الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جريمة في ستراسبورغ - 8 -

علي دريوسي

2019 / 1 / 16
الادب والفن


لم تعد المياه إلى مجاريها بيني وبينها كما يمكن لكم أن تتخيلوا، كل ما في الأمر هو أني رحت أسعى تلك اللية لتهدئتها كي لا تعمل من الحبة قبة أو كما نقول هنا "كي لا تعمل من النملة فيلاً". صارت علاقتنا باردة، الشيء الذي جعلني أفكر ما الذي تخطط له امرأة تسكن شقة ليست لها في ستراسبورغ؟ كنت أنتظر بفارغ الصبر رسالة تأكيد على إنهاء عقد إيجار شقتي هناك والتي تكلفني مالاً كثيراً كل شهر لا سيما أن زوجتي ليست بالمرأة الغيور على مالي وتعبي، لم أكن ملزماً بدفع ما يسمى الأجرة الباردة أي أجرة السكن وحسب بل الأجرة الساخنة أيضاً، والتي تشمل الماء الساخن والبارد والتدفئة والكهرباء والعناية بالدرج وترحيل المخلفات والتأمينات ضد الحرائق والسرقات وتفاصيل أخرى، بدأت في الحقيقة أفكر بتوفير هذه المصاريف لاستثمرها في شقتي المملوكة ولتبديل سيارتي القديمة.

قبل عطلة أعياد الميلاد بقليل وصلتني رسالة من المؤجِّرة إنغيبورغ أخبرتني فيها أنها غير مستعدة للموافقة على فسخ عقد السكن طالما أن زوجتي تقطن البيت ولا نية لها بمغادرته. وبعدها بيوم أو يومين سمعت من صديق لي يعمل في الشركة التي عملت بها أزيتا بأن رئيس القسم كان قد استغنى منذ شهور عن خدمات أزيتا كمهندسة لأسباب كثيرة منها تغيبها عن العمل ووصولها أغلب الأحيان متأخرة وإهمالها لوظائفها وعدم قدرتها على مواكبة المستجدات.

بمناسبة رأس السنة اتفقت معها أن نسهر عند والدتها ريناتي علّنا وعسانا نتوصل إلى تفاهم على الأقل بشأن عقد الإيجار. وصلت إلى بيت ريناتي قبلها بساعة على الأقل وحين دخلت أزيتا علينا شاءت المصادفة أني عانقت ريناتي من باب المَعَزّة والود والتقدير وتعاطفي المعنوي معها، كانت أزيتا قد شربت الخمر كما أوحت لنا من حركاتها ونزقها وكانت تدخّن بشراهة، استغلت تلك اللحظة وهاجمتني بأن قالت: كنت أحدس أنك عشيق أمي، تابعا غزلكما، لم يعد يعنيني أمرك.

كنت قد أحضرت معي بهذه المناسبة هدية رمزية للسمكة أزيتا، عبارة عن سلسلة من الفضة وقلادة عليها شعار الأسد والشمس، إذ كنت قد ألبستها في يوم زواجنا مَصَاغاً ثميناً من الذهب الأصفر والأبيض والألماس ومن بين الحُليّ كان ثمة جنزير من الذهب مع قلادة دائرية منقوش عليها شعارها الإيراني المقدَّس الأسد والشمس. استئذنتها رغم سلوكها العصابي بأن ألبسها السلسلة، لم تمانع، أدارت لي رقبتها، وأنا أحاول قفل طرفي السلسلة طبعت قبلة على عنقها وهمست: عنقك جميل وذراعاك أيضاً، يليق بهم ما أهديته لك سابقاً، منذ مدة لم أعد أراك ترتدين هداياي لك. ونحن نحتسي كأس نبيذنا الأول غادرتنا أزيتا لأنها على موعد للاحتفال مع أصدقائها الإيرانيين، اعتذرت بدوري من ريناتي وتمنيت لها انزلاقاً جيداً للعام الجديد 1979 وغادرت بيتها في طريقي إلى بيت جارتي وصديقتي ومحط أسراري هايدرون.

في الساعة الثانية عشر ليلاً، والناس تحتفل وتأكل وتشرب وترقص وكؤوس الزيكت والشمبانيا ترنو إلى الأفواه التى تكرعها مع استقبال العام الجديد، كنت أخاصر هايدرون وأهمس لها: حبيبتي، أتمنى لك سنة جديدة سعيدة. وحين سألتني عن نواياي الحسنة للعام القادم، رحت أسلسل لها: أول ما أنويه هو أن أمضي معك إجازة دافئة في فندق رومانسي في جبال النمسا والثلج من حولنا، وحالما نعود سألتقي مع محاميتي لتكتب لي رسالة قانونية لإعلام أزيتا بانفصالي الرسمي عنها ورسالة ثانية لمساعدتي على فك عقد السكن في ستراسبورغ، ثانياً سـأجهز مع سكرتيرتي حفل توقيع كتابي "قاموس الجرائم الاقتصادية"، ثالثاً سأبدأ بمراسلاتي وتحضير أوراقي للترشح لأصير بروفيسوراً دائماً في جامعة كارلسروه أو آخن أو هانوفر، فكما أخبرتك سابقاً فإن البروفيسورية التي مُنِحَت لي من الشركة لها مدة زمنية محددة، خمس سنوات، رابعاً سأسعى بكل جهدي للتخلُّص نهائياً من ورطتي مع أزيتا والتي تثقل كاهلي، خامساً وأخيراً أريد أن أخطط معك إجازتنا الصيفية، أريد أن نسافر إلى طهران كي أفهم نفسية الإيراني ثم نعود لنعيش سوية، سأهدم الجدار الفاصل بين شقتي وشقتك. ما أن أنهيت كلامي حتى استفسرت هايدرون عن السبب الذي دفعني لاختيار هذه الجامعات دون غيرها، أجبتها: الأمر لا يتعلق بي وإنما بالمكان الذي سيكون شاغراً في الفترة القادمة وكما علمت فإن الأساتذة العاملين هناك في مجال اختصاصي سيتقاعدون عمّا قريب. عندما سألتها عن نواياها أجابتني: سأفعل المستحيل لأساعدك وأكون إلى جانبك في تحقيق نواياك، أحبك ياكوب.

في اليوم الأول من شهر شباط لعام 1979، الذي وصل فيه قائد الثورة الشيعية الإيرانية روح الله الخميني إلى مطار مطار مهرآباد في طهران قادماً من المنفى، وصلتني رسالة من مديرية شرطة كارلسروه، لمّا فضضت غلافها علمت بأنني مطلوب للتحقيق في قضية اعتداء جسديّ وانتهاك الحرية الشخصية لزوجتي أزيتا بختيار، كانت أزيتا قد ادّعت عليّ في قسم الشرطة بتشجيع من المؤجِّرة إنغيبورغ، نصيرة المرأة المظلومة، حدث هذا صباح يوم الثلاثاء، في السادس عشر من شهر كانون الثاني، في اليوم الذي تصادف مع مغادرة الشاه محمد رضا بهلوي إلى المنفى بعد انتصار الثورة.

***
يتبع في الجزء التاسع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وداعا صلاح السعدنى.. الفنانون فى صدمه وابنه يتلقى العزاء على


.. انهيار ودموع أحمد السعدني ومنى زكى ووفاء عامر فى جنازة الفنا




.. فوق السلطة 385 – ردّ إيران مسرحية أم بداية حرب؟


.. وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز




.. لحظة تشييع جنازة الفنان صلاح السعدني بحضور نجوم الفن