الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وجاء دور الاسلام الليبرالي الآن !؟

سليم نصر الرقعي
مدون ليبي من اقليم برقة

(Salim Ragi)

2019 / 1 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


نعم !.. قد جاء الآن دورالاسلام الحضاري (الليبرالي) المتسامح بوجهه السمح الصحيح!
جاء دوره في مواجهة الاسلام السياسي الأصولي والشمولي المتستر بتطبيق الشريعة من جهة، ومن جهة في مواجهة الاقصاء العلماني الاستئصالي المتستر بالحداثة!.. وكلاهما وجهان لشيء واحد وهو الجهل المُركب والتعنت الطوباوي وتخريب مشروعات النهوض بمجتمعاتنا في كل مجالات الحياة!.. فمجتمعاتنا بين فريقين متطرفين (الأصولية الدينية، والأصولية العلمانية!) كلاهما معول هدم وتخريب وهو آخر من يدري!!
*******************
مشروعات الأصوليين الاسلاماويين بجناحهم الاخواني/القطبي أو جناحهم السلفي الأثري أو بجناحهم المختلط والمركب من هذا وذاك!.. باتت اليوم مفضوحة وعارية لا تغطي عورتها حتى ورقة التوت!.. ورقة التوت التي أسقطها المولى عز وجل بثورات الربيع العربي (الكاشفة الفاضحة)، لا الفاضحة للاسلاماويين وحدهم بل وحتى للعلمانيين ولكافة النخب العربية التي تعاني من عقم فكري وسياسي فاضح!، بل والفاضحة كذلك للمؤسسة الدينية التي تعاني من عقم فقهي!، وأيضًا الفاضحة لحقيقة مجتمعاتنا التي تعاني من افلاس حقيقي في القيم الاخلاقية وعلى رأسها قيم العدل والتسامح وهما أهم وأعلى قيم الاسلام الحقيقي بعيدًا عن نزعات فقهاء الغلو والتنطع الديني بكل صورهم قديمًا وحديثًا!.. لذا - وقد انكشفت الفضيحة - وبعد أن أفرغت وسعي في بذل النصيحة - توقفت منذ فترة عن انتقاداتي الشديدة للاسلاماويين في جانب الفكر والسلوك الديني والسياسي وسأضع كل مقالاتي تلك في كتاب إن شاء الله أتركه خلفي لله ثم للتاريخ لعل وعسى يستفيد منه القوم في اصلاح اعوجاجهم الفكري والاخلاقي والسياسي ولعلهم إلى ربهم وقرآنهم وقيم دينهم الصحيحة - بعد كل هذه الفضيحة - يرجعون!.
والآن التفتُ للعلمانيين العرب وغير العرب من سكان منطقتنا وبعضهم من الملحدين الحاقدين على الاسلام الذين من خلال متابعتي للأحوال العامة الفكرية والثقافية والسياسية والاعلامية بت أرى أنهم باتوا يحاولون الاستفادة من فضيحة وخسارة الاسلاميين على طريقة (مصائب قوم لقوم فوائد!) أي استغلال هذا الفراغ الهائل الذي نتج عن سقوط مشروعات الاسلاماويين الانتحارية والطوباوية والسلطوية لكي يعبئوه هم بأفكارهم ومشروعاتهم وربما طموحاتهم السياسية!.. فهذا الوضع الحالي بالنسبة اليهم (فرصة ورخصة!) كحال من ذهب بعد تردد طويل للجامع فوجده مغلقًا فقال: (جاءت منك يا جامع!!) .. وهؤلاء العلمانيون الذين يتسترون بلافتة (الحداثة) لا شك أنهم وبعد كل ذاك الاحباط والخوف الذي اعتراهم في بدايات ثورات الربيع العربي بسبب ما اعتقدوا أنه اكتساح اسلاماوي للساحة وسيطرتهم المبكرة على مفاصل تلك الثورات بل وبروز اتجاه في الغرب وخصوصًا في أمريكا وبريطانيا يميل للقبول بالاسلاميين واستيعابهم كحكام جدد للمنطقة بشرط مكافحة الارهاب المتمثل في (السلفية الجهادية) وتحقيق الاستقرار وعدم المساس بمصالح الغرب!... يبدو أن العلمانيين يومذاك أصابهم شيءٌ من اليأس والاحباط بسبب هذا الموقف الغربي (الغريب)!!... أما اليوم وقد تساقطت مشروعات الاسلام السياسي (الاخوان والدواعش) كِسفًا وتبين بأنهم مجرد (نمر من ورق) وأن ليس لهم تلك القاعدة الشعبية والحاضنة الاجتماعية التي كنا نحسب ويحسب الغرب!، فإن روح الأمل انتعش وانتفش في نفوس العلمانيين ممن يتدثرون تارة ً بثوب الحداثة وتارة أخرى بثوب (الليبرالية) والكثير منهم ربما - ولأنه سليل الاشتراكيين أو حتى الشيوعيين - فإنه مع حمله بيده لافتة (الحداثة) تلحف بثوب (الليبرالية الاجتماعية)!!.. وهو مفهوم مطاط يُشكله كل فريقٍ حسب ما يشتهي ويريد وعلى مقاس هواه السياسي والايديولوجي!... وهكذا - أي بفراغ الساحة العامة - من الاسلاماويين وبانشغال السلفيين بالسيطرة على المساجد أو مؤسسة الأوقاف أو الافتاء على أبعد تقدير وابتعادهم عن العمل السياسي والفكري والمدني العام - باتت الساحة مفتوحة أمام القوى العلمانية المعتدل منها والمتطرفة!!.. ومثلًا في ليبيا بدأنا نراهم يعملون على التغلغل في المؤسسة التعليمية (الرسمية) من أدنى إلى أعلى مستوياتها لغرز وغرس أفكارهم الطوباوية (المسمومة والملغومة) بخبث ودهاء في عقول ونفوس أبنائنا وبناتنا وهي أفكار وتوجهات في تقديري من الطوباوية واللاواقعية واللاعقلانية ما يجعلها بالنتيجة لا تختلف في تأثيرها العملي عن أفكار ومشروعات الاسلام السياسي سواء عند السنة أو الشيعة!... وأنا هنا لا أعمم فليس كل العلمانيين الليبيين والعرب أو غير العرب من سكان منطقتنا على هذه الشاكلة من العلمانيين المتأثرين بالنخب العلمانية الفرنسية والحاقدين على الاسلام!، ففي العلمانيين العرب وكذلك الليبيين كما ناقشتهم من يعتز بالاسلام كدين وربما يصلي ويصوم ويحج وإنما مشكلته فقط مع ما بات يُعرف في المصطلحات السياسية والفكرية والاعلامية المعاصرة بـجماعات (الاسلام السياسي)!، فهو مع تمسكه بديانته وممارسته لشعائر التعبد إلا أنه يعتقد أن الاسلام دين ولا دولة!.. فالدولة - كما يعتقد - هي شأن بشري صرف وربما استدل بالحديث المرفوع للنبي (محمد): ((أنتم أعلم بشئون دنياكم)).. وهذا الاعتقاد القائم على الفصل بين الاسلام كدين والاسلام كدولة ليس بكفرٍ قطعًا ولا يخرج صاحبه من ملة الاسلام، بل وجدنا شيخ أزهري ينتمي للاتجاه (الليبرالي الاسلامي) يُؤلف في الربع الأول من القرن العشرين كتابًا بهذا المعنى بعنوان (الاسلام وأصول الحكم!؟)(1925) وهو الشيخ (علي عبد الرازق) (1888- 1966) رحمه الله حيث استنبط من خلال كتابه ذاك أن الاسلام دين فقط أما الدولة فهي مرحلة وضرورة تاريخية عابرة[1].. وهكذا فليس العلمانيون في عالمنا العربي والاسلامي على ملة ونحلة واحدة فمنهم الملحد المعادي للدين بشكل سافر أو بشكل مقنع بقناع الحداثة التي تعني عندهم (القطيعة مع الماضي والتراث!)، ومنهم من يدين بالاسلام ولكنه يؤمن بالعلمانية كأساس ضروري للدولة الوطنية المعاصرة والحديثة وكشرط للديموقراطية لأنه يعتقد أن الدولة الاسلامية في عهد النبي والصحابة كانت ضرورة تاريخية في ظروف محلية ودولية صعبة وحرجة، كانت ضرورة للدفاع عن هذا الدين وجماعة المسلمين الجديدة والضعيفة، بل وربما كانت ضرورية لتوسيع الدولة الاسلامية لتصبح امبراطورية قوية وكبيرة (مُهابة) في عالم يحكمه منطق الاقوياء والكبار!، أو ربما كانت ضرورية لنشر الدعوة وفتح مجالات جغرافية أمام أكبر عدد ممكن من الناس لسمع رسالة الله الخاتمة والتي كانت السلطات الحاكمة في تلك الأوضاع الدولية القديمة تقاومها وتُحرِّمها وتُجرِّمها وتمنع وصولها للناس، فكان من الضروري اسقاط تلك السلطات المسيطرة والمتجبرة وتبليغ رسالة الله للناس ثم تخييرهم بين الدخول في دين الله ودفع زكاة مالهم للفقراء أو الدخول في رعية الدولة ودفع ضريبة الخضوع لسلطان هذه الدولة وهو ما أطلق عليه في زمانهم (الجزية)!، هكذا يعتقد بعض العلمانيين سر قيام دولة النبي والصحابة وأسباب توسعها الجغرافي!.. فهو كان ضرورة واقعية وسياسية ومرحلة تاريخية لا مفر منها، وأما في عصرنا الراهن فهم يعتقدون أن تلك الضرورة انتفت، فعصر الامبراطوريات انتهى وأصبح العصر عصر الدولة الوطنية، والاعراف والمواثيق الدولية تبدلت، وحرية العقيدة والعبادة والدعوة الدينية بات في زماننا جزءًا لا يتجزأ من حقوق الانسان التي تكفلها المواثيق الدولية وبالتالي انتهت الحاجة الى اقامة دولة وامبراطورية الخلافة الاسلامية في عصرنا الحالي، فهذا موقف الجناح (المسلم والمعتدل) من العلمانيين بل وربما حتى بعض (المسلمين الليبراليين) كما هو حال (الشيخ علي عبد الرزاق) وغيره كثير ممن يؤمنون بالدولة الوطنية كنموذج للدولة الحديثة وبعضهم يريدها علمانية وبعضهم يريد أن يكون الاسلام دين الدولة ولكن بعيدًا عن نموذج الدولة الدينية (الثيوقراطية) التي يحكمها بشكل مباشر أو من خلف الكواليس رجال الدين!... وهذا الرأي ليس كفرًا بالاسلام كدين قطعًا بل هو يدخل تحت مسمى (الرأي والرأي الآخر) في اطار النقاش داخل البيت الاسلامي!.. لكن للاسف الشديد هناك الكثير من العلمانيين العرب وغير العرب - ومنهم ليبيون كما ناقشتهم يحملون حقدًا عجيبًا ضد الاسلام في ذاته كدين!!