الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حفلة ليلة السنة الجديدة

منير المجيد
(Monir Almajid)

2019 / 1 / 1
كتابات ساخرة


قرّرت صديقتي أن تُقيم حفلة ليلة السنة الجديدة في شقتها.
«المكان صغير يا حبيبتي». قلت لها. «أعرف، لهذا لن أدعو إلّا المقرّبين»، قالت وهي تُريني إبتسامة عوجاء ظهرت بوضوح على جانب فمها.
لم أستطع إقناعها بكثرة سلبيات الفكرة. «أسهل بكثير أن ننضمّ إلى حفلة في المدينة، كما في كلّ سنة. هناك المئات منها. سيتحول المكان إلى فوضى، وسيثمل الناس، علاوة على أنك ستزعجين جيرانك بصوت الموسيقى».
وقفت أمامي عنيدة وعازمة ولم تتنازل أو تتخلّى عن الفكرة.
كان هذا في الشهر الماضي، أرسلتْ بعدها رسالة نصيّة واضحة إلى المدعوين: خذوا حاجتكم الشخصية من المشروبات. الطعام نُحضّره في البيت، والتكلفة ستكون ١٠٠ كرونه للشخص الواحد. الشمبانيا في الساعة الثانية عشرة سوف نسعى إلى تأمينها. لا تفكروا بشرائها.

طبعاً، ساعدتها بوضع قائمة الطعام، والمشتريات، بما في ذلك بالونات مُلّونة وقُبّعات مُضحكة مصنوعة من الورق المُقوّى وسخافات اخرى نثرناها، فيما بعد، على الطاولة، لإضفاء مظاهر إحتفالية على المكان.
إثنا عشر مدعو يعني أننا سنكون أربعة عشر في شقتها الصغيرة في الطابق الثالث المؤلف من صالة، مطبخ، حمام وغرفة نوم.

البارحة، وبعد أن اكتملت المُشتريات، عملنا ساعات طويلة في تحضير الأطباق، سمك، قريدس وحيوانات بحرية برتقالية اللون، شرحات فيليه لحم العجل وعشرات المُشهيات الاخرى، بالإضافة إلى كعكة المرزبانية التي لا يمكن التخلي عنها، حفاظاً على التقاليد.
منظر الطاولة والصحون والكاسات والوردود والأزهار كان بديعاً. الصالة مُلأت ببالونات مختلفة بعضها إلتصق بالسقف.
ذهبت، بعد كل هذا، إلى شقتي التي تبعد نحو ١٠ دقائق سيراً على الأقدام، تحمّمت وارتديت بزّة الحفلات والأعراس، وعدت نشيطاً إلى شقة صديقتي.
جاءوا على دفعات. لأكن صريحاً. الكل بدا جميلاً. الذكور ارتدوا بزّات ياقاتها تلمع كالنجوم، والإناث كانت تسريحاتهن مثيرة للإهتمام وفساتينهن برّاقة، وأكعاب أحذيتهن عالية وعطورهن مُذهلة.
المُدخّنون ذهبوا إلى الشرفة الضيقة ودخّنوا سكائرهم.
الكل كان مُتحمّساً وسعيداً وانصرفوا إلى تبادل الأحاديث والضحكات.
في الساعات الأولى جرت الحفلة بشكل رائع وهادئ، واتفق الجميع على أن الطعام، الذي تناولوه وهم يجلسون في أماكن متفرّقة في الصالة، كان أفضل من طعام معظم مطاعم المدينة.
ارتفع نبض الموسيقى وصار بعضهم يرقص، وتبادلوا القبل الرطبة، بينما آخرون كانوا يذهبون للتدخين أو التبّول. ومع اقتراب منتصف الليل، ثمل بعضهم وصعب عليهم النطق بشيء مفهوم. صوت الموسيقى صار عالياً وثقب آذناننا. بعضهم لم يُبال بقوانين صديقتي وصاروا يدخنون داخل البيت. عمّت الفوضى المكان كما تنبّأتُ.
هي حفلة رأس السنة. لا بأس. هكذا فهمت الأمر حينما تبادلنا النظرات، صديقتي وأنا.
مرّة، ذهبت إلى غرفة النوم لأجل أمر لم أعد أتذكرّه، فوجدت صديقاً يُقبّل، مُمدداً على الفراش، صديقة اخرى، لم تكن صديقته، لأن صديقها، رأيته قبل نصف دقيقة، وكان يحمل زجاجة بيرة في يد، وسيكارة في يد اخرى.
طلبت منهما مغادرة الغرفة بلطف، فغادرا وتوضّحت علامات خبيثة على وجهيهما.
كنت أشعر أيضاً بدوار خليط البيرة وأنواع الكحول الاخرى، مثل كل الضيوف، فضلاً عن الموسيقى العالية.
صديقتي كانت تتمتّع بكل لحظة وتفصيل.
بعد دقّات الساعة الإثنى عشر، والمُرسلة مباشرة من ساحة «روذ هوس پلادسن» على شاشة تلفزيون «دي آر»، تبادلنا النخب والتمنيات، وقبّلنا بعضنا البعض، ثم انصرف الذكور، بما فيهم أنا، إلى صديقاتنا وتبادلنا معهن القبل. العيون مُغمضة، والألسن في الحلوق. إنه عام جديد، وكنّا ممتلئين بالآمال.

