الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البحث العلمي في تونس بين الواقع و المنشود ( الجزء الأول )

علاء الدين حميدي
كاتب صحفي.

(Hmidi Alaeddine)

2019 / 1 / 1
التربية والتعليم والبحث العلمي


لطالما أعتبر البحث العلمي والأكاديمي مقياس لتقدم الدول وأحد أهم الركائز الاساسية للتنمية الاقتصادية والصناعية. ولما كان للبحث العلمي دور هام في النهوض بالبنية الاقتصادية للدولة فقد أولته تونس مكانة مهمة خلال فجر الاستقلال أين مثلت الجامعة التونسية واحدة من أكبر أسسه وهي التي كانت يومها مجرد فكرة، ولكنها من تلك الأفكار التي ولدت كبيرة فلا شاخت ولا كبرت. علت أسوارها على من خذله اجتهاده الدراسي أو من لامس حدود النجاح ولم يعانقه، لتغدوا اليوم تائهة في ظلال سرطانها الجديد " الجامعات الخاصة ". لا يختلف اثنان ان العقدان الأخيران يقفان شاهدين علي تردي الجامعة التونسية على المستوي الأكاديمي والعلمي رغم احتلالها المراتب الاولي على مستوي عدد الاوراق العلمية البحثية المنشورة والتي تجاوزت حاجز 5000 ورقة سنة 2014 وفقا لمركز الدراسات الاستراتيجيّة والديبلوماسيّة رغم ما يعانيه هذا القطاع الحيوي من غياب وتهميش عن قطار التنمية (الغائب أصلا...) منذ عشرات السنين حيث بلغت الاعتمادات المرصودة سنة 2012 ما يقارب 0.4% من جملة الميزانية.
يعتبر العالم الغربي أكبر الأمثلة الدالة على أهمية البحث العلمي، حيث وفّر الميزانيات والاعتمادات المالية وجنّد أحسن الخبرات فتتقدم وارتفع شأنه، ليشّمل هذا التقدم أصعدة مختلفة، في حين تراجعت دول أخرى لم تستثمر بالبحث والاختراع والاكتشاف فغدت دولا مقلدة ومستهلكة تعاني التبعية الاقتصادية فاقدة لإرادتها، ولسنا نغالي القول ان قلنا ان افتكاك سيادة دولة ما وفك تبعيتها رهين بمدي تقدمها على مستوي البحث العلمي وقدرتها على تحقيق حاجياتها عن طريق التصنيع.
انطلقت مسيرة البحث العلمي في تونس منذ فجر الاستقلال وذلك مع إنشاء المعهد الوطني للتراث ومحطة البحوث الغابية سنة 1957 الذي يعتبر أول سلسلة مراكز البحوث التونسية التي يتم انشاؤها حيث تلاهما سنة 1959 مركز الطاقة الذرية ثم مركزا البحوث في استعمالات المياه المالحة في الزراعة والبحوث الاقتصادية الاجتماعية سنة 1962 وغيرها من مراكز ووحدات البحوث والمخابر العلمية التي تتالت تباعا في العديد من الجامعات التونسية لتشتمل في حدود سنة 2013 على قرابة 35 مركز بحث، 140 مخبر بحث تضم اكثر من 2000 أستاذ باحث إضافة الي 500 وحدة بحث و 40 مدرسة دكتوراه و 3 أقطاب للبحث العلمي الا أن دورها قد اقتصر خلال هذه العقود الأخيرة علي التدريس دون مساهمة تذكر في الاختراع والتطوير في المجال التكنولوجي أو التجديد في المجال الادبي والمعرفي فعلي سبيل الذكر لا الحصر سُجل سنة 2014 خمسة عشر براءة اختراع فقطكما أنه لم يتم استغلال سوي 8 براءات اختراع فقط من قبل مؤسسات اقتصادية على الصعيد الوطني من بين 279 براءة اختراع مسجلة منذ سنة 2000 الى غاية سنة 2011..
يُعاني البحث العلمي في تونس من عديد الإشكاليات والنقائص التي جعلت منه يلامس حدود العدم نتيجة الي عدم الاحاطة بالقدرات والكفاءات التونسية القليلة أصلا إضافة الي تأثير الجانب الإداري في الجامعات التونسية المتسم بالبيروقراطية والمفتقر للأسس القانونية والتشريعية للبحث العلمي التي لم تضبط الا بعد 40 سنة من الاستقلال ولم تغير مع ذلك شيئا من ضعف البحث العلمي ومؤسساته وحتى كل الإصلاحات التي فٌعلت لم تأتي بأُكلها على مستوي نجاعة وتطوير البحث العلمي في البلاد.
ان النهوض بالبحث العلمي واعادته الي سكته الصحيحة يقتضي تدخلا عاجلا علي مستوي الجامعات التونسية من خلال بلورة سياسة علمية واضحة تتجاوز الأهداف الحالية الساعية الي تقزيم البحث العلمي و حصره في خانة المساهمة في تفعيل السياسة التعليمية المرسومة و الهادفة الي توريثٌ النجاح، حيثُ يُصبِح التعليم سلعةً باهظة تباع و تُشترى إضافة الي توفير شروط استمرارية الدولة و إعادة انتاجها دون الرقي بالبحث الاكاديمي الي خانة تجاوز التبعية العلمية و الاقتصادية و المحافظة علي هامش محترم من القرار السيادي....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آثار القصف الإسرائيلي على بلدة عيترون جنوبي لبنان


.. ما طبيعة القاعدة العسكرية التي استهدفت في محافظة بابل العراق




.. اللحظات الأولى بعد قصف الاحتلال الإسرائيلي منزلا في حي السلط


.. مصادر أمنية عراقية: 3 جرحى في قصف استهدف مواقع للحشد الشعبي




.. شهداء ومفقودون في قصف إسرائيلي دمر منزلا شمال غربي غزة