، وليس ضد الاسلاميين وحسب وإلا لهان الأمر!، فنحن المسلمين الليبراليين مثلهم نرفض مشروعات الأصولية الاسلاماوية.. وبعض هؤلاء العلمانيين العرب كانوا - ولوقت قريب - يقولون لنا: "نحن لا نمانع من تكون الشريعة الاسلامية مُحكمةً في الأحوال الشخصية والعائلية فقط أي في أمور الزواج والطلاق والمواريث!".. ولكنهم ها هم اليوم وقد استتب لهم الأمر بتراجع المد الاصولي الاسلاماوي يكشفون عن وجوههم الحقيقية ويكشرون عن أنيابهم في (تونس) ويريدون تبديل حكم الله القطعي الثبوت القطعي الدلالة في المواريث كما في نص قرآني صريح: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ للذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ}... وهذا الغباء والغلو والتنطع العلماني المتطرف هو ما سيتسبب في قدوم موجة عاتية أخرى للاصولية الاسلاماوية التي صحيح أنها الآن تعاني من حالة انكفاء على الذات تلعق فيها جراحها المريرة في كهفها البعيد وتحاول استيعاب ما جرى لها ولماذا جرى ما قد جرى؟؟!.. ولكن هذا التطرف العلماني كما نلاحظه في النخب العلمانية التونسية التابعة للعلمانية الفرنسية ستؤدي بالنتيجة إلى صحوة وموجة اسلاماوية جديدة، قوية وأشد شراسة!!... إذ أن هؤلاء العلمانيون - بهذه التصرفات العلمانية الغبية والمتنطعة وغير العقلانية - التي وصلت إلى حد المساس بما هو قطعي الثبوت قطعي الدلالة من الشريعة الاسلامية قد أعطوا الأصولية الاسلاماوية المبرر القوي للعودة بقوة للساحة - حينما تنضج الظروف الملائمة وتصبح الأحوال مواتية لهم مرة أخرى! - ولتستولي على الشارع ثم الدولة حيث أتوقع بأنها ستقوم في أوج قوتها القادمة بتصفية هؤلاء العلمانيين بالقوة بحجة حماية دين الله!، وسنجد الجماهير المتهيجة بقوة الشعبوية من خلفهم تهتف وتُكبر: (الله أكبر!.. وإن الحكم إلا لله، وسحقًا للعلمانية والليبرالية والديموقراطية!!)... هذه هي مشكلة الكثير من العلمانيين العرب وغير العرب في منطقتنا حالهم حال الاصوليين الاسلاميون فهم يعانون مع الغباء السياسي الشديد من مرض الطوباوية والتطرف والغلو وغياب الواقعية والعقلانية والحكمة والرشد السياسي الذي يقتضي مراعاة ثوابت وخصوصيات الثقافة الاجتماعية وعلى رأسها الدين في مجتمعاتنا العربية!.. فحتى لبنان على تقدمها الحضاري والسياسي بالقياس لمجتمعات عربية أخرى فهي لم تطبق العلمانية بل طبقت المحاصصة على أساس الطوائف الدينية كمعادلة ضرورية لتحقيق الاستقرار السياسي العام!.. فما بال العلمانيون في مجتمعات مثل ليبيا ومصر وتونس يغلب عليها الطابع المسلم السني يريدونها أن تصبح علمانية صرفة ويقصون فيها المجتمع عن شريعته المتجذرة في عقيدته الايمانية!؟؟... هل هؤلاء العلمانيون يملكون ذرة في الواقعية والعقلانية السياسية!؟؟.. أم هم نخب طوباوية طائشة مغامرة مقامرة أعماها الغرور وأسكرتها نشوة شعورهم بانكسار المد الاصولي الحالي فطفقوا يفعلون ما يحلوا لهم على اعتقاد أن مجتمعاتنا باتت في أيديهم كصلصال اللين الهين يشكلونه على هواهم الايديولوجي كما يشتهون!!؟... ولهذا فنحن - الليبراليين المسلمين - نرفض مشروعهم العلماني المتطرف والمنحرف الذي يغلفونه بشعار (الحداثة) كما رفضنا مشروعات الأصوليين الاسلاماويين الطوباوية والسلطوية غير الواقعية وغير العقلانية !... كلاهما وجهان لشيء واحد!، الغرور والعمه والجهل المركب وغياب الرشد والحكمة السياسية!.... أما نحن الليبراليين المسلمين (غير العلمانيين) فمشروعنا هو التجديد والتحديث ليس باستهداف الدين الاسلامي أو محاولة عزله عن الحياة أو فصله عن الدولة بشكل كامل أو بالقطيعة مع تراثنا وتاريخنا الاسلامي كما هو حال مشروع العلمانيين المتسربلين بالحداثة، بل مشروعنا يبدأ من الاسلام نفسه، من الدين الذي له سلطان عميق وعظيم على مجتمعاتنا.. فنحن سننطلق لتجديد وتحديث فهم المسلمين للدين والدنيا، نُعيد احياء القيم والتعاليم الاسلامية التحررية (الليبرالية) والاصلاحية وعلى رأسها قيم العدل والتسامح والتعددية والتنوع في وجه الاصولية السلفية الاثرية التي تقدس (النقل) وتعطل (العقل) وأيضًا في وجه المشروعات السلطوية الشمولية والشعبوية الاسلاماوية المتسترة بالدين والتي اختطفت الاسلام وحولته لمشروع سياسي لصالحها كحال مشروع جماعة الاخوان وجماعات السلفية الجهادية وحزب التحرير!!... كما أننا نرفض العلمانية المتطرفة خصوصًا بوجهها الفرنسي المشحون بالحقد على الاسلام!، ولكننا في الوقت ذاته ندعو إلى توسيع تطبيقات مبدأ (الفصل بين السلطات) ليشمل الفصل بين رجال الدولة والسياسة من جهة ورجال الدين من جهة أخرى، فعلى رجال الدين التركيز على مسألة الاصلاح الروحي والاخلاقي في مجتمعاتنا التي تأكلها المادية والاباحية والنفاق والشقاق وسوء الاخلاق يومًا بعد يوم... فهذا هو ميدانهم الأصيل والأساسي لا التنافس على كراسي السلطة وحقائب الوزارات!.... أما حركة الليبراليين المسلمين فهي ليست حركة حزبية سياسية بل هي حركة للاصلاح الديني والتجديد والتحديث الثقافي تبدأ من تجديد طريقة فهم المسلمين للدين والدنيا، فهم واقعهم وتاريخهم بشكل واقعي عقلاني متوازن، فهم أنفسهم والعالم من حولهم وبناء جسور التعارف والمودة والرحمة والسلام مع هذا العالم.... من هنا سنبدأ نحن الليبراليين المسلمين في مشروع النهضة... والغريب هنا أن هذا ما حدث في الغرب أيضًا وخصوصًا في بريطانيا، فالحداثة هنا في الغرب لم تكن حركة للقطيعة التامة مع الماضي والدين وتراث المجتمع كما يدعي اتباع مشروع الحداثة من العرب وغير العرب، بل الغربيون بدأوا بحركة اصلاح ديني لتجديد وتحديث طريقة فهمهم للدين وهو ما أدى إلى فتح الطريق أمام التقدم العلمي والتقني في ظل القيم المسيحية!.. ولم تحدث القطيعة مع الدين إلا في نموذج الثورة الفرنسية التي قامت ضد الملكية المطلقة وضد الكنيسة على السواء رافعة شعار: (اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس)!!.. وهو نموذج لا يناسب طبيعة مجتمعاتنا العربية، فالنموذج البريطاني هو الأفضل والأنسب لنا!.. أما النموذج الفرنساوي العلماني المتطرف بل والمشحون بعداء للدين الاسلامي بوجه خاص هو النموذج (السيء) الذي تريد النخب الفرنسية الحاقدة على الاسلام تصديرها لبلداننا بدعمها للنخب العلمانية العربية وغير العربية في منطقتنا!... بينما نحن الليبراليين المسلمين العرب ندعو إلى الاستفادة من تجربة ونموذج بريطانيا المتوازن والعقلاني وغير المتطرف الذي تم فيه التفاهم بين الشعب والملك من جهة وبين السلطة والكنيسة من جهة أخرى وبشكل عقلاني واصلاحي (ليبرالي) هادئ بعيدًا عن التطرف الفرنساوي الثوروي الجمهوروي (الراديكالي)!.. فنموذج النهضة البريطانية والدولة البريطانية - وهي أم الديموقراطية الليبرالية - هو النموذج الأفضل والقريب لطبيعة مجتمعاتنا لا نموذج الثورة الدولة الفرنسية العلمانية المتشددة بل والتي تعادي النخب السياسية والمثقفة فيها الدين الاسلامي بوجه خاص!.... إنني على يقين تام أننا في مجتمعاتنا العربية والمسلمة خصوصًا الدول التي على شاكلة ليبيا ومصر والجزائر والمغرب وحتى دول الخليج ليست بحاجة إلى ((العلمانية)) إنما هي بحاجة إلى الكثير من ((العقلانية)) وتفعيل قيم العدل والتسامح في الاسلام التي تهاوت تحت أقدام ولحي وجلابيب زحف تيار المد الاصولي والسلفي الاسلاماوي الغاضب والمتطرف والناقم على الغرب وحكام العرب بل والناقم على كل الدنيا!، تيار غاضب حاقد أعماه الحقد فصار يخبط خبط عشواء كالثور الهائج الجريح!.. إننا نحتاج اليوم إلى إزالة الغبار - غبار التاريخ والغلو الديني والتطرف الأصولي - عن الوجه الليبرالي المتسامح من الاسلام الذي يقبع تحت كل هذا الركام الهائل للتشدد الديني للسلفيين ولبعض الفقهاء ولبعض النصوص في أرض التراث الملغومة والتي يجب علينا تطهيرها من كل هذه الألغام على نور القرآن ونور العقل والتجربة!... نحتاج إلى هذه (الروح الليبرالية والاصلاحية والتسامحية) النابعة من ديننا وقرآننا لمواجهة الجناح الشمولي والأصولي والسلطوي والشعبوي في العالم الاسلامي... انها معركتنا اليوم !.. معركتنا نحن المسلمين الليبراليين والتي ستكون على ثلاث جبهات:

(1) الجبهة الفكرية الأولى:
-------------------------
جبهة فقهية تجديدية موجهة لعلماء الدين ومؤسساتهم المختلفة لحثهم وتشجيعهم على اصلاحات ثورية وجذرية (جريئة) في طريقة تعاملهم مع النصوص الدينية والروايات التاريخية والعمل بكل جدية وشجاعة على تحديث طريقة فقهنا وفهمنا لديننا ودنيانا وواقعنا وعالمنا وتاريخنا بشكل عقلاني سليم ورشيد ومتوازن، فنحن حتى (الله) تعالى - خالقنا وربنا والهنا الأوحد - كما عرّفنا عن نفسه في القرآن الكريم والذي هو بطاقة تعريفه الشخصية - لم نفهمه بشكل صحيح ومتوازن، فالله الذي في تصور (الدواعش) ليس هو قطعًا الهنا الرحمن الرحيم اللطيف الحكيم بل هو اله دموي عنيف واله جبار ديكتاتور سلطوي مخيف يتلذذ برؤية الدماء والاشلاء وبذبح البشر ذبح الدجاج والنعاج وينتشي من رائحة الشواء!.. وهذا الاله الداعشي المرعب ليس (الله الحقيقي) الذي رأيته ووجدته في القرآن الكريم قطعًا!!.. الله الرحمن الرحيم الغفور الودود!... وهذه المعركة على هذه الجبهة تتطلب انشاء مركز أو معهد للفكر والفقه الاسلامي (الليبرالي التحرري التنويري) يكون مصنعًا ومخزنًا لهذا الاتجاه الاسلامي النهضوي الجديد/القديم!.. سواء في شق الفكر الديني أو الفكر السياسي والاقتصادي للمجتمعات المسلمة الحديثة، هذا الاتجاه العقلاني الليبرالي التحرري المتسامح الذي سبق في ظهوره - في عصر النهضة العربية - ظهور الاتجاه السياسي الاصولي الاخواني والسلفي!.

(2) الجبهة الفكرية الثانية:
-------------------------
جبهة موجهة لعموم الشعب لنشر القيم الروحية والاخلاق الحميدة في المجتمع كأساس لمقاومة التدهور الاخلاقي الشنيع ومكافحة شيوع روح التعصب والانغلاق في مجتمعاتنا ونشر القيم الليبرالية بوجهها الاسلامي والتي تقوم على (قيم العدل والاعتدال والتسامح والتعايش) المستنبطة من القرآن الكريم كأساس لتعاليم الله الخالدة [2].. والعمل على تحويلها إلى ثقافة في أوساط الاجيال المسلمة الجديدة من خلال مؤسسات غير سياسية متخصصة في الفكر والثقافة والدعوة والاعلام تهتم ببعث واحياء القيم الليبرالية والروحية والاخلاقية من الاسلام، كمنطلق للتغيير الحضاري المنشود وكأساس سليم ومتين للنهضة الحضارية أو حتى الاقتصادية والسياسية التي نريدها لمجتمعاتنا، والسعى لدى السلطات القائمة والحاكمة لتتبنى هذا الاتجاه والخطاب الليبرالي الاسلامي في مناهج التعليم والتربية والثقافة الوطنية في مواجهة خطاب التوجهات الاصولية المتشددة وأيضًا في مواجهة خطاب التوجهات العلمانية المتشددة!.. التي نعتقد نحن في التيار الليبرالي المسلم بأنهما وجهان لشيء واحد هو الجهل المركب والتطرف وغياب الرشد السياسي الذي ينتهي دائمًا بالفوضى واجهاض المشروع النهضوي والتنموي والديموقراطي!، تارة بسبب الاصوليين وتارة بسبب العلمانيين!.

(3) الجبهة الفكرية الثالثة:
-------------------------
وهي جبهة فكرية جدلية بالكتابة والخطابة والحوارات العقلانية الحضارية الهادئة في مواجهة أفكار وايديولوجيات التطرف والغلو والتشدد العلماني الذي يختبئ وراء لافتة (الحداثة!؟).. ومواجهة أفكار وايديولوجيات التطرف والغلو والتشدد الديني الذي يختبئ وراء لافتة (تطبيق الشريعة ومحاربة العالم الكافر!!).. سنواجه فكريًا بالجدل العقلي والواقعي هذين التيارين المتطرفين الطوباويين اللذين نعتقد أنهما يساهمان في تعزيز كل هذا الفشل العام والمزمن للعرب ويعملان على تخريب كل محاولة عربية واسلامية للنهوض!.
***
وهكذا فإننا - نحن الليبراليين المسلمين غير الأصوليين وغير العلمانيين - سنخوض معركتنا من أجل النهضة في هذه الجبهات الثلاث ... إنها معركتنا الفكرية والثقافية قبل أن تكون معركة سياسية، فمشروعنا النهضوي للمجتمعات الاسلامية والعربية - وخصوصًا مجتمعنا الليبي المسلم - والتي تقوم على أساس أن التغيير الحقيقي والعميق يبدأ من (تحت) لا من (فوق)!.. يبدأ من (القاعدة الاجتماعية) لا من (القمة السياسية) ... يبدأ من العقول والنفوس والقلوب أولًا لا من القانون!.. يبدأ من اصلاح فكر وثقافة وأخلاق الجمهور ابتداءً لا من الدستور أولًا!.. يبدأ من خلال اصلاح أفكار وأخلاق وثقافة أكبر قدر ممكن من مجتمعنا العربي والمسلم وبث القيم الروحية والاخلاقية والليبرالية فيه لينهض ويتحرك بشكل ايجابي فعّال ورشيد ومنتج مصداقًا لقوله تعالى: ((إن الله لا يُغيّر ما بقومٍ حتى يغيّروا ما بأنفسهم))!.. وهذا هو الطريق!...
****************
سليم نصر الرقعي
2019
[1] القول بأن الاسلام دين فقط وليس دولة ليس بقولٍ محدث وحديث!.. فله بعض جذوره في تاريخنا الاسلامي، فبعد وفاة النبي محمد عليه الصلاة والسلام حدث جدل سياسي كبير بين اصحابه حول ماذا على المسلمين أن يفعلوا من بعده!؟.. هل يستمر المجتمع السياسي بدولته الوليدة التي مركزها المدينة؟ أم ينتهي هذا الوضع السياسي برحيل محمد!؟.. وبعض المسلمين يومها رأي بأن لا حاجة ولا ضرورة لوجود إمارة وسلطة وقيادة سياسية عامة بعد وفاة النبي ويمكن لكل مسلم أن يلتزم بالاسلام في حياته الخاصة!.. هذا رأي كان موجودًا بالفعل يومها!.. بل يمكننا أن نعتبر فريق (مانعي الزكاة) هم أحد أصحاب هؤلاء الموقف الرافض للدولة المركزية بعد وفاة النبي حيث اعتبروا أن البيعة السياسية كانت متعلقة بشخص النبي، والنبي مات!، وبالتالي انتهت البيعة السياسية بوفاة النبي وليس في رقابهم بيعة لغيره، فتمردوا على القيادة السياسية الجديدة المتمثلة في الخليفة (ابي بكر) بل وقاوموها بالسيف!، هم لم يكفروا بالاسلام كدين ولا رفضوا دفع الزكاة للفقراء كفريضة وشعيرة دينية بل رفضوا مشروع الدولة!.. ورفضهم لم يكن متعلقًا بمشروعية الزكاة وأنها حق معلوم في مال كل مسلم يجب أن يقدمه استرضاءً لله للفقراء إنما كان رفضهم متعلقًا بدفع زكاة مالهم للدولة فهم قالوا سندفعها بأنفسنا للفقراء!.. كأن موقفهم الرافض للدولة ذاك كان إما موقفًا (ليبراليًا) متطرفًا ضد مشروع الدولة كم حيث المبدأ، أو كان موقفًا (مناطقيًا محليًا) متطرفًا ضد مركزية الدولة!.. وهكذا وعلى هذا الأساس خرجوا على الدولة بالسيف وقاوموها دون ردة عن الاسلام كدين، أي بخلاف (المرتدين العرب) الذين ارتدوا عن الاسلام واتبعوا أدعياء النبوة!... وأيضًا وُجدت بعد ذلك فرقة من فرق الخوارج تبنت هذا الرأي أي عدم وجوب وجود الدولة والإمامة السياسية، فالاسلام دين لا دولة!.. هكذا رأت هذه الفرقة وباتت بهذا الرأي في أقصى اليسار الرافض لوجود حاكم وإمام ودولة مع أنها من الفرق الدينية المتشددة!.. وبخلافها نجد في أقصى اليمين طوائف الشيعة وخصوصًا الاثنا عشرية التي تعتبر وجود الإمامة السياسية من أخص خصائص الاسلام (!!) بل وتعدها من أركان الإيمان والاسلام (!!) بل وتجعل الإمامة حقًا الهيًا، فالإمام عند هذه الطائفة يعينه الله شخصيًا بالاسم لا الأمة!.. فيما يقف السنة في موقف معتدل نسبيًا من قضية الخلافة والإمامة السياسية، فهم وإن كانوا يقولون بضرورتها ووجوبها ولو من باب ((ما لا يقوم الواجب إلا به فهو واجب)) إلا أنهم لا يعتبرونها من أركان الايمان والاسلام الأساسية!.
[2] نحتاج لقراءة عقلانية مستنيرة للقرآن الكريم نميز فيها بين ما هو (تاريخ) من القرآن وما هو (تشريع وتوجيه) خالد!.. فما هو (تاريخ) فهو يُحاكي ظروف الأنبياء ابتداءً بإبراهيم وانتهاءً بمحمد الذي قاد الجماعة المسلمة الأولى في مكة - في حقبة الاستضعاف والدعوة - وفي المدينة - في مرحلة الاستقواء والدولة - فهذا الجانب (التاريخي) من القصص القرآني - قصة النبي محمد والمسلمين الأوائل - يتماهى مع الملابسات المحلية والدولية التي عاشت في اطارها تلك الجماعة بتلك القيادة الربانية الفريدة والتي اقتضت صدور الكثير من الأحكام القرآنية والتعاليم الربانية الملائمة ومنها المعارك الدفاعية والهجومية التي خاضها النبي ومن معه لتوسيع الدولة المسلمة وفرض هيبتها وتبليغ رسالة الله لأكبر عدد ممكن من البشر بعد الاطاحة بالحكومات المركزية للسماح للناس بالاختيار!، فتلك التعاليم والاحكام القرآنية كانت ملائمة لتلك الظروف المحلية والدولية ومتماهية معها ومع منطق الواقع ومنطق الواقع الدولي في تلك العصور!، وبالتالي فهذه التعاليم والاحكام القرآنية يجب قراءتها ودراستها في ظل تلك الظروف والملابسات (المحلية والدولية) التي كانت (العبودية) و(الغزو) و(التوسع العسكري) من أهم أعمدة النظام العالمي القديم سواء في مجال الاقتصاد أو مجال السياسة!، ومن الخطأ الفادح اعتبارها أحكامًا مطلقة وخالدة لابد من تطبيقها في كل زمان ومكان بغض النظر عن تلك الظروف والأسباب والملابسات والاعراف الدولية المتعلقة بها!.. وأما ماكان من (التشريعات الحقوقية والتوجيهات الاخلاقية الدائمة) من القرآن فهو ملزم للمسلمين في كل زمان ومكان، بعضه ملزم لهم بنصه الحرفي وهيئته المطلوبة، وبعضه ملزم لهم بمقصده وبغايته المنشودة وأما كيفية تحقيقه فيتوقف على ما يتوفر في كل زمان ومكان من وسائل وأنظمة مفيدة تحقق تلك الغايات المنشودة بأقصى كفاءة وأقوى فاعلية!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ^جريمة سمحة
أحمد التاوتي ( 2019 / 1 / 8 - 20:54 )
الاسلام كما سائر الديانات المدعاة سماوية مؤسس على كذبة أولى و أصلية.. و هي أنه رسالة قدمت علينا من القوة المطلقة بهذا الكون. و الكذبة فى الفكر مغالطة، و في الايديولوجيا مخادعة، و في السياسة جريمة
فهل توجد جريمة ليبرالية متسامحة و جميلة في مقابل جريمة أصولية قبيحة ؟.. تحياتي