كانت حوالي الثالثة صباحاً، حينما شعرت بسكرة عارمة، مثل معظم الموجودين. «سأذهب للنوم، وحالما أستيقظ سأعود لأساعدك بتنظيف المكان». استطعت أن أقولها لصديقتي بمشقّة. أرادت أن تثنيني، لكنني كنت أرتدي سترتي عندذاك. لم أكن أحلم إلا بنوم هادئ في سريري.

قبل أن أصل إلى شقتي، في الطابق الأرضي، والذي له باب خلفي يطلّ على حديقة صغيرة تنبت فيها أزهار صغيرة في فصل الصيف، شعرت برغبة قوية إلى الذهاب إلى التواليت. حاجة الإنسان الطبيعية في أكثر نسخها إلحاحاً. نادراً ما تأتيني هكذا حالة. هل هي الحيوانات البحرية التي تسبّبت في مشاكل لمعدتي؟
وسّعت من خطواتي وفقدت شيئاً من توازني، وأذكر أنني ترنّحت قليلاً، وبدأت أتلمس جيوبي بحثاً عن مفاتيحي، لأنني لا أريد أن أهدر أي ثانية. لكنني لم أجد المفاتيح اللعينة. لا يمكن! لا أنسى، عادة، مفاتيحي.
أضعهم على الكوميدينة الصغيرة قرب سرير صديقتي، وأتذكرّ، دوماً، أن ألتقطهم وأضعهم في جيبي قبل أن أغادر.
ما العمل، هل أعود؟ مستحيل، لا وقت لدي، فأنا أمشي الآن ككلب مذعور وضع ذنبه بين ساقيه ضاغطاً على كل سنتيمتر من أحشائي. أعتقد أنني سمعت صوت مصراني الغليظ يخرج أصواتاً غريبة. أنا في أزمة خُرائية.
وجدت نفسي في الحديقة الخلفية، بعد أن قفزت على السور الخشبي الواطئ. المكان معتم، ولا يراني أحد. الإنتظار لحظة اخرى سيكون كارثة بيئية في محيط بيتي.
قرفصت هناك، وشعرت براحة عجيبة وأنا أفرّغ قذاراتي. في نفس اللحظة، رأيت هيئة رجل يخرج من الباب الخلفي لشقتي. كان يحمل كيساً أسوداً على كتفه. كان يشبه نسخة تقليدية من لصوص أفلام الأنيمي الأمريكية.
«من أنت بحق الجحيم؟». صرختُ. ارتعب الرجل ووقع الكيس. سمعت صوت فخار يتكسّر. «ومن أنت أيها الغبي؟» صرخ في وجهي.
وقفت، فسقط سروالي وسروالي الداخلي على الأرض.
أطلق الشاب-اللّص لساقيه الريح، تاركاً الكيس في مكانه.
نشّفت مؤخرتي بمحارم مستعملة كانت في جيوبي، أخذت الكيس واستطعت دخول شقتي المنتهكة من بابها الخلفي، وغفوت خلال أقل من ثانية. اتصلت بالبوليس قبل نصف ساعة، فطلبوا مني أن أملأ إستمارة أليكترونية على موقعهم.
سأذهب الآن لأساعد صديقتي، كما وعدتها.

* برنامج ترفيهي على محطة راديو. المُذيع يطلب من المستمعين الإتصال هاتفياً ومشاركة بقية المستمعين أحداث ومجريات ليلة السنة الجديدة ٢٠١٨.
القصة أعلاه نقلتُها بتصرّف عن رواية أحد المستمعين.

عام ٢٠١٩ وأنتم أكثر سعادة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم شقو يحافظ على تصدره قائمة الإيراد اليومي ويحصد أمس 4.3


.. فيلم مصرى يشارك فى أسبوع نقاد كان السينمائى الدولى




.. أنا كنت فاكر الصفار في البيض بس????...المعلم هزأ دياب بالأدب


.. شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً




.. عوام في بحر الكلام - الفن والتجارة .. أبنة الشاعر حسين السيد