الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


[6]. رحلة المئة سؤال وجواب، حوار صبري يوسف مع د. أسماء غريب حول تجربتها الأدبيّة والنّقديّة والتّرجمة والتَّشكيل الفنّي

صبري يوسف

2019 / 1 / 13
الادب والفن




6. ما هي أبرز منعطفات طفولتك الّتي أثّرت في تشكيل عالمكِ الإبداعي؟

د. أسماء غريب،

أعتقدُ أنّ علاقَتِي بوالدتِي كانتْ أكثر ما أثّرَ في تشكيل عالميّ الإبداعيّ لليوم، فلقد كانتْ تسهرُ على تعليمي شخصيّاً منذُ نعومة أظافري باعتبارها كانت بالنّسبة لي امرأةً من أرقى نساء التّعليم في المؤسّسات الحكوميّة بالمغرب.

كانتْ رَحِمَهَا اللهُ تجيدُ الاستماعَ إليّ، وتعتنِي جيّداً بمَلَكَتي الرُّؤْيَوِيّة وتُحْسِنُ الحفاظَ عليها وحمايتَها من فضول المُتطفّلين، فلقد كانتْ تعلمُ منذُ البداية أنّني مِنَ الطّفلات الرّائيات، وكانَ هذا يعني بالنّسبة لَها أنْ تُعِدّني لأكونَ من أهْلِ الحرفِ والأدبِ والإبداع، فوجّهتْ طاقتِي نحو القراءة والجِدّ والمُثابرة والتّحْصيل. وحينما كبُرتُ وحانَ وقت اختيار شُعبة التّعليم الجامعيّ، ساندتنِي بكلّ ما كانتْ تملكُ من طاقةٍ ومحبّة.

وكان والدِي يُصرُّ آنذاكَ على أنْ أختار كلّية الحقوق والعلوم الاقتصاديّة والقانونيّة، لأنّهُ كانَ يُريدني أنْ أصبحَ قاضيةً أو وكيلةً للملكِ. وأذكُرُ أنّني أذعنتُ في بدايةِ الأمرِ لوجهة نظره على سبيل التّجربة، لكنْ ما إنْ مرَّتْ سنتَانِ حتّى وجدتُني أهجُر مقاعد الدّروس القانونيّة، وألتحقُ فيما بعد بالدّراساتِ الأدبية والفلسفيّة، ثمّ الدِّراسات التّاريخيّة الّتي هي تخصّصي الحقّ، وكان أنْ حقّقتُ فيها نجاحاً مُنقطعَ النّظير فباركني والدي في كلّ خطواتِي. ويبقى هُو قبل كلّ شيء المسؤول الأوّل على ما أنا فيهِ منْ عشقٍ للأدب والتّنظير الفلسفي واللّاهوتيّ وما إليهما.

كانَ والدي يُجلسني إلى جواره في كثير من الأحيان (وخاصّة في أيّام العطل المدرسيّة)، ويُدخلني وإيّاه في مناقشاتٍ فقهيّة عميقة على الرّغم من حداثة سنّي آنذاك، وأذكرُ كيفَ أنّه كان يطلبُ منّي إلى جانب هذا أنْ أعلّقَ على روائع الشِّعْرِ الّتي كان يغنّيها آنذاك عمالقةُ الفنّ والغناء العربيّيْنِ بمَنْ فيهم؛ زهرة عبد الحسين، وأمّ كلثوم وعبد الوهاب وفريد الأطرش وناظم الغزالي وصباح فخري ووديع الصّافي وغيرهم، ولا أنسى أبداً بكاءهُ الحارق كلّما استمعَ إلى آياتٍ من الذّكر الحكيم بصوت الشّيخ عبد الباسط عبد الصّمد وهُو يرتّلُ يس ويوسف والرّحمن والتّكوير والشّمس والكوثر. إضافةً إلى ما كان يُتيحُه لِي من قراءات شاهقة لمُجمل ما كنتُ أجدُه في مكتبته الثَّريّة من أعمال أدبيّة وفلسفيّة وفقهيّة. لقد كان يحرصُ كلّ الحرص على أن آخذ من بحرِ الحرفِ أبهى ما فيه من لؤلؤ ومرجان.

هو أعطاني المفتاحَ، وأنا فتحتُ الباب على مصراعيه، واخترتُ من بيْتِ الحرفِ ما يوافقُ طبيعتي الفكريّة والرّوحيّة. ولا يسعني سوى أن أشكُرَهُ من هذا المنبر، وأشْكُرَ معه والدتي الحبيبة، واللهَ أرجو أن يرحمَهُما كما ربّياني صغيرةً، ويجعلَهُما ممّنْ تُقْبِلُ عليهمُ الجنّةُ، ويشتاقُ إليهُمُ الفردوسُ، فيَحْظَيانِ برفقةِ الملائكة والأنبياء والقدّيسين الأطهار. فاللَّهم يا رَبَّ السّموات السَّبْع وَمَا أَظْلَلْنَ، وَرَبَّ الأَرَضِينَ السَّبْعِ وَمَا أَقْلَلْنَ اجْعلْ والديَّ فِي ضَمانكَ وأمَانِكَ وإحْسَانكَ، وكُنْ لهُمَا الرّفيقَ والأنيسَ الّذي لا رفيقَ ولا أنيسَ قبلهُ أوْ بَعْدَهُ، وأبْلِغهُمَا وهما عندكَ سلامِي ومحبّتي، وشُكْري الجزيل لهمَا حتّى لا يبقى من الشُّكْرِ حرفٌ. ولكَ ختاماً إلهي أجملَ وأنبلَ آيات الامتنانِ والعرفانِ لأنّكَ أنتَ ولا أحدَ غيركَ من أنعمَ عليّ بهِمَا، فكانَا معاً في حياتِي يدَ كرمٍ وعطاءٍ، وقنديلَ محبّةٍ وهناءٍ، وأسمى وأرقىَ آيةٍ عرّفَتْني بكَ ودلّتْني عليْكَ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا