الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأمازيغية بالمغرب على ضوء دستور 2011

محمد بلمزيان

2019 / 1 / 17
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


دخلت الأمازيغية بالمغرب منعطفا جديدا منذ الإعتراف الدستوري بها خلال سنة 2011، بعدما كان الإعتراف الرسمي ساريا منذ خطاب أجدير لسنة 2001 ، أي أنها بعد عقد من الزمن أصبحت معترف بها بنص دستوري واضح، يوفر لها حماية قانوية كأرضية تعد مكسبا هاما لا محالة ولأول مرة بعد سنوات طويلة من المطالبات والعرائض والملتمسات المرفوعة الى الجهات الرسمية، وغيرها من أشكال الإشعاع الثقافي والتحسيسي التي بحت بها حناجر مكونات مختلفة من فسيفساء النسيج الحقوقي ذو التوجه اليساري والجمعيات الأمازيغية العاملة بالبلاد. وقد جاء الدستور الأخير في الفصل الخامس منه تحديدا، والذي أشار فيه بالحرف كما يلي : تعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء).
لكن ما يثير انتباه القاريء حقا أثناء تلاوة الفصل المذكور، وما سبق أن نصت عليه النقطة الأولى من الفصل نفسه وهي: ( تظل العربية اللغة الرسمية للبلاد ). وفي النقطة الثانية منها مباشرة نقرأ ما يلي : ( تعمل الدولة على حمايتها وتطويرها وتنمية استعمالها ). وبالتالي فإن احتلال العربية لموقع الصدارة في الفصل ليس عشوائيا، بقدرما أن المشرع استهدف تنظيم وضبط خريطة التراتبية اللغوية، بما يجعل ( الوافد الجديد) في النصوص بمرتبة أقل أهمية بالنتيجة،وهي العملية التي يجعل اللغة العربية في موقع متميز وأقوى مقارنة مع وضع الأمازيغية ومتفوقة عليها بقوة النص القانوني قبل أن تكون بقوة الواقع، ويزداد بالتالي الوضع تعقيدا أكثر بارتهان مستقبلها بهذه المقاربة غير المنصفة، وهذا ما يفصح عنه نفس الفصل بوضوح أكبر في موقع آخر كما يفلي : ( تعمل الدولة على حمايتها وتطويرها وتنمية استعمالها). وهنا يقصد العربية، بعدما أشار في تصدير الفصل الى ما يلي : ( تظل العربية اللغة الرسمية للدولة ) ولم يذكر الأمازيغية ضمن هذه المزايا التي حضيت بها العربية في هذه الفقرة.
إذن فبالرغم من التنصيص الحرفي عليها في الدستور إلا أنها تظل من حيث القيمة في الدرجة الثانية، وهذا ما يمكن استنباطه من عبارة ( أيضا) التي تفيد الإضافة لشيء موجود سلفا، وكأن جسما علق بجسم آخر فقط ، وقيمة مضافة ، ولا تشكل رقما ذا قوة تنافسية ضمن المعادلة السائدة في الخريطة الموجودة في سوق اللغات بالمغرب .
وما يزيد من تزكية هذا الطرح أكثر، هو ما أشار إليه الفصل (05) أيضا في معرض حديثه طبعا، عن القانون التنظيمي المحدد لمراحل التفعيل، بما يلي : (يحدد قانون تنظيمي مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكيفية إدماجها في مجال التعليم، وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، وذلك لكي تتمكن من القيام مستقبلا بوظيفتها بصفتها لغة رسمية). فمن خلال منطوق هذه العبارات التي يبدو أنها مختارة بعناية فائقة، لتؤدي وظيفتها المرسومة سلفا، ضمن هذه العلمية التي طالما انتظرها الكثير من الفرقاء والمكونات التي ما انفكت تنادي وما تزال بإنصاف