الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أين تكمن العِّلة؟ 3

خسرو حميد عثمان
كاتب

(Khasrow Hamid Othman)

2019 / 1 / 13
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


الجزء الثالث، الأخير، من المقابلة مع البروفيسور سيرغي فاسيلف*:
ـ من وجهة نظرٍ تاريخية وسوسيولوجية فإنه بتطور البشرية تجري هناك عملية العقلنة في المجتمعات المتحضرة أي أن الإنسانية تتطور من أولوية الأسطورة ثم الدين ثم الدولة.
+ وأين تكمن العقلنة هنا من وجهة نظرك؟
ـ العقلنة تكمن في أن البشرية تبتعد تدريجيا عن الميثولوجيا والأساطير الدينية، ومع تطور العلوم تتخذ مواقف أكثر عقلانية عند تفسير الظواهر في العالم المحيط، تطور العلم فَنَدَ الكثير من الأساطير الدينية.
+ تكمن المسألة في أن كل شئ، على الإطلاق، ظل كما كان عليه في السابق. وكون أن الأديان التقليدية كالإسلام والمسيحية والشنتاوية والبوذية وغيرها أخذت تلعب دورا أقل في تفسير هذه الظواهر العلمية فإن هذا لا يعني أن الناس الذين ابتعدوا عن الدين أصبحوا ملحدين و غير مؤمنين هذا ليس صحيحا في الواقع، إنهم يؤمنون أيضا. لنأخذ على سبيل المثال البايولوجيا الجزيئية أو مشروع الجينوم البشري لقد أنفق الأمريكيون ثلاثين مليار دولار لدراسة الجينات البشرية، وأعلن جورج بوش الأب أن إكتشافات المشروع ستساعد على معالجة جميع الأمراض لأنه تم الكشف عن جوهر جينيات الإنسان ما هي النتيجة؟ وأين الأمراض التي شُفينا منها؟ أين الأدوية الفريدة من نوعها؟ لقد مَرَ حوالي ثلاثين سنة أين هذا كله؟ لا يوجد أي شيء، لأنه إتضح أن جينوم كل شخص فريد من نوعه، ومؤشرات شخص واحد لا تتكرر حتى في جينوم أقرباءه، لهذا فإن نتيجة دراسات المشروع صفر. ومع ذلك لم يغلقوا المشروع، لأن هذا البحث يأتي بأرباح كبيرة.
إن الكثير من الناس على كوكبنا ابتعدوا عن الدين فعلا ولكنهم إبتكروا عقيدة جديدة لأنفسهم وفي حالتنا هذه الإيمان بالجينوم البشري.
ـ أي أن الأساطير الأقدم تحل محلها أساطير أكثر حداثةً وتطورا وهذا كل شيء.
+ أحدثْ الأجهزة اليوم هو المُصلى المنزلي الذى يسمى "أي فون" أو "أي باد" ويُشغلهما الناس، ويبدأون بالصلاة ويؤدون فرائضها. إنهم يكملون وعيهم ويَبَسَطون جهاز الكومبيوتر المحمول باليد وهذا تَدَيُنٌ كبير أيضاً. هؤلاء الناس اكثر تعصبا، أُنظر إنك لن تجد حولك قبل إفتتاح معبد جديد حشدا من المؤمنين الذين يتدافعون ويبيتون في الخيم ليكونوا أول من يرى هذا الإفتتاح ويصل الى هناك، أما عندما يُطرح في الأسواق ويُعرض للبيع جهاز "أي باد" جديد فان حشود المؤمنين المتعصبين هؤلاء يبقون في الخيم ثلاثة أيام من أجل شراء لعبة التصفية الجديدة هذه بثمن باهظ والتعرف عليها، هذا دِينٌ أيضاً، دِينٌ يستحوذ على قلوب أعداد كبيرة من الناس وهذا لا يختلف بشىء عن الوعي الديني وليس مهما فيما يكمن جوهره في تلاوة الصلوات من الكتاب المقدس أو التورات أو أي شيء أخر. لماذا يُقْدِمْ دماغ الإنسان على ذلك؟ لأنه إذا كان يوجد داخل دماغنا نظام يشجع التكاثر والأكل والكسل أي يشجع الهيمنة بواسطة الكسل فان هذه الأدوات تُغذي بشكل جيد هذه الغرائز.
إذا كنا لا نعمل شيأً سوى التمدد على بساط جيد وأكل السندويتش ومشاهدة التلفزيون وتجلب الزوجة الحبيبة بين فترة وأخرى القهوة مع النرجيلة فإن دماغ الإنسان يستهلك 9 ٪ فقط من طاقة الجسم في هذه الحالة الرائعة يشعر دماغ الإنسان بمشاعر رائعة، وإذا إنتهت هذه الحالة البهيجة واختفى المال ولم يعد هناك مجال للإسترخاء يبدأ الإنسان بالتفكير بنشاط في المكان الذي يمكن الحصول فيه على المال، في هذه الحالة يبدأ الدماغ بالعمل بشكل مكثف وفي هذه اللحظة يستهلك الدماغ 25% من طاقة الجسم كلها، هذا إستهلاك هائل للطاقة ومن الصعب جداً أن نتصور أن الإنسان يستطيع البقاء حيا في مثل هذه الحالة فترة طويلة، إذ يتحمل الإنسان في هذه الحالة أسبوعين ثم يبدأ الإرهاق العصبي، تصور أن عمل الدماغ المكثف يستهلك 25% من طاقة الجسم كله علما بأن وزن الدماغ بالمتوسط هو كيلوغرام واحد و300غم فقط هذا 1/50 من وزن الجسم.
من الطبيعي أن العمل بمثل هذا النظام يُخِلُ بأسس التطور، لأنه يتناقض مع الطبيعة. لهذا يمنع جسمنا بشتى الطرق على العمل النشيط لأن هذا يكلفه كثيرا جداً من الطاقة أقصد الدماغ، لهذا فإذا كانت هناك فرصة للسرقة والخداع لتوفير الطاقة فإن الدماغ ذاته يَحْفِزُ نفسه بنفسه لإنتاج مادة طبيعية كالإندورفين وهو شبيه بالمخدرات، نحن جميعا في الواقع مدمنون بشكل مزمن على مخدرات طبيعية كهذه ويلعب الدماغ دورا رئيسيا في هذا، أي إذا كان الإنسان لايستهلك مثل هذه الطاقة الهائلة فإنه يشعر بالمتعة تحت تأثير الإندورفينات أي عندما يبدأ دماغنا بإستهلاك 9% من الطاقة يبدأ بالشعور بالسعادة الغامرة. يحاول الدماغ طوال حياتنا كمصرفي عجوز توفير هذه الطاقة التي يحصل عليها جسمنا بصعوبة، أسلافنا جميعا إجتهدوا من أجل الطعام فقط، إنه كان هناك نقص دائم فيه لهذا إحتفظ الدماغ بهذه الذاكرة الجمعية القديمة بالتالي فإن النشاط يتكيف بصورة سيئة في حياة الإنسان بينما تزدهر جميع النشاطات البسيطة و البايولوجية التي تؤدي الى توفير الطاقة في عمل الدماغ.
ـ بالفعل يرى البعض أن جميع الأديان في الواقع تهدف الى توفير طاقة الدماغ الى أقصى حد والحد من نشاطه على حساب الشعائر.
+ هذا ما أرمي إليه بالذات.
ـ ثمة شعائر معينة لابد من إتمامها وهذا يأتي بالدخول الى الجنة.
+ هذا ما أُريد قوله.
ـ ولا داعي لإجهاد العقل وعندها ستحصل على حور العين والجنات التي تجري من تحتها الأنهار وما لذ وطاب أي أن الدين يَعِدُ الناس بنفس حياة الدنيا المرتبطة بالغرائز الأولية وهي الهيمنة و التمتع بالطعام و الجنس.
+ ما أريد قوله أن جميع الأديان تلعب على هذه الأوتار الغرائزية البسيطة، ويُغير الإنسان ملكة التفكير وإستهلاك كمية كبيرة من طاقة جسمه، لكن الدماغ يُقاوم ذلك بكل قواه من أجل إتباع مجموعة من الأساسيات الدينية علماً بأن الدماغ لا يعمل وهذا شئ رائع ينغمس الإنسان في سعادة الأندورفين الذي يُنْتَجْ في داخله وتكمن في هذا جاذبية إتباع أيٍ من هذه المُسَلَمَات سواءٌ أكان دينية أو عقائدية.
ـ ولهذا كانت هناك فترة نهوض للحضارة العربية الإسلامية في الأندلس وفي بغداد مثلاً حيث سادت الحرية المطلقة للتفكير، إذ أخذوا في الشرق يترجمون مؤلفات الإغريق للغة العربية وظهرت مؤلفات إبن سينا و إبن رشد والفارابي وغيرهم ممن طوروا العلوم والفلسفة كما ظهرت مدرسة علم الكلام. وكان من المفروض ألا يسترشد فلاسفة هذه المدرسة لا بالكتاب المقدس ولا بالقرأن الكريم ولا بالتورات لإثبات صحة أرائهم وكان من المفروض أن يكون كل شىء مبنيا على المنطق حصراً، كان ذلك انحرافا مطلقا عن التقليد الديني لصالح حرية الفكر، وحينها بالذات كانت الأمة الإسلامية في طليعة البشرية.
+ سأُضح لك السبب في ذلك لقد ابتكروا في العالم العربي شيئا رائعا بفضل مثل هذه المحرمات عن الإسترشاد بالنص المقدس. إذ أرغموا جميع هؤلاء العلماء والمترجمين والفلاسفة على إثبات هيمنتهم في أرائهم ليس كالسابق من خلال تقليد ورأي السلف، إذ منعوهم من الإسترشاد بالكتاب المقدس والقرأن. ما الذي كان يمكن عمله؟ بدأو باستخدام العقل بشكل مكثف وبتفكير تحليلي ودراسة أرسطو وقياس أفكاره على معتقداتهم أي أنه لم يكن بالإمكان إثبات واقع أنك الأفضل بين الفلاسفة إلا إذا شغلت دماغك جيداً، مع ان الدماغ لا يُحب أن يعمل كما أشرت ولكن لم يكن لديه مخرج
ـ سؤالي الأخير: هل حقا تنظر بتفائل الى إمكانية بناء جهاز يُمكن العلماء من تطبيق الاصطفاء الدماغي أم أن أولئك الذين في أيديهم السلطة والمال سيقفون ضد هذا الشىئ ؟ أملا طبعا في أن يورثوا ابنائهم المال والسلطة وما الى ذلك. ما رأيك؟
+تصور لو أن جميع أقرباء ترامب تبين أنهم ليسوا على مستوىً كافيٍ من الذكاء وتبين أنهم غيرُ صالحين لأي شىء وبعد إختبارهم بجهاز تصوير طبقي محوري خاص يقولون لهم إنه ليس بإمكانهم شغل مناصب مهمة، أعتقد أنهم سيشعرون بالإنزعاج والتكدر، وهكذا سيكون الحال في أي بلد فالمُمْسكون ببقاء تقاليد الحكم سيكونون مستائين كثيرا إذا ظهر جهاز يوضح سلوكهم بشكل موضوعي ويُقيم قدراتهم الحقيقية. تذكر كيف تصرف نابليون عندما جاء الى فرنسا العالم فرانز كول بنظريته الخاصة بدراسة خصائص الإنسان من بنية الجمجمة، لقد أصاب نابليون ذعراً شديدا وزج ب غاز في السجن خاف نابليون حتى من التلميح بأنه من الممكن أن يدرسوا جمجمته ويُعلنوا أنه ليس عبقريا كما ظن الجميع، ولكن في ذات الوقت لم تكن هناك إلا افتراضات بينما نقدم اليوم طريقة حقيقية و موضوعية لتحديد خصائص الانسان الدماغية ومن الطبيعي إن الكثيرين ربما يريدون إستخدام هذا النظام ويريد ذلك بعض رجال الأعمال فلماذا؟ لأن هناك المزيد من الخوف في طمع الإنسان للكسب. ولو تم إنشاء جهاز لدراسة الدماغ بشكل متعمق لكان من الممكن إختيار أُناس للبزنس ذوي قدرات يمكن بفضلها خلق الأعاجيب الأهم أن أحداً لن يلاحظ هذا الإختيار بالتالي سيتم صنع أجهزة الإصطفاء الدماغي من قبل أشخاص سيسترشيدون بدوافع براغماتية إقتصادية بحتة.
ومن المفروض أن يتألف هذا النظام في الواقع من جهاز تصوير طبقي محوريٍ عالي الدقة ومن كمبيوتر ضخم من شأنه أن يُحلل و يعالج النتائج التي تم الحصول عليها ولا داعي لشىء أخر عموما توجد كل المكونات الألكترونية اللازمة لدينا لم يبقى إلا جمعها، ولكن من الضروري من أجل ذلك أن تكون هناك رغبة وإرادة سياسية وإذا إخترنا أُناساً يتميزون بمختلف الخصائص الفريدة من نوعها أي بعبارة أُخرى عباقرة كلٌ في مجال إختصاصه فإننا سنَحُل العديد من القضايا وسنُخَلْص البشرية من الأمراض والحروب العالمية وغير ذلك، وأعتقد أن هذا هو المخرج المعقول الوحيد للبشرية و إلا فإننا سنواصل إبادة بعضنا بعضا .
ـ وحينها فقط ستحُلُ نهاية التأريخ وليس بإنتصار الرأسمالية بحسب الفيلسوف فرانسس يوكوهاما نهاية التأريخ لم تأتي بعد كما هو واضح.
+بالطبع
ـ بروفيسور سافيلف شكرا لك على هذا الحديث، إستمتعت كثيراً بهذا اللقاء، شكراً لك.
+ والشكر لكم أيضاً على هذه الأسئلة المثيرة.
‏*https://youtu.be/5MOIOaMJ3tc
(يتبع)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الضربات بين إيران وإسرائيل أعادت الود المفقود بين بايدن ونتن


.. الشرطة الفرنسية تعتقل شخصا اقتحم قنصلية إيران بباريس




.. جيش الاحتلال يقصف مربعا سكنيا في منطقة الدعوة شمال مخيم النص


.. مسعف يفاجأ باستشهاد طفله برصاص الاحتلال في طولكرم




.. قوات الاحتلال تعتقل شبانا من مخيم نور شمس شرق طولكرم