الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نصوص تأبينيّة، حداداً على روح النّحات الدُّكتور عبدالأحد برصوم: استهلال

صبري يوسف

2019 / 1 / 5
الادب والفن


نصوص تأبينيّة
حداداً على روح النّحّات الدُّكتور عبدالأحد برصوم
..............................................................
إهداء
......
إلى روح الصَّديق المبدع
الفنّان النّحّات الدُّكتور عبدالأحد برصوم
.................................................
استهلال
وفاة الصّديق الفنّان النّحّات الدُّكتور عبدالأحد برصوم
في إحدى مشافي ستوكهولم
ببالغ الأسى والأنين والحزن العميق، تلقَّيت خبر وفاة الصّديق المبدع النّحَّات الدُّكتور عبدالأحد برصوم ظهر هذا اليوم، ولا يسعني إلّا أن أتقدَّم بخالص التّعازي القلبيّة لابنته الغالية كبرئيلة وأم كبرئيلة السَّيّدة سوزان، ولأخيه وصديقي الغالي المهندس زهير برصوم وزوجته وأولاده، وإلى أخيه العزيز جورج برصوم وزوجته وأولاده، وأخيه ميشيل برصوم وزوجته وأولاده وإلى أخته العزيزة نجاح برصوم وزوجها وأولادها، وإلى أخته سيلفى وأولادها وإلى أخته فريال وزوجها وأولادها وإلى عموم أهله وذويه وأصدقائه وأحبّائه في كلِّ مكان، ... ... ....!

28. 8. 2018
***
الفنّان النّحات د. عبدالأحد برصوم
عبدالأحد برصوم، فنّان تشكيلي متخصِّص بالنّحت، جانح نحو عوالم وفضاءات غير متوقّعة، فجأة يعبر رحاب العلوم متخصِّصاً بالطبِّ في سماء موسكو بعد رحلةٍ فسيحة في دنيا الفنِّ وخصوبة النَّحتِ، يعبر متاهات المدائن من ستوكهولم إلى موسكو، هناك تختمر في متاهات عوالمه فكرة إعداد معجم طبّي روسي ــ عربي، فيعتكف جنباً إلى جنب مع دراسة الطُّب بإعداد وتأليف قاموس روسي ــ عربي وهو مرجع هام الآن في مملكة السُّويد، عابراً البحار بعد هذا التِّرحال إلى سماء اثيوبيا كي يتابع عوالمه الطُّبِّية في تضميد جراحٍ وتخفيفِ آهاتٍ لا تخطر على بال!
هذا الفنّان التَّشكيلي النّحّات الطَّبيب المعرّش بطموحاتِ منبعثة من إشراقة أحلامٍ على إيقاعِ خيوطِ الشّفق، ابن ديريك، ابن العبور إلى أسِّ الألحان وشهقةِ الألوان وكُتلِ منحوتاتٍ مفروشة في مروجِ الخيال، قلقٌ متواصلٌ في رحلةِ البحثِ عن أقصى منعرجاتِ الإجابةِ عن متاهاتِ السُّؤال!

طموحٌ متصاعد نحوَ أبهى رحابِ القصيدة، ينحتُ طموحاته فوقَ وجنةِ الرِّيحِ بحثاً عن مزارِ عاشقٍ مصهور بأحلامِ عبور البحار، كأنّه بسمة نجمة تائهة في ضياء الحنين إلى عناقٍ متدفِّق من شهوةِ الجّبال فوقَ بهجةِ اللَّيل الغارق في أسمى تجلّياتِ نشوةِ الإبداع، مع هذا لا نراه يرتوي حتَّى لو وصلَ إلى أوجِ الارتواء، فهو أشبه ما يكون نسيماً مندّى ببهجة الغابات المتناثرة على خدودِ الدُّنيا، لا يكلُّ من البحثِ عن آفاقٍ جديدة محبوكة في تكويرة غيمة مستفيضة بشلَّالات المطر!
وقد وردني منه ذات يوم، منذ سنوات قطعتَين موسيقيتَين، كان النّحّات الرّاحل قد سجّلهما من تلحينه بطريقةٍ بديعة، فولد النَّص التَّالي "موسيقى متمايلة على خدودِ اللَّيل"، من وحي استماعي إلى موسيقاه، الّتي ألّفها في حالةِ شوقٍ إلى الأصدقاء وكأنّه يريد أن يوشّح وجه ديريك بوهج الحنين! وقد كنتُ قد أهديتُ هذا النّصّ له وهو حي وأهديه عبر هذا الاستهلال إلى روحه وهو غائب عن الحياة!
"موسيقى متمايلة على خدودِ اللَّيل،
تطفو دمعةُ حنينٍ فوقَ مآقي وطنٍ تائهٍ في مهبِّ الاشتعالِ، اشتعالِ الرُّوحِ على أجنحةِ أوطانٍ مشنوقة من بؤبؤِ عينيها، من صدغها المتورّمِ بفقاعاتِ حلمٍ مندّى بموشورِ الأحزانِ. تسافرُ أوطانُنا بعيداً عن خفقةِ القلبِ، بعيداً عن مرحِ الأطفالِ، بعيداً عن غلالِ الحصادِ، بعيداً عن تغريدِ العصافيرِ. عصافيرنا خائفة من خشخشاتِ الغاباتِ، خائفة من اندلاعِ نارٍ، من تراكمِ تضاريس السَّوادِ.
أوطانٌ مجصَّصة بنكاحِ سمومِ الأفاعي، تتطايرُ مع هديرِ الرِّيحِ، تغورُ انزلاقاً نحوَ مراراتِ القاعِ. أوطانٌ تتدلّى على شفاهِ غيمةٍ، حُبلى بوجعِ الانتظارِ، ماتَت البسمة كلَّما خفَتَ رنينُ النَّاقوسِ، تاهتِ المحبَّة فوقَ ضجرِ اللَّيلِ والنّهارِ، محبّةٌ مشروخة برصاصاتِ الغدرِ، بعيدة عن ضرعِ الجمالِ، تغرقُ في تضرُّعاتِ الابتهالِ، تذوبُ ابتهالاتنا من تفاقماتِ أوجاعِ الدِّيارِ، ديار مفخَّخة ببراعةِ الزَّنازينِ، مفخَّخة بكآبة مشرئبة بالاصفرارِ. أوطانٌ مستباحة لروثِ البقرِ، لأنيابِ الذِّئابِ، أوطانٌ غافية على ذيولِ الثَّعالبِ، على رؤى مشروخة، مدموغة باسودادِ القيرِ، مكتنزة ببؤسٍ مفتوحٍ من أخمصِ الرُّوحِ حتّى أعلى شموخِ الإنسانِ، أوطانٌ منوّطة على نفيرِ الأحزانِ، على إيقاعِ أنيابِ الحيتانِ.
تلاشى هديلُ اليمامِ بين هديرِ النِّيرانِ، أجراسُ النَّواقيسِ خمدَتْ، من هولِ اهتياجِ الطّوفانِ، طوفان غباءٍ يتدلّى فوقَ شهيقِ العمرِ، يمحقُ بسمةَ الأطفالِ، يبيدُ روعةَ السَّنابلِ. طوفان وباءٍ متدفِّقٍ من تلافيف التّيجانِ، تيجان الهمِّ والغمِّ، تيجان شراهاتٍ مفتوحة على حسابِ صَلبِ الأوطانِ، تيجان غارقة في بُحورِ الشُّرورِ، كأنَّها من فصيلِ الشَّيطانِ.
يدقُّ ناقوسُ قصيدةٍ مبلَّلة بالمطرِ، مطر تناثَرتْ قطراته بعيداً عن مهجةِ الأرضِ، تبخَّرتْ في منافي السَّماءِ، بعيداً عن شراهةِ هذا الزَّمان، بعيداً عن موتٍ مفخَّخٍ بغازاتِ ثاني أوكسيد الزَّرنيخِ.
وطنٌ هاربٌ من جراحِ الرُّوحِ، هاربٌ من قلبٍ ملظَّى بلهيبِ السِّنينِ، هاربٌ من أنينِ الرَّوضِ، من إرهاصاتِ أحزانٍ منفلشة، من شموخِ الطُّموحِ. طموح مفروش على نضارةِ الرَّملِ، طموح على مسارِ اللَّيلِ على بكورةِ القصيدة.
حلَّق النَّورسُ فوقَ يراعِ الحلمِ، حلم هارب من أكوامِ الرَّمادِ، رماد العمرِ، رماد الطّفولةِ، رماد الانتظارِ، انتظار الغدِ الَّذي لا يأتي أو يأتي على إيقاعِ الدَّمعِ، غد مبقَّع باحمرارِ الجمرِ، غد واهٍ مثلَ شِباكِ العنكبوتِ، وَاْهٍ مثلَ أجنحةِ فراشاتٍ تعبرُ وميضَ النَّارِ، تذوبُ في اندلاعِ اللَّونِ، لون الدِّماءِ، لون النَّارِ، لون البكاءِ.
طموحٌ يزدادُ ترنُّحاً على شفيرِ الفناءِ!
تسيرُ الحضارةُ نحو الحضيضِ، تصبُّ في بحيراتٍ ملأى بالأفاعي، وجعٌ عند انبلاجِ النَّهارِ، عندَ هبوطِ اللَّيلِ، بكاءٌ لا يفارقُ مدارَ الحلمِ، حضارةٌ قائمة على حوارِ النَّارِ، حضارةٌ فاقعة مستولدة من جبينِ الحروبِ، تهرسُ جماجمَ الأطفالِ، تجرحُ هدوءَ اللَّيلِ، تخلخلُ صوامعَ الصَّلاةِ، حضارةٌ حُبلى ببراكينِ القيرِ، معفَّرة بالسَّوادِ، بغبارِ البراري.
هبط النَّورسُ فوقَ الشَّواطئ البعيدة، فارشاً أحلاماً معجونة فوقَ حبقِ الطِّينِ، طفولة مغموسة بأغاني الحصَّادين، طافحة بأزاهير النَّرجسِ البرّي، طفولة متعانقة مع نضارةِ الكرومِ، طفولة ململمة في تجاعيد الذَّاكرة البعيدة، تتدلَّى أغصانها فوقَ مروجِ القصيدة، فوقَ أسرارِ غيمة، فوقَ طموحِ قلبٍ مندّى بهلالاتِ الصَّباحِ، صباح من بكاء، صباح مضرَّج ببوحِ الأغاني على إيقاعِ أهازيج الأمّهاتِ، أمّهات من نكهةِ العنبِ، غارقة في لجينِ الآهاتِ!
أيّها الفنَّان، يا أهزوجةَ حزنٍ مبلَّلٍ بالمطر، وجعٌ هاربٌ من جلافةِ الرِّيحِ، ريحٌ هائجة فوقَ هديلِ الرُّوحِ، روحنا المكلَّلة بأنغامِ الأغاني، معلَّقة بأهدابِ نجمة تائهة في تلافيف الغمامِ.
موسيقى محفوفة بأسرارِ البحارِ، موسيقى غافية على قبلةِ عاشقة، غارقة في ولعِ العناقِ، عناق ليلٍ معرَّشٍ بانسيابِ حبرِ القصيدة، موسيقى منبعثة من أزقَّةِ المدن الغابرة.
تاهَ العمرُ بعيداً عن فيافي الأغاني، بعيداً عن تجلّياتِ الكلامِ، تاهَ في غمارِ شموخِ السَّنابل. تعالَ يا صديقي كي أرسم على موسيقاكَ مزاميرَ طقوسِ القصيدة، هل تولدُ حفاوةُ موسيقاك، من بكاءِ الأطفالِ أم من مناغاة أمواجِ البحرِ لسموِّ السَّماءِ؟!
يعانقُ قلبي موسيقى متمايلة على خدودِ اللَّيلِ، موسيقى موشّحة بوهجِ الشِّعرِ، متلألئة بتساؤلاتٍ مفتوحة على اندلاقاتِ جنونِ هذا الزَّمان، بتساؤلاتِ فنّانٍ مشبَّعٍ بحنينِ عاشقٍ إلى براعم عاشقة منبعثة من نضارةِ الغابات!".

عن كتاب ديريك معراج حنين الرّوح، الَّذي أصدرته كتاباً الكترونيَّاً 2015.

ستوكهولم: 28. 2018
صبري يوسف








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه


.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما




.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة


.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير




.. الفنان الراحل صلاح السعدنى.. تاريخ طويل من الإبداع