الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فراس السواح: الموقف الفضيحة

محمود الصباغ
كاتب ومترجم

(Mahmoud Al Sabbagh)

2019 / 1 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تداولت منصات التواصل الإجتماعي ما يبدو كأنه تصريح من قبل الباحث السوري المختص بتاريخ الأديان حول موقفه من المحجبات ورفضه لهن فيقول : " تعميم..أنا لا أقبل طلبات صداقة من المحجبات. حجاب الرأس يعني حجاب العقل"
نعم....هي فضيحة موقف غاب عنه ما يعرّفه، علماً أنه لايهم كثيراً أو قليلاً ما قاله عن رغبته في اختيار أصدقائه،( إن كان صحيحاً منشوره ) لأن هذا يدخل-في نهاية المطاف- في باب الحرية الشخصية، أي أننا أحرار، بطريقة ما، في "تعيين "شبكة أصدقائنا أو أن هذا التعيين يكون منطلقاً لتلك الحرية، بينما ما يتأسس على الموقف من خيارات الأصدقاء وأسلوب لبسهم أو غيره لايمكن عدّه حرية شخصية. فالرغبة شعور حر و انحياز ذاتي، في حين الموقف من الرغبة او من "الشعور الحر" معطى ينبني عليه الموقف.
وعلى الرغم أن ما قاله السواح لايعد غريباً عن الأنساق السجالية السائدة في المنطقة العربية منذ الثمانينيات و التي سمحت بظهور مثل هذه الحالات"غير المفهومة" و "المجانية"، من حكم القيمة دون الانتباه إلى أن من يطلق مثل هذه الأحكام يقع دون أن يدري في ذات الحفرة التنميطية التي يرفضها ،فهو في رفضه للمحجبات كأنه يحاول الرد على الطيف الواسع من التدين الشعبي الرافص ،ظاهرياً، لغير المحجبات.
وإن كان من غير المقبول لشخصية عامة مثله، أو غيره، أن "يشخصن" مسألة عامة؛ حيث من المفترض لهذه الشخصيات أن تحتفظ بمسافة لابأس بها بين ما هو خاص وما هو عام، فإن ما قام به يمكن فهمه أو هكذا تم فهمه كهجوم سافر على "المكنون الجنسي" خاصتنا بمعناه الإيروسي والذي ينبغي علينا أن نحميه و نصونه و ندافع عنه و نحفظه من تطفل الآخرين، ونمنحه صفة القداسة و " الحرام و الحلال" بما ينسجم مع "سرديتنا المهيمنة" التي تشكلت عبر تاريخنا والمشتقة مباشرة من الإرث الديني مع تنويعاتها الثقافية و الفكرية حسب كل مرحلة من مراحل هذا التاريخ حيث يمكننا ان نعي أنفسنا ضمن هذا الإرث و ضمن هذه السردية( أتحدث هنا عن ردة الفعل ضد كلام السواح) وهذا، على كل حال، ليس تأمل فكري و لا نقاش تجريدي أو استهلال فلسفي يغوص في جزئيات تبتعد عن جوهر الموضوع، بل هو في الواقع من صلب المسألة، فما الذي أثارنا بتصريحه؟
لماذا لم ننفعل ونستثار أكثر عندما شبّه الحراك السوري بثورة رعاع؟ أم ان السياق اختلف هنا؟
لماذا مطلوب منا الآن استخراج كل قاموسنا البذيء في شتم الرجل و "تسجيل" مواقف و التسابق في عرض القضية وكأنها نهاية الكون.
‏قطعاً لن يستطيع السواح أن يشتري "شرعية" ما بمثل هذا النداء أو تلك "الرغبة" المشخصنة ، لأنه ببساطة لن يغير من واقع الحال قيد أنملة ( لن يقلل تصريحه من عدد المؤمنين ، وأعتقد انه لن يضير الله و رسوله بشيء)، مثلما أن الهجوم عليه بطريقة لا تقل عدوانية عن موقفه من الحجاب لن تغير من الأمر شيئاً.(لن يزيد الهجوم عليه عدد المؤمنين، ولن يساهم في إعلاء كلمة الإسلام )، بمعنى أن المرء لا يستطيع أن يتمنى لجعل جميع الناس يؤمنون بما يؤمن يحبون أو يفهومه أو يقبلون او يكونوا لطفاء معه ...هل هذا الأمر سيء؟. ليس دائماً فمن حسن حظنا أن الحياة غير منطقية في المجمل و أن كل ماسبق من أمنيات لايهم أصلاً في استمرار الحياة من عدمه.
‏و ‏ليس من المستغرب أن يقوم البعض( والسواح من هذا البعض) بين الحين و الآخر بتذكيرنا بوجودهم بعد أن كادوا يغيبوا في طبقات النسيان لأسباب متعددة.
ما هو مثير في الحكاية الاستجابة السريعة لفعل الحضور و التذكير بالوجود (كمنعكس شرطي لهذا الفعل)، مما يعطي لهذا البعض قيمة مضافة تحمي ما هو على وشك التآكل أو متآكل فعلاً .
قبل أن يظهر تصريح فراس السواح، كان العالم الأمريكي جيمس واتسون ( الحاصل على جائزة نوبل في العام 1962 بالمشاركة مع موريس ويلكينس وفرانسيس كريك تقديراً للاكتشافهم الرائد للتركيب اللولبي المزدوج لجزيء الحمض النووي عام 1953، والذي اعتبر أهم اكتشاف علمي في القرن العشرين.) استشهد خلال برنامج تلفزيوني بوجهة نظر مفادها أن الجينات تؤدي إلى فروق في النتائج بين السود والبيض في اختبارات الذكاء. مما أدى إلى تجريده من ألقابه .
ما الذي يربط بين تصريح جيمس واتسون وموقف فراس السواح؟
تقول نظرية المعرفة أن كل حقيقة علمية هي بمثابة خطأ مع وقف التنفيذ: ليس من واجبنا تأكيد النظريات العلمية، بل على العكس من ذلك، اختبارها وتفنيدها. هذه هي الرسالة التي تركها لنا فيسوف العلوم كارل بوبر.
تمثل المعرفة-بالنسبة لمن يزعم أنه مفكر أو باحث- المقاربة العقلية النموذجية لإجراء المحاكمات المنطقية ضمن رؤية نقدية اتجاه طبيعة هذه المعرفة، وهذا لا يقتصر على المناهج "العلمية" وفرضياتها وتجاربها فقط بل يمتد نحو حقول المعرفة الاجتماعية ونظرياتها ، وعلى هذا النحو يؤسس أولئك المفكرون أو الباحثون دراساتهم و مقولاتهم، وهذا لا يمنع، بكل تأكيد، من ظهور التحيزات والسياسات العامة التي كثراً ما تتداخل مع الصياغات النهائية لإنتاجهم فيما يبد أنه يعكس "تعارضاً" إيديولوجياً* واضحاً و فظاً مع "الحياد البحثي العلمي" المرتبط بمفاهيم تقليدية، كالموضوعية والعقلانية والقيم المعرفية الاجتماعية بما يشمل تحيزات مسبقة وتوجيهات لصالح أفراد أو جماعات معينة.
في نهاية المطاف ، ومهما كان الأمر ،فعلى الإنسان أن يعيش بكل تأكيد "المحجب و غير المحجب" سواء قبل به السواح أم لم يقبل ،فالإنسانية و السلوك الإنساني إنما هو أخلاق و ليس دين ،منظومة أخلاقية توفر انا الحماية اللازمة ضد شرورنا الذاتية و شرور غيرنا في حياتنا الأرضية القصيرة، وإذا كان فراس السواح يرى في نفسه مفكراً و باحثاً ،وأن موقفه الأخير ليس نزقاً ، بل مقاربة قابلة للبىعان و التحقيق ،فهو مطالب بإثبات صحة مزاعمه كي يكتسب كلامه المشروعية "العلمية" التي طالما ادعى أنه ينتهجها في مؤلفاته ،فضلاً عن امتلاكه لأدوات الدحض الجدلي لمعارضيه بعيداً عن التدافع الإيديولوجي.
قال السواح كلمته ثم آوى إلى فراشه ونام..هات عاد يسكتوا سكان الفيس بوك؟ وكأن المنشورات التي انهمرت عليه تشتمه وتتناول أمه وأخته وأجزاء من جسميهما ( ليس لدي أية فكرة إن كانتا تضعان على رأسيهما الحجاب أم لا)، ستفجر غدده العرقية غيظاً و تخرج من مسام جلده ( لا بأس من التذكير بالعديد الذين أخذوا وضع المزهرية منذ سنوات عمّا يحدث في سوريا نراهم ينتفضون الآن شرفاً ضده).
.. أتخيل السواح متأملاً هذا الكم الهائل من الانحدار في لغة الحوار، لاريب أنه سيبتسم ويقول لنفسه لاجدوى من الرد.. نعم لاجدوى لأنه أصاب فيما أراد، نسينا مواقفه السابقة وانشغلنا برغبته في اختيار صديقاته على الفيس بوك
....
* الإيديولوجيا كما يراها محمود أمين العالم في دراسته عن الأيديولوجية العربية الحديثة تشمل :" التصورات والقيم والأذواق والحساسيات التي تشكل رؤية عامة موحدة متماسكة أو شبه متماسكة، والتي تنعكس في المسلك القومي والاجتماعي، سواء من الناحية النظرية أو التطبيقية." ونظراً لعمومية هذا التعريف ،فمن الصعب الحكم له من حيث قيمته ،إذ لا يتوفر معيار ثابت من أي نوع ،موضوعي او سواه، شديد الصرامة يمكننا الاعتماد للتعرف فيما إذا كانت الأيديولوجيا مفيدة أو ضارة، حقيقية أم كاذبة، متحيزة وبعيدة عن الواقع أم لا، لأنها تستطيع أن تكون كل ذلك. ويصبح معيار الحكم هنا هو القدرة العملية على نجاح الإيديولوجيا في تحصيل ما يمكن ان تنتجه او تؤدي إليه من أهداف معلنة او غير معلنة. وهكذا تكون الأيديولوجيا صحيحة ونافعة، إذا كانت تعبر عن واقع أو تصف موقفًا نستطيع أن نسلك على أساسه ونحقق النتائج المتوقعة.وهو ما يسميه هايزنبرغ العالم الموضوعي الذي هو من صُنع تدخلنا النشط وطرق مشاهداتنا، وتجاربنا ليست كما يقول هي الطبيعة نفسها، بل هي الطبيعة بعد أن تغيرت وتبدلت باجتهاداتنا في سير البحث.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك


.. عقيل عباس: حماس والإخوان يريدون إنهاء اتفاقات السلام بين إسر




.. 90-Al-Baqarah


.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا




.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد