الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


[25]. رحلة المئة سؤال وجواب، حوار صبري يوسف مع د. أسماء غريب حول تجربتها الأدبيّة والنّقديّة والتّرجمة والتَّشكيل الفنّي

صبري يوسف

2019 / 1 / 16
الادب والفن


25. بعد أن ترجمتِ بدائع حروفيّات أديب كمال الدِّين، قمتِ بدراسة نقديّة تحليليّة عن "تجلِّيات الجمال والعشق عند أديب كمال الدِّين"، تحدّثي عن رحلة الغوص في رهافة انبعاث هذا الشّاعر في بوح الحرف؟

د. أسماء غريب

إنّ فكرةَ الكتابةِ عن التّجربة الإبداعيّة للشّاعر أديب كمال الدّين لمْ تكن وليدة مصادفة أو اندهاشٍ بسيطٍ أو عابرٍ بخطّه الأدبيّ الجديد أو بحروفيّاته ومواقفهِ الألِفيّة، ولكنّها كانت بذرة نَمَتْ داخل رحمٍ ثلاثيّ الظّلُمات ومحيطٍ أبيضَ صافي الأعْمَاق وإنْ بدَا مُضطربَ السّطح وعاتيَ المَوج. أقولُ رحماً ذا ظلماتٍ ثلاثٍ، لأنّ العملَ المُستمرّ والقراءة المُتجدّدة لأعمال الشّاعر وتتبُّع إصداراته القديمِ منْها والجديدِ كان منْ بين أهمّ الأسباب الّتي خصّبتْ بُويْضَة التّفكير في القيام بدراسة تحليليّة ونقديّة تجْعلُ قصائد الشّاعر في مُتناول يدِ القارئ والمتلقّي وتُزيح عنْها قداسة التّعالي وتجعلها بالتّالي قريبة من كلّ مُستويات التَّلقّي وإنِ اختلفتْ أو تنوّعت. وأقولُ: محيطاً عاتي المَوج وصافيَ الأعماقِ، لأنّني اكتشفتُ أنّ التّحدّي الأكبَرَ الّذي كانَ عليّ تجاوزه، ليس هو فكرة كتابة هذا العمل ذاتها بقدر ما كان كيفيّة صياغته ونوعيّة المنهج الواجب اختياره والسّير على أثره، الأمر الّذي جَعلني أشْعرُ وكأنّني ربّان لهُ بوْصلة موزّعة الاتّجاه بيْن الشّرقِ والغرْب، وبين الظّلمات والنّور، وبيْنَ عَوالم يذوبُ فيها الإنسانُ وتحيا المادّة، وأخرى يحيا فيها الإنسان وتفنى المادّة. بل ربّان سفينة ليس أمامه سوى أن يُشمّر عنْ ساعِدِ الجدّ ويتمَنْطقَ بِحزامِ عُلوّ الهمّة وقوّة الإرادة حتّى يَصلَ إلى شاطئ الأمان وبين يديه شباكٌ تتكاثرُ فيها خيراتُ العنبِ والقمحِ والسّمك إلى أبد الآبدين.

فهل من سبيل إذن إلى مواجهة هذا التَّحدّي؟ هلْ يُمكن حقاً التَّحليق بتجربة الشّاعر إلى حيث ما من حدٍّ أو مدّ أو أمدٍ؟ نعم هو الجواب الّذي يعقبه قلق آخر يخرُج من بطن نصّ أعتبُره القشّة الّتي قصمت ظهر البعير، وأقصد به قصيدة: (إشارة أولئك) الّتي وضع فيها الشَّاعر إصبعه على دمّل لطالما أوجعه وقضّ مضجعه، محاولاً بذلك تشخيص داء ليّ عُنق نصوصه الشّعرية أو داء القراءة الإسقاطيّة في تفسير وتحليل قصائده المتنوّعة والمختلفة. والحقّ يُقال إنّ ما أشار إليه الشّاعر في نصّه هذا، لا يُمْكن اعتباره مسألة تهمّه والمتلقّي فقط، فالأمر أكبر وأعظم من حصْره بين مبدع واحد وعدد من المتلقّين، ذلك أنّ الإشكاليّة قديمة قدم الإبداع الأدبي والفنّي بشكل عام، وقد أسماها منظّرو النّقد والأدب بنظريّة التَّلقي وجمالياته وأضيف قائلة: وأسلوبيّاته وأخلاقيّاته. ولا مجال للإنكار بأنَّ أيّ أثر أدبي مهما بدا للقارئ أو للباحث والنّاقد غامضاً فإنّه ينطوي على دلالات بعينها يتقيّد بها تأويله ويُحدّ بها فهمه، واللُّغة تُعدّ أوَّل هذه الحدود الَّتي يظهر فيها هذا الأثر، لأنّ ما تحويه هذه اللُّغة من علاقات هي الَّتي تحيل القارئ على ثقافة وحضارة مجتمع ما، الشّيء الَّذي يُلزمه بتحرّي نوع من الموضوعيّة الَّتي لا يُمكن تجاوزها أو التَّخلّي عنها. أما الحدّ الثّاني الَّذي يتقيّدُ به تفسير النّص وتحليله فهو بناء النّص ذاته بكلّ ما قد يحويه من غموض وفراغات قد يضعها الكاتب مُنتظراً أن يملأها القارئ: اللُّغة إذن والبناء هما اللَّذان يلزمان القارئ بقدر من الوفاء لمقصد الشَّاعر ولطبيعة العصر والزَّمن الَّذي ألّفَ فيه مجاميعه أو نصوصه الشِّعريّة. لذا فإنّ الأثر الأدبيّ وبالتَّالي نصّ الشّاعر أديب كمال الدّين لن يحمل بين طيّاته معنى واحداً فقط تقتصر القراءة على اكتشافه، كما أنّه لنْ يكون في الوقت ذاته منفتحاً على قراءات شتى، تجعل منه نصّاً قابلاً لأيّ تأويل يُوضع له.

وحتّى في تجربتي هذه لي بعض المواقف الطَّريفة الَّتي حدثت بعد إصدار الكتاب عن دار ضفاف اللّبنانيّة واطلاع العديد من القرّاء عليه، لا سيّما العراقيّين منهم: لقد بات يراسلني "الطّلبةُ الجامعيّون" على حسابي في الفيسبوك بأسماء وهميّة، ويطلبون كتباً عن الحرف، وعن النّقطة والتَّصوف والعرفان، وكثير منهم كان يسألُ السُّرعةَ في الرَّدّ دون أن يخبرني أيُّ أحدٍ منهم بأنّه "طالب أو طالبة" جامعيَيْنِ، وبصدد إعداد أطروحة جامعيّة عن شعر أديب كمال الدِّين الحروفيّ: كانوا كلّهم يعتقدون أنّني لم أفقه أو أدرك الأمرَ جيّداً، حتّى أنّ منهم من كان يراسلني من أكثر من حساب وبأكثر من اسم، وأذكرُ أنّني كنتُ أتلقَّى المسألةَ بصدر رحب، وذلك لسبب واحد لا غير: إنّ للحرف بلبلة عظيمة، وللنقطة حيرة ومكابدة لا ينجو منهما إلَّا من تسلّح بزاد اليقين والصّبر والجلَد. لذا كنتُ أعذر أولئك الطّلبة والطَّالبات (الآباء منهم والأمّهات، والأزواج منهم والزَّوجات، والمعلّمات منهم والأساتذة) وأتفهّم جيّداً ما كانوا فيه من بلبلة وحيرة وهذيان، كنتُ كثيراً ما أقابلها بالتَّظاهر بأنّني لا أفهم من أحابيلهم وتلاعباتهم شيئاً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا