الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ودارت الأيام والسنين..

فارس الكيخوه
(Fares Al Kehwa)

2018 / 12 / 29
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


سبي عشرات الآلاف من اليهود عدة مرات الى بلاد النهرين قبل أكثر من 2700 عام ,عن طريق الملوك الآشوريين وثم بعدهم الملك البابلي نبوخذنصر وقد وهب نبوخذنصر، اليهود المسبيين الى بابل ،أخصب الأراضي ومنحهم حرية العمل وحتى في البلاط الملكي وممارسة الديانة وعدة امتيازات أخرى …….وعاد من عاد منهم الى بلادهم بعد السبي ونهاية حكم البابليين .وبقي من بقي في بلاد النهرين وأصبحوا بمرور الزمن تكوينا وجزاء لا يتجزأ من نسيج البلاد ….
ومرت عشرات كثيرة من القرون ، وحل القرن العشرين على يهود العراق ،وفيه تم إعلان قيام دولة إسرائيل في 1948.وبعدها الأحداث الساخنة من الصراع العربي - الإسرائيلي.ثم وصول حزب البعث إلى السلطة في العراق عام 1963...كل هذا ساهم في تنامي الأحقاد وأعمال العنف ضد يهود العراق ،وقد هاجرت غالبية الطائفة مرغمين من العراق خلال عامي 1949 و1950 ،بعد سماح الحكومة لهم بشرط إسقاط الجنسية العراقية منهم ،وفضل بضعة آلاف منهم البقاء في بلدهم العراق ،وبعد مجئ عبد الكريم للسلطة ورفع القيود عنهم ،اخذت الأمور تعود إلى طبيعتها حتى مجيء حزب البعث عام 1963 واعدام التجار اليهود في نهاية الستينيات بتهمة التجسس لإسرائيل.مما دفعت البقية إلى المسارعة في الهرب .تاركين أراضيهم واملاكهم ،وهاربين الى إسرائيل ،ودول أخرى ،. تركوا بلدهم العراق وتركوا جميع ذكرياتهم وأحلامهم وصورهم الجميلة ، مجبرين مكرهين ،لا وبل طردوا طرد الكلاب ،إن صح التعبير رغم قساوته...
ودارت الأيام والسنين…………انها السنوات الأولى في القرن الحالي .وها هو زميلي نبيل وهو الذي بدأت فيه مقالاتي ،يعاني من آلام في قلبه وبعد مراجعات كثيرة هنا وهناك ،تم إجراء عملية لقلبه ،والحقيقة أن العملية الجراحية كانت صعبة ومعقدة للغاية بحيث كان عدد الجراحين في تورنتو الكندية ،الذين يستطيعون إجراء مثل تلك العمليات الجراحية يعدون على الأصابع …
يقول لي نبيل . كان الجراح يأتي لتفقدي عدة مرات في اليوم ،وكان لطيفا ومهذبا ..وبعد عدة أيام ،طلب أن يجلس الى جانبي ،وقال من اين انت يا نبيل ؟ فقلت، من العراق ..فقال ،كنت متأكدا من هذا، ومن اي مدينة ؟ فقلت من كربلاء ومن الحلة ..فقال ،وهل تعرف الحلة جيدا ؟ فقلت بالطبع.كنا نزورها دوما ،لان أهل والدتي كانوا من هناك . فأخذت عيناه تدمعان ،فقلت ،ما المشكلة يا دكتور؟ قال مازحا ،من الان لن اتحدث معك بالإنكليزية التي بالكاد يا نبيل أن أفهم عليك ،ولكن سأتحدث معك بلغتي التي تربيت عليها ،فأنا يهودي ومن قلب مدينة الحلة جئت إلى هذه الدنيا...ولازلنا في البيت نتكلم اللهجة الحلاوية وبعد كل هذه السنوات ،هل تصدق ؟ يقول نبيل ،عندما سمعت هذا ،بدأت عيناي انا أيضا تدمعان….يقول الجراح ،العراق كان بيتنا الكبير ،فنحن نحبه كثيرا ،والصور المعلقة على حيطان بيتنا اكثر للعراق مما لإسرائيل...لم يرد أبي مغادرة العراق ،وحتى في أسوء الأوقات والظروف ،كان يقول لنا ،سيكون الغد أفضل ،علينا بالصبر ….
لم يكن الغد أفضل ، ساءت الأوضاع جدا علينا ،وقرر أبي مغادرة العراق هربا عن طريق الشمال .تاركا كل شيء وراءه وبدون وداع . كان ذلك اليوم اصعب يوم في حياته ،واصعب قرار يتخذه..
هذه حقيقة مؤلمة عن يهود العراق..فقد وقع يهود العراق ،والذي حضنهم لقرون كثيرة ،ضحية السياسة والدين ،فهما وجهان لعملة واحدة .فالذي يجمعنا نحن العراقيين هي موسيقى كاظم الساهر وناظم الغزالي وغيرهم من عمالقة الغناء ،الذي يجمعنا هوالفن والرياضة،يجمعنا التاريخ والجغرافية ،ولكن الذي يفرقنا هي السياسة والدين.. كانوا يهود العراق تجارا ومزارعين وصاغة وحرفيين ومدرسين وموسيقيين وفنانين ،احبوا العراق لأنهم أولاده وجزءا من كيانه ،ينامون ويصحون تحت خيمته الكبيرة ، الشمس في العراق ،كانت اجمل من سواها عندهم ،وحتى الظلام ،فهو اجمل لأنه يحتضن العراقيين جميعا….هذه كلمات شاعرنا بدر شاكر السياب….
وقع يهود العراق ضحية الدين ،وبالتحديد ،عند قدوم مفتي القدس أمين الحسيني الى بغداد في عام 1939.وهو المعروف بتايده للنازية ،تلك النازية التي أودت بحياة عشرات الملايين من البشر ،كان قدومه للعراق ،كابوسا لجميع يهود العراق، ورغم ذلك فتح العراقيين أبوابهم لذلك الغريب ولجميع الإرهابيين الذين تبعوه ولافكاره العدوانية ضد أبناء العراق من اليهود .كما فتحوا الأبواب لداعش ولجميع الإرهابيين ،من كل صوب وحدب ،وهذا ليس غريبا على تراثنا،فعلها العراقيين على مر التاريخ ….فنحن كما قال الحجاج ، أهل شقاق ونفاق ومساوئ الأخلاق. ….وكما قال شاعرنا احمد النعيمي ،نحن شعب لا يستحي ...
خلى العراق من اليهود .ورغم كل هذا ،ظل يهود العراق أوفياء لبلادهم العراق ،يحبونه ويحسون بالأمه أينما شرقوا وغربوا ،
فهم لا زالوا يتنفسون العراق ….
الجراح اليهودي لم يسأل نبيل عن دينه ،وهل هو سني ام شيعي...فلم يكن يبحث عن الدين .كان يبحث عن الوطن….أما نحن ،يقول نبيل ،والله لو كان هذا اليهودي عندنا في العراق،لتفنن اهلنا في قتله ،فقط لأنه يهودي ، فالقرآن والحديث ،يامران بقتل اليهودي أينما كان ...فهل يستحق هذا الإنسان والذي أنقذ حياتي عندما فشل الجميع….الذبح ؟
وها نحن هذه الأيام ،نحتفل بقدوم سنة جديدة علينا ،اتمناها سنة، خير ومحبة وأمن وسلام لبلداننا ،ولتكن هذه السنة سنة حب بدل الكراهية والعداء الذي زرعه السياسيين ورجال الدين ،فلا تسمعوا لهم ،بل اصغوا جيدا لنداء الضمير والإنسانية فيكم ،وربما وربما وربما ،فضل ممن بقي من المسيحيين والايزيديين ، البقاء في بلدهم العراق .فلا تقلعوا جذورهم العميقة في بلادهم ،فهم ليسوا ضيوفا على العراق ،بل أولاده وحتى قبل أن يكون للدين كلام …..جمعهم العراق تحت جناحيه ..فالعراق يسع للجميع ،فلا تجعلوهم يبحثون عن مكان يضعون رأسهم عليه في الليل غير بلادهم ، على الاقل كان ليهود العراق بلدا يرحلون إليه ،فأين يرحل اولاد العراق ؟؟؟؟؟؟؟

تحياتي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كلمة حق
ابواحمد الكربلائي ( 2018 / 12 / 29 - 20:07 )
من المؤكد ان هذا الرجل أنبل واشرف من الالاف أو الملايين الذين لا تتسع عقولهم الا للحقد والكراهية في بلادنا المنكوبة بالجهل والتخلف والضياع والمقيدة بأغلال تجار الدين ومرتزقته وذوي العمائم النتنه واللحى العفنة

اخر الافلام

.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا


.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد




.. يديعوت أحرونوت: أميركا قد تتراجع عن فرض عقوبات ضد -نتساح يهو


.. الأرجنتين تلاحق وزيرا إيرانيا بتهمة تفجير مركز يهودي




.. وفاة زعيم الإخوان في اليمن.. إرث من الجدل والدجل