الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


[11]. رحلة المئة سؤال وجواب، حوار صبري يوسف مع د. أسماء غريب حول تجربتها الأدبيّة والنّقديّة والتّرجمة والتَّشكيل الفنّي

صبري يوسف

2019 / 1 / 14
الادب والفن


رحلة المئة سؤال وجواب، حوار صبري يوسف مع د. أسماء غريب حول تجربتها الأدبيّة والنّقديّة والتّرجمة والتَّشكيل الفنّي

صبري يوسف

11. كيف تنظرين إلى التّدريس الجامعيّ، وهل طمحتِ يوماً ما أن تكوني أستاذة جامعيّة أكاديميّة ينتفع من علمها الطّلابُ والمتعطّشون للنّهل من تجربتكِ الأدبيّة العميقة؟

د. أسماء غريب

هذا السّؤالُ جاء في وقتِه، لا سيما أنّ الكثيرينَ من الأصدقاء والزّملاء المتتبّعين لحرفي سواء في مجال النّقد أو الشّعر أو القصّة أو التّرجمة يعتقدونَ أنّني أستاذة جامعية، (ولا أعرفُ من أينَ أتوا باستنتاجهم هذا على الرّغم من أنّي لم يسبقْ لي أبداً أن صرّحتُ بذلك لأيّ منبر من المنابر الثّقافيّة)، وهو الأمر الّذي حانَ اليوم إيضاحُه: لم يَكُنِ التّدريسُ الجامعيّ ولوْ ليومٍ واحد من طموحاتي، بل هُو آخرُ شيءٍ يُمكن أنْ أفكّرَ فيه. البعضُ يعدّونه نوعاً من "البريستيج" الاجتماعيّ، أو العصا السّحريّة الّتي تفتحُ ألفَ باب وباب، وأنا أراهُ باباً كبيراً من أبواب الجحيم المُستعرة. ما رأيتهُ خلالَ فتراتِ دراستي الجامعيّة سواء في المغرب أو بإيطاليا، فتحَ عينيَّ على الواقع المُزري الّذي يعيشُه العديدُ من الأساتذة الجامعيّين على الرّغم من المظاهر الكذّابة والمزيفّة الّتي يحاولونَ أنْ يُجمّلوا بهَا ما لا يُمْكِنُ تجميلُه: الفسادُ بينهُمْ مُستشرٍ في كلّ مكان، والكره والضّغينة والأحقاد متأجّجة في قلوبهم بشكلٍ فظيع. وليتَ الأمورُ تقفُ عند هذا الحدّ فحسب، إذ في كثير من المواقف يجدُ "الأستاذُ الجامعيّ" نفسَهُ أو من يأملُ أن يُصبحَ كذلكَ مضطرّاً لأن يحنيَ رأسَهُ ويتنازلَ، وأنا أعلمُ جيّداً عنْ ماذا أتحدّثُ؛ لقد رأيتُهم ينحنونَ، ويتنازلون، ورأيتُ الغالبيّة العظمى من الطّلبة، والمساعدين الجامعيّين يفعلونَ ذلك مراراً وتكراراً، وفيهُم من يَقْبَلُ على نفسه أنْ يصبحَ ظِلّاً ذليلاً تابعاً لرئيسِه، وهلمّ جرّاً من المشاهد الًتي يندَّى لها الجبينُ وأترفّعُ عن الحديثِ فيها. وأمرُ التّبعيّة هذا والتَّملّق وحالات الذُلّ والانبطاح تصدقُ على العديد من مجالات العمل وليس فقط العمل الجامعيّ. ثمّ هبْنِي تنازلتُ وفكّرتُ في الحصولِ على مقعدٍ جامعيٍّ، كيفَ سيُمْكنُنِي أن أخترقَ النّظامَ المافيوزيّ والبارونيّ والماسونيّ الّذي يخْلُقُهُ هذا النّوعُ من الأساتذة حولهُمْ؟ وهبني أيضاً أصبحتُ بينهَم، هلْ سأقبلُ على نفسي أن أصبحَ "فاسدة" مثل الغالبية العظمى منهُم؟ ثم هبني بدأتُ أدَرّسُ في مدرّجاتهم، فكمْ ياترى ستخصّصُ لي الدّولة كأجرٍ لقاءَ ما سأبذله من مجهود؟ ربّما لا يعرفُ الكثيرُ أنّ أجرَ الأستاذ الجامعيّ هُنا في إيطاليا مثلاً لا يكفيهِ حتّى لسدادِ إيجار البيت الّذي يأويهِ، ولا حتّى ليغطّيَ تكلفة الحياة اليومية، هذا في حالة إذا ما صرفتْ لهُ الدّولةُ حقّا وحقيقةً مستحقاتَهُ المالية. ولربّما لا يعرفُ العديدُ من النّاس، أنّ الكثيرَ من الأساتذة يعملون "مجّاناً" وفيهم منْ لَمْ يتقاضَ أجرَه منذ سنوات، وليس منذ شهور! فبالله عليكُم ما الّذي سيُجْبِرُنِي على تحمّل واقع مُزْرٍ بهذا الشّكل؟ أليس من الأفضل لي أن أكرّس حياتي لما هو أهمّ من ذلك: عِلمي وأسرتي، وصدّقوني لنْ أضع "البريستيج الجامعيّ" فوق المائدة وأتناوله في الوجبات اليوميّة. الحياةُ تقتضي أن يكونَ الإنسانُ واقعيّاً وعمليّاً. والعمل الجامعيّ فيه هدرٌ كبير للوقتِ والصّحّة والأعصابِ لمن هو منشغل بالإبداع والأدب، ولمنْ يحملُ همَّ الحرف على عاتقه. فالمبدعُ الأديبُ أو الفنّان، هو بحاجة ماسّةٍ إلى كلّ وقته لكي يبدعَ ويقرأ ويسافر ويوسّعَ دائرة علومه ومعارفه. والعمل الجامعيّ لن يسمح لهُ بهذا تماماً، وإن كانت الجامعات في بعض الأحيان تتفضّلُ على بعض الأساتذة ببعضِ المِنح للسّفر إلى بلدان عديدة من أجل البحث العلميّ.

مشكلتي أنّني لا أجيدُ الكذبَ على نفسي، ولا أعرف كيف أمنّيها بأشياء قد يراها غيري الأرفع والأرقى والأسمى. والتَّعليمُ الجامعيّ بواقعه المحزن اليوم، لم يكنْ ولن يكون أقصى ما أتمنّى، بل على العكسِ من ذلك تماماً: فأنا أنفرُ منه ومن أهله نفوراً شديداً، وإن حاولوا كثيراً في الزّمن الماضي معي، واستدعوني لأكثر من مرّة لأكونَ منهم ومعهم، لكن هيهات هيهات، ما كلّ ما يلمعُ ذهباً صافياً، وما كلّ من حملَ حقيبةً أستاذاً، وما كلّ من جلسَ على كرسيّ التّدريس شيخاً أو حكيماً، وما كلّ من ارتدى جبّة أو وزرة بقادرٍ على أن يُنتجَ للمجتمعات نشئاً صالحاً: والدّليل يا سادتي أمام أعيننا: هذا الجيلُ الفاشلُ في كلّ شيءٍ رغماً عن شهاداته العليا الَّتي أصبح يشتريها من "الأسواق" الجامعيّة وبأبخسِ الأثمان. لقد مضى ذاك الزّمان الّذي كانت فيه الجامعةُ محراباً لصلاة الحرف والأبجديّة. أيننا من جامعتَيِ القرويين والزَّيتونة، وجامعات دمشق ودور الحكمة في بغداد ونيودلهي وقمّ وأصفهان، بل أيننا من مجالس الفكر والفنّ في روما ولندن، وأيننا من مدارس الفلسفة في المغرب الأندلسيّ، بل من طلبةٍ أصبحوا فيما بعد ابن سينا وابن رشد وابن الهيثم وابن عربي والجيلي والنّفريّ وليوناردو دافينشي، وتوماس إيديسون، وهيجل وكانط وماركس، وتولستوي وغيرهم كثيرون؟ لا أحد في زمننا المعاصر، ومع كامل الأسف استطاع أن يقدّم ولو نظريّة واحدة حقيقيّة تنقذنا ممّا نحنُ فيه، ومازالت سوسةُ التّخلّف والرّجعيّة تنخرُ فكرَ الإنسان وتغسل دماغه كلّما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، وكيف لا، وفينا لليوم من يسألُ رجلَ الدّينِ هلِ القُبْلةُ بين الزّوجيْن في شهرِ رمضان تُفسِدُ الصّيام أم لا؟ واعجبي!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان الجزائري محمد بورويسة يعرض أعماله في قصر طوكيو بباريس


.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني




.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء


.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في




.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/