الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الفعل التاريخي

محسن طاهر

2019 / 1 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


تأريخ الحدث في جوهره فعل إشكالي وحمّال الأوجه, يحوي بين طياته جملة من التناقضات الذاتية والموضوعية, فالمؤرخ قد يدنو من الحقيقة أويبتعد عنها, وذلك وفق منظوره للواقع, وقراءته الذاتوية المشوبة بالمزاجية وتراكمات المنطوق اللاوعي الذي يحاكي العمل الارادوي من جهة, أو بما يتناسب ومقاس عباءة الحاكم وملبياً لرغباته وأهوائه من جهة أخرى.
فالتاريخ باعتباره حامل لسيرورة الحضارة, وتواصل مستمرّ لصيرورة الحياة الكونية, وأحداثها المتسلسلة أفقياً, وفق جدلية الزمان والمكان، من خلال التطور المضطرد في مذاهبه وفلسفاته, وعبر تقدم وسائل الكشف والتنقيب والبحث العلمي, لكنه تعرض للتشويه والتزوير مراراً, ففي مصر القديمة كان الفرعون (الخلف) يمحى حفريات ونقوش التي تمجد عظمة (السلف) ويعيد الصياغة مجدداً ناسباً الامجاد والانتصارات لذاته, وفي أوائل القرن التاسع عشر, وبعد وفاة فلاديمير إيليتيش لينين قائد الثورة البلشفية الروسية (1917) دار صراع مرير بين أبرز خليفين له (ستالين وتروتسكي ) انتهى بانتصار الأول وطرد الثاني, فعرج ستالين على وثائق الثورة وأمر بتلف كل ما يمسّ تروتسكي, والعمل على تشويه صورته الفكرية والثورية باعتباره خائناً للثورة ومحرّفاً لنهجها....
لم يسلم التاريخ في شرقنا من التزوير والتحوير أيضاً, وحاول المستبدون الذين تربّعوا على عروش الامبراطوريات والممالك والدول, وبقوة المال والسلاح أن يختزلوا التاريخ والحضارة وفق مقتضياتهم الفئوية والشخصية الضيقة, مع تجاهل متعمّد للمكونات الاصيلة التي ساهمت فعلياً في صناعة التاريخ والحضارة الانسانية قديماً وحديثاً, فجلّ ما كتب في الفلسفة والنحو والعلوم التجريدية وممن أبحروا في علوم الفقه والرياضيات والفلك أمثال ( سيبويه، أحمد الفراهيدي، ابن خلكان، ابن الأثير، الفارابي, ابن ماجه، صلاح الدين الأيوبي، محمد كرد علي ....إلخ) نُسِبوا زوراً لأمة بعينها, ومن يبحر في بطون أمهات الكتب لتاريخية في المنطقة لن يجد سوى الصورة النمطية والرتابة المملّة والتغني بالأمجاد الوهمية وتحويل الهزائم لانتصارات, بعيداً عن جوهر الفعل التاريخاني وصدقيته المبني على الدقة النسبية, في ربط القديم بالراهن والركون إليه عند الحاجة.
ستبقى بذرة الشك حية في النفوس ما دامت عائدية التدوين حصرية لجهة بعينها, والمنتوج التأريخي سيستمر مبتوراً وفاقداً للمصداقية إلى حين, لكن الحالة لن تدوم أبدّ الدهر فالمنتصر المستبد الذي اعتقل التاريخ واختزله في تخوم أركانه اليوم, قد يكون المهزوم الخانع غداً, عندها ستجدد صياغة تأريخ الحضارة الانسانية في المنطقة, وفقاً لسياقات الزمان والمكان القويمة, بعيداً عن الاقصاء والتجاهل والتشويه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هنية يزور تركيا لإجراء محادثات مع الرئيس التركي رجب طيب أردو


.. توقعات بموجة جديدة من ارتفاع أسعار المنتجات الغدائية بروسيا




.. سكاي نيوز عربية تزور أحد مخيمات النزوح في رفح جنوبي قطاع غزة


.. حزب -تقدّم- مهدد بالتفكك بعد انسحاب مرشحه لمنصب رئاسة مجلس ا




.. آثار الدمار نتيجة قصف استهدف قاعدة كالسو شمالي بابل في العرا