الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


[27]. رحلة المئة سؤال وجواب، حوار صبري يوسف مع د. أسماء غريب حول تجربتها الأدبيّة والنّقديّة والتّرجمة والتَّشكيل الفنّي

صبري يوسف

2019 / 1 / 16
الادب والفن


صبري يوسف

27. ما هي المحفّزات الّتي دفعتكِ إلى ترجمة المجموعة القصصيّة: "فجر العصافير الطَّليقة"، للقاص الفلسطيني نضال حمد من اللُّغة العربيّة إلى اللُّغة الإيطاليّة، وما رأيك بهذه التَّجربة القصصيّة؟

د. أسماء غريب

مع هذا الكتاب بالذّات، لمستُ حقّا وحقيقة الدّورَ الكبير الّذي يمكنُ للتّرجمة أن تقدّمه للإنسان وللمجتمعات والحضارة. فـ (فجر العصافير الطَّليقة)، لم يكن مجرّدَ قصص قصيرة جمعها الكاتبُ نضال حمد في كتيّب صغير وكفى، وإنّما كان رسالةَ حبّ موجَّهة إلى إيطاليا الّتي احتضنته جريحاً منذ 34 سنة، أيْ منذُ أن حُمِلَ إليها على متن طائرة قادمة من لبنان كانت تقلُّه هو ومجموعة من الجرحى الَّذين أصيبوا في مجزرة صبرا وشاتيلا، والّتي فقد فيها نضال ساقَه.

كلّ شيء انطلق من هنا، أيْ من حادثة السّاق المبتورة الّتي كتبَ عنها نضال قصّةً ترجمتُها إلى اللُّغة الإيطاليّة لما فيها من أحداث وذكريات تتحدّثُ عن تلك الفترة المريرة من التَّاريخ الفلسطينيّ وعن الدّور الرّائد الّذي قامت به إيطاليا في الاعتناء بالجرحى وأُسَرِهِم. في هذه القصّة وفي قصص أخرى أرسلها لي فيما بعد نضال، كان الكاتبُ كثيراً ما يتحدَّث عن الممرضة الإيطالية إيفونا، أو (الأمّ إيفونا) كما كان يحبّ أن يناديها، ومن خلال أحاديثه هذه أحسستُ ورأيتُ بعين قلبي شجرةَ الشّكْر والعرفان متبرعمةً في قلب هذا الأديب المناضل الَّذي لم ينسَ إيطاليا وبالذّات بولونيا الحمراء، ولا الأيّام الّتي قضاها فيها ولا الأصدقاء الإيطاليّين الّذين تعرّف عليهم هناك. فقلتُ في نفسي، سأترجمُ قصصَهُ وسأنبِتُ له أجنحة ليطير بهما إلى هنا، ويبحثَ عن الأمّ إيفونا. كان ذلك أمنية ربّما مستحيلة آنذاك، لكنّني أذكر أنّني رجوتُ اللهَ من كلّ قلبي أن يحقِّقها لي ولهُ.

ومرّت سنوات على ترجمتي للقصص، ونضال بمثابرته وجدّه المعهوديْن فيه لم يهدأ له بال إلى أن عثر على طريق يوصله إلى الأمّ إيفونا وإلى أصدقائه الإيطاليين، وكذا الفلسطينيّين القدامى الَّذين ظلّ بعضُهم في إيطاليا ولم يغادرها منذ تلك الفترة الأليمة.

وكم كانت فرحتي عظيمة حينما علمتُ بالأمر، وعلمتُ أيضاً أنّ نضالاً سيأتي إلى إيطاليا من أجل تقديم كتابه، وقد دعاني إلى الحضور لكنّني اعتذرتُ وذلك لأنّني أحبُّ لكُتّابي الَّذين أترجمُ لهم كتبَهم أن يبزغَ نجمهم لوحدهم وتُسَلّطَ عليهم الأضواء بدون أن أكون حاضرةً معهم، حتى ينصبَّ الاهتمام عليهم بشكل خاصّ وكامل. لا سيّما في مثل قضيّة وقصّة عميقة مثل قصّة نضال.

في عام 2014 سافرَ نضال إلى ميلانو، بعد أن كنتُ قد زوّدته بكلّ التّرجمات الأخرى الّتي يمكن أن يحتاجها خلال احتفاليّة التَّقديم، بما في ذلك كلمة الشّكر والاستهلال، وكذا ذكرياته عن هذه المرحلة. واحتضنتْه مكتبة (الكلمات)، وبعد أن انتهت السّهرة ونشر نضال بعضاً من صورها على صفحته في الفيسبوك، بكيتُ في بيتي بحرقة شديدة: لقد رأيتُ صورته مع الأمّ إيفونا، وفهمتُ جيّداً أن صلاتي ودعائي قد تحقّقَا، واجتمع الشَّتيتين بعد 31 سنة من الفقد والغياب والضّياع، وتمكّن نضال من شكر هذه السَّيّدة النَّبيلة مرّة أخرى على جميل صنيعها، وقد كَبُرَا في السّنّ وأصبحَ هوَ زوجاً مثاليّاً وأباً حنوناً وأديباً ذا حضور متميّز.

هي هكذا التَّرجمة، صانعة المعجزات، وهذا هو دورها الحقّ، إنّها تلاقح بين الأرواح والعقول والثّقافات.
لم يسبق لي أن عرفت نضالاً شخصيَّاً ولا حتَّى رأيتهُ، لكنّني بترجمتي لكتابه استطعتُ أن أحرّك الجبال: أوليسَ عيسى (ع) هو من قال (فَالْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَوْ كَانَ لَكُمْ إِيمَانٌ مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَل لَكُنْتُمْ تَقُولُونَ لِهذَا الْجَبَلِ: انْتَقِلْ مِنْ هُنَا إِلَى هُنَاكَ فَيَنْتَقِلُ، وَلاَ يَكُونُ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَيْكُمْ) (آية مت: 17/20)؟! إنّه اللهُ حينما يكون مع فمِ الإنسان ولسانه، وقلبه ويده وعينه وقدمه.

وبعد النّجاح الّذي حقَّقه نضال في ميلانو، توالت عليه دعوات أخرى من أجل تقديم الكتاب في أكثر من مدينة إيطاليّة، وقد سعدتُ بذلك أيّما سعادة، وفضّلتُ كما العادة البقاء في بيتي، أعاينُ عن كثبٍ نجاحات هذه التّرجمة وتوزيعها في مناطق ومدارس مختلفة من التّراب الإيطاليّ، ولربّما سيأتي ذاك اليوم الَّذي سأعدُّ احتفاليّة تكون خاصّة فقط بدور التّرجمة في حوار الحضارات وزرع شجرة السَّلام في الأرض، وأكون حاضرة فيها كمترجمة وأديبة ناقدة أتحدّث فيها عن كافّة أعمالي وعن الجانب العلميّ والنَّظري والأدبيّ والحضاري لرسالة التّرجمة والمترجمين السّامية والنّبيلة.

(الأمّ إيفونا ونضال حمد، وقد التقيا في إيطاليا بعد 31 سنة من البعد والغياب بمناسبة احتفالية تقديم فجر العصافير الطليقة بمكتبة الكلمات).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي


.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة




.. فيلم -شقو- بطولة عمرو يوسف يحصد 916 ألف جنيه آخر ليلة عرض با


.. شراكة أميركية جزائرية لتعليم اللغة الإنجليزية




.. الناقد طارق الشناوي : تكريم خيري بشارة بمهرجان مالمو -مستحق-