الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فلسفة الذكر عند المتصوفة الشيخ ماءالعينين نموذجا

محمد الاغظف بوية

2019 / 1 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الذكر من الأمور العظيمة التي يتقرب بها العبد إلى خالقه عز وجل، ويتم بطرق شتى بالقلب واللسان، و تتم المواظبة عليه مطلقا كان أو مقيدا حسب ما نظمته السنة الشريفة من تهليل وتسبيح وتكبير واستغفار ودعاء. و حسب ما وضع له أهل التصوف من ألفاظ ، حيث فصلوا فيه القول ورتبوه على ثلاث مراتب : ذكر للعوام، ذكر للخواص و ذكر لخاصة الخواص.

حاول المتصوفة إثبات عمق الذكر واعتبروا مقامه شريفا، فهو في نظرهم يثمر المقامات كلها من اليقظة إلى الشهود1، ويغني المعارف وينتجها، و يقوي الأحوال التي توجه إليها السالكون بتعبئة كل مواردهم. بل شمروا السواعد من أجل الوصول الى مقامات سامية ترتقي بالنفس وتعززها.وقد امتثل الصوفية لأمر الله تعالى في الإكثار من ذكره ، فأسسوا لذلك طرقا، ووضعوا الذكر شعار للطريقة، دعامتها المداومة والاستمرارية في النهل من الذكر .

فبداية طريق القوم تتمثل في تزكية النفس وترقيتها ابتعادا وقطيعة مع الشوائب، وبذلك يرتقي القلب وينقى ذكرا…فالهدف من التربية تحقيق الحب الرباني والوصل إلى معرفة الله تعالى، وكل ذلك لا يتم إلا بدوام الذكر امتثالا لأمر الله عز و جل، من أجل ذلك، عمموا الأوراد وجعلوها و أخذ الورد شرطا من شروط التلمذة الصحيحة .

فلسفة الذكر عند الشيخ ماءالعينين

يقول الشيخ ماءالعينين : “بالذكر يحصل لك التخلي….ويحصل التحلي والتجلي”، والذكر عند شيوخ الصوفية لم يخرج عن دائرة التعريف الأعم والشامل الذي قدمه الإمام القشيري في رسالته حيث أبرز التعريف بقوله ” الذكر ركن قوي في طريق الحق سبحانه وتعالى، بل هو العمدة في هذا الطريق ،ولا يصل احد إلى الله تعالى إلا بدوام الذكر، سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق يقول : الذكر منشور الولاية فمن وفق للذكر فقد أعطي المنشور ،ومن سلب الذكر فقد عزل “.

حظي الذكر في الخطاب المعيني بأولوية كبرى، حين خصص وألزم أورادا للمريد والمربي ، بل ذهب الشيخ ماءالعينين إلى فرض نوع من التقييد للانتقال من مرتبة إلى أخرى. من تجربة العارف إلى درجة العارفين، ثم العارف المتوله الذي يجمع بين تربية المريد وتربية نفسه وتزكيتها.

فالصوفي في نظر الشيخ ماءالعينين، ذلك السالك طرق الذكر، يسير قدما دون انقطاع أو كلل أو ملل، شعاره ” القطع مع العادات ” أو كما يسميها أهل التصوف بكلمة ” كسر العادة أو العوائد” .

بطريق الذكر يتحمل الصوفي الأعباء والمشاق لأجل الحصول على مرتبة العارف، ودرجة العارف في نظر المتن العيني درجة يتسابق لها الكمل، يتشوق لها المشايخ و المريدين “العارف هو ورد البحر دون العيون ،وإن شاء أبرز حقائق المعارف والفنون “.

يركز الشيخ ماءالعينين على أولوية الذكر كمفتاح لسعادة الصوفي المربي ، تلك السعادة التي يعتبرها ” عطية من الله تعالى وموهبة ” 3، ويختار الشيخ ماءالعينين تقسيما نفيسا للأذكار ، الذكر المطلق والذكر المقيد، وقد بين أن الذكر المطلق، غير محدود بليلة أو عدد وهذا ديدن مشايخ التصوف، لا يتقيدون بعدد أو زمن أو حتى مكان مع اتخاذ كل الأسماء الحسنى .

توقف صاحب كتاب “نعت البدايات وتوصيف النهايات ” عند الأنماط السبعة علما أنه لا خلاف عند باقي المدارس الصوفية في أنواع وأنماط الذكر.

النمط الأول : اسماء الله الحسنى ،الله ، الإله ، الرب ، الرحمان ، الرحيم ، الملك ، القدوس ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، الجبار ، المتكبر ، الخالق ، البارئ ، المصور ، الحكيم.

النمط الثاني : علم الشيخ المربي أنة يتخذ الذكر بهذه الأسماء : الغفار ، الغفور ، الشكور ، الغافر ، التواب ، الحميد ، السميع ، البصير.

النمط الثالث : العليم ، الحكيم ، الباسط ، العلام ، الكريم ، الوهاب ، التواب ، البصير ، البديع ، علام الغيوب .

النمط الرابع : وحسب الشيخ ماءالعينين فإن صاحب هذا النمط يحصل لصاحبه العصمة من الشرك وهذه الأسماء هي : الدائم العديم ، الأزلي ، الأحد، الواحد ، الصمد ، الفرد ، المجيد، المعيد .

النمط الخامس : العليم ، العظيم .

النمط السادس : الغني ، الشكور ، المغني الرزاق ، الفتاح الكافي ، الحسيب الوكيل ، المعطي المقبل المغيث .

النمط السابع: في نظر شيخنا فان هذا النمط من الذكر يترتب عنه حصول ” ائتلاف القلوب الناظرة وانعطاف الأرواح وسر التودد وإلقاء الرحمة والرأفة .” 4

لقد كان هدف الشيخ ماءالعينين تمتين علاقة المريد بربه عن طريق الذكر ، معتبرا الأذكار السبيل الأفضل لتقويم سلوك المنتسب للمدرسة الصوفية العينية .وقد تمكن الشيخ من تربية جيل خبر الذكر وبني حضارة وأسهم في تثبيت دعائم الإسلام وتوجيهه نحو بناء الإنسان .وهو الإنسان الذي لم تخفه جحافل المستعمر ولا المؤامرات الداخلية .

وقد برزت فلسفة الشيخ ماءالعينين في التصوف كفلسفة روح وتربية وجهاد، وهي الفلسفة التي لم تقتصر فقط على التربية السلبية والتخونق في الزوايا ، بل تربية فتحت المجال أمام تلامذته بالدخول لمواجهة الحياة ومتطلبات المرحلة بفقه عملي وتصوف حركي وتربية ناعمة لا خشن فيها ولا دروشة.

هوامش :

1 ـ الشهود : ” هو رؤية الحق بالحق ” حسب ابو الحسن الجرجاني ، كتاب التعريفات

2ـ الامام القشيري : الرسالة القشيرية في علم التصوف .تحقيق واعداد معروف رزيق دار الجبل بيروت ص 60

3ـ ابن مسكويه : ” تهذيب الاخلاق ” ص 66 دار الكتاب ط1

4ـ راجع كتاب نعت البدايات وتوصيف النهايات للعلامة الشيخ ماءالعينين .

**** صاحب المقالة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك


.. عقيل عباس: حماس والإخوان يريدون إنهاء اتفاقات السلام بين إسر




.. 90-Al-Baqarah


.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا




.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد