الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


[20]. رحلة المئة سؤال وجواب، حوار صبري يوسف مع د. أسماء غريب حول تجربتها الأدبيّة والنّقديّة والتّرجمة والتَّشكيل الفنّي

صبري يوسف

2019 / 1 / 15
الادب والفن



صبري يوسف

20. تترجمين أثناء عبورك فضاء التَّرجمة، تفاصيل ورشاقة النَّص الأصلي، كأنّك تكتبين النَّص الَّذي تترجمينه بروحانيّته، بلغة الأم الأولى، كيف وصلتِ لهذه الخصوصيّة في ترجمة الأعمال الّتي تختارينها؟

د. أسماء غريب

التّرجمةُ جُرحي الّذي لن يندمل؛ لقد ترجمتُ الكثيرَ الكثيرَ حتّى أنّني لا أتذكّرُ كمْ من النّصوص والكُتُبِ الَّتي قمتُ بترجمتها لغزارتها، وكأنّني بحر يُتَرجمُ ويُتَرْجِمُ ويترجمُ إلى ما لانهاية. ولديّ شيء أحبُّ أن أقوله ليبقى مسجّلاً ضمن أوراق هذا الحوار "التّاريخيّ": سأظلُّ أنا "أسماء غريب الشّرقيّ محمّد الجعديّ" شاهدةً على قُبح "الكاتب" العربيّ وبشاعته. وغداً حينما ستُفْتَحُ الكُتُبُ أمام البارئ سأكونُ الصَّوْتَ الحاملَ لمظلوميّة كلّ مترجمي العالم والكونِ، لكوني أكثر منْ يعرفُ ويُحسّ بآلامهم وأحزانهم: إنّهم رسل الله إلى الحرف ينقلونه من لغة إلى أخرى ولا أحد يشعرُ بهم، وأنّى يحدثُ ذلك وهُم لا ينالهم من أشباه "الكُتّابِ" و"المبدعين" و "دور النّشر" سوى الجحود والنّكران للجميل.
كُثْرٌ أولئك "الكُتّابُ" الّذين يريدون الوصولَ إلى العالميّة، وكُثر هُم من يحملون قلوباً مفعمة بالغرور والاستعلاء والاستكبار وجنون العظمة، فهم لا يرون في التّرجمة سوى شيء يوصلهم إلى الضفّةِ الأخرى لأنّهم يستحقّونَ ذلكَ ويُرضِي الأمرُ غرورهم، ولا شأن لهم بالمُترجِم أبداً، فهم كما الغالبيّة العظمى من دور النّشر يعتبرونهُ "عبداً" عندهم، ويكفيه شرفاً أنّه يُتَرْجِمُ لهم، لكأنّهم ينسونَ أيضاً أنّهم لا يدفعون له حتَى أجرَ تعبه وعمله. وقد يحدثُ أن يقول "الكاتبُ" من هذه الشّرذمة المُستعلية للمترجم إنّ تكلفةَ نشر الكتاب ستكون عليه، وانتبهوا أعزائي؛ فصاحبُ العمل المترجَم هنا لا يكون كريماً، بقدر ما يكون وصولياً للمرّة الألف، فهو لا يأبَهُ للمترجم مرّة ثالثة ورابعة، ولكنّه يدفعُ تكلفة نشر الكتاب لأنّه يهمّه جدّاً أن يُنْشَرَ كتابهُ لا أن يبقى حبيسَ غرفة المكتب. أمّا عن بعض دور النّشر فحدّثْ ولا حرج، فهي تنشرُ الكِتابَ المُتَرْجَمَ وتطبعه للمرّة الأولى والثّانية والثّالثة والرّابعة والخامسة، ولا يخبر أصحابُها المُترجِمَ بأيّ شيء، ولا حتّى يُرسلونَ لهُ نسخةً ورقيّةً من عمله. وإنّي لأعتبرُ نفسي من المحظوظات وممّنْ يحيطهم اللهُ بعنايته، كوني لا أعيشُ من عملي الإبداعيّ ولا أعتبره مصدرَ رزقي اليوميّ، وإلَّا لكانَ الأمرُ بحقّ كارثة!
ولا ينجو من هذه الخيانة العظمى للحرف إلّا القليل جدّاً ممّن أعتبرهم من خيرة أدباء العالم العربي وأنت واحد منهم أديبنا المفضال صبري يوسف، فترجمتِي لديوانك (السّلام أعمق من البحار)، كانت من أجمل التَّجارب الإبداعيّة الَّتي صادفتُها في مساري الأدبيّ.
لكن تعالوا معي أعزّائي ننظرْ في هذه المشكلة لنقفَ على أسباب هذه العلاقة الشّائكة والمتوتّرة بين "المُتَرْجِم والكاتبِ" والمحكومة بمنطق الانتهازيّة والوصوليّة في زمن المعلوميّات ومواقع التَّواصل الاجتماعيّ:
معظم الكتّاب عادةً ما يكونون ممّنْ يحترفون الكذبَ والنّفاق ويدّعون غير ما فيهم، والكثيرُ منهم يلجون إلى عالم الكتابة من هذا الباب، فهُم يتظاهرون بالثّراء مثلاً، وبالشّهرة، وبالاستغناء والاستعلاء، وبأنّ الآخرين هُمْ من بحاجة لهم، باعتبار أنّ المجتمعات بدون فِكرهم لن يمكنها أن تتقدّم أبداً، وهذه الشّريحة هي الجزءُ الفاسدُ في كلّ المجتمعات وأشدّها خطورة لأنّها تَدعمُ منظومةَ الفسادِ الفكريّ الّذي يطالُ فيما بعد كلّ جوانب الحياة، بما فيها السِّياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة. ولأنّها تُجيدُ سرقةَ كلّ شيء، فالويل لمن يقع بين أيديها من المُتَرجِمينَ. لأنّهم إضافة إلى فقر هؤلاء الكُتّابِ الرّوحي تجدهم أيضاً موسومين بالفقر المعرفيّ، فهم لا يفقهون شيئاً في علوم التَّرجمة الأدبيّة وما تقتضيه من صبر وجُهد من أجل نقل نصّ الانطلاق من لغةٍ إلى أخرى، والاعتناء بالتّالي بتفاصيله النَّحوية واللُّغويّة الدَّقيقة مع الحرص على التَّماهي مع تجربة الكاتب للوصول بالعمل إلى مستوى غالباً ما قد يكونُ أفضل وأرفع من مستوى النَّصّ الأصليّ نفسه. لأجل هذا أقول، إنّ هذا النّوعَ من الكُتّابِ يلزمهم مترجمون من طينتهم: "شيوخ" في الكذب والنّصب والاحتيال!
وبعد هذه التَّحليلات الموجزة جدّاً، دعونا نمرّ الآن إلى الشّقّ الآخر من السُّؤال: المتعة الَّتي تحقِّقها التَّرجمةُ للمُتَرْجِمِ: عليه أن يكون مستغنياً عن ما قد يرميه لهُ الكاتبُ من فتاتٍ حتّى يستطيع أن يعمل بمزاج عالٍ (وأركّزُ أكثر هنا على الاستغناء الرّوحي والخُلُقي)، لا سيما وأنّهم قلّةٌ أولئكَ المترجمونَ الّذينَ يرونَ أنّ عملهم هذا هو في الأصل عمل رُسْلِ الله المُجَنّحين، فهُم خير من ترجمَ كلام الله ونقله من اللّوح المحفوظ ونزل به إلى قلوب الأنبياء وصدورهم بكلّ اللُّغات، حتّى تحلّ كلمة الله في كلّ مكان، وهم الأمناء الحفظة الكتبة البررة الكرام. ولذا على المترجمين من أهل الأرض أن يكونوا بمثل أمانة ونزاهة مترجمي أهل السَّماء حتّى يحقِّقوا على هذا الكوكب السّلم والسَّلام، ويمدّوا جسور المحبّة والأمان بين الشّعوب، ويرسوا ركائزَ التَّقدّم والتَّطوُّر المنشودَيْنِ. وثقوا بي أعزائي القرّاء، لولا تسلّحي بصبر المترجمين المُجنّحين وكرمهم وتفهّمهم لما استطعتُ المضيَّ لليوم قُدُماً في عالم التَّرجمة إيماناً منّي بأهمّيّة ما أقوم به من عمل، ستأتي الفرصةُ حتماً لنشره كاملاً في كُتُب موسوعيّة مع دار النّشر الّتي تستحقُّ أن يرتبط اسمي باسمها، وذلك حتى أتَوِّجَ جهدي وأكلِّلَ صبري بالنَّجاح، وأقدّم لإخوتي في الإنسانيّة عملاً يجمع شتات الكلمة من المحيط إلى الخليج.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج الاردني أمجد الرشيد من مهرجان مالمو فيلم إن شاء الله


.. الفنان الجزائري محمد بورويسة يعرض أعماله في قصر طوكيو بباريس




.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني


.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء




.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في