الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حين أخفى تاكاهيرو ذاكرة الرجل المسكين - 4

محمد عبد القادر الفار
كاتب

(Mohammad Abdel Qader Alfar)

2019 / 1 / 5
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


حين أخفى تاكاهيرو ذاكرة الرجل المسكين

قصة متعددة الفصول، وسردها سيطول

-4-

(مواء داخل صندوق شرودنجر)


رأيت الحضرة تتكرر أمامي، الكل كان هناك سوى تاكاهيرو. الرجل المسكين كان متكئاً وسط المجموعة. اكتشفت أن عددهم كان سبعة، دون تاكاهيرو، ودون الرجل المسكين. لم أهتم سابقاً بالطفل سوى أنني افترضت أنه جاء مع أحدهم وشعرت أن ذلك سخيف، ولكنني هذه المرة عرفت أنه جاء وحده. لقد كان الطفل، وبخلافي، مدعواً. المرأة الروحانية كانت قصيرة وممتلئة وجميلة وساذجة. طبيب الأعصاب كان طويلاً جداً. الطفل كان في العاشرة تقريباً، وكان حسن الوجه وضئيل البنية. كان هشاً كالبسكويت، ولكن كانت له عينيان متلألئتان كبيرتان تأسران القلب. كان هناك رجل قوي البنية كث الشارب يقف إلى جانب الطبيب طوال الوقت ويومئ برأسه موافقاً على كل ما يقول، ولكن بدا لي وكأن الطبيب يخافه. الطفل كان يحوم حول المرأة الروحانية، وكانت تحدثه وتبتسم له ابتسامات عريضة بسذاجة، أما هو فكان يحملق عينيه الكبيرتين بفضول وبراءة ويهمس لها بأشياء كانت تضحكها. كان هناك رجل أنيق ناعم يرتدي النظارات ويقف وراء الرجل المسكين وكأنه موكل به. وكان هناك رجلان جالسين، كانا جالسين بخلاف سائر الحضور، وكل واحد منهما كان يجلس في جهة مقابلة للآخر، وكانا ينظران إلى كل شيء سوى بعضهما البعض وكأنها لا يريان بعضهما، أو ربما يتجنبان بعضهما. وبالطبع لم يكونا ينظران إلي أيضاً. وكان بحوزة كل منهما دفتر يسجل عليه ما يحدث.ولم يكن أي منهما يسند ظهره بل كانا يميلان إلى الأمام ويظهران اهتماماً بكل ما يحدث. كان التناظر في المشهد هائلاً ومهيباً، ويوحي لك (وربما يوهمك) بأن ثمة معنىً.
.
.
أما تاكاهيرو فكان يبدو مثل السيلويت هذه المرة، كان ظلاً أكثر مما هو جسد، وكنت على وشك أن أقرأ المودرا التي كان يشير بها تجاه الرجل المسكين، ولكن ما ان بدأت أركز فيها حتى بدأ كل شيء حولي يتلاشى. لقد أدركت أنني في حلم ويبدو أنني لست هنا.
.
.
شعرت بماء ينسكب على وجهي ففتحت عينيّ لأجد نفسي على حمالة إسعاف خارج المبنى. كان الرجل المسكين واقفاً أمامي وبيده وعاء خزفي أبيض، ومن حوله وقف ثلاثة أشخاصٍ آخرين. سرعان ما اقترب مني وسألني باهتمام: أأنت بخير؟ وأومأت برأسي موافقاً وأخذت ألتفت في كل اتجاه لأستوعب ما حدث. فقال لي: وجدناك بعد نصف ساعة من نزولك مغشياً عليك قرب الطابق الأرضي في سلالم الطوارئ، واستغرق إيقاظك حوالي نصف ساعة أخرى. نحن نعتذر لإزعاجك وإرباكك. الوقت لا يزال فجراً. إذا كانت تشعر أنك جيد يمكن أن تعود إلى حجرتك وتستأنف نومك. لقد أكملنا عملك، وشقتك كما هي لم يتغير عليها شيء. أم تريد أن نصطحبك إلى طبيب أو مستشفى؟
.
.
أكدت له أنني بخير وأن ما حدث كان جراء إجهاد لا أكثر وأنني قادر الآن على العودة بنفسي إلى شقتي على السطح.
.
غادرت المجموعة سريعاً في سيارة خاصة لم يتسن لي أن أتأكد ما إذا كانت سيارة شرطة فعلاً. وكنت على أية حال أشعر بتعب شديد، فسارعت استقلال المصعد إلى شقتي ووجدت المفتاح في الباب، فدخلت واستلقيت على السرير. كان الرجل المسكين على حق. كل شيء كان على حاله ولم يعبث أحد بممتلكاتي، وكانت أثر رائحة عطر الرجل المسكين الثمين لا يزال موجوداً في المكان.
.
لم يتقبل عقلي أن ما يحدث مصادفة، وشعرت وكأن ما حدث كان الحلقة الأولى، وأن ذاكرة الرجل المسكين لا بد أنها أخطر مما ظننت، وأدركت أن تاكاهيرو هو بالتأكيد رجل غير عادي. أما حلم الحضرة، فلم يتقبل عقلي أيضاً أن يكون مجرد حلم. لقد كان شيئاً حياً جلياً حتى بعد أن أدركت أنني أحلم.
.
لم يكن بوسعي سوى أن أواصل الانتظار، ولكنني هذه المرة أعلم جيداً أنني لا أنتظر صدفة ما، بل أنتظر الخطوة القادمة التي سيتخذها تاكاهيرو.
.
.
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. توقيف مساعد نائب ألماني بالبرلمان الأوروبي بشبهة التجسس لصال


.. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تهز عددا متزايدا من الجامعات




.. مسلحون يستهدفون قواعد أميركية من داخل العراق وبغداد تصفهم با


.. الجيش الإسرائيلي يعلن حشد لواءين احتياطيين -للقيام بمهام دفا




.. مخاوف من تصعيد كبير في الجنوب اللبناني على وقع ارتفاع حدة ال