الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخطاب الديني والمسؤولية الوطنية

دهام العزاوي

2019 / 1 / 3
مواضيع وابحاث سياسية



أثارت ردود الأفعال التي عجت بها وسائل الإعلام والتواصل الإجتماعي حول تصريحات رجال دين مسلمين بارزين عن مدى شرعية الإحتفال بأعياد المسيحيين وتهنئتهم والتواصل معهم ، مجموعة من الأسئلة التي ينبغي لأي مواطن يعيش في العراق بل في البلدان العربية التي اجتاحتها موجة التطرف والتعصب الديني أن يسألها ويستفسر عنها في ظل إلتباس وارتباك المشهد الديني والسياسي والوطني ومدى الخلط بينهما في فتاوى لم تأخذ بالحسبان تغير الزمان والمكان وطبيعة المجتمع الذي نعيش فيه ! فهل أن تلك الفتاوى هدفها إبقاء الأضواء مسلطة على بعض رجال الدين الذين تمرسوا في إشعال الفتنة وتأجيج نارها وهل أنها تستند على أسس شرعية من القرآن الكريم ومامدى صدقية وصمود تلك الفتاوى ومواكبتها لعصر الانفتاح والعولمة وترسخ مبادىء حقوق الإنسان والانفتاح على الآخر والتسامح معه ، ومامدى حدود التعامل مع الآخر في ظل وجود مجتمع متنوع ومتعدد الأهواء والاعتقادات . وماهي مسؤولية السلطة والمجتمع في ضبط الخطاب الديني وإسكات المتطرفين ودورها في تفعيل ودعم القيادات الدينية التي تدفع باتجاه الخطاب الديني المعتدل والمتسامح وهل هنالك إمكانية لبناء قدرات رجال الدين الشباب ومن كل الطوائف في مجال المواطنة وحقوق الإنسان وماهو دور السلطة ومنظمات المجتمع المدني في تنفيذ فعاليات مشتركة في المناسبات الدينية لتعزيز التعايش والمواطنة.إن أخطر مايواجه الخطاب الديني هو ارتباطه بالمصالح الشخصية والحزبية بل واندماجه بالقيم العشائرية والجهوية لرجل الدين مما سلب قيم الدين الأصيلة جوهرها فالتبس على البسطاء حقيقة الدين ومقاصده التي تنزع إلى الرحمة والتسامح ونشر المحبة وفي ظل ظروف الالتباس والغموض وتجيير الدين لخدمة المصالح ، فنجد كثيرا من رجال الدين قد كفروا الآخرين وارتضى بعضهم أن يبيع آخرته بمناصب زائلة أو بمواقف أقل مايقال عنها أنها تداهن الباطل وتميل عن الحق فدفعت قيم المواطنة والتعايش والمساواة والعدل وهي قيم إسلامية أصيلة ثمنا باهضا . وفشل الكثير من رجال الدين في إقناع المواطنين البسطاء برصانة تلك القيم مع سكوت ومشاركة ممن ينتسبون إلى المنظومة الإسلامية في تأسيس قيم اللصوصية وسرقة المال العام وفضائح الفساد التي عمت مجتمعنا .أذكر هنا أن زميلا نزيها حدثني أنه استنجد في حملته الإنتخابية البرلمانية برجال دين في دائرته الإنتخابية نظرا لثقلهم وتاثيرهم في مشاعر الناس ولاعتقاده بنزاهتم ولكنه اكتشف أن جل هؤلاء انحازوا إلى أبناء قبائلهم في الإنتخابات التشريعية الماضية رغم علمهم بفساد مرشحي قبائلهم وأنهم وعدوه في العلن وأخلفوا معه في السر في حادثة تعبر عن ازدواجية بعض رجال الدين وتخلفهم في فهم مقاصد الدين ودوره في تنمية المجتمع والارتقاء بقدراته . هذه الحادثة تكررت معي في مواقف كثيرة خلقت لي صدامات مع رجال دين يدعون المثالية والعدالة والانفتاح في خطابهم الديني آخرها حضوري في ورشة عمل حول المواطنة ودور رجال الدين عقدت في أربيل نهاية 2018 ، فقد صدع أحد الشيوخ رؤوسنا عن الوطن والمواطنة والأخوة والتسامح مع الآخر وفي العشاء همس في آذاننا بكلام آخر يخالف ماقاله صباحا وحينما عاتبناه قال لنا وهل صدقتم بكلام الصباح ،إن كلام الليل يمحوه كلام النهار !؟ .
إن مصداقية رجل الدين مستمدة من قدسية الدين وتفسيره للأحكام وهذه القدسية مطلقة في المجتمعات الدينية ومجتمعنا العراقي بعد 2003 ، بات مجتمعا دينيا هيمن عليه النص الديني وانفرد من خلاله رجال الدين بالمشهد السياسي والإجتماعي والثقافي فدفع الوطن والمواطن والوطنية ثمنا باهضا حينما أهمل التعايش والتسامح وحل الإقصاء والكراهية بسبب انحراف الخطاب الديني عن مقاصده الأصيلة حتى أصبح في جزء كبير منه من معاول الهدم والتفكيك للوحدة الوطنية وللنسيج الإجتماعي بين العراقيين فكان الثمن أن هاجر وهجر وقتل وسجن الملايين نتيجة