الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مباحث في الاستخبارات (147) الاستخبارات والغزو الثقافي

بشير الوندي

2019 / 1 / 6
الارهاب, الحرب والسلام



مدخل
-----------
تعمل الحرب النفسية والاشاعة اثناء الحروب دوراً لدعم الحرب وتخريب معنويات الشعوب والعدو ضمن تأثيرات ذات بعد زمني مرتبط بزمن الحرب , اما في فترة السلام فإن الاستخبارات لا تتوقف وتسعى لصناعة وانتاج الثقافة الموجهة او التاثير فيها من خلال كل الوسائل المتاحة وبنَفَس طويل يمتد احياناً لعقود , لتتم بعد ذلك السيطرة على البلد المستهدف من خلال السيطرة على شعبه , وهو ماندعوه بالغزو الفكري او الثقافي والذي ينسب الى الثقافة مجازاً.
------------------------------------
التفوق التكنولوجي والقوة
------------------------------------
ان الجهد الفكري الثقافي وانتاجه الموجه وتأثيره على الشعوب هو منتج استخباري كتعبير عن نمط متطور للغزو الناعم من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والتكنلوجيا التي لها تاثير قاتل وخطير على المجتمعات.
فالغزو الفكري يستهدف بالاساس البنية الثقافية للبلد المستهدف ويسعى القائمون على ذلك النوع من الغزو الى تسفيه المعتقدات والانماط الثقافية للمجتمع وتقديم انماط براقة المظهر كبديل عنها .
ويتم ذلك على كافة المستويات الابداعية والفكرية والعقائدية وكافة الاشكال التعبيرية كالفن والموسيقى والطقوس والاعلام والتأليف , بل وحتى في الاذواق والعلاقات الاسرية .
فثقافة اي مجتمع هي مجموعة العادات والتقاليد والقيم من خلال المعرفة المكتسبة بمرور الوقت. وبهذا المعنى، فإن التعددية الثقافية تقدر التعايش السلمي والاحترام المتبادل بين الثقافات المختلفة التي تسكن نفس الكوكب.
من المهم ان نعي ان الغزو الفكري والثقافي هو عمل لايتاح الى اي جهاز استخباري , وانما هو مختص بالدول التي تتسيد مالياً وسياسياً وعسكرياً وتقنياً , وبالتالي هو عمل غير مشاع للجميع.
وهنا تبذل الاستخبارات اموالها الطائلة لصياغة الفكر واعادة برمجته حسب اهدافها , وقد نوهنا في مبحث سابق الى الحرب النفسية (مبحث ٢٥ الحرب النفسية) وذكرنا الدعاية البيضاء لجمهورنا والدعاية الرمادية ضد العدو بشكل هادي وناعم , والدعاية السوداء اثناء الحرب الشاملة .
كما تطرقنا الى الحرب الفكرية وتناولنا كذلك في مبحث 43 العقل الجمعي وبناء الثقة , انظر (مبحث ٤٣ الاستخبارات وعلم النفس) وتناولنا صناعة الزيف في (مبحث ٦٧ المعلومات الموجهة) وقلنا ان هنالك معلومات ايهامية ومعلومات استدراجية ومعلومات مسيطر عليها ومعلومات اختبارية ومعلومات نفسيه ومعلومات تحريضية ومعلومات واخبار تحذيرية ومعلومات مموهة , كما تناولنا في المبحث 80 (مبحث ٨٠ الصورة النمطية للاستخبارات )الصورة النمطية للاستخبارات لاسيما في النتاج السينمائي , وتطرقنا في (مبحث ٨٨ الاعلام والاستخبارات ) الى الربيع العربي والاعلام والخدمة المتبادلة بين الاعلام والاستخبارات والاعلام والامن الوطني , كما فصلنا في (مبحث ٨٩ صناعة الراي العام ) مهمة الاستخبارات في التدخل بصناعة الراي العام وقياسه.
اما قضية الغزو الثقافي التي نتناولها فهي مهمة طويلة الامد كثيرة الصبر وكبيرة في الفوائد تستهدف المتبنيات والفطرة الانسانية وتبرمج العقل من جديد وتضع مصفوفه جديدة لاسلوب التفكير.
