الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إخوان الجزائر.. خاب مسعاكم

السيد شبل

2019 / 1 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


خلال الستينيات والسعبينيات، وكما هو متوقع، كان لإخونج الجزائر كمحفوظ نحناح ومحمد بوسليماني وآخرين، موقف مناهض لسياسات الرئيس الجزائري هواري بومدين (1965- ديسمبر 1978) الاشتراكية، ونفذوا حملات مناهضة لها، وكالعادة باستخدام تفاسير تناسب هواهم للنصوص الدينية، لدرجة أنهم عابوا على النظام استخدامه مفردات كإسلام المستضعفين أو تكثيفه الحديث عن الصحابي أبي ذر الغفاري المعروف بدفاعه عن حقوق المحرومين!. كان الإخونج وقتها قد أسسوا عدد من الجمعيات التي ترفع شعار العمل الخيري، بينما هي تعتمد منهج طائفي في العمل، وتكون غطاءًا لنشاط سياسي، وتتموّل من الخارج، فكانت الحكومة تتصدى لها، وتسجن قياداتها، وانتهى الحال بـ"نحناح" وآخرين إلى تأسيس تنظيم سرّي حمل اسم "جماعة الموحدين"، وقام التنظيم الجديد ببث خطاب معارض للنظام، وكان أبرز ما فعله بهذا السياق هو توزيع منشور بعنوان "إلى أين يا بومدين؟"، وتعاون مع أولئك الذين أُضيروا من سياسات التأميم، وقام بعمليات تخريب بغرض استنزاف النظام وإزعاجه، كما جرى في 1976 حين حاول نحناح قطع الأسلاك الهاتفية، اعتراضًا على الميثاق الوطني، فتم القبض عليه، وسُجن لأربع سنوات، ثم خرج بعد وفاة هواري بومدين، وقد تعرض "بوسليماني" لذات الأمور.

ومن المعروف أن حاملي أفكار الإخونج انتعشوا نسبيًا في سياق تكاتف عبد الناصر وبن بيلا / بومدين للدفاع عن عروبة البلد، حيث كان منهم عدد كبير من مدرسي اللغة العربية، سواء مصريين أزاهرة أو من أبناء الجزائر.. لكن هؤلاء لم تكن صلتهم بالعروبة قائمة على وجهها الحضاري والقومي التقدمي ولا يعيرون قيمة لأفكار التطور والاستقلال والتحرر والوحدة.

بعد رحيل بومدين، كان المرشح الأول لخلافته عبد العزيز بوتفليقة وزير الخارجية حينها، والمقرب جدًا من بومدين.. لكن صراع داخلي بين أجنحة متعارضة، أدت إلى وصول «الشاذلي بن جديد» لكرسي الرئاسة، وهو تبنى نهج أقرب لنهج أنور السادات في مصر، حيث كان مُحاطًا بفريقٍ مؤيد لخصخصة القطاع العام، وداعم للتحالف مع القوى الغربية، كما قام بوضع يده في يد زعماء الإخونج كمحمد الغزالي ويوسف القرضاوي وآخرين، وامتد الأمر إلى تمكين الغزالي من جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة، وقد بثّ هؤلاء المشايخ أفكارًا يمينية طبعا وغاية بالرجعية.. وتحت راية "تحرير العمل السياسي" بدأت الحركات الدينية في تنظيم نفسها والتكتل، وجاء للإخوان الدعم من مصر وسويسرا حيث سعيد رمضان.

خلال الثمانينيات، قدم إخوان الجزائر بزعامة نحناح دعمًا للمقاتلين الأفغان الذين كانوا بدورهم تحت قيادة عناصر إخوانية مودوديّة أخرى مثل (برهان الدين رباني، عبد رب الرسول سياف، وقلب الدين حكمتيار)، وكانت تحركهم المخابرات الأمريكية في إطار الحرب الباردة والصراع مع السوفيت، وأحد قادة الإخوان «أبو جرة سلطاني» كان له دور معروف في تلك الحرب.

واستمرت الأمور على هذا المنوال، حتى جاءت انتفاضة أكتوبر 1988، وهي هبّة شعبية ضد سياسات "بن جديد" الاقتصادية التخريبية، لكنه، والفريق الذي كان يُهندس سياساته من الخلف، عوضًا عن تعديل السياسات الاقتصادية النيوليبرالية، واستعادة نهج بومدين الذي عممّ الرخاء بالبلد، تم إطلاق ما رآه "مزيد من الحرية السياسية"، وأجرى في نوفمبر 88 تعديلًا دستوريًا وأدخل التعددية الحزبية، وهو الأمر الذي سمح للإخونج والأصوليين بتأسيس أحزاب، فظهرت:

1- الجبهة الإسلامية للإنقاذ (عباس مدني - علي بلحاج)، والتي تتبنى منهج السلفية الإخوانية.

2- جمعية الإرشاد والإصلاح (محمد بوسليماني - محفوظ نحناح)، وهي الجمعية التي سيخرج منها حزب التجمع الإسلامي أو السلم (اختصارًا: حمس) بزعامة نحناح.
(يعتبر هذا الخط ممثل الإخوان بالجزائر، وسيخرج عنه في 2009، انشقاق باسم "حركة الدعوة والتغيير" بقيادة عبد المجيد مناصرة، ليصير بمثابة جناح آخر للإخوان هناك).

3-حركة النهضة الإسلامية (سعد عبد الله جاب الله)، بخلفية إخوانية أيضًا، وكانت تنافس مجموعة نحناج على تمثيل الإخوان بالجزائر.
هذا إلى جانب عدد آخر من الجمعيات والتنظيمات الدينية.

استفادت "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" من الظروف المعقدة اقتصاديًا وسياسيًا في نهاية الثمانينيات ومطلع التسعينيات، والتي تسبب فيها "بن جديد"، ودخلت "الجبهة الإسلامية" الانتخابات المحلية في يونيو 90 ثم المرحلة الأولى بالانتخابات التشريعية في ديسمبر 91، وبالاعتماد على العمل الخيري والتجارة بورقة الدين، بدأت "الجبهة" تحصد السلطة وتهيمن سياسيًا وتتبنى نهجًا يشي بتغيير وجه الجزائر على العموم، فبدأت بمهاجمة الاقتصاد المُخطط والمملوك للدولة (مما يفتح الباب لمزيد من الخصخصة قد تطال قطاع المحروقات)، وكذلك معارضة عمل المرأة، والمطالبة بفرض قوانين تجبر النساء على زي معين، إلى جانب التعدي على محلات فيديو ودور سينما وتدمير أطباق الاستقبال على أسطح المنازل، والدعوة إلى خلخلة الانضباط في الجيش، فتوترت الأوضاع شعبيًا ومؤسسيًا، خاصة أن الجبهة كانت قد نفذت اعتصامًا واسعًا في مايو 91 نتجت عنه فوضى وانقسام وتعطيل للمصالح، بالإضافة لذلك حصل اعتداء إرهابي على ثكنة تابعة للجيش في بلدة قمار في نوفمبر 91، وسقط فيه ضحايا عسكريين فيما سُمي ب«حادثة قمار»، ولا يجب هنا إهمال حقيقة أن "الجبهة الإسلامية" كانت مدعومة من العناصر السلفية العائدة من أفغانستان.. على هذه الأرضية حصل انقلاب من الجيش على نتائج الانتخابات في يناير 92، وتم دفع "بن جديد" إلى الاستقالة، وتم حظر الجبهة الإسلامية في مارس من ذات العام، فكان هذا رصاصة البداية لأعمال العنف التي عُرفت بالعشرية السوداء، حين نظّم المقاتلون العائدون من أفغانستان وأعضاء "الجبهة الإسلامية" أنفسهم فيما سُمي بالجيش الإسلامي للإنقاذ (الذراع العسكري للجبهة)، ثم الجماعة الإسلامية المسلحة، وهي نسخة أكثر راديكالية، وتلقت تلك الحركات دعمًا ماليًا من الإخونج خارج الجزائر، كحسن الترابي وعمر البشير اللذين كانا قد وصلا لحكم السودان بعد انقلاب 89، وفتحا البلاد لأيمن للظواهري وبن لادن وسيد إمام، فحوّلوا الخرطوم إلى منصة لإطلاق العمليات التخريبية في الجزائر ومصر والبوسنة والهرسك والشيشان.. إلخ، كما استقبلت تلك الحركات دعمًا من الأصوليين الذين يعيشون في عواصم غرب أوروبا.

