر بمجتمعاتهم! .. وهذا هو سبب رفضي الشديد للمشروع العلماني الذي يتدثر بشعار (الحداثة)!!.. وهو أيضًا السبب نفسه في رفضي الشديد لمشروعات الإسلام السياسي المتطرفة والسلفية والطوباوية والحالمة غير الواقعية وغير الرشيدة.. لهذا السبب بالذات رفضت العلمانية التي تريد الفصل التام بين الدولة وبين دين وشريعة المجتمع الوطني - وهنا أعني ليبيا خصوصًا كي لا يكون نقاشنا وكلامنا نظريًا ومعلقًا في الهواء الافتراضي!! - العلمانية التي تعني عند العلمانيين الليبيين (المتطرفين) أن تكون الدولة بلا دين!.. بل دولة لا دين لها!.. وهو مطلب طوباوي وغير واقعي ولا عقلاني يرقص في الهواء بل والله هو نوع من الهذيان والهراء مثله مثل أحلام الشيوعيين والفوضويين - وحلم دولة الجماهير!! - التي قد تكون مفيدة كفكرة رومانسية حالمة تداعب خيال الشعراء والفلاسفة الحالمين في اشتياقهم للعدالة المثالية المطلقة والنماذج الاجتماعية الكاملة ولكنها ستتحول - قطعًا - إلى كابوس رهيب إذا حاول هؤلاء (الحالمين) تحقيق حلمهم المثالي الطوباوي على أرض الواقع بقوة الثورة أو بقوة السلطان!.. وها هو الواقع البشري والتاريخ أمامكم خير شاهد على ما نقول!.. لهذا أرفض المشروع العلماني من حيث المبدأ خصوصًا إذا كنا نتحدث عن دولة كليبيا أو كدول الخليج مثلًا أو ربما حتى كمصر!... ومع ذلك .. أي مع رفضي للعلمانية إلا أنني على قناعة تامة وجازمة بضرورة ايجاد آلية للتمييز بين ما هو ديني والهي وما هو سياسي وبشري!.. وهذا الأمر يمكن تحقيقه لا بالعلمانية بل من خلال توسيع دائرة تطبيق ((مبدأ الفصل بين السلطات)) كمبدأ أساسي من مبادئ الحكم الديموقراطي الرشيد بحيث لا يكون الفصل هنا قائمًا فقط بين ما يُسمى بـ(السلطة التشريعية)[1] و( السلطة التنفيذية)[2] و(السلطة القضائية)[3] بل يجب علينا في دولتنا الوطنية الديموقراطية الليبرالية (المسلمة) الحديثة توسيع دائرة تطبيق (مبدأ الفصل بين السلطات) بحيث يشمل سلطات ومؤسسات أخرى يُستحسن - وللصالح العام ومن أجل توطيد أركان الحكم الرشيد والإدارة الرشيدة - الفصل بينها، خصوصًا في عصرنا الراهن حيث بات الحياة المدنية والعامة أشد تعقيدًا وتفرعًا وتركيبًا مما يتطلب تحديد اختصاصات وصلاحيات ووظائف ومهام المؤسسات المؤثرة في المجتمع... ومن هذه التطبيقات التي نحتاج اليها اليوم في عالمنا العربي والاسلامي في مسألة توسيع دائرة الفصل بين السلطات العامة ما يلي:
(1) الفصل بين السلطة السياسية المدنية والسلطة الروحية الدينية!
أي الفصل بين مهام وصلاحيات (رجال الحكم والسياسة) و(رجال الدين)، فيجب على رجال الدين - أي شيوخ وعلماء الشريعة وخصوصًا من يتولى منهم سلطة الافتاء - عدم الانخراط في الصراعات الحزبية والمنافسات السياسية التي تجري بين الفرقاء السياسيين!.. فهذا أمر غير حميد وغير رشيد وغير مفيد لا للدين ولا للسياسة ولا للدولة ولا للأمة!.. يجب أن تكون المؤسسة الدينية - خصوصًا سلطة الافتاء العام - مؤسسة وطنية مستقلة ومحايدة وفوق الاستقطاب والتنافس السياسي الدائر بين الساسة حول الحكم والسلطة والبرامج السياسية.. مع ضرورة أن يكون لرجال الدين المتخصصين في العلوم الدينية الشرعية في (مجلس الخاصة أي مجلس الشيوخ/مجلس الحكماء/العلماء/الخبراء/المستشارين) عددٌ من المقاعد المحددة بشكل دائم لبعض علماء وخبراء الشريعة الاسلامية (رجال الدين) المتميزين والمجتهدين الذين يقدمون مشورتهم العلمية الشرعية لنواب الأمة المنتخبين في (مجلس العامة أي مجلس الشعب/مجلس النواب) بحيث تتم دائمًا مراعاة ما هو قطعي الثبوت وقطعي الدلالة من دين وشريعة المجتمع المسلم بحيث لا تتضارب قوانين دولته التي يصدرها (مجلس وجامع الأمة) أي البرلمان مع مبادئ ومقاصد وقطعيات شريعته الاسلامية...... ومجلس (الشيوخ أو الخبراء والمستشارين) هذا يمثل غرفة أهل الاختصاص والخبرة والشورى الخاصة من مجلس وجامع الأمة (البرلمان) ذي الغرفتين... وهكذا فإننا لن نحتاج للعلمانية التي تقوم على الفصل التام بين الدولة ودين المجتمع!.. بل نحتاج - من ناحية - إلى (التمييز) بين ما هو الهي ديني مقدس وقطعي الثبوت والدلالة من الشريعة وبين ما هو بشري نسبي وسياسي واجتهادي قابل للتعديل والتبديل حسب مصلحة الأمة ، ونحتاج - من ناحية أخرى - إلى (التمييز) بين رجال السياسة والحكم أي (الساسة) وبين رجال الدين (علماء وفقهاء وخبراء الشريعة) بحيث يكون لكل منهما اختصاصه ودائرته التي لا يتعداها، وبهذا نحافظ على نقاء وحرية الرأي الشرعي واستقلالية سلطة الفتوى الفقهية لرجال الدين بحيث لا تخضع لأهواء الساسة سواء الذين في الحكم أو المعارضة!.
(2) الفصل بين المؤسسة السياسية المدنية الحاكمة والمؤسسة العسكرية!
أو بمعنى أدق الفصل بين (العسكر) (رجال الجيش والدفاع والقوات المسلحة) وبين ممارسة الحكم والسياسة!.. فالمؤسسة العسكرية ينبغي أن تكون مؤسسة وطنية مهنية مختصة بمهام محددة تتعلق بالدفاع عن الأمة والدولة من أي عدوان خارجي، وبالتالي من الخطأ الكبير الذي يتنافى مع أسس ومؤسسات ونظام الحكم الديموقراطي الرشيد تدخل العسكر في السياسة أو ممارستهم للحكم وقيادة الدولة!.. فهذا خطأ قاتل ومدمر.. وما ذكرناه هنا عن المؤسسة الوطنية العسكرية ينطبق أيضًا على المؤسسة الوطنية الأمنية تمام الانطباق فعلى رجال الأمن والمخابرات عدم التدخل في السياسة أو السعي لممارسة السلطة ولهذا يجب من جهة ضبط هاتين المؤسستين بقوانين صارمة تحقق مبدأ عدم تدخلها في السياسة والحكم، ومن جهة تربية رجال الجيش والأمن والشرطة والمخابرات على عقيدة مهنية وطنية صارمة تصب في اتجاه أمرين: الأول عدم التدخل في السياسة والحكم، والثاني تقديس واحترام الدستور وحقوق المواطنين!.
***
وهكذا بمثل هذه الاجراءات والتطبيقات المُوسعة لمبدأ (الفصل بين السلطات) و(تحديد صلاحيات واختصاصات كل المؤسسات بشكل قانوني صارم) يمكننا بناء دولتنا الوطنية الديموقراطية الليبرالية المسلمة والمعاصرة ودون حاجة للتورط في متهات (العلمانية) المتسترة بـ(الحداثة) التي والله لن تزيد طيتنا إلا بلةً وعلتنا إلا علةً حالها حال متهات مشروعات الجماعات الاسلاماوية ذات النزعة السلطوية والشمولية والمتسترة بالدين!.ز فالنتيجة الحتمية والطبيعية للتطرف والغو العلماني هو المزيد من التطرف والغلو الديني الأصولي!... والحل في تقديري خصوصًا في بلدي ليبيا هو كما ذكرنا، وأهل مكة أدرى بشعابها وكل دولة لابد أن تتلائم مع ثوابت وخصوصيات شعبها!.
*****************
سليم نصر الرقعي
28 ديسمبر 2018
(*) قد يكون من المناسب هنا أن أعترف بأن هذا الحل الذي اقترحه يناسب بعض الدول العربية المسلمة مثل ليبيا ودول الخليج وغيرها ولكن بعض الدول التي تعاني من انقسام طائفي أو ثقافي حاد مثل لبنان والعراق فإنها قد تحتاج لمعالجات أخرى ولكن ربما يُفلح معها ما نقترحه هنا أي نظام ديموقراطي ليبرالي مع توسيع لدائرة مبدأ الفصل بين السلطات بما فيها بين السلطة السياسية المدنية والسلطة الروحية الدينية دون منع الاغلبية المسلمة من التماهي مع شريعتها وهويتها الاسلامية مع احترام شريعة وعقيدة وديانات المكونات الأخرى غير المسلمة!.
[1] (السلطة التشريعية) كما تم تعريبها أي سلطة سن القوانين واصدار القرارات ورسم السياسات العامة وهي سلطة يتولاها مجلس الأمة (البرلمان)، ولعل هذه التسمية من المشكلات التي لم يستطع (العقل الاسلاماوي السلفي التقليدي) استيعابها وهضمها لأنه يعتقد أن (المُشرع) هو الله تعالى وأن التشريع والحكم هي من خصائص الله وحده وبالتالي منحه لغير الله هو نوع من الكفر والشرك بالله!.. وسبب هذا الخلل الذي وقعوا فيه بسبب هذا الاشتباه اللفظي هو أنهم أولًا لم يميزوا أولاً بين مسألة (تشريع الدين) ومسألة (تشريع وسن القوانين) أي سن ووضع الأحكام السلطانية السياسية!.. وسبب هذا الخلل ثانيًا أنهم نظروا وفكروا في هذه المسألة بطريقة (المُحكِّمة) وعقلية (الخوارج) وهي طريقة وعقلية تنتمي للطريقة الظاهرية الحرفية السطحية في فهم النصوص الدينية والتي تسيطر على الكثير من عقول (القُرّاء) لا (الفقهاء)!.. فالخوارج حينما قَبِل خليفة المسلمين الرابع سيدنا (علي بن أبي طالب) بالتحكيم - وهو أعلم منهم بالقرآن ودين الله - شكوا في صحة ايمانه ورفعوا في وجهه المصاحف وهم يصيحون ((لا حكم الا لله)) و((من يحكم بغير ما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)) ثم كفروه واغتالوه غدرًا حينما كان رضي الله عنه يغادر المسجد بعد صلاة الفجر!!.. فهذه العقلية الظاهرية السطحية الحرفية في فهم النصوص الدينية أشكل عليها وصف (سلطة الحكم) في الدولة اصطلاحًا في عصرنا بالسلطة (التشريعية)، فالتشريع عندهم لله وحده وهم هنا خلطوا بين مسألة تشريع الأحكام الدينية ومسألة سن الأحكام السلطانية فوقعوا في مزلق خطير وأوغلوا في مسألة التكفير وما ترتب عنها من شر كبير!.
[2] (السلطة التنفيذية) هي سلطة تنفيذ القرارات وتحقيق السياسات العامة التي تتولاها (الادارة أو الوزارة العامة) أو ما سُمي بالغة العربية المعاصرة - بشكل خاطئ في تقديري - باسم (الحُكومة!!)، بينما الحكم للبرلمان لا للادارة والوزارة، لهذا كان من الأفضل لو تمت تسميتها بـ(الخُدومة) لا (الحُكومة) أو على الأقل قيل (الادارة العامة) أو حتى (الوزارة) فهو ما يلائم حقيقة السلطة التنفيذية فهي لا تحكم إنما البرلمان هو الحاكم!.
[3] (السلطة القضائية) وهي الهيئة العامة التي تتولى مسألة تطبيق أحكام القانون الدستوري أو المدني والاداري والتجاري والاجتماعي..الخ ... بل ونرى هنا ضرورة أن تكون سلطة القضاء هي أعلى سلطة في الدولة، فالقضاة هم (الحُكَّام) وفق نص القرآن في قوله تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} فالحكام هم القضاة واستنكر المولى عزوجل عليهم هنا هذا السلوك الظالم المشين أي دفع الرشوة للحاكم المرتشي عديم الذمة أي القاضي لكي يصدر هذا الأخير حُكمًا لصالح الراشي بخلاف العدل!!... والقضاة في تقديري يجب انتقائهم بشكل صارم وتعليمهم وتربيتهم منذ البداية بشكل دقيق وعميق على حب العدالة وفهم العدل بعد معرفة الحقوق فالقضاة يمثلون (ظل الله) على الأرض للحكم بين عباده المتنازعين بالعدل ومعاقبة المنتهكين لحقوق الآخرين التي حماها الشرع الالهي والدستور والقانون!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملف الهجرة وأمن الحدود .. بين اهتمام الناخبين وفشل السياسيين


.. قائد كتيبة في لواء -ناحل- يعلن انتهاء العملية في أطرف مخيم ا




.. وسائل إعلام إسرائيلية تناقش تداعيات الرد الإيراني والهجوم ال


.. إيران وروسيا والصين.. ما حجم التقارب؟ ولماذا يزعجون الغرب؟




.. مخلفا شهداء ومفقودين.. الاحتلال يدمر منزلا غربي النصيرات على