فتاوى طائفية ودينية وقبلية ، وتمترس بعض رجال الدين بالسلطة ليدافعوا باسم الدين عن مصالحهم الشخصية والسلطوية فعم الفساد والمحسوبية والرشوة وقمع الأصوات الحرة المطالبة بالتغيير . إن مايحصل من مبالغات في الاحتفالات السنوية في رأس السنة والهلووين والفالانتاين ومايشاع عن هجر عشرات آلاف الشباب للإسلام وتبني الإلحاد وانتشار المخدرات وشرب الخمور والنوادي الليلية وضعف الوطنية وهجرة الشباب إلى خارج العراق إنما تمثل ردة فعل طبيعية للخطاب الديني الذي فشل في كسب الشباب إلى قيم الفضيلة والعمل واحترام الوطن والمواطن ولن يستقيم واقع الخطاب الديني وترتقي مسؤوليته الأخلاقية و الوطنية مالم يتم تبني الخطوات الاتية :
1- ضبط السلطة للخطاب الديني وتجريم رجال الدين الذين يحرضون على الفتنة والكراهية .
2- تضمين قيم المواطنة وحقوق الإنسان والديمقراطية وحق الإختلاف مع الآخر في الخطب الدينية .
3- مراجعة المناهج الدراسية وإزالة كل مايثير الحساسيات والكراهية حيال الآخر ولاسيما مادتي التاريخ والتربية الإسلامية .
4- إشراك رجال الدين ومن كل الطوائف والأديان في دورات مشتركة حول المواطنة وحقوق الإنسان وفق المنظور العالمي بهدف الإطلاع على تجارب الشعوب المختلفة في التعايش والاندماج ولاسيما في المجتمعات المتعددة .
5- رفع الصور والرموز الدينية من كل المؤسسات المدنية والعسكرية والأماكن العامة واستبدالها بصور ولوحات ومجسمات تمثل الوحدة الوطنية والاندماج بين العراقيين .
6- تنفيذ فعاليات مشتركة في المناسبات الدينية كالحضور الجماعي لرجال الدين من مختلف الجماعات الدينية لمناسبة مولد النبي محمد (ص) ومناسبة عاشوراء واستشهاد الإمام الحسين وحضور رجال الدين المسلمين في مناسبات الأديان الاخرى كالمسيحيين والصابئة والآيزيديين وغيرهم بهدف بث روح التسامح والمحبة بين الأديان واتباعها .
6- تأليف منهج وطني جديد فيه التعريف بأديان العراق وعادات أتباعه وأهم المبادئ الدينية فيها ولاسيما المبادئ التي تدعو إلى التسامح والمحبة .
7-تعزيز مدنية الدولة العراقية من خلال تفعيل مواد الدستور العراقي الخاصة بالحقوق والحريات العامة والعمل على تشريع القوانين التي تساهم في تعزيز حقوق الإنسان وحرية الأديان وإشراك القيادات الدينية المختلفة في جلسات التشريع وبحملات المدافعة والمناصرة عن مفاهيم التنوع والمواطنة الصالحة واحترام هوية الآخر .
8- مراجعة التراث الديني والنصوص الدينية التي يستخدمها بعض رجال الدين لإثارة التطرف والنعرات العنصرية وتجريم إستخدامها في الخطب الدينية .
9- تنظيم لقاءات وندوات وحوارات مشتركة بين القيادات الدينية وبما يعزز الثقة المتبادلة ويديم التواصل بينهم وينعش فرص بناء السلام والتعايش السلمي وإدارة النزاعات بطريقة إيجابية .
10- تفعيل نظام التجنيد الإلزامي الذي يعد من أهم أدوات بناء الهوية الوطنية وتعزيز التعايش والاندماج بين العراقيين على إختلاف هوياتهم وانتماءاتهم الفرعية .
11-خلق الفرص التشغيلية للشباب وبناء المدن والتجمعات الصناعية التي تستقطب الباحثين عن العمل وتكون أساسا لبناء التجمعات والمدن الصناعية التي تجمع المواطنين من مختلف مناطق العراق وتؤلف بينهم وبما يخفف من أي آثار سلبية قد يخلفها الخطاب الديني المتطرف على الهوية الوطنية .
ونختم بما قاله بعض علماء الأمة الإسلامية عن بعض رجال الدين المزيفين فالإمام محمد الغزالي رحمه الله يقول إن الإسلام قضية ناجحة ولكن محاميها فاشل . وإن إنتشار الكفر في العالم يحمل نصف أوزاره متدينون بغضوا الله إلى خلقه بسوء صنيعهم وسوء كلامهم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طيران الاحتلال الإسرائيلي يستهدف سيارتين في بلدة الشهابية جن


.. 11 شهيدا وعدد من الجرحى في قصف إسرائيلي استهدف سوق مخيم المغ




.. احتجاجات ضخمة في جورجيا ضد قانون -النفوذ الأجنبي- الذي يسعى


.. بصوت مدوٍّ وضوء قوي.. صاعقة تضرب مدينة شخبوط في إمارة أبوظبي




.. خارج الصندوق | مخاوف من رد إسرائيلي يستهدف مفاعل آراك