الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أم كلثوم وأنا

منير المجيد
(Monir Almajid)

2019 / 1 / 3
سيرة ذاتية


الرابط
لم يبق من مواخير في سوريا سوى بحصيتا الحلبي، والقامشلي الذي لم يكن إسمه سوى «الكرخانة».
كنّا، أطفال حيّ قدور بك، الأشقياء وغير الأشقياء، نغير بهدوء على البناء الطيني، الواقع في بقعة منعزلة قرب هضبة البدن والثكنة العسكرية التي بناها الفرنسيون ومخفر نقطة الحدود التركية. كنّا نغير وقلوبنا تقفز ككرة في صدورنا الصغيرة، لنسترّق النظر إلى العاهرات وهنّ يتحمّمن من خلال الشقوق الكثيرة في الباب المُطلّ على الفناء الشمالي، ولسبب، لن أعرفه أبداً، كنّ يتسمّعن دوماً إلى أغاني أم كلثوم.
كان ذلك في بداية الستينات، سنوات الطفولة الأخيرة التي أستبدلت بسرعة بسنوات المراهقة الأولى.

استمرار مفعول الرابط
بينما كان الجيل الأكبر بالكاد ينتظر يوم أول خميس في كل شهر، مُتسمّراً قرب أجهزة الراديو والصمت المطبق يحيط شعوب دول المحيط إلى الخليج، بانتظار البث المباشر من قصر النيل بالقاهرة. الموسيقيون يتنحنحون ويضربون أوتار آلاتهم الموسيقية، بينما الحضور في القاعة يطلقون حناجرهم في سعال خفيف وكأنهم هم الذين سيشرعون بالغناء قريباً. الكل يترّقب ظهور كوكب الشرق، سيدة الغناء العربي، ثومة.
بينما، نحن، وبعد أن لقّننا مدرس اللغة الإنكليزية أسعد عرابي بعض العبارات، فقد انصرفنا إلى موسيقى البيتلز والرولينغ ستون وشارل إزناڤور من إذاعة صوت أميركا، من تقديم قيسي قاسم.
حتّى تلك السنوات، كان صوت أم كلثوم يذهب بي إلى عاهرة عارية تجلس القرفصاء وتسكب على نفسها ماءً من طاسة فضية يعلوها البخار.

قصر البللور
في باب توما الدمشقي. فناء ترابي فيه أشجار مزيّنة بلمبات مختلفة الألوان. كنّا، بعد أن أصبحنا طلاب جامعيين، نتحلّق حول طاولة مصنوعة من فورميكا
مضغوطة في معامل اللاذقية، ونطلب بطحة أو أكثر، بعد فحص الجيوب وحساب الفرنكات والقروش، مرفقة بعشرين صحن مازا. من مكبّرات الصوت كانت «رباعيات الخيام» سيّدة الموقف، بالرغم من رائحة النهر المجاور المحشو بالقاذورات والجرذان، فإننا كنّا نستمتع بالعرق وصوت السيدة.
صورة العاهرة المُستحّمة كانت ماتزال ماثلة.

السنوات الأخيرة
صرت أتذوّق أغاني أم كلثوم على نحو آخر، خاصة بعد الإنحطاط المخيف الذي يحيط ببلاد المشرق. موسيقياً أيضاً، وبعد ظهور بوس الواوا وظلال مغنية إماراتية شكلها يشعرني بالرعب، وحينما كنت في زيارة إلى القاهرة، كان متحف أم كلثوم من أولى الأماكن التي زرتها.
اكتشفت عالماً من موسيقا ثومة لا يعرفه، لعجبي، الكثيرون: أغانيها القصيرة.
صورة العاهرة المُقرفصة تلاشت، وحلّ الطرب محل فناء قصر البللور.
في هذه السنوات، أجلس كمستمع محترف، أتفاعل مع كل نقرة ووتر، أستنشق مخارج الحروف من صوت السيّدة.
لم يتح لمؤدٍ السيطرة على لفظ الكلمات كما ثومة. هذا مع صوت لم يتكرّر منذاك الوقت، وكليّ ريبة أن لا يتكرّر، فهو الإستثناء في التاريخ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آثار القصف الإسرائيلي على بلدة عيترون جنوبي لبنان


.. ما طبيعة القاعدة العسكرية التي استهدفت في محافظة بابل العراق




.. اللحظات الأولى بعد قصف الاحتلال الإسرائيلي منزلا في حي السلط


.. مصادر أمنية عراقية: 3 جرحى في قصف استهدف مواقع للحشد الشعبي




.. شهداء ومفقودون في قصف إسرائيلي دمر منزلا شمال غربي غزة