الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فُجر أبواق النظام وتردد ووجل المعارضة

حسن مصطفي
(Hassan Moustafa)

2019 / 1 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


مقدمة

كل سلطة ديكتاتورية أياً كان طبيعتها سواء أكانت ذات طبيعة عسكرية أو دينية أو قومية فهي تحتاج بحكم طابعها الاستبدادي إلي أن تخلق لنفسها مجال حيوي فكري - موجه طبعاً بطبيعة الحال - لتجعل منه أداة لتبرير أعمالها القمعية وتمرير مشاريعها السلطوية لإحكام قبضتها على المجتمع أكثر فأكثر، وأيضاً لبث الدعاية والترويج لها بالتسبيح بحمد منجزاتها الوهمية ليل نهار. وفي نفس الوقت فهذه السلطة الديكتاتورية تحتاج أيضاً إلي معارضة، لكن ليس أي معارضة، إنها معارضة من نوع خاص خبرته جيداً الأنظمة الديكتاتورية وأصبحت تمتلك مهارة وقدرة فائقة على صناعتها و توجيهها بالشكل الذي يمكنها من إخراج وتمرير أشد وأقبح مشاهد الديكتاتورية والاستبداد السياسي دون خشية من أن ينفلت زمام الأمر من بين يديها.

فبين جيش من الكتاب والصحفيين والمذيعين الحكوميين المَسخّرين لخدمة المشروع الاستبدادي الأهم لهذا العام، وهو تعديل الدستور بهدف تمرير استمرار السيسي في منصب رئيس الجمهورية إلي الأبد، وبين معارضة نخبوية يغلب عليها الانتهازية والتردد وتعرف السلطة كيف تسوقها جيداً بالعصا تارة وبالجزرة تارة أخري، قد لا يبدو من الوهلة الأولى التشابه بين الاثنين لكن في الواقع يؤدي كل منهما وظيفة حيوية لا غنيَ عنها للسلطة الديكتاتورية بأي حال.

يتناول هذا المقال التعليق على الموالاة الحكومية الفجة والفاجرة والتي رشح عنها مؤخراً مقال للكاتب الصحفي ياسر رزق رئيس مجلس إدارة جريدة أخبار اليوم الحكومية بعنوان (عام الإصلاح السياسي الذي تأخر)، وأيضاً التعليق علي ما رشح عن المعارضة من بيان وقع عليه أكثر من 170 شخصية بعنوان (لا للعبث بالدستور)، وكليهما يتناول نفس الموضوع وهو التعديلات الدستورية التي يأمل السيسي في تمريرها للبقاء في الحكم بعد انتهاء الفترة الثانية لرئاسته في 2022.

دعاية أبواق النظام

نبتدئ مع ياسر والذي شأنه شأن كتبة السلطان ومداحي الحكام منذ قديم العصور والأزمان، يقدم أولاً لمقاله بنظم حلو الكلام بما تضمنته حكمة السلطان وحُسن طالع الأقدار التي وهبتنا من هو في مثل واسع حكمته ونفاذ بصيرته حتى كاد أن يقول فيه ليس كمثله شئ وهو السميع العليم.

وبعد ما كان من ياسر من هزل -وليس في جد ياسر سوي الهزل- يدلف إلي ما ينشده من موضوعه وهو تعديل الدستور، لكن ولأن ياسر تعلم اللف والدوران في كل شئ فذلك ما أوصله إلى رئاسة مجلس إدارة إحدى الصحف القومية في الدولة على أي حال، فإنه يقترح بدايةً تعديل 15% من مواد الدستور ثم يناور ياسر مناورة بعيدة يبتدئها بأن يرغي ويزبد حول ضرورة وقف العمل بقانون الطوارئ إلى عمل كذا وتعديل كذا الخ ..الخ، إلى أن يأتي ياسر الي (صلب التعديل الدستوري) حسب تعبيره وهو جعل مدد الرئاسة 6 سنوات بدلاً من 4 سنوات بشكل انتقالي -أو انتقائي إذا صح التعبير- وذلك لصالح السيسي فقط!، الأمر الذي يعني عملياً المد للسيسي 4 سنوات بعد انقضاء رئاسته في 2022.

ويضيف ياسر أنه وبغض النظر عن ما سيسفر عنه تعديل مدد ولاية الرئاسة أو حتي فتحها فإنه - أي ياسر - يقترح ما هو أنكى من ذلك وهو إضافة مادة في الدستور تنشأ ما أطلق عليه (مجلس حماية الدولة وأهداف الثورة) وهو مجلس انتقالي مدته خمس سنوات تبدأ مع انتهاء فترة رئاسة السيسي، علي أن يتولي المجلس مهمة اتخاذ التدابير الضرورية عند تعرض الدولة لمخاطر تستهدف تقويضها أو الخروج علي مبادئ ثورة 30 يونيو، بحسب تعبيره.

أو إضافة فقرة في المادة 200 الخاصة بمهام القوات المسلحة تنص على أنها هي الحارس علي مبادئ ثورة الثلاثين من يونيو وأهداف بيان 3 يوليو، بحسب تعبيره أيضاً.

لست هنا بصدد تفنيد ما جاء علي لسان ياسر لا لشئ سوي أنة ليس به ما يحتاج التفنيد، فمن ناحية كان ياسر فاجراً بما يكفي كي لا يحتاج موضوعه للتفنيد والشرح، ومن ناحية أخرى فإن فحويَ الموضوع لا تحتاج إلى البحث والتفنيد لاستبيان ما به من خطأ أو صواب فالشعب الذي لا يعرف ياسر عنه شيئاً يلعن ويسب السيسي وحكومته ليل نهار، فالمقال إذن من حيث الأساس يفتقر إلى الموضوعية التي يمكن أن يُخذ منها ويرد عليها، لذلك فالحكم عليه سيكون من منطلق غير موضوعي بل من منطلق ذاتي يعتمد علي موقعك الطبقي، فأما أن تكون جزء من النظام أو منتفع منة أو لديك مصلحة مباشرة معه وفي هذه الحالة سيكون رأيك من رأي ياسر، وأما أن تكون أحد أفراد عامة الشعب الكادح والمطحون فرأيك حينها سيكون أن السيسي حاكم مستبد بل الأسوأ بين المستبدين الذين حكموا مصر إلى الآن، وفي هذه الحالة سيكون ياسر في نظرك هو الطفيلي التعس الذي يرتزق من موائد الحكام والذي يقترب من نموذج شخصية محجوب عبد الدايم التي جسدها الممثل القدير حمدي أحمد في فيلم القاهرة 30.

نخبوية المعارضة وترددها

نأتي الآن علي بيان النخبة المصرية سواء من سياسيين وفنانين وأكادميين وأدباء والذي جاء تحت عنوان (لا للعبث بالدستور)، والذي جاء في صورة موضوع إنشائي وليس بيان سياسي فهو يتناول موضوع تعديل الدستور الهادف الي التمديد للسيسي بشكل مثالي تجعلك تشعر وانت تقرأ البيان بأنه بيان موقع من مجموعة من السياسيين والمثقفين الأوروبيين في إحدي الدول الأوروبية، فهو يصدع بالمطالبات ويحذر من أزمة شرعية للنظام قد تتعمق في حالة الإصرار على تمرير تعديلات كتلك، في الواقع شعرت أن المحاور الامريكي الذي أجري لقاء مع السيسي في برنامج ستون دقيقة على محطة CBS كان أكثر أطلاعاً على الشأن المصري من كاتب بيان المعارضة هذا، فالسيسي الذي يحتفظ في سجونه بستين ألف معتقل سياسي لن يضيره توقيعات الموقعين علي بيان كهذا، لا سيما وأن البيان لا يقدم أي حلول موضوعية لمواجهة رغبة السلطة في تعديل الدستور بالشكل الذي يسمح ببقاء السيسي إلى الأبد.

قد يفسر -وهذا الأقرب للواقع- أن بيان كهذا هو لذر الرمال في العيون واثارة قنبلة دخان حول الآمر ما يزيده التبساً، قد يكون ذلك دون سوء نية من الموقعين عليه، لكن هذه هي نتيجة التردد والوجل في أمر لا مكان فيه لذلك، فخوف كاتب البيان من بطش السلطة وعدم رغبته في أن يضع نفسه أو أي من الموقعين علي البيان تحت طائلة القانون جعلت البيان يخرج في صورة المسخ التي خرج بها، وهذا ما تحدثت عنه في أول مقالي هذا عن قدرة السلطة وبراعتها في توجيه المعارضة لخدمة مشروعها سواء بإشهار العصا أو بالتلويح بالجزرة، فالسلطة راغبة في أن يكون هناك معارضة بالشكل الذي صدر به هذا البيان، لكي تُظهر السلطة أن المعارضة هي من أقلية معزولة جاء بيانها بشأن رفض تعديل الدستور مشوشاً وغير متماسك ولا يقدم أي إجابات أو يحمل أي تصور لقيادة وتوجية المعركة التي تستعد السلطة لخوضها بكل ضراوة من أجل إجراء تلك التعديلات اللازمة لتمديد حكم السيسي، وهنا يصح قول الشاعر نجيب سرور: الخوف قواد فحاذر أن تخاف،
قل ما تريد، لمن تريد، كما تريد، متى تريد،
لو بعدها الطوفان قلها في الوجوه بلا وجل: الملك عاريان
ومن يفتي بغير الحقيقة، فليلقني خلف الجبل! إنى هنالك منتظر.

أن تسليط الضوء علي هذا البيان لم يكن بهدف توضيح عواره أو بيان أوجه القصور فيه، علي قدر ما أنه لفضح النخب المعارضة والكشف عن إلي أي مديَ يمكن أن تكون صاحبة تأثير سلبي يزيد من تعقيد المشهد السياسي بدلاً من أعطائه دفعة إلى الأمام، هذا المشهد الذي لا ينقصه بآي حال زيادة تعقيد فيكفيه واقع الاستبداد والقمع العسكري الذي يعصف به.

أما عن الموضوع ذاته وهو الموقف من تعديل الدستور للتمديد للسيسي فهو يحتاج إلى أن يسرد له موضوع مستقل بالشكل الذي يسمح لنا بعرض الموقف من كل جوانبه والوقوف على مكامن القوة والضعف في جانبنا وايضاً في جانب الخصم وهي الدولة، بالشكل الذي يسمح لنا بأن نخوض معركة كهذه نعلم أن الدولة تحشد وتستعد لخوضها منذ اشهر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليار شخص ينتخبون.. معجزة تنظيمية في الهند | المسائية


.. عبد اللهيان: إيران سترد على الفور وبأقصى مستوى إذا تصرفت إسر




.. وزير الخارجية المصري: نرفض تهجير الفلسطينيين من أراضيهم | #ع


.. مدير الاستخبارات الأميركية: أوكرانيا قد تضطر للاستسلام أمام




.. وكالة الأنباء الفلسطينية: مقتل 6 فلسطينيين في مخيم نور شمس ب