الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


[31]. رحلة المئة سؤال وجواب، حوار صبري يوسف مع د. أسماء غريب حول تجربتها الأدبيّة والنّقديّة والتّرجمة والتَّشكيل الفنّي

صبري يوسف

2019 / 1 / 16
الادب والفن


صبري يوسف

31. ما الَّذي جعلك في خضمِّ مشاريعك المتنوّعة، أن تترجمي رواية "عشق سرّي"، للروائية الإيطاليّة ريتانا أرميني؟

د. أسماء غريب

حينما طرق النَّاشر والأديب الفاضل أيمن الغزالي باب نوني وقلمي وبين يديه جديد ما ألّفته الكاتبة الإيطالية ريتانا أرميني مقترحاً نقل صفحاته إلى اللُّغة العربيّة، قلت في نفسي لا بدّ قبل الخوض في أيّ شيء من قراءة أولى وثانية وثالثة للكتاب حتى أعرف من أيّ طرف سأمسك بتفاصيل هذه الحكاية الجديدة، وأقيّم بالتّالي مدى أهمّية رفد المكتبات العربية بها أم لا. وقرأتُه فعلا من الغلاف إلى الغلاف، ووافقت شكلاً ومضموناً على ترجمته. ثمّ تركتُهُ لبعض الوقت في انتظار أن يختمر فعل التّرجمة الإبداعي بداخلي، وحينما لمست اكتمال استعدادي الفكري والرُّوحي، عدتُ إليه، وبدأتُ رحلتي الطَّويلة معه غائصة بين صفحاته أياماً وليالي طوال قضيتها وأنا أدقِّق النَّظر بين حروفه وكلماته وأحاور فقراته الواحدة تلو الأخرى، إلى أن أصبح الكتاب على ماهو عليه اليوم.

وأذكر أنني كنتُ آنذاك كلّما مضيتُ قُدماً في صحراء القراءة المتجدِّدة على الدَّوام، ظهرت لي طبقات وتلال من المعاني يختلف أولاها عن ثانيها، وثالثها عن رابعها، حجماً ولوناً وشكلاً ولغةً، وكلّما اختلف المعنى ازدحمت أمام عينيّ الأسماء والأماكن، وظهر الكتاب بأكثر من لباس وصورة، فهو تارة يبدو كأنّه رواية، وتارةً أخرى يظهر كأنّه عمل سردي ذاتيّ بيوغرافي، وتارةً ثالثة تجده وقد تحوّل إلى كرّاس تاريخي وسياسي وصحفيّ في الآن ذاته، وتراه مرّة رابعة وقد اجتمع فيه كلّ هذا وذاك مشكّلاً جنساً أدبيّاً جديداً يصعب تصنيفه أو تعميده باسم خاصّ ومعيَّن، ممّا جعلني أشعر وكأنّني في دارة الرّكض وراء سراب تمسكه ولا تمسكه، وتشرب من مائه ثمّ تعطش من جديد، لأنّك تكتشف أنَّ ما شربته لم يكن ماء عذباً وإنّما ملحاً أجاجاً، فتقف طالباً الغوث وباحثاً عن خيط متين تجمع به بداية فصول الكتاب في لغته الأمّ، وتخيط به في الختام كتاباً آخر بلغة جديدة حتّى يصبح متاحاً بين يدي كلّ من يعرف لغة الضّاد في كلِّ منطقة من مناطق العالم.

لكن من أين لي بهذا الخيط السّحريّ العجيب، بل من أين لي بالإبرة الّتي سأدخل فيها هذا الخيط لأحيك به أطراف ما أقرَؤُه وأترجمُه في الوقت نفسه؟ وأنّى لي أن أحقِّق كلّ هذا والكتاب قد تحوّل بين يدي إلى أذنين عريضتين، هُما أذنيْ فيل ضخم، ما إن أمسكتهما حتَّى تحوَّلتا إلى مروحتَين كبيرتَين من الأوراق، حملتاني إلى عالم واسع من الكتب المختلفة التَّخصُّصات والتَّوجُّهات، ذلك أنّني كنت كلّما قرأت كلمات ريتانّا، وجدتُني أغادر الكتاب من أجل البحث في كُتُب أخرى عمّن تكون مثلاً إينيسّا بطلة الأحداث الرّئيسة، أو ناديا كروبسكايا وأليكساندرا كولونتاي، وعن المصادر والمراجع الّتي استقت منها الكاتبة معلوماتها التّاريخيّة والسّياسيّة، وكذا عن المؤرِّخين الّذين بحثت في كتبهم وقراءاتهم عن المادّة الخام الَّتي بها شكّلت مؤلّفها الجديد هذا، كما وجدتني أيضاً أبحث عن الأماكن وأسمائها، وعن البلدان والمدن والمقاهي والحدائق، والقطارات، والمدارس والمنافي، إلى درجة أنّني كنت في كثير من الأحيان أشعر أنّني أصبحت شخصيّة من شخصيّات هذه "الرِّواية" البيوغرافيّة، أركض في الطُّرقات وأعيش مع الأبطال أحداثهم المشوقة ومغامراتهم المحفوفة بالأخطار. نعم، لقد كنتُ أركض وأنا أمتطي ظهر كتاب هو فيل، أمسك بأذنيه المروحيتيّ الشَّكل، دون أن أعرف كيف تحوّل فجأة إلى صقر ذهبيّ أخذني على بساط التّرجمة من سورية إلى إيطاليا، ومنهما إلى روسيا، ومن هذه الأخيرة إلى فرنسا وسويسرا والسُّويد وألمانيا وكراكوف، بل إلى كلِّ مكان كانت فيه إينيسّا مع حبيبها لينين.

وإذ أصبحتُ على ظهر هذا الصّقر المحلّق في سماوات الزّخ والبوح النَّاريَّيْنِ، ممسكة بالقلم المتوهّج، وغامسة إيّاه في مدواة النّون لأغرف منها حرف التّرجمة، سمعتُ الطّائرَ الذّهبيّ يقول: أنت الآن تجلّ من تجليّات سارة، ودار نينوى للدراسات والنّشر والتّوزيع هي صورة جديدة لإبراهيم الّذي نظر نظرة في النّجوم وقال إنّي سقيم، فانظري ما أنت فاعلة بهذا الكتاب في مهمّتك الجديدة هذه. حينئذ تذكّرتُ نصّاً من نصوصي الشِّعريّة الَّذي كنتُ قد كتبته عام 2003 ضمن قصائد ديوان (مقام الخمس عشرة سجدة) وعنونته بــ (مقام إبراهيم)، وهو مقام يقين وثبات على رسالة الحرف، وقلت في نفسي؛ عجيب أمر هذا الكتاب، إنّه يخاطبني كما كولن ولسن بلسان اللّامنتمي، ويطالبني في الوقت ذاته بالانتماء، وأقول اللّامنتمي، لأنّه حينما طرقت بابي دار نينوى فعلتُ بالضّبط كما فعلت سارة، ضحكتُ وقلت: أيعقل هذا وأنا الّتي لا أنتمي إلى أيّ حزب سياسي، ولا إلى أيّة إيديولوجية معيّنة، ولستُ من أهل اليمين، ولا من أهل اليسار، فكيف يطلب التَّواصل معي كلّ من ريتانا وصاحبتها إينيسّا، ولينين برفقتهما، إنّ هذا والله لأمر عجاب! وكيف عليّ إذن أن أستقبلهم ونحن على عتبة زمن شاخ فيه الجميع، وبات الكلّ ينتظر ريحاً تغيّر مجرى الأحداث، وتحمل البشارة والأمل في غد أفضل؟ ما من شكٍّ أنّ خير ما سأقوم به هو ما قامت به سارة حينما وقف الأغراب أمام خيمة إبراهيم؛ إنّها لم تسألهم عن هويّتهم، ولا عمّا يريدونه من زوجها؛ لقد ابتسمت وشمّرت عن ساعد الجدّ وفتحت بيتها، وأشعلت الحطب، وجلبت الماء والقمح والزَّيت، وطهَت الخبز الطّازج، ولحم العجل الحنيذ وقدّمتهُ للضيوف، وهذا كلّه يعني أنّها لم تكتفِ بالقيام بواجبها كزوجة لنبيّ، بل بواجب الاستقبال والاحتضان والتَّرحيب، وهكذا عليّ أن أقوم أيضاً، وأنا في بيت الضّيافة هذا، الَّذي هو هنا بيت التَّرجمة، لأنّ هذا هو دور المُترجم الحقّ؛ عليّ أن أفتح قلبي وأستقبل الكتاب وأرحّبَ بشخصيّاته أحسن ما يكون الاستقبال والتّرحيب، وأقدّم لهم أفضل ما عندي: تقصّي المعنى والأمانة عند نقله من لغة الانطلاق إلى لغة الوصول، وإثرائه بقراءات أخرى تصبُّ في الكتاب ذاته، ثمَّ البحث عن الأديبة ريتانّا أرميني من أجل فتح قناة للحوار معها، وإشراكها في عمليّة الإطلال على الضّفّة الأخرى؛ ضفة الحرف العربي المبين. وهذا ما حدث بالفعل، لقد اتّصلتُ بها، وتعرَّفتُ عليها، وجمعتني وإيّاها مراسلات قيّمة، تحدَّثنا فيها عن الكتاب، وصوّبنا معاً بعضاً ممّا كان فيه من السّهو، ووجدتها هي الأخرى سارة من نوع جديد، تُحسن الإنصات والإصغاء، وتهتمُّ بقضايا المرأة بغضِّ النَّظر عن انتماءاتها العقائديّة أو الجغرافيّة والسّياسيّة، وتؤمن بما في التَّواصل بين الإنسان وأخيه الإنسان من سحر، وقوّة قادرة على تغيير مسار التّاريخ وصنع أحداث جديدة. نعم، هو صنع الحدث الّذي سيكون هديّة ضيوف بيت التّرجمة لنا جميعاً، بالضّبط كما تلك الهديّة الّتي بشّر بها ضيوف إبراهيم سارة، حينما أخبروها بقرب قدوم الابن الّذي طالما انتظرت وحلمت بإنجابه، ذاك كان هو ثمن صبرها وكدّها ولطفها وحسن ضيافتها، والابن هنا بالنّسبة لي ولريتانّا أرميني كما كان لسارة أيضاً، هو أن نحمل على عاتقينا مسؤوليّة تجديد الحرف، الّذي هو قبل كلِّ شيء حرف التّحضّر والتَّمدّن والتّقدّم العلمي، ذلك أن الحضارات لا يمكنها أن تُبنى إلّا من خلال غربلة الماضي وأحداثه، والإفادة من أخطائه، من أجل المضيّ قُدُماُ نحو غدٍ أكثر عدالةً وإشراقاً ممّا مضى.

حينما تحدَّثتُ كتابةً إلى ريتانّا أرميني، وقرأت معظم مُؤلّفاتها واطّلعتُ على العديد من حواراتها الصّحفيّة المقروءة والمسموعة والمرئيّة، وأصغيتُ لها وهي تتحدَّث عن الكثير من القضايا الحساسة، وتأمّلتُ مسارها الصّحفي والسِّياسي العميق، تأكّد لي أنّها امرأة ذات رسالة، إنّها تبحثُ عن المخبوء في التّاريخ لتظهره إلى العالم، وكونها بحثت عن إينيسّا في أرشيفات تاريخ الثَّورة البلشفيّة المسكوت عنها، فهي لم تفعل هذا من أجل أن تقول للعالم فقط إنَّ لينين كانت له عشيقة سرّيّة هي إينيسّا أرماند، بل على العكس من ذلك، لأنّ الباحث الرَّصين الحق، لن يهمّه ما كانته إينيسّا في حياة لينين الخاصّة، لا سيّما وأن مجرّد عمليّة تنقيب بسيطة سوف تظهر له أنّها لم تكن المرأة الوحيدة في حياته، - ربّما كانت أهمّهنّ ولكنّها لم تكن الوحيدة - ، فالذي يهمُّ حقيقة هو كيف كان لينين يتعامل كرجل سلطة مع المرأة، لأنَّ هذا سيساعد الدَّارس على إجراء مقاربة تقابليّة بين الماضي والحاضر عبر طرح مجموعة من الأسئلة الّتي ترمي إلى تحديد موقع المرأة من السِّياسة سواء في روسيا أو في غيرها من مناطق العالم، بما فيها إيطاليا والبلدان العربيّة. ومن هنا ينبع سرّ اهتمامنا بطرح هذا الكتاب وعرضه في المكتبات العربيّة.
قد لا تكون ريتانّا تعرف أنّني من مواليد الثّامن من آذار، ولكنِّي على يقين أنّها إذا علمت بهذا الأمر فإنَّ اهتمامي بترجمة كتابها هذا سوف يعني لها الكثير، لا سيّما أنّني أعرف جيّداً أنّها تهتمُّ بالسّيميائيّات التَّاريخيّة ودلالات الأرقام والسَّنوات، ولا يخفى على أحد أنَّ الثَّامن من آذار هو اليوم الَّذي اعتمدته كلّ الحركات النّسويّة في العالم ليمثل المرأة الّتي تناضل من أجل حياة كريمة بعيدة عن الحيف والظّلم والغبن الّذي يمارس عليها في شتّى مجالات الحياة وخاصّةً منها السِّياسيّة، وليس من قبيل المصادفة بتاتاً أن تكون إينيسّا هي من النِّساء الأوائل اللَّائي سعيْنَ من أجل أن يكون هذا اليوم هو يوم المرأة بامتياز، واليوم الَّذي أصدرت فيه أيضاً جريدة (رابوتنيكا). لقد كانت إينيسا تجسِّد البذرة الّتي تبرعم منها ما يسمّى اليوم بالفكر النّسوي، وفكر الجندر وما إليه من قضايا أخرى من قبيل أزمة الهويّة في النّظريّة النّسويّة، والمطالبة بصوت المرأة، ونظريّة السِّياسة الجنسيّة. ولأنّها عانت من تهميش التَّاريخ الرَّسمي والسّلطوي لها، فإنَّ ريتانا أرميني تحاول بكتابها هذا ردّ الاعتبار إليها، وكيف لا تفعل ذلك وهي الَّتي ألَّفت كتاباً آخر أسمته (النِّساء الأوائل: لماذا يُحرم الجنس الثَّاني من العمل السِّياسي) لتندِّد بالظُّلم الّذي يُمارَس على المرأة في عملها السِّياسي والضّغوطات الّتي تعاني منها بسبب تجنِّي وتسلُّط الرَّجل الَّذي يسعى ما أمكن إلى إقصائها من الحياة السِّياسيّة وسجنها في أدوارها المنزليّة التَّقليديّة، وهو الكتاب الَّذي تطرَّقت فيه أيضاً إلى قضيّة السِّياسيِّة والقياديّة الفرنسيّة ماري سيجولين رويال؛ رئيسة المجلس الإقليمي لبواتو شارانت وعضو سابق في الجمعيّة الوطنيّة، ومرشَّحة الحزب الاشتراكي الفرنسي للانتخابات الرئاسيّة الفرنسيّة لسنة 2007، وكانت ستصبحُ في حال نجاحها أوَّل امرأة تتولّى هذا المنصب في فرنسا، ولكنّها خسرت الانتخابات أمام مرشح يمين الوسط نيكولا ساركوزي بعد أن حصدت 46.8% من الأصوات.

إينيسّا هنا ماهي سوى رمز لنساء قياديّات عديدات امتهنّ العمل السِّياسي، وكرّسن حياتهنَّ لقضاياه الحساسة دون أن يحظين بالتَّقدير الكافي لعملهنَّ، ولا بالاعتراف بمدى أهمِّيَّته، ولعلّ الكاتبة ريتانّا تريد من خلال طرح حكاية هذه المرأة مع لينين، التَّساؤل عن كم من إينيسّا مازالت حاضرة بيننا، وإن كان يفصلنا عن زمن الثَّورة البلشفيّة العديد من السَّنوات، وكأنّ شيئاً لم يتغيّر، وكأنّ الزّمن مازال واقفا هناك، فمن يدري، لربّما الأزمة الحقيقيّة للمجتمعات المعاصرة تكمن هنا: الإنسان لليوم لم يعرف كيف يتعامل مع تاء التَّأنيث، والرّجلُ مازال لم يفكّ بعد أسرار حواء وطاقاتها الكامنة، ربّما لو حاول ذلك لتغيّر كل هذا الجحيم الَّذي يعيش فيه الإنسان المعاصر، إلى ما هو أفضل وأعمق وأقيم، من أجل حياة إنسانيّة كريمة وعادلة.

كثيرون هم أولئك الّذين انتقدوا لينين، وكتبوا عنه العديد من الأشياء غير المحمودة بين قائل إنّه حكم في البداية بطريقة ديكتاتوريّة حزبَه البلشفي، وبعد ذلك الدَّولةَ الَّتي أُنْشِأت في ظلّ الثَّورة، وقائل إنّه كان المسؤول الرَّئيس عن موت الآلاف من الأشخاص الأبرياء، والمؤسِّس الأوّل هو ورفيقه تروتسكي لدولة بوليسيّة شموليّة لا تعمل إلَّا من أجل تنفيذ مصالحهما معاً. ولقد انتقده حتى اليساريُّون، لا سيَّما بعد معارضته للحركة الأناركيّة المستقلّة في أوكرانيا، وتدمير اللِّجان العمَّاليّة الَّتي تكوّنت في المصانع بعد الثَّورة، ولم يسلم حتّى من انتقاد نساء الحزب البلشفي له، لكنّه بالمقابل كان له أيضاً العديد من المؤيّدين والأنصار، والمدهش في كلّ هذا أنّه مازال لليوم حيّاً في ذاكرة العديد من المهتمِّين بالفكر السِّياسي الرُّوسي، وكثيرة هي الكتب الَّتي تتحدَّث عن عمله العسكري المسلّح، لا كمظهر من مظاهر الإرهاب الدّمويّ، ولكن كصياغة جديدة ضروريّة من أجل إحراز النّصر في معركة الدِّفاع عن الوطن الاشتراكي بقوّة السِّلاح، وإرساء أسس العلم العسكري السُّوفييتي، خاصّة وأنّ الماركسيّة اللِّينينيّة ترى أنَّ هذا الأمر هو حتميّة تاريخيّة في مسار الصِّراع من أجل تأسيس ودعم المجتمع. وريتانّا أرميني تحدّثت عن هذه النّقطة بالذّات في بعض صفحات كتابها هذا، ولكنّها لم تكتفِ فقط بالحديث عن الجانب الثَّوري والعسكري والسِّياسي في شخصيّة لينين، وإنّما حرصت بشكل أكبر أن تقدّم للقارئ صورة جديدة عنه ولا يعرفها أحد سوى المقرِّبين منه، وهي صورة لينين العاشق الّذي ذرف الدّموع الحارّة بعد وفاة حبيبته إينيسّا، هذه المرأة الّتي استطاعت أن تحفر بيديها النّاعمتين في قلبه، وتخلق بداخله نهراً جارياً من المشاعر الدَّافئة والحنونة وسط تلك الجدران الّتي كان كثيراً ما يلجأ إليها من أجل إخفاء الجانب العاطفي والإنساني من حياته الخاصّة، وإينيسا كان يعتبرها جزءاً حميميّاً من خصوصيّته هذه، لذا لم يكن يودّ أن يعلم أحد أيّ شيء عمَّا كان يكنّه لها من مشاعر الحبّ والعشق الدَّفين، ليس فقط لأنّه كان يخشى من أن يؤثّر ذلك على حياته السِّياسيّة، ولكن لأنّه كان يخاف عليها من أفكارها، لا سيّما تلك المتعلّقة بالحرّيّة الجنسيّة النّسويّة، الّتي كان يظنُّ من وجهة نظره أنّها قد تتسبّبُ في سوء فهم الآخرين لها، أو التّنقيص من قيمتها، وهي المرأة الّتي لا يعرف معدنها الحقيقي الأصيل سواه، لأنّه اقترب منها بشكل أكبر، وعمل وقضى إلى جانبها أجمل سنين حياته. هذا هو لينين هنا، بطل قصة مجهولة في التّاريخ البلشفي، رجل بروليتاري، أحبّ امرأة بورجوازية، وريتانّا أرميني روَت لنا حكايتهما بطريقة بوشكينيّة بديعة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا