الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


[28]. رحلة المئة سؤال وجواب، حوار صبري يوسف مع د. أسماء غريب حول تجربتها الأدبيّة والنّقديّة والتّرجمة والتَّشكيل الفنّي

صبري يوسف

2019 / 1 / 16
الادب والفن


صبري يوسف

28. توقّفتُ مليّاً عند ديوان: "تانغو ولا غير"، ديوان مشترك بينك وبين الشّاعر العراقي سعد الشَّلاه، كيف ولدت فكرة الكتابة المشتركة وترعرعت إلى أن أصبحت ديواناً ثمَّ ترجمت الدِّيوان إلى الإيطاليّة؟

د. أسماء غريب

انبلجت فكرة هذا الدِّيوان المشترك من باب كتابي النّقدي الَّذي كان قد صدر في بيروت عن دار ضفاف للنّشر والتَّوزيع بخصوص تجربة الشَّاعر الحروفيّ أديب كمال الدين وأعني به (تجلّيات الجمال والعشق عند أديب كمال الدِّين): في تلك الفترة أذكرُ أنّني كنتُ قد أرسلتُ منه أزيد من أربعين نسخة ورقية إلى العديد من "الزّملاء" المقيمين في جهات مختلفة من العالم، وعلى الرّغم من ذلك ظلّت تتوالى عليّ العديد من الرّسائل من بعض الطّلبة والأساتذة الجامعيين العراقيين الّذين كانوا يرغبون في الحصول على نسخة ورقيّة من الكتاب، وقد تحسّرتُ كثيراً على كون الكتاب لم يصدر منذ البداية في العراق ما دامت معظم الطّلبات كانت تأتيني بالأساس من هناك، ولا يعقل أن أستمرّ في إرسال نسخ ورقية منه للجميع لأنّ الأمرَ أصبح آنذاك مُكلفاً للغاية وفاق بكثير حتّى سعر نشره، وانتهيتُ إلى أنّه لربّما سيكون من الأفضل الاكتفاء بإرسال النّسخ الإلكترونيّة لمن يطلبه. وفي غمار الانشغال بهذه التّفاصيل، أذكر أنّني في أحد التّعليقات بصفحة الشَّاعر أديب كمال الدِّين عن موضوع يهمّ كتابي النَّقدي هذا، استفسر الشَّاعر سعد الشَّلاه عن كيفيّة الحصول على نسخة منه، فما كان منّي سوى أن أرسلتُ له النّسخة الإلكترونيّة الَّتي طلب، ثمَّ أخبرني أنّه يودُّ أن تكون أطروحة تخرّجه عن تجربتي الأدبيّة، وسعدتُ بالأمر كثيراً، وبدأت رحلة الإعدادات الأوَّليّة للأطروحة والمصادر وما إليها، وجاءتني بعد ذلك من الشَّاعر سعد قصيدة صوفيّة هي (نون الحنّاء)، قرأتُها بتأنٍّ، وفهمتُ منها أنّها كانت طريقته الرّاقية في التَّعبير عن شكره، ووجدت نفسي أفكّر بشخصيّة الإنسان العراقيّ بشكل عامّ، وفي مدى قدرته على مواجهة بشاعة الحرب والاحتلال والأجواء السِّياسيّة القاهرة والمتأزِّمة بالمحبّة والإبداع، والانبعاث من بين الأنقاض والتَّجدّد باستمرار بنوع خاص من الطّاقة الَّتي لا يمكن شرحها بمجرد كلمات بسيطة، لأنّها لن تكون كافية أبداً من أجل الحديث عن هذا النّموذج المتفرِّد من الإنسان، ولا عن حضارته ولا عن صلابته وقوّته عند الشَّدائد. وفقط في تلك اللّحظة وجدتني أغيّر وجهة سفينتي بشكل رسميّ نحو العراق من خلال أدبائه ومشاعل النُّور فيه؛ وقلتُ سأهدي هذا البلدَ ديواناً شعريّاً يكون سابقة فريدة من نوعها في عالم الشِّعر العرفاني بين "مُتصوّفيْن" يتحاشيان قدر الإمكان الحديث عن هذا الجانب الرّوحيّ من حياتهما، فكان أنْ بنيتُ لهذه الأرض المضمَّخة بعطر دماء الشُّهداء، والأولياء والأنبياء عشّاً بين أضلعي، وخرجتُ عن صمتي واقترحتُ على الشّاعر سعد الشّلاه أن نكتب ديواناً عرفانيّاً تكون قصائده معراجاً روحيّاً نمشيه معاً خطوة بخطوة، ونؤسِّس له عبر لغة الرّمز الصُّوفي. فكانت النّتيجة أن كتبنا النُّصوص في وقتٍ قياسي من عام 2013 ، أيْ (من الجمعة 30 آب إلى الخميس 31 تشرين الأوّل)، ولم يفتني أن أزوّدَ المجموعة الشِّعريّة بلوحات تشكيليّة مستوحاة من النُّصوص وأسفارها الرُّوحيّة، وقمتُ في الوقت نفسه بكتابة مقدِّمة للديوان ثمَّ بعد ذلك ترجمتُه كاملاً إلى اللُّغة الإيطاليّة. وحينما أصبح جاهزاً بحثتُ له عن دار نشر هنا بإيطاليا، ونشرته في وقت قياسي كذلك!

ثمَّ أرسلتُ على وجه السّرعة للمبدع سعد في العراق دفعتين من الدِّيوان؛ في كلّ دفعة خمسون نسخة ورقيّة، وأقمتُ له في إيطاليا احتفاليّة بسيطة للتعريف الأوليّ به، ممّا دفع بالنّاشرة أن تقترحَ عليّ أن تقيم له احتفالية أخرى من أجل تقديمه بحضور الشّاعر سعد الشّلاه. وذاك ما كان بالفعل، فلقد أرسلتِ الدعوةَ للشاعر سعد كما وعدت، إلّا أنّها لم تصله في الوقت المحدّد، وحدثَ ما لم يكن يخطر على بال أحد: عادت الدعوة للناشرة وفوق الطّرد عبارة تفيد أنّ هذا الإسم غير مطابق، ولا بدّ من تصحيحه باسم آخر هو (سعد الصلاح)، بدلا من سعد الشلاه. حينئذاك أدركتِ الناشرةُ أنّ الأمر فيه شيء ما: كأنْ يكون هناك من عرقل الأمور حتى لا تصل الدعوةُ للشاعر، على الرغم من أنه سبق لنا أن أرسلنا له نسخا من الدّيوان واستلمها ولأكثر من مرة وعلى العنوان والإسم نفسه!

حاولنا ألّا نتوقَّفَ كثيراً عند الأمر، خاصّة وأن مثل هذه الوقائع كثيراً ما تحدث في مجال يفترضُ أن يكونَ عنوانُه الأدبُ والنَّزاهة، وشعارهُ النّقاء. وقلنا الخيرُ فيما يختاره الله، لا سيّما أنّ الّذي جاء بعد نشر هذا الدّيوان كانَ أجملَ وأبهى، لأنّ الشّاعر سعد الشّلاه أصدرَ بعد ذلك ديوانيْن شعريَيْن أخْرَييْنِ في العراق؛ الأوَّل كان بعنوان (كفّ أمّي) والثَّاني (النّجمة والدَّرويش) وكانا معاً من تقديمي، إضافة إلى مجموعة قصصيّة هي قيد الإصدار أذكر أنّها كانت بعنوان (الجندي والمجرشة)، وقد كتبتُ عنها دراسة نقديّة كانت بعنوان (الإيروس والثّاناتوس في غويرنيكيات سعد الشّلاه).

كان (تانغو ولا غير)، رحلة مميّزة في محراب الحرف الصّوفيّ، أثرتني بشكل أكثر عمقاً ممّا كنتُ أتوقّعهُ، وفتحت عين قلبي على أكثر من مستوى واتّجاه، وتعلّمتُ فيها الكثير من الحِكم والأخلاق الّتي لا تليقُ سوى بأهل المحبّة والقلوب النّيّرة. وإنّي لأعتقدُ أنّ الأمرَ نفسه قد حدث للمبدع سعد، ذلك أنّ كلّ تجربة على هذه الدّرجة من الوعي والصّدق والجدّيّة والمثابرة لا يمكنها أن تطرح سوى الخير والمحبّة والتّقدير والاحترام المتجدّد والمتواصل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الموسيقي طارق عبدالله ضيف مراسي - الخميس 18 نيسان/ أبريل 202


.. فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024




.. السجن 18 شهراً على مسؤولة الأسلحة في فيلم -راست-


.. وكالة مكافحة التجسس الصينية تكشف تفاصيل أبرز قضاياها في فيلم




.. فيلم شقو يحافظ على تصدره قائمة الإيراد اليومي ويحصد أمس 4.3