الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حزب العمال والفلاحين على باب القرن الثاني : هواجس في أسئلة

أحمد بعلبكي

2019 / 1 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


ــــ هل يخرج الحزب الشيوعي من الانفراد في العمل السياسي بعد أن صار الاقتصاد اللبناني «غير بعيد عن انهيار وشيك»، على حد خطاب أمينه العام حنا غريب في تظاهرة 16 كانون الأول 2018 التي شارك فيها عدد من غير المنتظمين حزبياً؟

ــــ هل ينجح الأمين العام في الانتقال إلى رحاب التشارك في دعوته إلى «تشكيل كتلة شعبية ديموقراطية منظمة» بمعنى أن تضم شخصيات وأحزاباً إصلاحية غير طائفية إلى جانب شخصيات إصلاحية في أحزاب طائفية حاكمة تخطب في الإصلاح، وذلك تمثلاً بتشكيلة «الحركة الوطنية اللبنانية» التي رئسها طوال عشر سنوات قبل الحرب الأهلية وفي سنواتها الأولى الزعيم الشهيد كمال جنبلاط. تشكيلة تميّز في قيادتها إلى جانبه الأمين العام الخارق في الحزب الشيوعي الشهيد جورج حاوي وأمناء عامون آخرون في كل من «حركة القوميين العرب» و«الحزب السوري القومي الاجتماعي» بالإضافة إلى شخصيات إصلاحية وكوادر مناضلة لا يتجاوز عديد الملتزمين في كل منها العشرات؟
ــــ هل النظام الطوائفي هو اليوم فعلاً «على وشك الانهيار»، وهل بلغت أزماته فعلاً حدود تهديد مصالح زعاماته الطائفيين ومرجعياتهم الخارجية المستفيدة من أدواره في محيطه الإقليمي، هذه المرجعيات التي ما تركته ينهار خلال حرب أهلية امتدت على عقد ونصف عقدـ وشاركت بعدها في مدينة الطائف السعودية بإعادة تركيب نظامه؟
ــــ هل يسهل على كوادر الحزب «المتمركسين» التحوّل عن فهم الماركسية السوفياتية الصياغة باعتبارها نهجاً يوصل إلى جنة مجتمع المساواة المثالي، وعن فهم حقيقة المادية التاريخية التي جاءت بها منذ منتصف القرن التاسع عشر لتكون عدة منهجية طرائقية «فلسفية» كونية لتحليل آليات وفهم صيرورات الصراعات والتحولات الداخلية والدولية المنعكسة داخل المجتمعات والأنظمة المختلفة وليست نظرية مُثبتة اختبارياً في علوم الطبيعة؟
ــــ هل يقصد الأمين العام للحزب بمفهوم «الكتلة الشعبية الديموقراطية» تشكيلاً لتغيير النظام الاقتصادي والسياسي تغييراً ثورياً بعيداً عن مفهوم انقلاب يقوم به ضباط الجيش، المُوزعون في لبنان على الطوائف، فيستحيل عليهم تقبل فكرة المشاركة فيه والمخاطرة بفقدان الراهنة المستقرة؟
ــــ هل تدرك قيادة الحزب الشيوعي في مثل هذا الواقع الضرورة الوطنية لتخليها عن الخطاب الثوري للتغيير الذي لا تتوافر لتقبله الشروط التاريخية السياسية ــــ الإقليمية والثقافية ــــ الاجتماعية الشعبية؟ وهل يرى أعضاء القيادة أي نهج للتغيير الديموقراطي يمكن أن يُكتب له النجاح في لبنان الطوائفي اليوم عن غير نهج الإصلاح المتدرج المتصاعد الذي يسهل أن تتقبله وتُشارك في تحقيقه نُخب الفئات المتوسطة مع نُخب الفئات الشعبية على اختلاف ولاءاتها. هذه الفئات التي خاطبتها قيادات الحزب منذ حوالى القرن وخاطبها مثقفوه الثورويون في منشوراتهم بالإضافة إلى قيادات منظماته المناطقية. خطابات ظلّت تعني في أوساط شبيبته المهمشة التصويب الثوروي على إسقاط النظام؟
نعم، لقد ارتفعت عالياً الشعارات الثوروية التي لا تخدم التغيير الديموقراطي في التظاهرة، إلى جانب لافتات طلائعها، رافعة بنود الورقة الاقتصادية «الإنقاذية» التي أعلنها الحزب في مواجهة الأزمة البنيوية للاقتصاد اللبناني المهدّد «بالانهيار» في تقدير أمينه العام. وبرز التباعد بين زمن مضمون الورقة، وبين زمن الشعارات الطبقية التي ما زال يصدح بها الشباب منذ ما قبل ستينيات القرن الماضي حول ما يُصيب «ثنائية الفلاحين والعمال» ممن أجبرهم مُذاك تمركز رأسمالية الريع والأسواق السائبة في نطاق بيروت الكبرى على النزوح من الأرياف المهمشة إلى الضواحي المُريّفة ليتحولوا باتجاه أبواب الهجرات القريبة والبعيدة أو قطاعات الأعمال الصغيرة اللانظامية التي تفتقد الحماية وتتعرض للمنافسة الإغراقية في أسواقها المحلية المفتوحة، تاركين لأصحاب العمل فرص الإفادة من رخص عروض العمالة الأجنبية، لا سيما السورية المهجّرة منها واللاجئة إلى جميع المناطق اللبنانية.
لطالما برز الفهم الثوري للأزمة البنيوية للنظام في خطابات القيادات المتعاقبة للحزب الشيوعي وفي تقارير مؤتمراته المتعاقبة. وقد تمرس في تشخيصها خبراء الاقتصاد السياسي لديها منذ أكثر من أربعة عقود، وفق تحليلات مكرورة. لكن هذا التمرس القيادي الراديكالي لم يؤثر في ورع الولاءات الزبائنية الأهلية «المُتديّنة» خصوصاً في أوساط المثقفين بينها ومنهم كثير من شيوعيي مرحلة العز السوفياتي للحزب. ولم يحل الفهم الثوري المزمن لأزمة النظام من دون ضمور الحزب داخل فئات العمال وأُطرها النقابية وداخل فئات صغار الفلاحين والشباب المتخرجين ممن لم تتوافر لهم فرص التخرج بالكفاءات العلمية و/أو التقنية المطلوبة في أسواق العمل في لبنان كما في المهاجر المتاحة أمامهم، وأنّ توسع أنواع البطالة في صفوف هذه الفئات لا يُقربها بالضرورة من الخطاب الشيوعي الذي يهجس بمعاداته أرباب العمل بما يجعل الشباب أكثر ابتعاداً عن تحاليل الشيوعيين المُقلقة في دنياهم وأكثر اقتراباً من الإيمان بالعمل من أجل آخرتهم.
في تقديرنا أن ما نُشير إليه من ضمور تأثير الحزب في تعميق الوعي التفكيري والنضالي في بيئات الحزب كما داخل تنظيمه لا يعود فقط إلى صعوبة فهم المهمشين لمسؤوليات أطراف التحالف المتحاصص داخل الحكم والاقتصاد عن تهميشهم بفعل تشريعاته لإدارة آليات السوق لتعود مردودات الأزمات، ومنها خاصة المالية والنقدية لأطرافه، بل هو ضمور يعود إلى مغالاة بعض قادة الحزب في اعتماد نهج التميّز الفكري المفرط عن طروحات القوى السياسية الأخرى بما يقود حكماً إلى الانعزال. نهج كان يُعتمد قبل قيادة الأمين العام الشهيد حاوي واستمر بعدها مستنداً إلى نهج الأممية الثالثة السوفياتية بعد الحرب العالمية الثانية. وكان حاوي هو الأكثر معاناة من ضيق هذا النهج وهو الأقدر على فهم ضرورة توطين وتكييف المادية التاريخية لتصبح أكثر ملاءمة في عملية تحليل الأوضاع الثقافية السياسية اللبنانية ومحدداتها الداخلية والخارجية.
وعندما عجز عن فرض تجاوز ضيق هذا النهج استقال من قيادة الحزب مودعاً ليطرح ما سماه «الحركة الديموقراطية اللبنانية» التي كان عليه أن يُقتل بعد تكثيف تحركه من أجلها تاركاً بعده نهج التمايز والانعزال خاصة منها:
1. تلك التي اعتمدتها الأحزاب الماركسية ــــ اللينينية في التفكير المثالي المؤدلج بالمادية التاريخية المروج في العمل السياسي في أحزاب المجتمعات الطرفية. أدت المغالاة في تبني هذا النهج إلى تبعية هذه الأحزاب ومن بينها الحزب الشيوعي لتجعلها أقرب إلى المعصومية الديّنية. فحالت هذه «المعصومية المتمركسة» دون الاجتهاد الثقافي لتوطين نهج التفكير المادي التاريخي ودون المحاججة القائمة على تحليل أوضاع المجتمعات المتمثلة في تشكيلات تتعدد داخلها الأنظمة الاجتماعية ــــ الثقافية التي تستغلها تيارات التديّن السياسي لاحتكار مواقع القرار. وحالت تبعية الأحزاب الشيوعية الطرفية الفقيرة التحليل من دون إبراز التناقضات المُعاشة داخل تشكيلة الأنظمة وبينها في المجتمع الواحد ودون نموّ فهمها وانفتاحها على ثقافة تقدمية تُعلل تجاوزها. فهم استقلالي لا بد منه لاستقطاب نخب الفئات المهمشة فيمكّنها من الوعي الملائم للمشاركة في إصلاح أوضاعها وبمستوى إمكاناتها النضالية.
2. غالباً ما يميل العاملون في قيادة الحزب الشيوعي إلى استباق المراحل والتعبئة التي تتجاوز قدرات الجماعات الشعبية المُضلّلة المُبعدة عن تحسُّس مظالمها الراهنة، فيميلون إلى استهوان التحريض الثوري و«المناداة بإسقاط النظام» في الوقت الذي تميل فيه الفئات الشعبية اليائسة إلى التكيّف الآمن واستهوان تسليم ولاءاتها لأمراء الطوائف وفقهائها مبتهلة أمام عروضهم اليومية المغرية دينياً ومادياً. ولطالما استفزت روح اليأس والتكيف لدى العوام طلائع الشيوعيين فاستهونوا بدورهم الانفعال السلبي في ردودهم على الثقافة الدينية في بيئاتهم الطائفية الضيقة مُعرضِين عن فروض تديّنها على سبيل المثال وعن مقدساتها فيعود أصحاب هذه الثقافة لينفعلوا بدورهم أيضاً على قصور الحزب الشيوعي لناحية مرور نحو قرن على تأسيسه من دون تمكنه من تحقيق الأحلام التي يعد بها.
3. يعود الضمور النضالي للحزب وتأثيره السياسي في تعبئة وتحريك منظماته بعد تحول التنظيم الحزبي إلى كيان اجتماعي سياسي شبيه بكيان الأقلية الاثنية أو الدينية فتقتصر استدامة نظاميته في قاعدة هرمه على:
ــــ الإيمان داخل القواعد بتميزها التفلسفي داخل بيئاتها وبتميز سلوكياتها المتفلتة من التقاليد «الرجعية» ومن فروض الحرم الديني والأخلاقي داخل العلاقات الأسرية والأهلية.
ــــ مدى الكاريزما الشخصية لدى قياداته العليا والمناطقية، ومدى مواصلتهم الخطابة الثورية ومدى علوها على المنصات اللبنانية خصوصاً في حال كانت الظروف الاستثنائية هي التي تدخلت في وصول القائد الخطيب إلى موقع القيادة، كما الحال غالباً حيث يفرض توافق الضرورة والظرف توصيل القائد. ومن الشائع في لبنان أن اللقب الذي يحوزه قائد ما في الحكم أو الحزب، أي حزب، يحفظه الناس له ما يفرض عليه أن يكون على قدر مقامه ليُكرّم اجتماعياً بالجلوس في الصفوف الأولى في القاعات والتظاهرات ولو بعد خروجه من موقعه القيادي.
يُضاف إلى ذلك أن القيادة في الحزب الشيوعي تساهم في تكريس شهرتها داخل هرمية الحزب معتمدة على إخلاص ولاءات القيادات الوسطى المؤثرة غالباً في خيارات وأصوات المنظمات المناطقية والقطاعية. ولم يكتف أحد القادة في ترسيخ حضوره على ولاء القيادات الوسطية عندما اكتشف أهمية دوره داخل الحزب بأنها ترتبط بأهمية الدور الذي ترغب به مرجعيات إقليمية وخارجية. إن مثل هذا الدور ما كان يمكن أن يصل إليه في ظروف الأهلية ــــ الإقليمية غير الأمين العام الشهيد جورج حاوي بمعزل عن رفاقه في المكتب السياسي، علماً أن مثل هذا المُعطى في تكبير الموقع والدور القيادي في أي حزب لبناني، يمينياً أو يسارياً، ينطبق أيضاً على موقع مستوى حضور رئيس الدولة في لبنان. فالسلطة في لبنان كانت وتبقى قائمة على دعم سياسي و/أو مالي خارجي لأطرافها في الحكم اللبناني.
أخيراً إن مستوى ثورية الخطاب لدى بعض القادة في الحزب الشيوعي يرتفع أحياناً تعويضاً عما تتلمسه من انخفاض ميول قيادات الأحزاب الطائفية والنواب والشخصيات المؤثرة إلى ضرورة الانفتاح عليها واستقبالها، علماً أن هذه القيادات يمكن أن تلتقي مع الشيوعيين لو جزئياً في الطروحات الإصلاحية التي يعلنونها، فتضطر إلى تأييدها صدقاً أو محاباة ظرفية في مخاطبة جماهيرها مزايدة ليس إلا على راديكالية طروحات الشيوعيين. وتكون بذلك قد ضللت الجماهير في دفاعها عن مصالحها وأبعدتها عن أفكار الشيوعيين التي تستفز السلطة الضاربة وعن المشاركة في صفوف التظاهر ضد التحالف السلطوي.
إن انفتاح الشيوعيين على التشارك مع بعض النواب والشخصيات البعيدين عنهم الموالين اضطرارياً لأمراء طوائفهم يتطلب تواضعاً في لغة التواصل والتشارك في قيادة الشارع تبتعد عن إغراءات الخطاب الثوري المصوّب على إحراج ولاءاتهم. أخلاقيات المشاركة تحت شعارات إصلاحية غير مقتصرة على الحزب الشيوعي يمكن أن تقوي شوكة بعض النواب في كتلهم النيابية «الكرتونية»، حيث تُبتز أو تُذل غالبيتهم، ويمكن أن يشارك الأقل ارتهاناً لزعامات كتلهم في تظاهرات تمشي في صفوفها الأولى قيادات وشخصيات متعددة الانتماءات السياسية ومتنوعة المشارب.
لهذا نرى أن تفرّد قيادة الحزب بالدعوة للتظاهر يكون قد أعفى هذه الأطراف من واجبات مصداقيتها، وبعضهم على سبيل المثال اشتراكيون أو محرومون أو مؤمنون مجاهدون أو مرديون أو عونيون أو... ليس من مصالحهم المشاركة مع الحزب الشيوعي في الشارع وتحت شعارات وهتافات متطرفة، لأن همومهم تقتصر على موالاة زعامات كتلهم ليضمنوا تجديد انتخابهم وهم معفيون من العمل في خدمات ناخبيهم. وتكون قيادة الحزب الشيوعي في استبعاد التشارك معهم قد أعفتهم من حرج موالاتهم وبقيت على ميولها في التفرد بتمثيل المهمشين عاجزة عن التواصل معهم وهم على أبواب مكاتب الزعامات ونوابها يجددون ولاءاتهم للوصول إلى حاجاتهم الأولية من الإدارات الحكومية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سؤال لأحمد بعلبكي
فؤاد النمري ( 2019 / 1 / 11 - 09:13 )
ما الذي تستطيع -الكتلة الشعبية المنظمة- التي تدعو حصرتك لقيامها أن تفعله؟
ما عساها تقدم للعمال والفلاحين !؟
هل تستطيع أن تجلب سياحاً أكثر للبنان !؟
وهل استطيع أن ترسل موظفين أكر للخليج لمزيد من التحويلات ّ؟
وهل تستطيع أن تطور زراعة البستنة في لبنان !؟

لئن كانت تستطيع كل ذلك فما حاجتنا لماركس عندئذٍ !؟ ف

اخر الافلام

.. نتنياهو: حماس تمارس إبادة جماعية ورفضت جميع المقترحات المتعل


.. الدكتور مصطفى البرغوثي: ما حدث في غزة كشف عورة النظام العالم




.. الزعيم كيم يشرف على مناورة تحاكي -هجوماً نووياً مضاداً-


.. إيطاليا تعتزم توظيف عمال مهاجرين من كوت ديفوار وإثيوبيا ولبن




.. مشاهد جديدة وثقتها كاميرات المراقبة للحظة وقوع زلزال تايوان