2 - عزيزي أحمد التاوتي
سليم نصر الرقعي ( 2019 / 1 / 10 - 15:52 )
السؤال هنا : كيف عرفت يقينًا أن الاسلام أو الرسالات السماوية عمومًا تأسست على كِذبة!؟؟ على ماذا استندت في القول بأنها كذبة، فالأصل في المتكلم أنه صادق حتى يثبت بالدليل القاطع أنه يكذب!.. أي على مبدأ أن الانسان بريء حتى يثبت العكس!... فكيف ثبت لك أن الاسلام قام على أكذوبة؟ ومنك نستفيد .... تحياتي


3 - البينة على من ادعى
أحمد التاوتي ( 2019 / 1 / 11 - 12:20 )
أستاذي سليم
الأصل في المتكلم أنه يورد خبرا و فقط، حتى يثبت بالدليل أنه صادق.. و البينة على من ادعى، و ليس العكس.. و نحن منذ أربعة آلاف سنة ننتظر دليل المدعي إلى يومنا هذا .
طبعا، أصحاب الدعوى مردوا على المغالطة على طول المدة. و أصبحوا بدلا من إثبات صدق دعواهم ينحرفون بالحوار إلى مناقشة وجود خالق للكون من عدمه

اخر الافلام

.. هجوم إسرائيل -المحدود- داخل إيران.. هل يأتي مقابل سماح واشنط


.. الرد والرد المضاد.. كيف تلعب إيران وإسرائيل بأعصاب العالم؟ و




.. روايات متضاربة حول مصدر الضربة الإسرائيلية لإيران تتحول لماد


.. بودكاست تك كاست | تسريبات وشائعات المنتجات.. الشركات تجس الن




.. إسرائيل تستهدف إيران…فماذا يوجد في اصفهان؟ | #التاسعة