الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الساكورا، روح الربيع الياباني

منير المجيد
(Monir Almajid)

2019 / 1 / 4
السياحة والرحلات


بحكم العدوى وأمثولة من عاشر قوماً، صار موسم الساكورا (تُلفظ ساكُرا) صلة وصلي باليابان وناسها. الزهرة هي رمز البلاد، وهي تظهر، هذه الأيام، أينما أدرت رأسك، في نوعية أطباق المطاعم وحلوياتها، في ألوان الثياب، أفلام ومجلات المانغا، على إبتسامة الفتيات الساحرات، وحقائب التلاميذ، ومئات آلاف الكتب وبرامج التلفزيون والمسارح التقليدية (كابوكو).
فما هي قصة زهرة شجر الكرز التي تأخذ بعقول الناس لمدة وجيزة لا تتجاوز الأسبوع؟
الشجرة هي من فصيلة Prunus (الإسم اللاتيني) والنوع الياباني، الكرز على وجه الدقة، أسمه Prunus serrulata وباليابانية ساكورا 桜 أو 櫻 أو さくら. وهذا النوع حصراً لا تُؤكل ثماره بل هو لغرض الزينة فقط.
تاريخياً، بدأ شغف الناس بأزهار الدرّاق Ume في عصر مدينة نارا (٧١٠ - ٧٩٤).
في كل الأحوال، زهر شجرة الدراق يتفتّح في نهاية آذار ويستمر لمدة ثلاثة وحتى أربعة أسابيع، ويتميّز بلونه الأحمر المُثير. لكن لم يستمر هذا العشق طويلاً لأن زهر شجرة الكرز أثارت إليها الإنتباه أكثر في عصر هيإيان (٧٩٤ - ١١٨٥)، وبدأ البلاط الإمبراطوري وطبقة النبلاء والمتبرجزون، بالإحتفال به (Hanami)، وسرعان ما لحق بهم المحاربون (الساموراي).

لم يصل إلى عامة الشعب إلّا في عصر «إدو» وإنتشار البوذية لتُضاف إليه طقوس وأبعاد روحية أيضاً. وهنا صار الناس يزرعون شجر الكرز في كل مكان، على أطراف الأنهر الكثيرة، على الجبال (يزورها في الموسم العائلات والعُشّاق ليلاً حيث تسعى السلطات المحلية إلى شقّ الطرق الثعبانية وبناء إستراحات ودورات مياه وأنوار كاشفة)، في فناءات البيوت والشركات والمدارس.
في الحروب الكثيرة التي خاضتها البلاد أُستخدم الساكورا كمحفّز وطني وپروپاغاندا لتشجيع المُقاتلين، لأنه يرمز إلى «الروح اليابانية» و «المحاربون المستعدون كزهر الكرز الكثيف الجاهز للإنتشار». حتى أن الكاميكازي (الطيارون الإنتحاريون) رسموا الساكورا على طائراتهم قبل أن تُثير الرعب والدمار في سفن ميناء پيرل هاربر الأمريكي.
بعد أن هدأ اليابانيون، وتحوّل شبقهم كمحاربين إلى أناس مُسالمين، صارت الساكورا، زهرة الزهور، ديانةً وشغفاً لن يفهمه المرء إن لم يكن هنا ويرى ويحس ويسمع ويتشمّم الحالة.
«الهانامي» طقس ألبسوه بالقدسية والمجون في ذات الوقت. يذهبون، مصطحبين مُعدّات شوي اللحوم والكثير من البيرة والساكيه وإبتسامة ومزاج الساكورا. ينتقون شجرة ويجلسون تحتها ويلتقطون الصور قبل أن تودي الكحول بأدمغتهم، بينما الأطفال والعجائز يكتفون بالنظر إليها.
ينبغي هنا أن أُشير إلى أن هؤلاء، بالرغم من ثمالتهم، لن يتركوا لهم أثر بعد الإنتهاء من الإحتفال، فهم سيأخذون معهم كل الفضلات والقمامة، حتى أعقاب السكائر، إلى بيوتهم لتُفرز وتُعبّأ في أكياس الزبالة الخاصة قبل رميها.

في المدارس لها رمز وبعد آخر بديع. فالمعروف أن إفتتاح المدارس يُصادف بداية الشهر الرابع، ولأن موسم الساكورا يبدأ عادة في نهاية الشهر الثالث وبداية الشهر الرابع، وفقاً لجغرافية المنطقة (يبدأ الموسم في جنوب البلاد وينتهي في الشمال)، فإن البراعم والزهور الأولى تُعدّ ترحيباً بقدوم التلاميذ والطلاب الجدد، وحينما ينتهي الموسم بتساقط الزهور (يسمونه تساقط مطر الزهور) لتملأ الطرقات والمعابر (حينها يتأوه الناس حزناً، فإن الوقت يكون قد حان لوداع الطلاب المُتخرّجين.
في المجموعة الشعرية Kokin Wakashuu التي تشمل قصائد قديمة تعود إلى ألف عام وحتى العصر الحديث، لفتت نظري قصيدتان، الأولى للشاعر سايغيو (من العصر المتأخر لهي إيان)، يقول فيها:
أريد أن أموت في فصل الربيع،
تحت الزهور،
في الشهر الثاني
حين يكون القمر كاملاً.

أما القصيدة الثانية فهي للشاعر موتوري نوريناغا (من عصر إدو الأوسط):
إذا أراد أحد ما أن يسأل،
ما هي روح اليابان-
التي تشعّ في شمس الصباح،
فإنها زهور شجر كرز الجبال.

اليابان، ربيع ٢٠١٨








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أميركية على مستوطنين متطرفين في الضفة الغربية


.. إسرائيلي يستفز أنصار فلسطين لتسهيل اعتقالهم في أمريكا




.. الشرطة الأمريكية تواصل التحقيق بعد إضرام رجل النار بنفسه أما


.. الرد الإيراني يتصدر اهتمام وسائل الإعلام الإسرائيلية




.. الضربات بين إيران وإسرائيل أعادت الود المفقود بين بايدن ونتن