الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تونس بعد الثورة خير

نجاة علي الأخضر

2019 / 1 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


في الذكرى الثامنة لعيد الثورة التونسية، تزيّنت بلادي تونس و تجمّلت محتفلة بذكرى غالية على القلب فهي اليوم محطّ الأنظار و كل ناظر ينظر إليها بمنظاره الخاص فمنهم من ينظر إليها نظرة العاشق الولهان نظرة المتفاني في خدمتها، و منهم من ينظر إليها نظرة المتربّص المترصّد لخطاها منتظرا اللحظة المناسبة للإنقضاض، و منهم من ينظر إليها نظرة الناقد و النقد أشكال و أنواع فشتّان بين نقد لاذع هدّام و بين نقد متّزن بنّاء، و منهم من ينظر إليها نظرة الحاسد الحاقد..

تونس أراها كالعروس التي أمضت الساعات في صالون التجميل لكي تخرج في أجمل حلّة لتفتن الناظر إليها و تسحره بجمالها و بهائها و دلالها و أنظار الضيوف ستكون مسلّطة عليها كأشعة إكس فمنهم مَن وجوههم مبتسمة مضيئة فرحة تتمنّى لها حياة سعيدة تصحبها دعوات نابعة من قلوب نظيفة لا تعرف الرياء و النفاق و منهم من وجوهم صفراء كوجوه المرضى بداء عظال سيقولون ما ليس في قلوبهم تلك القلوب الموشّحة بالسواد و المملوءة بالدماء ليست كالتي نعرفها هي سموم لا لون و لا رائحة لها، هذا النوع يعرف كيف يخبّئ ما يبطن فالتلوّن كالحرباء من صفاتهم فالكره و الخبث و الحقد و الحسد هي بمثابة جلد ثان لهم فتراهم أصدقاء و لكنّهم في الحقيقة أعداء..

اليوم الكل سيصبح كالجرّاح الحامل للمشرط و فوق المائدة ممدّدة الثورة التونسية مكبّلة الأطراف في غرفة معزولة أطلقوا عليها غرفة العمليات التي عقّموها بمعقّم مغشوش فإن كانت معقّمة حقّا لما كانت الجراثيم تحوم حول من أسموه مريضا.. في تلك الغرفة تزاحم الجرّاحون على إختلاف إختصاصاتهم فشقّ يمثّل وسائل الإعلام التونسية و العربية و العالمية بأنواعها و شقّ آخر يمثّل المحلّلين السياسيين، كل واحد منهم يشخّص الداء من منظور خلفيته و الإيديولوجيا التي يخدمها و يمثّلها و إن أصغيت السمع من وراء باب الغرفة لسمعت أصواتهم المتعالية يختلفون و يختصمون حول مريضهم المزعوم ذاك المريض الذي نسوا في ظلّ هرجهم و مرجهم أن يعطوه جرعة التبنيج ليشرع كل واحد منهم في الأخير في تشريح المريض كل حسب ما اطّلع عليه من تقارير و من خلال مراقبته للمؤشرات الحيوية للمريض و يقرأها مغلوطة و على أساس تلك المؤشرات و التقارير يلجئون لصعق المريض بالكهرباء ظنّا منهم أنّ نبضات قلبه قد توقّفت فيزيدون من تأزيم وضعه بدل إنعاشه..

صعقة وراء صعقة و المريض صابر على مصابه إلى أن بلغ الصبر منتهاه لينتفض بقوّة و ينزع أغلاله و يصيح بأعلى الصوت : « توقّفوا عن جهلكم و تخلّفكم، فلست مريضا لتعالجوني أنا أمرّ بوعكة صحيّة خفيفة كالزكام الذي سرعان ما يزول فلست بحاجة لأمثالكم أنا أحتاج من يؤمن بي و يضع يده في يدي لنصل لبرّ الأمان ... و ماذا فعلتم أنتم يا من نصّبتم أنفسكم القاضي و الجلاّد و الطبيب المعالج، خابت مساعيكم فلا دوائكم قد شفاني و لا حكمكم كبّلني، أنا الثورة التونسية.. أنا ثورة البرويطة و ثورة الكرامة و ثورة الأحرار و ثورة الياسمين و ثورة 14 جانفي أنا كلّ ذلك.. ولادتي كانت مستعصية و لكن المهم أنّني ولدت و أفتخر أن يكون سبب ولادتي شاب تونسي اسمه سيُكتب بحروف من ذهب " محمد البوعزيزي" و قد سالت في سبيلي الدماء و قدّم الأحرار أجسادهم فداءا لي صُنعت على يد الثائرين الذين اكتفوا من حُكم ظالم و وضع مزري و أحلام ميّتة و حرية مسلوبة و ديمقراطية زائفة.. هؤلاء هم من يمثّلوني و أنا أمثّلهم، هؤلاء هم من يحتفلون بعيدي و أنا أشاركهم..».

نعم تلك هي الثورة التونسية و سأظلّ أصرّ بأن تونس بعد الثورة خير فرغم غلاء المعيشة و وضع إقتصادي و إجتماعي و ثقافي متردّي و بطالة متفشّية و كثرة الفسدة و المفسدين و الخونة و الخائنين و الراكبين على الأحداث و اللاّهثين وراء المناصب و كأن الكراسي دائمة فهي زائلة لا تدوم و ليكن ما حدث للسابقين عبرة لمن اعتبر ...

تونس لا تحتاج لمن يرمي العصا في العجلة تونس تحتاج لجميع أبنائها و بناتها شيبا و شبابا، تحتاج لكلّ غيور على ترابها و لكلّ مواطن صالح يعرف معنى الوطنية متشرّبا للقيم و المبادئ الحميدة، يدًا بيد بإذن الله تعالى نصنع غدا أفضل.

رسالتي لمن يقول ماذا فعلت لكم الثورة ؟.. أجيبه الثورة جعلتني إنسانا فخورا ببلادي غير ناسٍ بتضحيات الشهداء أنسب لهم الفضل في كوني أتنفّس الحرية بكل معانيها، و لست عمياء عن الوضع في بلادي فهناك مكاسب و هناك إخفاقات، ولعلّ الإخفاقات أكثر من المكاسب لكنّني أنظر للجزء الممتلئ من الكأس و ليس الفارغ منه و هذا الفرق بين المتفائل بغد أفضل و بين المتشائم. مطالب الثورة لم تتحقق هذا أيضا صحيح لكنّها ستتحقّق إذا فكّر الجميع في مصلحة تونس قبل أن يفكّر في مصلحته الشخصية فتونس ليست كعكة كل طرف يريد القسم الأكبر منها هي أكبر بكثير من تلك الحسابات الضيّقة فكفاكم نظرا إليها كالبقرة الحلوب أو كتلك البقرة الضاحكة التي توجد على أغلفة الجبن فلن تدوم إبتسامتها في وجه ناهبيها و هي أيضا ليست ككنز علي بابا الكل يغرف و يملئ جيوبه فسيأتي اليوم الذي يغلق فيه باب المغارة و لن تستطيعوا فتحه أبدا.. وربما لن يتحقّق التغيير الحقيقي ذلك التغيير الذي يرنوا إليه الشرفاء بين ليلة و ضحاها فكلّ الثورات لم تعطي ثمارها إلا بعد سنوات و سنوات إذن هي ثورة مستمرّة حتى تتحقّق المطالب.. كانت ثورة الكرامة و اليوم هي ثورة تحقيق المطالب و ما ضاع حق وراءه مُطالب.

تحديات كثيرة تواجهها تونس ما بعد الثورة على جميع الأصعدة : تحديات أمنية و إقتصادية و إجتماعية و ثقافية... لكن هذا لن يحبط عزيمتنا و لن يكون طريقنا مسدود مسدود كما قال عبد الحليم حافظ بل مفروش بالورد و الشوك فلا طعم لنصر إن لم نذق بعض الألم و سينتظرنا الفرج القريب فكفانا أن نتذكّر شهدائنا فتضحياتهم لن تكون هباءً و أيضا أشقّائنا العرب المصريين و السوريين و اليمنيين، الذين آمنوا بالثورة التونسية فصنعوا ثوراتهم أعانهم الله و أعاننا.

فالعمل ثم العمل هو سلاحنا لنخرج إلى النور لندحر كل من تسوّل له نفسه بخيانة العهد الذي قطعناه على أنفسها ألا و هو إنجاح الثورة التونسية فلا عاش في تونس من خانها و لا عاش من ليس من جندها نموت و نحيا على عهدها حياة الكرام و موت العظام..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن يوقع حزم المساعدات الخارجية.. فهل ستمثل دفعة سياسية له


.. شهيد برصاص الاحتلال الإسرائيلي بعد اقتحامها مدينة رام الله ف




.. بايدن يسخر من ترمب ومن -صبغ شعره- خلال حفل انتخابي


.. أب يبكي بحرقة في وداع طفلته التي قتلها القصف الإسرائيلي




.. -الأسوأ في العالم-.. مرض مهاجم أتليتيكو مدريد ألفارو موراتا