الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليس بالضرورة أن تكون شفّافاً

نادية خلوف
(Nadia Khaloof)

2019 / 1 / 13
المجتمع المدني


قال لي:" سألتني أختي وكانت قد احتجت على انتقادي يها .كيف ستكون زوجتك المقبلة؟ أجبتها : سوف تكون مثل البلور الصيني، كيفما نقرت عليه يرن، لم أكن أعرفك يومها، لكن اليوم تحقّق التنبؤ. تبدين كالبلور الصيني"
لم أفهم ما قال. نظرت دون أن أبتسم. كدت أقول له ترجم لي، لكنني اعتقدت أن ما يقوله يجب أن يكون مفهوماً فتجاهلت الكلام.
كنت في التاسعة عشر من عمري ، وأعترف أنّني لم أكن أفهم أي شيء في أيّ شيء سوى الركض والطيران ضمن عالم واسع يحتاج للتّغيير، وكنت قد انضممت إلى الحزب الشيوعي قبل ثلاث سنوات من ذلك التاريخ، وأكثر ما أعجبني في الحزب هي شلتنا التي -تناضل-منذ الصباح حتى المساء بالثرثرة، والنكتة، والجدية أحياناً، حيث كنا شلّة سعيدة مؤلّفة من بنات من دار المعلمات. انضممنا فيما بعد إلى فرقة حزبية فيها طلاب جامعة ومختلطة، وهذا كان أجمل ما في الأمر، وأذكر أن مسؤول الفرقة كان يثقفنا فسأل من يعرف ما هو أهم مبدأ من مبادئ الاشتراكية. انتظر، ولم يأت الجواب، فقال: " من كل حسب جهده، ولكل حسب عمله"
أعود إلى الواقع، فقد كنت أنا على الأقل لا أعرف بالسياسة، ولا بغيرها، لكن أعجبني ورود كلمة المرأة، وفي مرة قالت إحدى -الرفيقات- في الاجتماع: لماذا يحاول الأخوة الذّكور أن يهمّشوا أولاد أخواتهم البنات؟ أحبّ أخوالي، لكنّهم لا يعتبروننا منهم. طبعاً لم يكن عندي تلك المعاناة فأنا لا أعرف إلا خالي الكبير، وكان يحبّني، ويراقب تصرفاتي، وبينما كان ينام في بيتنا في إحدى المرات تحت عريشة العنب، وكان لي مزاج خاص حيث أنام عندما يكون الجميع يستمعون إلى الراديو، وأستيقظ بعض أن ينامون . استيقظت حوالي الواحدة بعد منتصف الليل، وأمسكت بقصة" ماري روز أعجوبة القدر" وجلست على عمود قصير أسود خارج غرفة -النوم، والجلوس، والضيوف-أمام الباب ، وكنت أقرأ القصة على ضوء القمر، ولم أعرف أن خالي لم يستطع النوم لأنّ البرغش نال منه. لكن في الصباح سمعته يقول لأمّي اعتني بها فهي أفضل من عدة صبيان، وسرد لها ما رآه. كنت يومها في الصف الثامن.
كنت أتمتع بالكتابة منذ سن مبكّرة، وكتبت فيما بعد في صحيفة صوت المرأة التابعة -رابطة النساء السوريات لحماية الطفولة والأمومة -التابعة بدورها للحزب الشيوعي السوري، لكن كنت أكتب بدون توقيع لأنهم لا يضعون أسماء الكتّاب، وكانت أغلب النساء القياديات في الرّابطة لهم وظائف أو مراكز هامة في الدولة، ولأول مرة عرفت الفرق بين حقيبة الجلد، والحقيبة العادية. عندما قالت لي إحداهن عن وصال فرحة : " انظري إلى حقيبتها الجلدية الثمينة" نظرت، لم أفهم ما قالته فحتى ذلك الوقت كان لدي حقيبة يد واحدة متواضعة.
المرحلة بشكل عام كانت جميلة. أعني مرحلة دار المعلمات، وما بعدها قليلاً.
بعد الزواج بمدة طويلة فهمت ما قاله زوجي عن البلور الصّيني، وكنت قد أخطت له بيجامة أهديته إياها بدون مناسبة، وقد حافظ عليها طويلاً. كنت أكتب، أخيط، أطرّز، أعمل كنزات صوف. لكنّني لم أكن أعرف الحياة في الخارج، أو بمعنى أدّق الحياة الحقيقية، وانعكس البلور الصيني بشكل سيء على ذاكرتي، فاعتقدت أن النساء اللواتي يشبهن البلور الصيني هن النّساء القابلات للكسر. نعم. كنت هشة يمكن لأي شخص كسري، لكنني لا أبدو كذلك لأنني فهمت الأمر متأخراً. كنت أبدو معتدة بنفسي شامخة، لم أكن أعرف بأنني مشظاة من الداخل، وتلك هي المصيبة ، فأغلب النساء ربما مثلي . عندما تقرأ لهن تعتقد أنهنّ نرجسيات ربما ، لكن دواخلهنّ مفتّتة . ليس ضرورياً أن يكون الإنسان كالبلور. بل الأهم أن يعرف ما يدور حوله، ويحترم نفسه . تعلمت الدّرس، لكن بعد أن " فاتنا القطار" على رأي علي عبد الله صالح.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آلاف اليمنيين يتظاهرون في صنعاء دعماً للفلسطينيين في غزة


.. إيرانيون يتظاهرون في طهران ضد إسرائيل




.. اعتقال موظفين بشركة غوغل في أمريكا بسبب احتجاجهم على التعاون


.. الأمم المتحدة تحذر من إبادة قطاع التعليم في غزة




.. كيف يعيش اللاجئون السودانيون في تونس؟