الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أين تكمن العلّة؟ 2

خسرو حميد عثمان
كاتب

(Khasrow Hamid Othman)

2019 / 1 / 12
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


تكملة المقابلة مع البروفيسور سيرغي فاسيلف*:
(ـ وإذا تذكرنا أبحاث العالم الإيطالي الشهير "جزالة لامبروزو" يتضح ان المجرمين الذين درس نفسياتهم كانوا من حيث المبدأ مجرمين بالفطرة.
+ المسألة كالتالي: كان لديهم ميول كهذه لو كان هؤلاء في ظروف إجتماعية صارمة فمن الممكن أن لا يُصبحوا مجرمين فالظروف الاجتماعية تلعب الدور الكابح في أحيان كثيرة.
ـ أي هنالك عاملان يؤثران في كل شى: أولهما الخصائص الفطرية لبنية الدماغ، ثانياً البيئة الاجتماعية.
+نعم هذا صحيح.
ـ طيب عندي سؤال من قبيل الجدال بين العلم والدين: يقول الدين إنه مهما تشدق علماء نظرية التطور بمنجزاتهم فليس بإمكانهم ان يفسروا أهم ظاهرتين: أولاً كيف ظهر العضوي من اللاعضوي؟ والسؤال الثاني لماذا برز الإنسان تحديدا بين سائر الثديات وأصبح خلاقا مبدعا خلافا لغيره من الحيوانات؟ أي لماذا أخذت القشرة المخية الجديدة تتطور عند الإنسان حصرا دون غيره من كائنات الأرض؟ لو وضحت لنا هذه المسألة لو سمحت.
+ثَمة تفسيرٌ بسيط جدا؛ السبب أن الشيء الذي يميزنا عن سائر الحيوانات العليا القريبة منا هو أن الأجزاء الأمامية لدماغنا قد تطورت بشكل مختلف، هذه المناطق الأمامية ضرورية ليس من أجل التفكير، فالمراكز الفكرية ثانوية، ثَمة شيء أخرُ تماما في وظيفة الأجزاء الأمامية لدماغ الإنسان، ألا وهو تمييز ما فيه الخير والقدرة على العيش في المجتمع، وعلى وجه التحديد القدرة على مشاطرة الغذاء مع غير الأقرباء.
ـ ولكن لماذا تطورت هذه المناطق الأمامية من الدماغ بالشكل المختلَف عند الإنسان حصراً.
+ سأوضح لك ذلك: لماذا ظهر هذا الشيء عند البشر حصرا لان فترة نمو الأطفال عند الإنسان طويلة جدا، ففترة الحمل عند المرأة تسعة اشهر ثم يظهر الى لوجود الطفل الذي لا يستطيع عمل أي شيء بعد ولادته، ولا تتشكل البنى الرئيسية في الدماغ إلا بحلول السن السابعة، أما إمتلاء الدماغ النامي بالخلايا يستمر حتى سن العشرين، وتجري عملية التمايز في بعض تراكيب الدماغ حتى الى سن الثلاثين، أي أن هذا النمو طويل جدا، وينبغي طوال هذا الوقت اطعام الطفل أي تقاسم الغذاء معه. كانت هذه الوظائف محصورة على المرأة فقط و من مميزات دماغها فقط. غير ان تبادلا للجينات يجري عند الإنسان عند عملية جنسية وخلال كل عملية إخصاب، إذ أننا نرثها من الوالدين بالتالي ورث الرجال إيضا خصائص دماغ المرأة، أي القدرة على تقاسم الطعام مع الأطفال، ومرت هذه الخصائص بانتفاءٍ دقيق صارم على مدار ملايين السنوات والتطور، نتيجة لذلك أصبحت الأجزاء الأمامية للدماغ التي تتحكم بسلوكنا أساسا لأن يبدأ الإنسان باتباع نمط حياة اجتماعية، وأن يتقاسم طعامه ليس مع أطفاله وحسب بل ومع الآفراد من غير ذوي الصلة والقرابة. وحالما حدث ذلك أخذ يبقى على قيد الحياة ذلك النوع من البشر الذين ما زالوا بدائيين، ولكن استطاعوا العيش في أسر كبيرة ومساعدة بعضهم بعضا، دون أن يكون من ذوي القرابة، كان ذلك سببا مهما لغاية للإصطفاء والتطور، فإذا كنت تعيش مع أعداد كبيرة من مثلك فستبقى حيا في أي ظروف كانت، وظروف الحياة داخل مثل هذه النوع من البشر هي القدرة على تكوين علاقات الصداقة ومشاركة الجميع طعامه، بهذه الصورة أُنهي الفكرة، إن المَيزة الرئيسية للإنسان تكمن في نشوء مناطق في الأجزاء الأمامية لدماغه كانت مسؤولة عن القدرة على تقاسم الطعام مع الأفراد من غير ذوي صلة والقرابة، والشيء الأكثر أهمية هو ان الرجال حصلوا بهذه الصورة على الأجزاء الأمامية للدماغ من النساء كهدية إثر تبادل الجينات، لكن الرجال استغلوها لأغراض أخرى تماما، أخذوا يخترعون البارود والعجلات وغيرها من مواد التقدم التقني بما في ذلك الصواريخ المجنحة لاحقاً، أي ان اجزاء الدماغ الأمامية نشأت في البداية كنظام للتنشئة الاجتماعية للإنسان، ثم تحول الى أدات للعمل الفكري، من هنا فإن العبقرية وكل الأشياء الأخرى ترتبط ارتباطا وثيقا بحجم هذه المناطق.
ـ تقول في كتابك إن النزاعات السياسية والعرقية والدينية التي نراها اليوم خير دليل على التطور المستمر للدماغ أو ما يسمى ب"الاصطفاء الصناعي" إذ يبرز الناس الذين يتميزون بدماغ يلائم الحياة في بنية اجتماعية معينة، يبرزون بين الآخرين ويخلفون ذُرية. أما الذين لايتوافقون مع بنية اجتماعية معينة فتتم إبادتهم. ولا شك في أن هذه الظاهرة تُعجّل في عملية الاصطفاء الصناعي التي يعتبر هدفها النهائي بناء مجتمع خال من النزاعات ويتميز بالتسامح العرقي والديني.
+ تنحصر المسألة في من تختار و كيف تختار، فإذا لم تكن لدينا أداة حديثة ل"الاصطفاء الدماغي " من أجل إختيار الناس المتجابهة أدمغتهم لهذا النشاط أوذاك فتستمر النزعات وسيستمر الاصطفاء بشكل عفوي و قسري وستبقى الشمولية المتشددة كأداة للإصطفاء، فلو كان لدى الشيوعيين مثلا جهاز عالي الدقة لمسح الدماغ وإنتقاءه لأختار الناس اللازمين لهذه الوظيفة أو تلك عن طريق دراسة خصائص الدماغ ولكان المجتمع بلا نزاعات ولكن لم تكن هناك مثل هذه الأدات وجرى إختيار الناس وفقاً لانتمأتهم الطبقية واعدموا الناس غير المناسبين من وجهة نظرهم أو زَجوا بهم في المعتقلات، للأسف لاتوجد أشكال أخرى للإصطفاء الصناعي فإما سيختارون أُناسً معينين ضمن مهمة محددة إذا توفرت التكنولوجيا العلمية اللازمة لذلك أو أنهم يستمرون في إبادة كل من لا يتناسب مع المهمة المطروحة أرجوا المعذرة لكن الشيء نفسه حدث في كل الأوقات في أوروبا في العصور الوسطى حيث كان من الصعب ضمان مثل هذا التدفق للناس الضروريين كانوا يرسلون عند الضرورة حملة تأديبية من ستين ألف مقاتل مثلا وكانت هذه الفصيلة تُبيد خصوم دينهم وتُخضع من بقي منهم على قيد الحياة ومن المعروف أن عمليات التطهير الديني في فترة فجر الثقافة الأوروبية كانت أكثر تشددا بكثير من ما هي عليه الان في الشرق الأوسط إذ كانوا يقتلون ثمانين بالمئة من السكان لا لشيء فقط لأن إحدى المناطق لم تعد تدفع إتاوة للكنيسة الكاثوليكية تصور محاكم التفتيش الشهيرة ومطاردتها الساحرات ماذا يعني هذا إنه إصطفاء الدماغ بأبهى حُلّة خلافا لذلك لم يكن بالإمكان البقاء على قيد الحياة في ظروف محاكم التفتيش القاسية،
لهذا السبب بالذات أصبح الناس في أوروبا كما هم عليه الأن: براغماتية ووصولية صرفة في كل شيء دون أي مظهر للعواطف.)
يتبع: الجزء الأخير من المقابلة في الحلقة القادمة
‏*https://youtu.be/5MOIOaMJ3tc













التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تنشر أسلحة إضافية تحسبا للهجوم على رفح الفلسطينية


.. مندوب إسرائيل بمجلس الأمن: بحث عضوية فلسطين الكاملة بالمجلس




.. إيران تحذر إسرائيل من استهداف المنشآت النووية وتؤكد أنها ستر


.. المنشآتُ النووية الإيرانية التي تعتبرها إسرائيل تهديدا وُجود




.. كأنه زلزال.. دمار كبير خلفه الاحتلال بعد انسحابه من مخيم الن