الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-شذوذ تاريخى- يعرض العالم للفوضى والخطر

محمد السعدنى

2019 / 1 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


"طباخ السم لابد من يوم يدوقه" مثل شعبى انتجته القريحة المصرية للتدليل على أن الجزاء غالباً مايكون من جنس العمل، لكن هذا المثل صادف مالم يتوفر لغيره من مصداقية تاريخية تؤكدها أحداث حالة وطارئة وجارية فى عالمنا المعاصر فتح لها الباب واسعاً من قبل متنمر غير أخلاقى كاذب – هو دونالد ترامب على حد وصف توماس فريدمان فى النيويورك تايمز – حيث راح يبدد الرصيد الأمريكى الذى راكمته بلاده فى العلاقات الدولية على مدار سبعة عقود، ومنذ أن أسس الرئيس الأمريكى هارى ترومان حلف شمال الأطلنطى 1949 لتضمن بلاده عدم التنافس الجيوسياسى بين الدول بعد الحرب العالمية الثانية التى حولت العالم إلى غابة مخيفة تضربها الفوضى ويجتاحها الدمار. لقد كان ترومان متناقضاً كما ترامب، فرغم دعاواه التى بدت أخلاقية للحفاظ على استقرار العالم، فقد كان هو من أمر بإطلاق قنبلتي هيروشيما وناجازاكي على اليابان في أغسطس1945، والتدخل العسكرى فى الحرب الكورية 1950، وبدأت فى عصره الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتى. لكن ترومان لم يكن فظاً جهولاً سليط اللسان كما صاحبنا، وكان صاحب رؤية ومواقف لايمكن وصفها بالهمجية والبلطجة والابتذال والسوقية والشعبوية التى مكنت لليمين المتطرف مساحات للحركة فى فضاءات السياسات الأوروبية قد تقوض استقرار ومصالح القارة العجوز والعالم جراء سياسات ترامب الفوضوية التى اضرت بالجميع، لافارق بين حليف أوعدو.
ولعل الصورة تتضح أكثر إذا ماترجمت لك مقتطفاً من مقال "ستيفن إرلانجر" فى النيويورك تايمز 22 سبتمبر الماضى تحت عنوان" هل يتحول العالم لغابة مرة أخرى؟ يجب أن يهتم الأمريكيون؟
Is the World Becoming a Jungle Again? Should Americans Care?
إذ يقول:" يبدو الرئيس ترامب عازماً الانقلاب على 70 سنة من السياسة الخارجية الأميركية الراسخة تجاه أوروبا، التي يعتبر دولها منافسين أكثر منهم حلفاء"، ويضيف "لقد أطلق الرجل على جانبي المحيط الأطلسي قلقاً مضنياً من أجل الحصول على إجابات للأسئلة الصعبة حول الدور العالمي للولايات المتحدة، وما يمكن لأوروبا المنكوبة أن تفعله للحفاظ على كيانها ومصالحها، في ظل وجود شريك أمريكي أقل موثوقية". وكأن الكاتب يقول أن أوروبا بسبب سياسات ترامب باتت تواجه ما يهدد وجودها وكيانها، لامصالحها فحسب. وأضاف إرلانجر: "كان وزير الخارجية الألماني "هايكو ماس" يتحدث أمام مؤتمر لسفراء ألمانيا فى غضون الشهر الماضي، مطالباً بسياسة خارجية ودفاعية أوروبية أقوى في مواجهة مستقبل غامض غير متوقع، حيث النظام الدولي القائم بدا يتآكل في عالم لا يمكن فيه اعتبار أي شيء مضمونًا في السياسة الخارجية". ثم استشهد الوزير ماس وهو اشتراكي، بالمفكر الأمريكي المحافظ "روبرت كاجان" من معهد بروكينجز وكتابه "الغابة تنمو من جديد: أمريكا وعالمنا المعرض للخطر" إذ يقول "إن انسحاب الولايات المتحدة بقيادة ترامب من النظام العالمى الذي أنشأته بعد الحرب العالمية الثانية سيحول العالم إلى غابة مظلمة من المصالح المتنافسة، تتصادم فيها القومية والقبلية والمصالح الذاتية".
ولعل هذا ماقصده روبرت كاجان فى كتابه ب "الشذوذ التاريخي" الذي أتاحته القيادة الأمريكية بانسحابها المضطرد من رعاية "حديقة" النظام الليبرالى العالمى الذى كان مستقراً، فحولته إلى غابة ذات مخاطر كبيرة، حيث أوروبا توترت بالفعل بسبب سياسات الشعبوية الأمريكية والفوضى، فأضحت معرضة للخطر" وهذا باد فى مظاهرات فرنسا التى ربما تعاقب على اقتراح ماكرون بتأسيس جيش لحماية أوروبا.
لقد أنتج العقل الأمريكى المراوغ نظريته "الفوضى الخلاقة" ليحكم سيطرته على عالمنا العربى المفكك والضعيف ويستلب قدراته ومقدراته، ولطالما ساعدت أوروبا على ترسيخ هذه السياسات الكولونيالية "الاستعمارية" الجديدة، فإذا بهم جميعاً يشربون من نفس الكأس الذى أرغمونا بضعف أنظمتنا الحاكمة على تجرعه، واللهم لاشماته. وصدقت مقولتنا الشعبية عن طباخ السم التى أضحت اليوم تاريخية. وإذ بدوت مضطراً لهذا المثل رغم رفضى بالحكم على الأشياء والسياسات والمواقف من زاوية قد تبدو شخصية أو مغرقة فى المحلية، فقد أردت تقريب الفكرة للقارئ الكريم، وعزائى أننى لم اسمح لقلمى الانزلاق إلى منحدر الشخصنة والسطحية والشماتة والحكم على كبائر الأمور من زاوية صغارها، أو كما يصر دائماً أن يفعل بعض الكتاب وأبرزهم الأستاذ عبد الرحمن فهمى فى مقاله الجمعة 23/11 فى المصرى اليوم، حيث راح يحاكم ويدين أهم فترة من تاريخنا الحديث والمعاصر، ثورة يوليو وجمال عبد الناصر والتحولات الكبرى التى أحدثتها فى العالم، بأن عبدالناصر أساء لآل أبوالفتح والوفد، لكأنه أراد أن ينظر إلى العالم المفتوح على تاريخ نضالنا الوطنى من خرم إبرة، مستعينا بنظارات أهلكها الدهر فاستحالت عدساتها شظايا وشواش، والقياس هنا مع الفارق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حلقة جديدة من برنامج السودان الآن


.. أطباق شعبية جزائرية ترتبط بقصص الثورة ومقاومة الاستعمار الفر




.. الخارجية الإيرانية: أي هجوم إسرائيلي جديد سيواجه برد إيراني


.. غارات إسرائيلية تستهدف بلدتي حانين وطير حرفا جنوبي لبنان




.. إسرائيل وإيران لم تنتهيا بعد. فماذا تحمل الجولة التالية؟