الإخونج، في العموم، تعاطفوا ودعموا معنويًا وماديًا ودعائيًا التنظيمات المسلحة بالجزائر طوال التسعينيات، لكن إخونج الجزائر أو الفصيل الذي يتزعمه محفوظ نحناح «حمس»، رفض الانقلاب وناهضه، لكنه بالآن ذاته لم يشارك بالعمل المسلح، فقد كان براجماتيًا إلى حد بعيد خاصة بعد أن رصد الرفض الشعبي الجزائري للإرهاب، وبدأ في إطلاق المبادرة تلو الأخرى للتوفيق بين الحكومة والمتمردين السلفين الجهاديين، وشارك في الانتخابات البرلمانية والحكومة أيضًا (وهذه معلومة يجهلها كثيرون)، حيث تم اختيار عدد من الوزراء من هذه المجموعة الإخوانية في حكومات متتالية بالتسعينات وحتى وقت قريب، كما قامت الجماعة الإسلامية المسلحة باغتيال "بوسليماني" لأنه لم يوافقهم تماما في مشروعهم المسلح، رغم أنه إسلاموي، وزار أفغانستان، وكذلك البوسنة والهرسك حيث كان رجال بن لادن يقاتلون دعمًا لعلي عزت بيجوفتيش.

صعد بوتفليقة لكرسي الرئاسة في 1999، وبدأت الأمور في الاستقرار، ويعيش اليوم عباس مدني زعيم الجهبة الإسلامية للإنقاذ في قطر، واللافت جدًا أن برهان غليون السوري "العلماني" هو بمثابة مستشار له، وغليون هو أحد رموز المؤامرة على سورية، ومن مؤيدي التغيبر بالاعتماد على الخارج، وكان رئيسًا لما سمي المجلس الوطني السوري أو مجلس اسطنبول.. لكن عناصر الجبهة لا تزال تنتشر داخل الجمعيات والمنظمات الإسلاموية المختلفة.

أما حركة مجتمع السلم/حمس الإخوانية فتوفى مؤسسها محفوظ نحناح في 2003، ليخلفه أبو جرة سلطاني (المقاتل السابق في أفغانستان)، وقد واصل سلطاني السير على نهج براجماتي يعارض السلطة بنواحي عديدة ويبث أفكاره الرجعية لكنه غير صدامي، ويتفاوض معها لينال المناصب ويشارك بالحكومة، ثم انتقلت قيادة الحركة في 2013 إلى عبد الرزاق مقري، أحد أشد محبي رجب أردوغان، وهو كان متحمس -على خلاف "سلطاني" وجناحه الذي لا زال فاعلًا حتى الآن- للتصعيد ضد النظام، وبث خطاب معارض خشن وحادّ، وتوسيع مساحة مكاسب الإخونج، لكن مقري رغم خطابه "الصقوري"، إلا أنه لم يفارق نهج الإخونج الذي قد يلين بين حين وآخر عندما تعانده الظروف، ويبحث عن المكاسب الممكنة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أوروبية جديدة على إيران.. ما مدى فاعليتها؟| المسائية


.. اختيار أعضاء هيئة المحلفين الـ12 في محاكمة ترامب الجنائية في




.. قبل ساعات من هجوم أصفهان.. ماذا قال وزير خارجية إيران عن تصع


.. شد وجذب بين أميركا وإسرائيل بسبب ملف اجتياح رفح




.. معضلة #رفح وكيف ستخرج #إسرائيل منها؟ #وثائقيات_سكاي