ومن الامثلة البارزة في هذا المجال الحرب الثقافية الدائرة الان ضد الاسلام حيث جرى استخدام الاسلام المتشدد ودعمه وتنميته في افغانستان ضد الاتحاد السوفيتي وجرى مده بالسلاح والمال وشجع على التجنيد الارهابي. وبعد القضاء على الشيوعية في الاتحاد السوفيتي جرى استهداف ذات المجاميع الارهابية التي كانت قد تشددت ونمت على يد صناعها في الدوائر الاستخبارية .
--------------------------------------------
بين الغزو العسكري والغزو الفكري
--------------------------------------------
ان الغزو الفكري هو الاخطر حين يقاس بالغزو العسكري , فالغزو العسكري غزو قسري يستهدف ارض العدو اولاً ثم يتبع ذلك كسر ارادة الشعب الواقع تحت الاحتلال مع استمالة حفنة من العملاء المحليين , وغالباً ماينتهي بمقاومة مسلحة وعقائدية وانهار من الدماء.
اما الغزو الفكري فهو غزو طوعي ناعم وسلمي يستهدف احتلال عقول المجتمعات ويسيطر من خلال ذلك على مقدرات البلدان كتحصيل حاصل , ويمتاز بانه يستميل مع مرور الزمن قلوب المجتمعات وعقولها بشكل واسع من خلال انماط لطيفة ومشوقة ومغلفة بالدعوات البراقة , ويمتاز بانه قادر على ان يمسك بتلابيب الشعوب دون اراقة الدماء ودون الحاجة الى جنازير الدبابات .
ان الغزو الثقافي عمل استخباري خالص يتم من خلال الجهود والممارسات المبذولة للسيطرة على امة بطريقة سلمية وفق نفس طويل , ويُعدّ الغزو الثقافي أكثر خطورة من الغزو العسكريّ , فهو يسعى الى تغييرات جذرية تبدو وكأنها غير قسرية بينما هي تستهدف في المحصلة شخصيّة الامة المستهدفة وتسلبها ارادتها , فهي تسيطر على العقول ليصبح احتلال البلاد تحصيل حاصل .
وكما قلنا فان الغزو الثقافي هو عمل استراتيجي لايتم بين ليلة وضحاها كالانقلابات العسكرية القسرية الفورية , فهو يمر بفترات اشبه بفترات الزراعة التي تستهدف الارضيات الصالحة والانبات والسقاية وتمتين الجذور الجديدة بالتوازي مع تعطيش الجذور الاصلية وصولاً الى اقتلاع القديم وابداله بمنتج جديد كلياً .
ومن هنا , فان بدايات الغزو الثقافي تمتاز بالسيولة والانسيابية الممزوجة بالاغراء , كما تمتاز البدايات ببرائتها الظاهرة ولكنها في ذات الوقت لها قابلية الالتصاق الشديد بما يشبه الادمان , ومثال ذلك الماكدونالد والكاوبوي والالعاب الالكترونية وغيرها .
ان ماذكرناها من مظاهر للسيولة والانسيابية لخطوات الغزو الثقافي لاتعني بالضرورة ان تكون سيئة في ذاتها , بل انها تستخدم في بلد العدو المهتم بغزونا ثقافياً , انما الاساس في خطورة ان تلك المظاهر هي انها طرائق وواجهات للجذب الى انماط ثقافية موجهة بشكل اكبر واكثر خطورة .
----------
خلاصة
----------
الغزو الثفافي عمل استعماري موجه لاتستطيع اية جهة القيام به الا مع توافر الامكانات واللحظات التاريخية الغالبة , الا ان العجز الاستخباري عن الغزو لايمنع من امكانية اي جهاز استخباري على ان يعمل بالتعاون مع كافة القوى المجتمعية على مواجهة هذا النوع من الغزو وخطورته المميتة , وهو امر لابد ان تتوافر فيه الارادة والتكاتف , والله الموفق








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اجتياح إسرائيل لرفح... -المعركة الفاصلة- ضد حماس في غزة أم م


.. ما دلالة ظهور الناطق باسم كتائب القسام في اليوم 200 للحرب ال




.. شبكات | استخراج طفلة من رحم والدتها بعد استشهادها بغارة إسرا


.. ماذا تعنى تقنية الاستمطار؟ وما علاقتها بالأمطار التي أغرقت ا




.. استمرار الاحتجاجات الطلابية الأميركية المؤيدة لفلسطين