اللغة والثقافة الأمازيغية، وإدراجها ضمن المشهد اللغوي والثقافي المغربي، نستخلص بأن عملية مأسسة اللغة الأمازيغية،ليست قاب قوسين أو أدنى من التحقق، كما يمكن أن يعتقد البعض بمجرد التنصيص الدستوري الأخير، بقدرما أن أجرأتها الفعلية مرتبطة بآلية أخرى وهي وضع قانون تنظيمي يبسط تفاصيل هذه المأسسة،وهنا سيبرز الشيطان ما دامت التفاصيل هي مجاله المفضل، خاصة وأن ذات المشروع ما يزال معروضا بالبرلمان بعما أن أحالته الأمانة العامة للحكومة للمصادقة منذ أكثر من ثلاثة سنوات خلت،والذي أثار الكثير من الغبار تراوح ما بين منتقد في صيغته، ومعترض على الظروف الذي أعد فيه، وتبقى هذه الإحتجاجات عل قدر من المصداقية والمشروعية، الصادرة من الجمعيات الحقوقية أو من بعض التنسيقيات الأمازيغية، بفعل تغييب عنصر المقاربة التشاركية أثناء السهر لإعداد فقراته، وعدم الأخد بعين الإعتبار بالمقترحات وآراء المتدخلين الجمعويين ومكونات المجتمع المدني، وحصر المهمة في اللجنة التي أشرفت على إعداد مشروع القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية رقم 16/26 أو الأخذ بمقترحات البعض، وتعذر آخرين من تقديم وجهات نظرهم لغياب عنصر انفتاح اللجنة، أو الإعتراض والتحفظ حول ظروف وكيفية تقديم هذه الملاحظات، واعتبارهم لهذا الإنفراد، تهريبا للنقاس والتداول العمومي لكافة الأقطاب التي من شأنها المساهمة في بلورة آرائها وبسط وجهات نظرها بخصوص هذه القضية الشائكة ، لوضع قانون في مستوى هذه اللحظة التاريخية .
وفي نفس السياق فإن روح نفس الفصل الذي يشير في إحدى مواده الى مراحل التفعيل ، يفيد من خلال ما تفصح عنه عباراته، الى أن الأمازيغية لن تنهض بمهمتها كلغة قائمة الذات كما هو الشأن بالنسبة للعربية، بل وأن هذا الرهان في اعتقادي يبقى مطروحا على المديين المتوسط والبعيد، وهذا ما تعبر عنه العبارة التالية: ( ... وذلك لكي تتمكن من القيام مستقبلا بوظيفتها) بمعنى أنها حاليا على الأقل دون مستوى الإدراج الفعلي كلغة في التعليم والحياة العامة، وهذا ما نشهده من خلال الإرتباك في عملية تدريس الأمازيغية في قطاع التعليم، بالرغم من انطلاقته منذ سنة 2003، في الطور الإبتدائي والثانوي ومرورا بالإعدادي، وهو نفس الإرتباك الذي تعرفه المسالك المستحدثة كشعب جديدة، في بعض المواقع الجامعية، كجامعة ابن زهر بأكادير وجامعة محمد الأول بوجدة الخ...
وبالرغم من مرور قرابة ثمانية سنوات على دسترة الأمازيغية، فإن مشروع القانون التنظيمي المتعلق بإضفاء الطابع الرسمي عليها، ما زال مراوحا لمكانه، ومال يزال المجلس المحدث بموجب نفس الفصل وهو ( المجلي الوطني للغات والثقافة المغربية) والذي أشير إليه في الفصل الخامس من الدستور،والذي ينص على ما يلي : ( يحدث مجلس وطني للغات والثقافة المغربية، مهمته، على وجه الخصوص ، حماية وتنمية اللغتين العربية والأمازيغية،ومختلف التعبيرات المغربية، باعتبارها تراث أصيلا وإبداعا معاصرا). وهو المشروع رقم :16/04 الذي لم يخرج الى حيز الوجود، وبقي مجرد آمال مفتوحة، ومن خلال هذا المشروع يبدو أن مهامه تمتص نفس الإختصاصات الممنوحة سابقا للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، بالرغم من تنصيصه على أن هذا الأخير سيكون ممثلا في تركيبة نفس المجلس، الى جانب أكاديمية محمد السادس للغة العربية، بالإضافة الى فئة الإدارات العمومية كممثلين للسلطات الحكومية، المكلفة بقطاع التربية الوطنية والتعليم العالي والثقافة والإتصال، وفئة الجامعات والمعاهد وغيرها من الأطراف، اي بما مجموعه 25 عضوا، كعناصر مشكلة لتركيبة المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية.
وما يعاب على هذا المشروع من خلال بعض فصوله، هو أنه بقدرما ينص على أن الأمازيغية لغة رسمية ومعترف بها دستوريا، بقدرما ينتقص من قيمتها من خلال تواريها خلف العبارات المستعملة في مشروع القانون المعد، لتبقى اللغة العربية هي المهيمنة الفعلية، بالرغم من تنصيص فقراته على إدراجها الى جانب العربية في الوثائق الشخصية( بطاقة التعريف الوطنية رخصة السياقة جواز السفر ) وكذا في المراسلات الإدارية واللوحات والشواهد الإدارية التي تصدرها مختلف الإدارات العمومية وغيرها من المجالات في الحياة اليومية للمواطنين، لكن مكانتها الإعتبارية تبقى مصنفة في الدرجة الثانية من حيث الأهمية والقيمة،وهو ما يجعلها كلغة من أجل الإستئناف بها فقط كما هو الشأن سابقا ، وهذا ما تدل عليه المؤشرات الحالية، فضلا على أنها لا تستفيد من نفس المقومات المتاحة لمثيلتها العربية، بفعل ما اعتور النصوص الموضوعة من ضبابية مقصودة، الشيء الذي يجعل اللوبي القديم في الدولة العميقة الذي وقف ما يزال ،ضدا على السير قدما نحو الإعتراف الميداني باللغة الأمازيغية،عبر طي صفحة الهاجس النفسي والعدائي الذي تحكم لسنوات في مخيلة بعض الدهاقنة والخطابات الشعبوية إزاء الأمازيغية، سيجد سندا قانونيا لاستمرار نفس الذهنية وهي تكرر نفسها في نسخ أخرى، وهي التي عانت منها جل المكونات الأمازيغية الصادقة، باستثناء الأطراف الإنتهازية اتي تتخذ الأمازيغية مطية لتصريف مواقف أخرى أو لحسابات سياسوية وانتخابية، وهي الوضعية التي لازمت تجارب ماضية خاصة في عز المد النضالي للحركة الأمازيغية، خلال مرحلة الدفاع والمطالبة بالإعتراف والدسترة، وهي نفس التجارب التي تعاد مرة أخرى بصيغ جديدة، بعناد وإصرار على فرملة ذكية لما نص عليه الدستور الأخير، الذي يعتبر بارقة أمل لإعادة الإعتبار والإنصاف، الشيء الذي نستشف معه كخلاصة، تكاد أن تشكل حكمة متواترة، وهي أنه أحيانا إن لم نقل غالبا لا تكفي القوانين والنصوص بغض النظر عن الجوانب المشرقة التي يمكن أن تتضمنها فصولها، إذا لم يصاحبها حضور إرادة ساسية صادقة لاحترام وتنفيذ بنود تلك القوانين، وهذا ما ينطبق للآسف مع وضع الأمازيغية اليوم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تتطور الأعضاء الجنسية؟ | صحتك بين يديك


.. وزارة الدفاع الأميركية تنفي مسؤوليتها عن تفجير- قاعدة كالسو-




.. تقارير: احتمال انهيار محادثات وقف إطلاق النار في غزة بشكل كا


.. تركيا ومصر تدعوان لوقف إطلاق النار وتؤكدان على رفض تهجير الف




.. اشتباكات بين مقاومين وقوات الاحتلال في مخيم نور شمس بالضفة ا