الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 8

دلور ميقري

2019 / 1 / 6
الادب والفن


لنحو دقيقة، رازَ كلّ منا الآخرَ بنظرة ملية. ثم ما لبثَ الشيف أن رد، مستفهماً بدَوره وهوَ يضيّق عينيه: " إلامَ تود التوصل، تحديداً، من هذه الأسئلة؟ ". فجأة، انتبهت لنفسي، وأنني أمارس مع الرجل دورَ محقق النيابة.. مع أنني، في واقع الحال، مجرد محققٍ أدبيّ تورط في مهمة متابعة أحداث سيرةٍ مضى عليها ما يزيد عن العقدين من الأعوام. ولكن، كيف يمكن شرح الأمر لشخصٍ غير مثقف ـ كالذي يجلس في مقابلي، لا توحي مسيرة حياته ( المعروفة لي على الأقل ) بأيّ اهتمام خارج الأعمال التجارية؟
" أعتذر ما لو ضايقك، سؤالي الأخير "، ابتدأتُ مشدداً على نهاية الجملة. بقيَ صامتاً، دونَ أن يلوحَ عليه التأثر بما سمعَ. أردفتُ القول، مصمماً على المضيّ في أسلوب المراوغة: " في الحقيقة، إنّ الموضوع ليسَ شخصياً تماماً. صديقة سويدية، كان فرهاد يعاشرها كزوج تقريباً حتى لحظة وفاته، هيَ من طلبت مني الحصول على معلومات تخصّ ابنته الوحيدة. لقد جاءت بنفسها إلى مراكش، عقب موته مباشرةً، وكانت تسعى آنذاك لتبنّي الفتاة الصغيرة "
" آه، تلك المرأة النصرانية! سمعتُ شيئاً من هذا القبيل حينَ كنتُ أزور منزل أبي بغيليز "، قاطعني وقد لاحَ هذه المرة وكما لو أنه تأثّر من موقفي المحرج. شجّعني ذلك على التقاط إشارته، كي أنفذ من خلالها إلى ما أبتغيه. في الأثناء، كنتُ قد أتيت على الزجاجة الثانية وكان مضيفي يبحث بعينيه عن النادل وسط غمامة دخان السجائر ولغط السكارى. شئتُ التريث حتى مجيء النادل إلى طاولتنا، ومن ثم ذهابه بعدما أوصاه " سيمو " بجلب المزيد من البيرة. سألته على الأثر، مواظباً على تكلّف نبرةٍ غير مكترثة: " هل ما زالوا يقيمون هنالك، في الفيللا؟ "
" لا، يسكنها الآنَ أناس أغراب. ذلك جرى بعيدَ وفاة امرأة أبي، حيث قرر أولادها بيعَ الفيللا وتقاسم ثمنها "
" كان للمرحومة ثلاثة أولاد، أليسَ كذلك؟ "
" بلى، ولكن أصغر البنتين أضواها المرض النفسيّ. كان يُنفق من حصتها في الإرث على إقامتها بمستشفى خاص وعلاجها، ثم اتفق أخواها بعد ذلك بفترة قصيرة على إيداعها في مأوى المجانين بحجّة نقصان المال. إلى أن امتدت يدُ الخير لأختنا، فأعيدت لرعاية المستشفى الخاص "
" يا لها من أخبار محزنة! "، عقّبتُ بلا وعي. من مكانه خلف الطاولة، المنزوية في ركن الصالة الصغيرة، راحَ المضيفُ يرمقني بنظرة غريبة. انتبهتُ ثانيةً لنفسي. مددت يدي إلى زجاجة جديدة، كان النادل قد وضعها للتو أمامي، ورحت أصبّ في القدح الشرابَ الذهبيّ. قبل أن أبادر بالاستطراد، جمجمَ الرجلُ في شيء من الانفعال: " أجل، أنفرط العقدُ غبَّ انقطاع السلسلة. وكانت للّا نظيرة هيَ مَن يشدّ العقد، بل لقد كانت أيضاً جوهرته! "
" رحمها الله. ولكن ماذا عن الآخرين في العائلة؟ "، سألته بحذر وأنا أرشفُ الشرابَ. تأملني مجدداً بعينين مستطلعتين، ثم أخذ يهز رأسه الضخم في حركة غامضة. كيلا يشك بأيّ نية مبيتة من قبلي، تخصُ مصيرَ امرأته الأولى، فإنني استدركتُ بنبرة معتذرة: " أتمنى ألا أكون قد جعلتك تبقى مطولاً هنا، لأن الغد يوم عمل؟ "
" لا، أبداً. عملي يبدأ يومياً من بعد الظهر وإلى ما قبل منتصف الليل بساعة، ولذلك فأنا معتاد على السهر يومياً حتى الفجر "، أجابني من فوره. ثم عاد ليقول بلهجة تحفل بالترحيب: " في وسعك المجيء إليّ ليلاً متى أردت، وشقتي على أيّ حال قريبة من مسكن ابن حميك "
" إذا كان دوامك كذلك، فإنني أدعوك غداً إلى ‘ لامار ‘. هنالك سنشرب النبيذ، بينما أمواج البحر تتلاطم وتهدر تحت بصرنا وسمعنا "
" بكل سرور، يا صاحبي! "، قالها مبتسماً منغّماً المفردة الأخيرة على عادة مواطنيه. رأيتُ أن الأمور تسير على مجرىً جيد، بشأن استنزاف ذخيرة معلومات الرجل وذاكرته على السواء. فأردتُ العودة لسؤالٍ، بقيَ معلقاً دونَ جواب بما جدّ من استطراد. بيدَ أن فكرة أخرى، مختلفة، ومضت في ذهني على حين غرّة: " أيعقل أنه سيامند، مَن ينفق على إقامة خدّوج في المستشفى؟ ". وما أسرع أن جرت الفكرة على لساني، المنطلق بفعل إسرافي بالشراب.
وعليّ كان بعدئذٍ أن ألبث معقود اللسان، مصعوقاً بجواب الرجل: " لا، بل إنها السكرتيرة السابقة لسيامند من تعهّدت بذلك. أعتقد أنها أرادت فعل الخير على روح شقيقها، كونه عُدّ فيما مضى خطيباً لخدّوج. أظنك سمعت عنها، زين تلك؟ نعم، إنها متزوجة من شيخٍ يعدّ من أغنى أغنياء الخليج. وقيل أن والدها كان في حياته يمد رياضَ الشيخ، الموجود في مراكش، بالأثاث الدمشقي الفاخر ".
أخذتُ أثوب لوعيي شيئاً فشيئاً، وقد حلّ هذه المرة شعور الحنق بمحل الدهشة: كنتُ أبحث عبثاً عن أخبار شخصيات السيرة، ثمة في المدينة الحمراء، فيما أنها كانت تنتظرني هنا في المدينة البيضاء. آنذاك كان قد غاب عن فكري، فوق ذلك، السؤال عن " آلان " لدى معاون ابن شقيقه، الذي كان يدير محلَ الأثاث بغيليز.
















التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شراكة أميركية جزائرية في اللغة الانكليزية


.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر




.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة


.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي




.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة