الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن رحلتي التدريبية لألمانيا الغربية عام 1964 .. الجزء الأول ( 1- 2)

بشير صقر

2019 / 1 / 8
سيرة ذاتية


تنويه :

هذه التجربة ( الرحلة )التي جرت أحداثها ووقائعها في دولة ألمانيا الغربية عام 1964 بينما تمت صياغتها الحالية في يناير 2019 .. أي بعد ما يزيد عن نصف قرن.

وحيث كنت إبان أحداثها شابا يافعا ( 21 عاما) متقد الحماس والأمل مولعا بالمعرفة والاستنارة والتطور لم تتحرك لديّ دوافع كتابتها علي الورق إلا بعد أن تجاوزت الخامسة والسبعين عاما . وشتان الفارق في الكتابة بين شاب صغير وشيخ مسن حتي لو كانا نفس الشخص.
لكني راعيت بأقصي ما أستطيع أن أنقل جوهر الأحداث ومضمون الآراء والتصورات بل والعبارات التي صدرت من أصحابها بدقة بالغة ودون تغيير ؛ علما بأن غالبية الأحداث أتذكرها جيدا كما لو أنها جرت في العام الماضي - باستثناءات قليلة جدا- استعنت في ترتيبها بصديقي زميل الرحلة محمود الشيخ . ومن حسن الحظ أن هناك من العبارات - التي صدرت مني ومن بعض زملائي أو تفوّه بها عدد من المواطنين والمزارعين والمسئولين الألمان في وزارة المساعدات الألمانية أو الغرف الزراعية - أحفظها عن ظهر قلب وأشير أيضا إلي أن هناك أحاسيس وخواطر تتعلق بما مرّ بنا كمتدربين شرقيين في دولة أوربية قد اختلف في صياغته الحالية عما جرت به صياغته منذ نصف قرن في أضيق نطاق .. لكن جوهرها ظل واحدا .

خلاصة الأمر أن كل الوقائع والأحداث وجملة الآراء والتصورات والإجراءات والمقترحات نقلتُها كما حدثت وكذلك معظم الأحاسيس والخواطر ماعدا بعضها المحدود الذي اختلفت صياغته نسبيا . ذلك لأن الصياغة هي الشئ الوحيد في عملية الكتابة الذي لا يمكن السيطرة عليها بإحكام مطلق مهما كانت كفاءة صاحبها حتى لو كانت تتعلق بموضوع تمت كتابته مرتين يفصل بينهما شهر واحد لأنها لصيقة بعمر الإنسان وحالته المزاجية.
لذا وجَبَ التنويه .

تمهيد :

في العام 1958 عقدت مصر اتفاقية مع جمهورية ألمانيا الغربية تخوّل لطلاب الصف الثالث بالمعاهد العليا الزراعية قضاء سبعة شهور تدريبية في مراكز التدريب والمزارع الألمانية.

وتمهيدا لهذه المهمة أضيف لبرامج الدراسة في تلك المعاهد ( مشتهر، شبين الكوم ، إدفينا ، الزقازيق ) برنامج لتعليم مبادي اللغة الألمانية في النصف الأول من الصف الثالث. كان قوام البعثة سنويا يتراوح بين 500 – 600 طالب مصري خلال الأعوام الثلاثة ( 1961، 1962 ، 1963)؛ إلا أن توتر العلاقات بين البلدين في عام 1963 قلص العدد إلى 100 متدرب فقط في العام 1964 مما أدى إلى حالة من التشدد من الجانب المصري في معايير انتقاء أفراد البعثة التي تضمنت: ( ألا يقل التقدير الدراسي للمبعوث في السنة الدراسية السابقة عن " جيد " ، وأن يخلو من جميع الأمراض حتى مرض التراكوما ، وأن يتجاوز اختبار اللغة بمستوى جيد ) إضافة إلي استبعاد الطالبات من السفر في ذلك العام تحديدا على غير السنوات السابقة.

وقبل شهور من السفر أتذكر أني تغيبت في أحد أيام ديسمبر 1963 عن الحضور للمعهد حيث كنت أقيم في مع أسرتي بقرية الماي المتاخمة لمدينة شبين الكوم ، وحوالي الساعة العاشرة والنصف صباحا من ذلك اليوم فوجئت بزميلي في الدراسة أحمد صبرى عبد الفتاح يطرق باب منزلي ويطلب مني الحضور للمعهد لان اختبار اللغة الألمانية سيعقد بعد ساعات ؛ حيث أنه لم يتم إخطارنا به في وقت سابق . ولأنه لاحظ بطء استجابتي قال: ليس هناك وقت ، واستكمل قائلا: لقد طلب مني د. عبد العزيز النحتة مدرس الألبان أن أركب أية دراجة من دراجات موظفي المعهد لأقوم باستدعائك بسرعة من الماي نظرا لوجود لجنة من القاهرة لاختيار الطلاب المرشحين للسفر في اللغة الألمانية.. وتغيبي عنه يعني حرماني من السفر. وعليه عدنا لشبين الكوم .. وحضرت الاختبار واجتزته.

بعدها تحدد عدد المختارين للسفر بـ 25 طالبا من الدفعة كلها ( 145 طالبا) ، كما تحدد يوم 9 مارس 1964 موعدا للسفر.


الرحيل لبلاد الجرمان:

عصر يوم 8 مارس أعددت حقيبتي وأغراضي ورحلت للقاهرة ؛ وفي الطريق مررت علي اثنين من أصدقائي من زملاء الدراسة لم يشملهم السفر ( أحمد سلمي وجعفر أحمد ) حيث كان الأخير يقيم بحي السيدة زينب. هذا وانضم إليهم حامد الضبع حيث أوصلني الثلاثة لمكتب شركة طيران لوفتهانزا بوسط المدينة وظلوا معي حتي روجعت أوراقي وشرعت في ركوب شاحنة شركة الطيران متوجها مع بقية الطلاب لمطار القاهرة حوالي الواحدة والنصف صباح 9 مارس. هذا وقد غادرتْ الطائرة الأراضي المصرية حوالي الساعة الرابعة ووصلنا مطار فرانكفورت في الثامنة والثلث صباحا.

غادرنا المطار بعدة أوتوبيسات إلى مكان أخر للتجمع استغرق الوصول إليه ثماني ساعات تخللتها ساعة ونصف للغداء في منتصف الطريق.. بعدها اتخذت الأوتوبيسات مسارات ثلاثة مختلفة .

بعد حوالي ثلاثة ساعات وصلت مجموعتنا إلى قرية ( أوبر آدن - Uber Aden ) وكان من بينها حوالي عشرة طلاب من معهد شبين الكوم أتذكر منهم ( محمود الشيخ ، حامد الغنام ، رضا عبده ، ضياء/ طنطا ، أسامة / اسكندرية ، وأحمد سامي ).

كانت القرية قريبة من مدينة )دورتموند – Dortmund ) وتتبع مقاطعة ( كولن - Koln ).. حيث نزُل ( بيت) الشباب التابع لمعهد جوتة. وفي هذا النُزُل وتلك القرية حططنا الرحال لنقضي فيها 9 أسابيع لتعلم اللغة الألمانية.

تم توزيعنا على غرف المبني ، وقد شغل الحجرة معي (محمود الشيخ وحامد الغنام ) ـ وفضل أغلب الطلاب الركون للنوم بعد يوم سفر شاق؛ بينما لجأ البعض الآخر للتجمع في احدي الغرف للتسامر باستثناء عدد محدود جدا قام بالخروج من النزل متوجها إلي وسط القرية في العاشرة مساء ليتفقدوها إلا أنهم وجدوا شوارعها خالية من المارة نظرا لأن سكانها من عمال وموظفي مناجم الفحم وينامون مبكرا.

كان مدير فرع جوتة بالقرية يُدْعي ( هر.. تسوبكي - Herr Zobki) ، أما طاقم المعلمين فكان ثلاثة ( هر.. كانشتاينر - Kansteiner ) و( هر.. كايزنبرج - Keisenberg ) و ( هر.. باور Bauer ) والأولان ألمانيان بينما الثالث نمساوي.
فضلا عن المشرف الإداري ( هر .. بير- Herr Barr) الذي كان مكلفا بضبط العمل وتحديدا إيقاظ الطلاب كل صباح حيث كانت خطواته العسكرية وصوته الجهوري ونغمته المميزة تقلقنا في الصباح يقول ( استيقظوا من فضلكم – Auf- stehen Bitte).
بينما تقوم مجموعتان من النساء بأعمال المطبخ والنظافة.


دراسة اللغة بمعهد جوتة:

كانت الدراسة تبدأ من الثامنة والنصف صباحا وحتي الثانية عشر والنصف وبعد الغداء من الثانية حتى الرابعة مساء ، وقد جري تقسيمنا إلي 3 مجموعات يتولاها المعلمون الثلاثة ، وكنت في مجموعة ( هر كانشتاينر) الذى كان أكبر المعلمين سنا.
بعد انتهاء الدوام الدراسي كانت أبرز ملامح الحياة اليومية في نزل الشباب تتلخص في التجول في القرية أو زيارة المدن الصغيرة القريبة ومنها ( لينن- Lunen ) خصوصا في عطلة نهاية الأسبوع للتسوق، وممارسة كرة القدم في أحد الملاعب القريبة من النزل، والتسامر في البهو الأرضى للنزل ، إضافة إلي مراجعة دروس اللغة .

وفي تلك الفترة تعرفت أكثر بزميليّ في الحجرة محمود وحامد فكنا نستهلك كثيرا من الأمسيات في " الدردشة " والحوار حول عديد من الأمور، و في أحيان أخرى كنا نتجول – محمود وأنا- في شوارع القرية أو المناطق الخالية هناك؛ وخلالها اكتشفت ولع محمود بالفن والغناء وكثيرا ما كان يردد مقاطع بعض الأغاني المصرية على مسامعي ومنها أغنية " غدارين " لمحرم فؤاد وغيرها. وأتذكر أني قلت له لولا تلك الرحلة ما اكتشفت فيك تلك المواهب والميول.. لقد كان هناك ميل مشترك لكلينا يتسم بطابع نقدي إزاء ما يحيطنا من أوضاع وما نشاهده من ممارسات وهو ما كان مدخلا لتمتين تلك العلاقة وفيما بعد لاستمرارها.

من ناحية أخرى كانت وجبة الغداء تتسم بقدر من الجلبة وتزخر يوميا بنوع من المزاح وتبادل النكات والقفشات بين الطلاب وسيدات المطبخ ؛ حيث كان المصريون خلالها يستعينون بما تعلموه من كلمات ألمانية ومعها الإشارة والتمثيل لإيصال المعني لسيدات المطبخ اللاتي كنّ يضحكن من قلوبهن. ونظرا لأن طبخة البطاطس كانت قاسما مشتركا في كل غداء فقد ألف الطلاب اسكتشا ضاحكا يتضمن احتجاجا علي وجود البطاطس الدائم في وجبة الغداء .. كان الاسكتش يقول ( بطاطس دايما بطاطس .. لا نريد مزيدا من البطاطس- ،Kartoffel immer Kartoffel .. wir wollen nicht mehr Kartoffel) .

مشادة تافهة وحماقة نمساوية يفضيان لاحتجاج الطلاب وطرد المعلم :

بعد 5-6 أسابيع من بدء دراسة اللغة وذات يوم نشبت مشادة بين المعلم النمساوي ( هر باور) وبين بعض الطلاب فما كان منه إلا أن أحضر برتقالة ظل يتقاذفها ويتلقفها بين يديه فى الهواء رافعا صوته بعبارة ( هذه البرتقال من يافا .. من إسرائيل .. ) ساعيا لإغاظة المصريين. وهو ما أسفر عن إصرار الطلاب على اتخاذ موقف منه نظرا لاكتشافهم ميوله المعادية للعرب والمناصرة لإسرائيل. وتضخمت المشكلة التافهة بحماقة من النمساوي وغيرة الطلاب من سلوكه الصبياني واتسعت رقعتها لتشمل طلاب المجموعات الثلاثة.
بعدها توصل الطلاب لضرورة استبعاده من وظيفته في دروس اللغة ، وعلى الفور طالبوا بعرض المشكلة علي رئيس النزل ( هر تسوبكي) الذى لم يحضر علي الفور مما دعاهم للتهديد التالي: [ واحد من اثنين .. إما أن يحضر السيد تسوبكي أو نبلغ الشرطة - Eins von zwei .. Herr Zubki oder polizei ] والمهم في هذا الأمر هو صياغة التهديد باللغة الألمانية صياغة محكمة وأقرب إلى الشعار الذى يُرفع في الاحتجاجات الجماهيرية.
وبعد ما يزيد عن ساعتين حضر رئيس فرع المعهد ليستطلع الأمر وفوجئ بتصاعد الغضب وبإصرار الطلاب علي مغادرة المعلم النمساوي للنزل .وفي مساء نفس اليوم جمع (هر باور) أغراضه ورحل وسط ذهول الجميع بمن فيهم المصريين .
وأعتقد أن ( هر تسوبكي ) رئيس فرع المعهد آثر السلامة وخضع لرغبة الطلاب تجنبا لتصعيد الأمر من جانبنا إلى السفارة المصرية والمسئولين الألمان في ظل التدهور المخيم علي العلاقات بين البلدين.


ثنائيتان متعاكستان تحكمان صلة المصريين بالألمان( الانضباط / الانفلات ) ، و( التعالي / الحساسية) :

كذلك أشير إلي عملية الترويض المتوقعة من إدارة النزل للطلاب المصريين علي اتباع النظام والانضباط والتي يقابلها الطلاب بتلقائية شرقية وحساسية مفرطة .فمن ناحية كنا قد انتقلنا من بيئة متخلفة ترتبط أكثر بالماضي إلي مجتمع اوروبي معاصر منظم تحكمه القواعد والقانون فكثيرٌ منا انتقلوا من قراهم ومدنهم الإقليمية بمصر رأسا إلى فرانكفورت الألمانية دون المرور تقريبا علي القاهرة وهو سبب موضوعي نوجزه في تعبير ثنائية ( الانضباط / الانفلات) ، ومن ناحية أخري كانت العنجهية الأوروبية والتعالي الألماني سببا إضافيا في تفجر المشكلة خصوصا في ارتباطهما بحساسية الأجانب والشرقيين تحديدا من ذلك نلخصه في تعبير ثنائية ( التعالي/ الحساسية).

بعدها سارت الأمور سيرا طبيعيا حيث سَرَي إحساس بين الطلاب الشرقيين بانتصارهم وإحرازهم نقطة علي غريمهم الأوروبي. وللحقيقة كان يمكن للمشكلة أن تحل باعتذار معلن من المعلم للطلاب وتعهد بعدم تكراره.
وفي نهاية الأسابيع التسعة أجريت الاختبارات النهائية وتحدد الطلاب الأوائل على المجموعات الثلاث وكنت ثالثهم في الترتيب العام.


معهد الآلات في فيتسن هاوزن :

تم تقسيم طلاب فرع جوته في ( أوبر آدن ) على عدد من معاهد التدريب على الآلات الزراعية ليقضوا بها 5 أسابيع أخري.
هذا وكنت ضمن الملتحقين بمعهد مدينة ( فيتسين هاوزن ) .، حيث دروس الميكانيكا النظرية والتدريب علي قيادة الآلات وحصلنا علي رخصة قيادة (fuhreschein ) في 27 مايو 1964 .وهو ما مكننا من قيادة الجرارات في الحقول وعلي طرق القري والمدن الصغيرة بكفاءة.
كان الشئ المثير في معهد الآلات هو مديره ( هر.. نويْمان ) الذي كان يتعامل معنا بمستوي واضح من التحفظ والبرود الجفاء " والقرف " يعكس سببا مجهولا.

وفي هذا المعهد عرفت من أحد المواطنين الألمان كنت قد تحدثت معه بوضوح عن هذه الملاحظة وأفاد: بأن الألمان عموما متحفظون إزاء الجنسيات الأخرى علاوة علي أنكم من بلد ناصر المعروف بعدائه لإسرائيل وربما لكثير من اليهود ؛ وهو عموما ليس شخصا محبذا هنا في ألمانيا رغم أنهم يعرفون قيمته ووزنه في منطقتكم . كما أوضح : مع ملاحظة أن أي شخص ينتهي اسمه بالمقطع ( مان – man) هو بالقطع يهودي .. ومن المحتمل أن يكون متعاطفا مع إسرائيل وربما يكون مدير المعهد من هؤلاء.

المهم كان ذلك المدير وفي بعض الأيام يقوم بإيقاظنا بنفسه في الصباح بطريقة فجة وعنيفة مقارنا بما كان يحدث في فرع معهد جوتة بـ " أوبر آدن" . وإزاء هذه الجلافة والبرود صممنا علي إبطال مفعوله لكننا لم نعرف كيف يتم ذلك.


كمين مصري ثأري:

بعد عدة أيام أخرى كنت أتجول بعد انتهاء الدوام الدراسي بالقرب من المعهد عصرا حيث كان شريط للقطار يمر بالقرب منه؛ وهناك تنمو بعض الحشائش البرية الأشبه بنبات الحلفا بموازاة شريط القطار من الناحيتين وبين قضبانه. وفجأة شعرت بجسم يتحرك علي بعد مترين فتصورت أنه ثعبان .. وبمتابعته اكتشفت أنه قنفذ بري كبير الحجم ربما يبلغ وزنه 2 – 2.5 كجم . وعلي الفور بحثت حولي لمدة تقرب من 10 دقائق عن سلك أو حبل أو أي شئ يمكن إمساك القنفذ به فلم أجد . وكنت بين الحين والآخر أضع قدمي عليه حتي يتكور ويبقي في مكانه فلا يهرب مني. وأخيرا

عثرتُ على علبة قديمة من الكرتون اسطوانية الشكل دون غطاء وذات قاع من المعدن الخفيف؛ فأخذتها ووجهت فتحتها نحو القنفذ وبدأت في دفع القنفذ بقدمي نحوها لكنه لم يتحرك. فاستخدمت قطعة من الخشب في إدخاله العلبة ووضعت قطعة الخشب فوقه وحملتها بين يدىّ.. وقفلت عائدا إلي المعهد. وهناك تجمع حولي بعض الطلاب وكان أغلبهم لم ( يرى ) قنفذا بهذا الحجم من قبل. فأخرجته من العلبة حيث ظل متكورا طالما يشعر بحركة حوله. فقلت لهم أعتقد أنه يأكل النباتات كما يأكل الحشرات فهل يمكن أن نطعمه أي شئ..؟ جمع البعض بقايا طعام أقرب للجفاف وأعدناه للعلبة ورأسه لأعلى وفوقها الطعام وتركناه في ركن الحجرة.. وظل بها عدة ساعات .

قبل إيوائنا للفراش بفترة تفتقت لدي فكرة أن نستخدمه في إخافة مدير المعهد ؛ وذلك بأن نمرر حبلا علي وسط القنفذ ليحيطه كحزام؛ وندق مسمارا في منتصف الإطار المحيط بباب الممر - الذى يفصل حجرات النوم عن بقية مبني المعهد - ونربط طرف الحبل الآخر في المسمار ونضع القنفذ في العلبة وفوهتها لأعلي ونضع العلبة علي حافة باب الممر - الذي يجب تركه مواربا وغير مغلق- ونضع أسفل الباب : " سلخة " رقيقة من الخشب أو كرة صغيرة من الحصي تعرقل نسبيا حركته السلسة . وبمجرد دخول المدير يتحرك الباب فتسقط العلبة علي الأرض ويتدلى الحبل حاملا القنفذ ليصطدم برأس المدير أو بوجهه.

عرضت الفكرة علي الموجودين من الطلاب فأيدوها جميعا ؛ فأحضرنا كل الأدوات المطلوبة ( المسمار ، والحبل ، و " سلخة الخشب" ) وبدأنا العمل .

هذا وقد استغرق الأمر نصف ساعة تقريبا قضينا أغلبها في تمرير الحبل علي وسط القنفذ؛ وقمنا بإجراء تجربة عملية وكررناها لكي نُحْكِم المهمة.

عدنا إلي فراشنا في الموعد المحدد وبعد نصف ساعة أخرى قمنا بتعليق الحبل المربوط بالقنفذ في المسمار ووَاربْنا الباب وتحته سلخة الخشب ووضعنا العلبة علي حافته العلوية .. وعدنا إلي حجراتنا.
ظللنا لمدة تتجاوز الساعة نتوقع ما سيحدث ونضحك حتي غلبنا النوم .

في الصباح وجدنا القنفذ معلقا في الحبل المتدلي من منتصف فتحة الباب والعلبة علي الأرض والباب مفتوح عن آخره. ففهمنا أن الكمين نجح. أما تأثيره فهو ما سنعرفه فيما بعد خصوصا وأنها المرة الأولي التي لا يقوم أحد ممن يعملون في المعهد بإيقاظنا.
بعدها مباشرة قمنا بوضع القنفذ في علبته مع الطعام وأخفيناه حتي أطلقناه من شباك إحدي الغرف المفتوح علي حديقة المعهد الخلفية.

ومنذ ذلك اليوم وحتي نهاية أسابيع التدريب الخمسة لم يتجاسر مدير المعهد علي دخول ممر حجرات النوم مرة أخري.


التواصل مع الزملاء وتداول الأخبار :

منذ مغادرتنا فرع معهد جوته كنا قد تبادلنا عناويننا الجديدة بمعاهد الآلات وتكرر الشئ نفسه إبان مغادرتنا معاهد الآلات.. لكي نتراسل بالخطابات.
وحيث حصلت علي عنوان حامد الغنام فقد تراسلنا وعرفت منه وعرف مني كيف كان يجرى توزيع الطلاب علي المزارع الخاصة.


توزع المتدربين علي المزارع :

يقول حامد الغنام في إحدي رسائله: جمعونا في أحد الأبنية الرسمية ( غالبا مبنى الغرفة الزراعية في المقاطعة) .. وهناك توارد الزراع - الذين تفاوت مستواهم الاجتماعي والعلمي - على مكان التجمع وقد بدا علي حالهم أنهم اعتادوا علي المكان وعلي المسئولين فيه. وبعد فترة من الوقت بدأ الزراع يتفحصون الطلاب وكان بعضهم يطلب من الطالب – الذي يبدو أنه وقع علي اختياره - القيام .. والتحرك فضلا عن مصافحته وجذب يده بشدة ليتبين مدي قوته ... وهكذا .

كان بعض الطلاب يتبادلون النظرات المستفسرة وبعضهم النظرات المستنكرة ويعلقون علي ما يجري لهم باللغة العربية ويتضاحكون.. وقد استرجع ذلك لدي ذاكرة البعض منهم لمحات مما سمعوه عن أسواق العبيد والنخاسة في الأزمنة القديمة.

انفض " السوق " وتم توزيع المتدربين المصريين علي الزراع الألمان وتوجه الجميع كل إلي مزرعته .

وكان حامد من نصيب مزارع يدعي ( هر .. لودفيج هاينريش ديل – Ludwig Heinrich Diel )
أما بالنسبة لي فقد جرى توزيع مجموعتنا بشكل مختلف حيث تم ذلك عشوائيا وعلى الورق، حيث سافرت بالقطار والتقيت فور نزولي منه بالمزارع ( إيريش كيتي ( Erich Kute ليصطحبني إلي مزرعته في قرية (هميش هاوزن - Hemmisch Hausen) .


التدريب العملي والأفكار المسبقة و الأسباب الكامنة:

ومن خلال مراسلاتي مع بعض زملائي كنت أعرف أو أستشف أن أوضاعهم ليست كلها طيبة ؛ وعلي ما يبدو أن قدرة الكثيرين منهم لم تكن تتناسب مع هذا النوع من العمل البدني في موسم الصيف – حيث ذروة النشاط وحصاد كثير من المحاصيل كالقمح والذرة - التي لم يكن يصمد لها سوي من سبق لهم العمل في الزراعة أو الأعمال المشابهة أو كانوا من الرياضيين ذوى القدرة علي التحمل.

وأعتقد أن هناك سببين إضافيين هامين ؛ أحدهما :

هو فكرة الطلاب المصريين عن التدريب العملي بألمانيا التي كان لكل منهم تصور مستقل عنها ..لكن ما كان يحكمها هو أنهم جاءوا ليتدربوا كمهندسين لا كعمال زراعيين وهي فكرة متعالية علي طبيعة العمل الزراعي الشاق في كل بلاد العالم. أي كانت تلك الفكرة تحدّها وتغلب عليها المشاهدة أكثر مما تحكمها الممارسة العملية اليومية..

والثاني : هو الروح والعقلية التي تقود المزارعين الألمان في نظرتهم للمتدربين عموما ولأبناء البلدان النامية بشكل خاص. فعقلية المزارع الرأسمالي تبطنها الاستفادة القصوي من المتدرب والروح الألمانية يقودها الإحساس بالتميز ومن ثم التعالي. ولا يعني هذا أن جميع الزراع كانوا كذلك .. فهناك البعض منهم حاصلون علي درجات علمية كالدكتوراة ويتمتعون بنظرة أكثر رقيا وإنسانية وتحضرا ومن ثم لم يكونوا أفجاجا وغلظاء فى نظرتهم للمتدربين خصوصا من ينشطون في مجال الألبان والصناعات الزراعية التي يتسع فيها الشق الآلي عن الشق اليدوي في العمل اليومي .. وهو ما ذكره محمود الشيخ.

وهناك عامل ثالث أقل أهمية وهو ثقافة المصريين عموما التي تميل لاعتبار الرحلة لألمانيا رحلة ترفيهية أكثر منها عملية تدريبية ويحدو الكثير منهم الأمل في التمتع بها و" الفرفشة " أكثر من الاستفادة العلمية.

باختصار لم يتمتع الكثير من الطلاب المصريين بالمسئولية الواجبة أو المفترضة التي تملي عليهم اعتبار أنفسهم سفراء – موضوعيين – لمصر في بلاد الجنس الآري بل كانت السمة الأبرز هو اعتبار أنفسهم سياحا يستلزم وضعهم معاملة ضيوفٍ ذوي مكانة رغم عدم امتلاكهم تلك المقومات ورغم قدومهم من القارة الإفريقية.

فقد كان الإشراف عليهم يجرى من جانب وزارة مساعدات الدول النامية – Entwichlunges Lander Ministerium ) وتتكفل الدولة الألمانية بتكاليف السفر والإقامة والإعاشة والتدريب بل ومنح المتدربين مصروف جيب شهريا ( Taschen Geld ) وهو ما يعنى عمليا انتفاء صفة السياحة عنهم - التي تتمثل في الإقامة الخاصة بالفنادق والتجوال بين معالم ومدن المجتمع الألماني والإنفاق علي المشتريات واقتناء الذكريات وبكل ما يذكرهم بهذا الشعب الأوروبي العريق- واستبدالها بصفة الدعم والمساعدة حسبما ينطق به اسم الهيئة الألمانية المانحة.. وزارة مساعدات الدول النامية.


مقطوعة أدبية لحامد الغنام في رسالة :

كان زميلي وصديقي حامد الغنام أكثر مَن حرص من الزملاء علي مراسلتي ؛ من ناحية.. اتقاءً لشرور غربة عدوانية ووحدة باردة سقيمة ومن ناحية أخري لإطلاعي علي أحواله وسط بيئة غربية تحاصره علي امتداد محيطها الفولاذى.
يقول أديبنا المكتَشَف في بلاد الآريين ( ألمانيا) : وصلتُ لمنزل المزارع هر/ لودفيج هاينريش ديل وإذا بي داخل قلعة ألمانية مصمتة من القيم والانضباط وعدد الأفراد والعمل .. وليس بين صفوف أسرة مضيفة حانية مُرَحّبة.
وبعد المقدمة سجل حامد حصرا بأفراد تلك العائلة الممتدة ( أي التي تضم أسرة المزارع وأسر أبنائه وبناته المتزوجين والمتزوجات وأطفالهم.. باختصار جيش جرار من البشر يمكن علي حد قول حامد " أن يحصوا عليك حركاتك وسكناتك ونظراتك ولفتاتك بالحرف في لحظة واحدة " ، وقال ضمن ما قال الآتي .. منقولا بعباراته التي أحفظ بعضها عن ظهر قلب:

1-هر.. لودفيج هاينريش ديل : رب العائلة:

يقع في العائلة موقع الذكر من خلية النحل. ( أى أنه مجرد خيال المآتة الذي يضعه الفلاحون المصريون في حقول الخيار و" القتة " والبطيخ ليقوم بإخافة الطيور التي تتسلل خلسة إلي الحقول للتغذي علي ثمارها .. حيث بتعرّض خيال المآتة لبعض الهواء تتحرك أجزاؤه محدثة جلبة " تطفّش الطيور " . باختصار رب العائلة مجرد منظر لا أكثر. ويوجز حامد الغنام تعريفه لرب العائلة ( هر لودفيج ديل ) بالجملة التالية : أنك لا تملك عند أول نظرة عليه .. إلا أن تبصق عليه.

2-فراو .. لودفيج هاينريش ديل ( وفراو معناها السيدة ).. ربة العائلة :

تقع من الأسرة موقع الملكة من خلية النحل ( أي أنها الكل في الكل .. فهي الآمرة الناهية داخل القلعة ) ، ويستكمل توصيفها قائلا : تَضحَكُ بين الفينة والأخرى ضحكة نكراء .. لا تُضْحِك أحدا سواها.
ويستطرد حامد مستعرضا جميع أفراد العائلة فردا فردا .. لا يستثنى إلا بعض الأطفال.. وهكذا حتي ينهي تقريره - أقصد رسالته لي - بعد ست صفحات فولوسكاب مكتظة حتي نهايتها.. موضحا أنه يعمل كثيرا في معظم الأعمال اليدوية التي " لا مفر منها سوي بالخضوع لها ".
هذا وكنت اقوم بقراءة رسائله عدة مرات في الأسبوع لأستمتع بصياغاته الأدبية الساخرة الساحرة وربما الفلسفية ولأقضي بعض الوقت في الاقتراب من شاب مصري رائع ، ولذا كنت أبادله المراسلة وأحكي له عما يجري معي أيضا.


التحايل للاتصال بمصر وتداول الأخبار وتبادل الحوار :

تعودت الكتابة لأسرتي وأصدقائي بمصر ولزملائي بالمعهد الزراعي بشبين الكوم الذين لم يتمكنوا من مشاركتنا رحلة ألمانيا ومن ثم خضعوا للتدريب في عدد من المزارع بمنطقة أبيس المتاخمة لمدينة الإسكندرية وغيرها ومنهم أحمد سلمى وأحمد صبرى وجعفر أحمد وحامد الضبع وغيرهم.
ولأن مفتاح كسر الغربة في حالتنا تلك لم يكن متاحا إلا من خلال الخطابات البريدية التي كانت تتعرض للوزن؛ وتتحدد قيمة الطوابع الملصقة عليها في مكتب البريد بثقلها بالجرام. ونظرا لأني كنت أكتب كثيرا وأتناول تفاصيل حياتي في ألمانيا ومن ثم أحتاج لمساحات كبيرة من الورق الشفاف الرقيق الذى لم يكن يتيسر لنا بسهولة .. فضلا عن صعوبة الكتابة المطولة عليه . فقد هدتني حاجتي - للتحرر من هذا القيد المكلف - إلي فكرة " خبيثة ".

تتمثل تلك الفكرة في استخدام الجرائد والمجلات في عملية المراسلة باعتبارها مطبوعات وليست خطابات وهي أقل تكلفة رغم وزنها الكبير مقارنة بالخطابات. حيث كنت أكتب رسائلي المطولة " براحتي " ؛ وأُرقّم صفحاتها وأضعها بين اوراق الجريدة أو المجلة.. وفي نفس الوقت أستبعد ما بين ثلث ونصف صفحات الجريدة بما يساوي وزن صفحات الرسائل الموجودة داخلها .. مع تثبيت أوراق الرسالة بالصمغ أو بورق لاصق؛ وبذلك كانت الجريدة تحمل عدة رسائل مطولة – علي الورق المعتاد- للأهل والزملاء والأصدقاء بتكلفة زهيدة جدا . بعدها أقوم بطيّ الجريدة نصفين ثم طيتين أخريين حتي تصير بعرض 17- 18 سم وأقوم" بتحزيمها من منتصفها مستخدما ورقة فولوسكاب مطوية بالطول وألصق الحزام الورقي عليها بورق لا صق ؛ وأكتب عليه العنوان. ومن مكتب البريد أرسلها .. وهكذا.

هذا وقد طالبت من أراسلهم باتباع نفس الفكرة في رسائلهم لي وهو ما وفر لي التواصل معهم ووفر لي الصحف المصرية وخلق جسرا من الحوار العميق المتنوع والمستمر بيني وبين مصر.


حدث جديد ولوحة فنية إيطالية في مباراة كرة:

في يوم 27 مايو 1964 - وهو اليوم الذي صدرت فيه رخصة القيادة الخاصة بي من معهد الآلات في فيتسين هاوزن - شاهدت لأول مرة في حياتي مباراة كرة قدم في دولة بينما أحداثها تجري في دولة أخرى.

فقد نقل التليفزيون الألماني المباراة النهائية بين ناديَيْ ريال مدريد الاسباني وانترناسيونالي الإيطالي في بطولة الأندية الأوربية أبطال الدوري من مدينة فيينا عاصمة النمسا . ويومها فاز فريق نادي انترناسيونالي بالمباراة وكأس البطولة رغم أنه لم يفز بها من قبل في حين أن منافسه فاز بها مرتين. وما لفت نظري في المباراة كانا لاعبين من الانتر هما لاعب الوسط لويس سواريز الإسبانى الرائع و الجناح البرازيلي الأسمر جايير واللذين كانا أخطر وأبرز لاعبى المباراة جميعا رغم وجود عدد من المشاهير الأفذاذ بفريق ريال مدريد مثل (دي استيفانو وبوشكاش وخنتو وسانتا ماريا ) . يومها تقدم الإنتر بهدف في الشوط الأول ثم أضاف هدفين في الشوط الثاني بينما أحرز ريال مدريد هدفا قرب نهاية المباراة.

وقد مثلت تلك المباراة حدثا فريدا بالنسبة لي؛ فهي الأولي من حيث البث التليفزيوني عبر الدول والأولي أيضا في تفوق فريق يصل المباراة النهائية لأول مرة ولم يفز بالبطولة من قبل ويتفوق لعبا ونتيجة على حائزها الأبرز ريال مدريد بعمالقته المعروفين.
وأتذكر أنني نقلت لأصدقائي في مصر موجزا عنها مصحوبا بتعليقي علي ما شاهدته من براعة لاعبي الإنتر سواريز وجايير.. إضافة إلى الإيطالي ماتسولا.


نظرة علي أوضاع الطلاب المصريين .. تعدلَت بمرور الزمن:

كان من بين ما كتبته تفصيلا لأصدقائي في خطاباتي عددا من المآخذ علي بعض الزملاء المتدربين الذين لم يتمتعوا بالحد الأدني من المسئولية ويسلكون سلوكا تلقائيا أو منفلتا مما دعا المسئولين الألمان للتعامل معهم بطريقة – رأيتها – فظة وغير لائقة ؛ وقد أسهم في ذلك ضعف الإشراف المصري علي البعثة التدريبية وتهافته وانعدام مسئوليته وهزال ثقافته وعدم تحليه بالاحترام المفترض في مثل تلك المهام والحفاظ علي هيبة البلد الذي يمثله ؛ ولا أكون مبالغا لو قلت أن بعض المشرفين كانوا أدني مستوي في فهمهم لمهمتهم بل وفي رداءة سلوكهم من المتدربين اليافعين.
لقد دعتني تلك الأوضاع للحديث عما يدور في رحلتنا بطريقة تختلف تماما – إن لم تتعارض في معظمها - مع ما كان شائعا ويجري تداوله عن البعثات السابقة في الفترة من 1961 – 1963. وهو ما شكّل مفاجأة أو صدمة للكثيرين بالرغم من إعلان المسئولين الألمان أن بعثتنا كانت أفضل من قريناتها السابقة بما لا يقاس بل وقاموا بمكافأتها – علي طريقتهم- برحلة إلى مصانع السيارات ( فولكس فاجن ) ومصانع الآلات الزراعية ( كلاس) وبرلين الغربية وبرلين الشرقية لمشاهدة سور برلين الذي كان يفصل الجزء الغربي لبرلين عن بقية ألمانيا الشرقية والغربية معا.

لقد كتبتُ بوضوح أن المتدربين المصريين في بعثة المعاهد العليا الزراعية يمثلون مسرحيتين:

المسرحية الأولي : تتعلق بحالتهم الراهنة في بلاد الجرمان واسمها مسرحية " الكلاب الضالة " ؛ فقد تم الإلقاء بهم دون فهم أو معرفة أو إشراف أومتابعة في مجتمع جديد يجهلونه وفى مهمة تعليمية كان يمكن أن تثمر فوائد جمة، لكنهم – و يا للأسف - تُرِكوا فرادي متناثرين لا تربطهم رابطة لتقتلهم الغربة والوحدة وضبابية الهدف وانعدام الإشراف.. عيونهم حائرة ونظراتهم زائغة ووجدانهم مشتت وعقولهم ممزعة مبعثرة .

والمسرحية الثانية: تتصل بمآلهم ومستقبلهم؛ وما نُعوّلُه وتُعوّله الدولة عليهم واسمها مسرحية " ألف عوض" بما يعني أننا كمتدربين خسرنا الكثير من الفوائد في هذه الرحلة كان يمكن أن نحصدها؛ ولم نتحصل منها – كمجتمع - على تشكيل عقول وأفئدة تنظر لمستقبل الوطن ومستقبلها الشخصي نظرة جديدة أللهم إلا أن هناك في الغرب مجتمعات تفوقنا تطورا وحضارة وتقدما وانضباطا ورؤية للمستقبل.

وكنت في حقيقة الأمر – آنذاك - مستاءٌ من الطلاب غاية الاستياء أكثر من استيائي من إشراف الدولة عليهم. لكن بمرور الوقت تغيرت نظرتي وعدلت مراتب الاستياء لتحظي مسئولية الدولة بالقدر الأوفر من الاستياء واللوم بينما يتقلص نصيب الطلاب إلى النصيب الأقل .. فهم في كل الأحوال شباب صغار لا يتجاوز عمر أكبرهم 22 عاما .


علاقتي بالمزارعين الألمان:

أولا : المزارع الأول إيريش كيتى ( Eresch Kute) - قرية هيميش هاوزن (Hemisch Hausen) :

في قرية ( هميش هاوزن ) قضيت شهرا تقريبا مع المزارع " إريش كيتى" عمره حوالي 52 عاما ؛ وبين عائلته - المكونة من ابن يشاركه العمل عمره 18 عاما ؛ وبنت عمرها 15 عاما ؛ وزوجة عمرها حوالي 47 عاما- تعايشت معهم . وقمت بأعمال متعددة منها حصاد و نقل وتخزين نباتات العلف ؛ وحلب الأبقار ميكانيكيا وتربية الخنازير وكثير من الأعمال الصغيرة الأخرى في الحقول والمنزل.

وبالمناسبة كانت حظائر الخنازير والأبقار الفريزيان بنايات حديثة الطابع منظمة نظيفة ، تُغسل يوميا بالماء الساخن وأسبوعيا بالصابون ومضاءة بالنيون ومهواة بشكل دائم ، ومزودة بمدافئ لاستخدامها شتاء وسقوفها من الخارج مصممة علي شكل جمالونات للتخلص من مياه الأمطار أولا بأول وإزاحتها إلي قنوات ومخارج تحيط المنزل والحظائر والمخازن وجراجات السيارات والآلات من كل جانب و تصب في مجرى الصرف الصحي الخاص بالمنزل ومنه للمجري العام.

هذا وكنا كثيرا ما نتناقش علي مائدة الطعام عن هذه الأعمال ونتداول الحديث عن العمل الزراعي بمصر وأحيانا كانوا يتعرّضون لأخبار متدربين سابقين عملوا لديهم . لكن ما أثار دهشتي أنهم تشككوا في كوني طالبا في الجامعة أدرس الزراعة ، وعلي ما يبدو أنهم كانوا يتصورون نموذجا مغايرا لذلك باعتبار أن طلاب الجامعات الألمان يقضون سنتين في التدريب العملي بالمزارع يلمون خلالها بكل أنواع العمل الزراعي النباتي والحيواني والداجني فضلا عن استخدام الآلات الزراعية بكل أنواعها .. بعدها يلتحقون بالجامعة.

وفي الحقيقة لم أتيقن من السبب الحقيقي في تشككهم هذا بالرغم من أنى كنت أثناء حواري معهم أتطرق لجوانب في الموضوع لا يعرفونها وبلغة مهذبة وتعبيرات علمية ؛ بل وأقوم بكل الأعمال التي يتم تكليفي بها وبكفاءة – ربما لا تصل لكفاءة الألمان لكنها - تتجاوز معظم أقراني المتدربين المصريين . ومنها عملية " تعتيق " أي تفريغ حمولة مقطورة جرار زراعي تقارب الـ 2 طن من الحِزَم المضغوطة ( بشكل متوازي المستطيلات وبوزن 15 – 16 كجم) لنباتات العلف التي يسمونها ( هُيْ – Heu ) ويتم ذلك بأداة أقرب إلى المِذْراة – في مصر - لكنها من المعدن الصلب حيث يجري تفريغ الحمولة علي الأرض ثم من الأرض إلي المخزن بارتفاع ( 3 / 3.5 متر) ويجري ذلك بغرس المذراة في الحزمة ثم نطرها لأعلي– وليس حملها - لتستقر بالمخزن حيث يعاد رصها وترتيبها .. وهي من أشق الأعمال في نظرى؛ وكنت أقوم بذلك في كثير من الأحيان بمفردي دون مساعدة .

المهم استمر عملي مع إريش كيتي حتى تعرض ذراعي لإصابة في مفصل الكتف – تصورتها في البداية من تأثيرالبرد - ومن ثم قلت قدرتي علي العمل .. ولما طلبت منه الذهاب لطبيب لتشخيص الإصابة امتعض ولم يعلق : وفي اليوم التالي ذكرته بطلبي فرد قائلا : لي أنت لست مريضا. فما كان مني إلا أن قلت له بحزم : أنت لست طبيبا. فرد عليّ: أنت تدعي المرض.. فكررت له : أنت لست طبيبا .. أنت فلاح ، وتركت مائدة الطعام وعدت لحجرتي لفترة من الوقت بعدها عدت وتصادف أن وجدت زوجته التي قالت لي : أريد التحدث معك . وفي حديثنا قلت لها : إذا لم أذهب للطبيب فأرجو إخطار الغرفة الزراعية بشكواي حتي لا أضطر لكتابة الشكوي لمن يرأسون الغرفة في بون ( عاصمة ألمانيا الغربية آنذاك ).

أول صدام مصري ألماني:

بعد يومين توقفت فيهما عن العمل وامتنعت عن مشاركتهم مائدة الطعام حيث كنت أشترى طعامي من الخارج ؛ حضر أحد المسئولين من الغرفة الزراعية بالمقاطعة؛ وجلس مع المزارع وزوجته حوالي ساعة ؛ بعدها نادني المزارع وأفهمني بوجود المسئول وطلب مني الجلوس معه.
ودون مقدمات دخلنا في الموضوع وسألني لماذا لا تشاركهم العمل والطعام ..؟ فأجبته لأني ذراعي تؤلمني من عدة أيام وتصورت أنها إصابة برد .. ولذلك طلبت الذهاب للطبيب فاتهمني بأني متمارض: ولأني مصاب .. توقفت عن العمل ، ولأني لا أعمل توقفت عن مشاركتهم الطعام. فقال متسائلا: ولذلك تريد الذهاب للطبيب..؟ فأجبته : لا .. أريد العودة لمصر علي أول طائرة ؟ فرد قائلا: يعني تريد الطبيب أم العودة لمصر..؟ . قلت : العودة.

شعرت لحظتها أن لهجته التي تتسم بالجفاف بدأت تتراجع وأنه في حيرة من ردي المفاجئ. فقال لي أنت تستبق الأحداث ووضعْتَنا أمام طلب العودة الذي تري أنه الحل لمشكلتك ..فلماذا لا نتناقش أولا في المشكلة لنتوصل إلى الحل..؟ ونظرا لأنه سبق وتعرف علي المشكلة من وجهة نظر المزارع الألماني فقد أجبته : لقد سمعت المشكلة منهم ومني وبالتالي أنت المطالب بالحل. فقال: إنهم يقولون أنك لست مريضا.. فباغته مقاطعا : وبالتالي عليّ العودة للعمل دون الذهاب للطبيب؛ ولأن ثلاثتنا هم وأنا وأنت لسنا أطباء ولا نستطيع القطع بأنى مريض من عدمه فالكلمة النهائية تكون للطبيب . فما رأيك أنت..؟ صمت الرجل ولم يعقب للحظات ثم أردف: هل يمكنك بعد الراحة التي حصلت عليها أن تعود للعمل..؟ فأجبته بشكل قاطع: آسف.. طلبي واضح العودة. فقال لي بحدة : إذن لماذا حضرت لألمانيا ..؟ فقلت : لأستفيد وأتعلم .. ولكني جئت في المكان الخطأ. سألني :
كيف..؟. فأجبته : هنا لديكم : لا توجد بين الناس سوى رابطة العمل فقط. فرد : وهل هذا خطأ..؟ قلت : نحن أولا بشر ؛ ولابد لعلاقة العمل أن ترتبط برابطة إنسانية بل إن الأخيرة هي الأساس. بمعنى أن معاملة المزارع لي تغيرت عقب إصابتي .. و كانت طيبة قبل الإصابة.. وهو ما يترجم أن صلة العمل هي الأساس الوحيد لديه وليس العلاقة الإنسانية؛ علاوة علي أنه لا يشغله سوي عمله أما إصابتي فلا تهمه . فقال: ولماذا إذن تريد العودة ..؟ قلت: لأن ما لا تهمه إصابتي ويهمه فقط جهدي الذى أبذله .. لا يمكن أن أستمر في علاقة معه من أي نوع.

هذا وقد بدا لي أنه فوجئ بقدرتي علي التحدث بالألمانية وعلى إثارة موضوع لم يكن في حسبانه وبطريق منطقية وواضحة وأثرت قضية لم يكن يتوقعها (علاقة العمل والعلاقة الإنسانية ) مما أفسد عليه السيناريو الذي أعده لمواجهتي ، علاوة علي منطقي القوي في الحوار مما أضفي علي طريقته طابعا عصبيا يتسم بالحدة في محاورتي.

وعلي ما يبدو أن محاولاتهم السابقة – إزاء تلك المشاكل - مع غيرى من المتدربين المصريين كانت ترتكز علي تهديدهم بالترحيل من ألمانيا لمصر واستخدام أسلوب الهجوم وتعديد المآخذ و تصيّد الأخطاء التي يرتكبها المتدربون سبيلا إلي قمعهم وإسكاتهم .. بل وحتي إلي عدم الإنصات لشكاواهم .. وهو مالم يفلح معي ولذا وقع الرجل المُسِنّ في المحظور.

وقبيل نهاية الحوار سألته : إذا شكا لك ابنك من ألم في ذراعه هل ترسله للطبيب أم تتجاهل شكواه أم تتهمه بأنه متمارض..؟!

لم يجد المسئول جوابا وقال : سنبحث الأمر . فقلت له : الأمر واضح لا يحتاج لبحث. فرد باستفزاز قائلا: كيف..؟ قلت له : لأنه كان من المنطقي أن توافق بعدما سمعته من المزارع وليس مني علي ذهابي للطبيب لكنك لم تفعل في الحالتين، وهو ما يؤكد أنك منحاز ولست محايدا. فاحمر وجهه وقال منفعلا: أأنا منحاز ولست محايدا..؟ فأجبته : بالتأكيد.. وهناك أكثر من برهان علي ذلك. فقال: ماهى ..؟. أجبته : أنك باعتبارك قاضيا بيني وبين المزارع كان من الطبيعي أن تلتقي بي أولا وتسمعني لأنني من أشكو.. لكنك ذهبت له وسمعته قبلي بل وتُردد بعض تعبيراته ؛ وكان من الطبيعي أيضا أن تدرك - باعتبارك رجل كبير السن ولك خبرة في الحياة تتجاوز خبرتي- أن المواطن الألماني لا يتساوى مع الأجنبي وأن الأخير سيكون حساسا عموما وأكثر حساسية عندما تبدر بادرة تشى بانحيازك للطرف الآخر .. ولكنك للأسف تتجاهل كل ذلك .. كل ذلك. وهنا انفعل وازداد احمرار وجهه وقال: أنت تتحدث كأنك تعطيني درسا. قلت له بهدوء شديد: أنا أعرف أنك رجل كبير السن ومسئول في الغرفة الزراعية وقادر على أن تعطيني درسا في الزراعة وربما في أشياء أخرى كثيرة .. لكني أستطيع أن أعطيك – رغم صغر سنى – درسا في التعامل الإنساني .. بل ودرسا في الأخلاق.. ولن أكرر عليك طلبي مرة أخرى.. لكن أرجو أن تكون واثقا أني - إن لم تحل مشكلتي- سأرسل تقريرا بالموضوع وبما دار بيننا من مناقشة إلي الدكتور كريسكن وكيل وزارة مساعدات الدول النامية في بون .. إلي اللقاء.

تركت المسئول وخرجت من المنزل وذهبت لاحتساء مشروب في أحد المقاهي القريبة ، بعدها عدت للمنزل فوجدته قد غادر تاركا لي رسالة شفهية مع المزارع وبها : أن أنتظر رسالة منه في بحر يومين تتعلق بمصيرى.

وفي المساء خرجت للتجول في شوارع ( هميش هاوزن) لمدة ساعتين لأنى - رغم ما أعطيته للمسئول الألماني من درس لن ينساه- كنت أغلي من داخلي وفي غاية الاستفزاز .. ربما لأن موقفه كان عنصريا وبغيضا وهو ما جعلني أدرك فيما بعد أن صحة مواقفنا وتماسك منطقنا وقوة حججنا لن تفضي لنتائج حاسمة لصالحنا طالما كان من نختلف معه عنصريا ومنحازا ولا يبحث في الحياة سوى عن مصلحته.. ومن ثم لابد من وسيلة أخرى لكسر عنصريته ودفعه دفعا للرضوخ للعقل.

وأخيرا صادفت ألمانيا متحضرا:

عدت للمنزل وعقدت العزم علي الذهاب للمدينة القريبة ( كورباخ – Korbach ) لأقضي النهار بطوله هناك.. بعدها أعود في المساء.
وبالفعل غادرت في الصباح إلي هناك وظللت أتنقل بين أحيائها وشوارعها وأجلس في مطاعمها ومقاهيها لساعات : وقبيل عودتي للقرية وأثناء سيري في شارع عريض شعرت بدوار شديد .. بعدها وجدت نفسي في مستشفي كورباخ وحولي بعض الأطباء والممرضات.
هذا وقد عرفت من أحد أطباء المستشفي - فيما بعد - أنها إغماءة شديدة سببها التعرض لموجة برد في الرأس .. فسألت الطبيب : وكيف توصلتم لذلك ..؟ قال: وجدنا شعرك قصيرا جدا على عكس بعض الصور التي لك هنا في ألمانيا والتي وجدناها في ملابسك وعرفنا من جواز سفرك متي حضرت لألمانيا . وعلي الفور تذكرت أنى ذهبت للحلاق قبل حضوري لكورباخ مباشرة وأنى طالبته بتقصير شعري بهذه الكيفية.

بعد يومين سألني الطبيب عن سبب حضوري لألمانيا وأين أقيم وماذا أعمل ..إلخ؟

فقصصت عليه الحكاية كاملة .. بعدها وجدته متعاطفا معي وقال لي: رغم أنك تجاوزت هذه الوعكة ومن المفترض أن تغادرنا.. إلا أنك ستبقي هنا ولن تعود إلي ( هيميش هاوزن ) حتي يتم تحديد مصيرك إما بالعودة لمصر وإما بالانتقال لمزارع جديد.
هذا وكان ذلك الطبيب يحضر بين الحين والآخر للدردشة أو لمناقشتي في بعض الأمور التي كانت تجذب انتباه بعض العاملين معه . وفي إحدي المرات قال لي: أنا سعيد بالتعرف عليك وأتمنى أن أزور مصر التي قرأت عنها كثيرا وصرت شغوفا بحضارتها ؛ فما كان مني إلا أن رددت: أهلا .. مرحبا بك، ومستعد لمرافقتك أثناء وجودك بمصر. وللحقيقة كان ذلك الطبيب أول من قابلتهم هنا ويتمتع باللطف والرقة والتحضر والعقلانية.

في الأسبوع الأخير بالمستشفي التقيت بشاب يوناني - لا أذكر اسمه - في الثلاثينات من العمر .. تبادلنا الحديث بالألمانية ، وقد سألني مرة عن اللغة العربية عندما وجدني أكتب خطابا من اليمين لليسار، هذا وانتهت إجابتي له باتفاق علي أن نتبادل تعليم أنفسنا اليونانية والعربية . وأتذكر أنه تعلم مني كثيرا من حروف العربية بينما تعلمت منه كل حروف الأبجدية اليونانية التى منها ( ألفا ، بيتا ، جاما ، ثيتا ، يوتا ، دلتا ، لمْذا ...) إلا أن حلول موعد تركي للمستشفي حال دون استكمال ذلك.
خطابي للمسئول المصرى المشرف علي المتدربين في ألمانيا:

تنويه :

نظرا لما مر بنا من أحداث في ألمانيا ولما بدر من معلم اللغة الألمانية ( هر باور ) ومن المعاملة السيئة للمتدربين التي اكتشفتها من رسائل زملائي الذين يعانون في مزارعهم ، فضلا عن موقف المزارع ( إيريش كيتى) معي وبعده موقف مسئول الغرفة الزراعية من مشكلتي .. وغياب الإشراف المصرى المفترض علي مائة مصري يعيشون في ألمانيا كالكلاب الضالة ، قررت أن أفتح النار علي تردى الإشراف علينا وغيابه الكامل .. وليكن ما يكون .. وهذا ما حدا بي لكتابة الرسالة التالية بهذا التحدد.
وقد أرسلتها في أعقاب المشكلة التي حدثت مع المزارع الأول إيريش كيتي من مستشفي كورباخ وموجزها كما يلي:

•لخصت له المشكلة مع المزارع إيريش كيتي في قرية هيميش هاوزن وأوضحت له حالة التجني التي تعرضتُ لها منه ويتعرض لها كثير من المتدربين المصريين في المزارع ؛ وقد استفدت مما وصلني من خطابات من زملائي المتدربين في المزارع .. وضمّنتُها في هذا السياق.

•ولمته بشأن غيابه الفعلي عن المتدربين حيث لا يشعرون بوجوده ولا بدوره الإشرافي.

•كما ذكرت له أنه كان من المفترض أن يكون في استقبالنا بمطار فرانكفورت ليدرك الألمان والمتدربون أن لهم حماية وظهيرا يرعاهم ويدافع عنهم ويرشدهم.

• وأنه كان واجبا أن يلتقي بهم في تجمعاتهم بفروع معهد جوته ولم تكن تزيد عن 4 تجمعات أو حتى بالقريبين منه جغرافيا في تجمعات معاهد الآلات ، أو تجمعات توزيعهم علي المزارع ، لكن شيئا من ذلك لم يحدث ومن ثم حُرِموا من خبرات البعثات السابقة سواء ما يتعلق بالدراسة في فروع معهد جوته أو معاهد الآلات ، أو التدريب لدي المزارعين أو التعامل عموما مع المواطنين الألمان.

•وإزاء هذا القصور كان واجبا أن يحصل كل منهم علي عنوانك الوظيفي أو طرق الاتصال بك ، و كذا حصولك علي عناوينهم أو زيارة بعضهم ممن تكون مشاكل تأقلمهم متعثرة .

•أهمية مراسلتهم أو مدهم بإرشادات دورية والإنصات للمشاكل التي يصادفونها في معاهدهم أو مزارعهم.

•أما تركهم كالأطرش في الزفة يتخبطون في التعامل مع الألمان ويتأرجحون ما بين تزمت البعض وانفلات البعض الآخر وضبابية الرؤية للبعض الثالث.. والاجتهادات الخاصة للبعض الرابع فلا يعني سوي أن هذا الوضع يتساوي مع غياب مهمة الإشراف عليهم منن البداية .. كما يعني غياب الحبل السرى الذى يربطهم بأوطانهم.

•واختتمت الرسالة بالآتي:

1-هناك شئ اسمه الواجب الوطني نحو مصريين غرباء في ألمانيا.

2-وشئ آخر يتعلق بالالتزام بهدف الوظيفة التي تتولونها وبقواعدها.

3-وشئ ثالث يرتبط بالاجتهاد الشخصي والسلوك الفردي الذي إما أن يكون متسقا مع ما سبق أو متعارضا معه ولا يخضع إلا للمصلحة الشخصية.

مع خالص الشكر ،،

يوليو 1964 بشير صقر



ملاحظة: كانت الرسالة الأصلية طويلة ومفصلة لكنها تحمل كل هذه المضامين كاملة.. وإن لم تكن بتلك الصياغة والتعبيرات.

نلتقي مرة أخري في الجزء الثاني والأخير








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. WSJ: لاتوجد مفاوضات بين حماس وإسرائيل في قطر حاليا بسبب غياب


.. إسرائيل تطلب أسلحة مخصصة للحروب البرية وسط حديث عن اقتراب عم




.. مصادر أميركية: هدف الهجوم الإسرائيلي على إيران كان قاعدة عسك


.. الاعتماد على تقنية الذكاء الاصطناعي لبث المنافسات الرياضية




.. قصف إسرائيلي يستهدف منزلا في مخيم البريج وسط قطاع غزة