الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا حدث يوم 14 جانفي2011 في تونس ؟

فريد العليبي

2019 / 1 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


يجدر التساؤل عما حدث بالضبط يوم 14 جانفي ‏ في تونس و ‏الأيام القليلة التي سبقته ؟ كثيرون يسألون هذا السؤال ، وبرأينا فإن هذا اليوم ‏يجب فهم أحداثه على ثلاث مستويات ، أولا مستوى الكفاح الشعبي و ثانيا مستوى ‏الصراع داخل النظام وثالثا مستوى التدخل الامبريالي و إذا كان المستوى الأول ‏يمكن الحديث عنه بقدر من التدقيق فان المستوى الثاني يكتنفه الغموض ‏فصراعات القصر و الدسائس و المؤامرات تمت وراء الكواليس و لن يفصح عن ‏فحواها بسهولة و هنا بالذات نذكر درس ماكيافال حول الأمير و المؤامرة فـ" ‏على الأمير أن لا يخشى كثيرا من المؤامرات إذا كان الشعب راضيا عنه ، أما ‏إذا كان مكروها و يحس بعداء الشعب له فإن عليه أن يخشى من كل إنسان و من ‏كل شئ " ‏ ‏ ‏‎ ‎و يبدو أن بن على قد تآمر عليه أقرب أعضاده بما في ذلك حرسه ‏الخاص.‏
إذا عدنا إلى المستوى الأول أمكننا القول بيسر أن الحديث عن شارع بورقيبة ‏باعتباره قاهر بن على و رمز الثورة التونسية يرقى إلى مستوى الخرافة ، ففي ‏ذلك اليوم تراجعت قوات البوليس على غير العادة و أفسحت المجال أمام بضع ‏مئات من المتظاهرين مما مكن لاحقا من تزايد الأعداد بشكل كبير ، و بدا رجال ‏الأمن وديعين و متسامحين و هو ما لوحظ قبل ذلك بيومين في مدينة صفاقس كما ‏بيناه ، و عندما أيقنوا أن الأمر اقترب من الخروج عن السيطرة عند محاولة ‏المتظاهرين اقتحام وزارة الداخلية ، أطلقوا بعض قنابل الغاز المسيلة للدموع ‏فتفرقت الحشود ، و بالتالي فإن القول أن شارع بورقيبة كانت له الكلمة الفصل ‏في إسقاط بن على مجانب للصواب ، فما حصل خلال ذلك اليوم ربما يفسره ‏المستوى الثاني فقد بدا أن هناك من يسعى إلى الضغط بالجماهير و توظيفها ‏لصالحه في خطوة محسوبة بدقة ، و هذا لم يحصل لأول مرة في تونس بل ‏حصل سابقا ايضا عندما مارس وزير الداخلية خلال انتفاضة 3 جانفى 1984 ‏ضغطا على رئيس الحكومة بتوظيف احتجاجات جماهيرية كبيرة فأوعز إلى ‏جهاز البوليس بالتساهل في التعامل مع المتظاهرين غير أن خطته فشلت ربما ‏لأنها لم تجد دعما خارجيا ، أما في الحالة موضوع حديثنا فإن العامل الخارجي ‏كان حاضرا ، و هنا نصل إلى المستوى الثالث فنحن نرجح أن الامبرياليتين ‏الأمريكية و الفرنسية خاصة هما من وضعتا الخطة و راقبتا التنفيذ . ‏
لقد كنت الجماهير تريد الحرية و مطلب إسقاط النظام على ألسنتها و كانت في ‏حركة كفاحها مصممة على بذل ما يجب في سبيل ذلك ، هذا ما لا ينبغي أن ‏يكون موضع شك و لكن أعداءها كانوا يريدون شيئا أخر ، و هو التخلص من بن ‏على والحفاظ في نفس الوقت على نظام لم يعد بإمكانه ضمان بقائه ، خاصة بعد ‏تواتر الانتفاضات في أكثر من جهة من جهات البلاد.‏‎ ‎
‏ ‏‎ ‎إن ما حصل حتى الآن ضمن سيرورة " الربيع العربي " هو تحويل الانتفاضة ‏إلى مسخ و عندما ينظر المنتفضون اليوم إلى ما صنعت أيادي خصومهم بذلك ‏المولود الذي صرخ صرخته الأولى بين أحضانهم في القرى و المدن المهمشة و ‏الأحياء المفقرة لا يتعرفون عليه ، لقد غدا مخلوقا مشوها يزعم غرباء أبوتهم ‏له ، و خاصة هؤلاء الساسة الذين تمت استنساخهم كقادة في ما وراء البحار ، و ‏جرى فرضهم على المشهد السياسي بقوة المال و الإعلام و العسكر .‏
‏ و في تونس اليوم يمكنك معاينة ذلك بيسر ليس فقط على صعيد الأحداث الكبيرة ‏الماكروسياسية و إنما على صعيد المشاهد اليومية الميكروسياسية أيضا ، ففي ‏يوم من الأيام كنت واقفا في طابور طويل فيه نساء و رجال تجمعوا لخلاص ‏معلوم العلاج في مستشفى عمومي و كالعادة لم يلتزم أحدهم بالدور فصرخ ‏كثيرون في وجهه مما أحدث حالة هرج و مرج فعلقت مازحا : لا بأس إن هذا ‏من ثمار الثورة ، و جاء الرد سريعا من امرأة معدمة قائلة : " أي ثورة ؟ إنها ‏غورة‎ ‎‏" ‏ ‏. إن من يحكمون تونس ما بعد بن على لا يختلفون كثيرا عن ذلك ‏الرجل الذي لم يحترم الطابور فقد قاموا بما يشبه الإغارة على الانتفاضة فسلبوا ‏الشعب نصره .‏
الربيع العربي والمخاتلة في الدين والسياسة الصادر سنة 2013









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الإيراني يحتفل بيومه الوطني ورئيسي يرسل تحذيرات جديدة


.. زيلينسكي يطلب النجدة من حلفائه لدعم دفاعات أوكرانيا الجوية




.. الجيش الإسرائيلي يعلن إصابة 14 جنديا جراء هجوم لحزب الله الل


.. لحظة إعلان قائد كتيبة إسرائيلية عن نية الجيش اقتحام رفح




.. ماذا بعد تأجيل الرد الإسرائيلي على الضربة الإيرانية؟