الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عملية ثعلب الصحراء.. وتجسس انسكوم .. ومحمد البرادعي

السيد شبل

2019 / 1 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


في 16 ديسمبر 1998 قامت الويلات المتحدة والمملكة المتحدة (دون أخذ إذن مجلس الأمن) بقصف العراق على مدار ثلاثة أو أربعة أيام، العملية كانت غاية بالوحشية، وأطلق فيها مئات الصواريخ بخلاف طلعات الطيران، وتم تدمير كثير من البنية التحتية العسكرية العراقية، واستشهد فيها 1400 عسكري عراقي بخلاف المدنيين، وسُميّت العملية بـ «ثعلب الصحراء»، وكان المبرر الذي ساقته واشنطن هو: تعطيل العراق لعمل اللجان المكلّفة بالتفتيش على الأسلحة العراقية، وعدم تعاون النظام...

لكن محمد البرادعي (رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية من ديسمبر 1997 وحتى نوفمبر 2009)، في لقائه مع قناة العربي القطرية في يناير 2017 (المصدر:أ) يقول أنه كان بالعراق وفوجيء بصدور طلب أو توجيه أمريكي بسحب المفتشين، للحفاظ على أمنهم، وأنه اتصل بسكرتير عام الأمم المتحدة «كوفي عنان» الذي فوجيء واندهش بدوره، لكن البرادعي انصاع للطلب، وقام بسحب نفسه ومعاونيه. ما نستخلصه أن وكالة الطاقة الذرية، المكلّفة بالتفتيش عن النووي، لم يكن لديها شكاوي إلى تلك الدرجة من تعاون النظام العراقي، بل على العكس، جاء الطلب من أمريكا أساسًا، وفوجئت الوكالة به!.

إذن، لنقر بأن الشكوى من عدم تعاون النظام العراقي مع المفتشين كان مصدرها بالتحديد الأسترالي "ريتشارد بتلر" رئيس لجنة «انسكوم UNSCOM» (وهي لجنة أخرى تابعة للأمم المتحدة خاصة بالعراق كانت مُكلّفة بالتفتيش عن السلاح الكيماوي والبيولوجي والصواريخ طويلة المدى، وكانت الوكالة الذرية بقيادة البرداعي تعتمد عليها وتتعاون معها)، ومن المعلوم أن مفتش كبير في تلك اللجنة، وهو « سكوت ريتر »، كان قد قدّم استقالته منها في أغسطس عام 1998، ثم أكّد لاحقًا ما كان معروفًا منذ زمن طويل، ويقوله النظام العراقي، وهو أن تلك اللجنة كانت تُستخدم لأغراض تجسسية لصالح واشنطن ولندن و"تل أبيب" منذ بداية عملها في 1991، بعد حرب الخليج الثانية، وأنها كانت تمرر المعلومات للسي آي إيه والإم آي 6 والموساد الصهيوني، وأن أجهزة المخابرات تلك كانت تدفع المال وترتب لعمل انقلاب داخل العراق عبر التنسيق مع عناصر بالجيش أو اغتيال صدام وقيادات في النظام وزعزعة حكم البلاد، والتنصّت على الاتصالات، أو إيجاد ذريعة للهجوم العسكري (المصدر: ب).. وعليه فنائب رئيس الوزراء: طارق عزيز كان لديه كل الحق في اتهام تلك اللجنة بالتخابر، كما أن النظام كان محقًا في تكبيل دخولها لبعض المنشآت الأمنية، أو مقرات لحزب البعث (رغم ذلك يؤكد «ريتر» أن النظام كان متعاون جدًا، وأنه في 98٪ من عمليات التفتيش، قام النظام العراقي بكل ما طُلب منه! – وهنا يمكن أن ندين نحن).

كذلك في أوائل عام 1999، تم الكشف عن أن السي آي إيه، والاستخبارات العسكرية، قاما بزرع عملاء في "أنسكوم"، واستطاعوا وضع أجهزة تنصّت بأماكن عراقية حكومية، وقد جاء ذلك كجزء من عملية أمريكية حملت اسم «هز الشجرة»، أدارها «ستيف ريختر» من قسم الشرق الأدنى.. وهذا الكشف دفع الأمم المتحدة، ذاتها، إلى الاعتراف بأن تلك اللجنة قد سهلت بالفعل إنشاء نظام لجمع المعلومات الاستخبارية لصالح الولايات المتحدة، وأنها انتهكت خطة عملها وما كُلفت به.

وعليه نخلص لما هو مؤكد مسبقًا أن عملية «ثعلب الصحراء» كانت هجمة عدوانية أمريكية مُرتّبة ضمن عمليات زعزعة أمن العراق وتهشيمه وتفتيته، وهي عمليات استمرت طوال التسعينات، جنبًا إلى جنب مع الحصار، وحتى الغزو في 2003، وقد أكّد الأمريكيون أنفسهم لاحقًا أن مسألة "تدمير أسلحة الدمار الشامل العراقية" لم تكن أكثر من عنوان أو ليس الهدف بالأساس.

لكن هنا أسئلة هامة بخصوص محمد البرادعي:

من المفترض أن البرداعي قد شهد بنفسه في ديسمبر 98 كيف أن الويلات المتحدة تدير وتستثمر في كل شيء يتعلق بلجان التفتيش، وأنها تتخذها غطاءًا لعملياتها العسكرية، كما قرأ لاحقًا شهادة «ريتر»، وهو قيادي في اللجنة الثانية المتعاونة معه، والتي كان يعتمد عليها لوجيستيًا، ولم يكن قادرًا على البقاء بالعراق بدونها في 98، وهي شهادة تؤكد عمليات التجسس والتخابر التي تقوم بها تلك اللجنة، والتي اعترفت بها الأمم المتحدة أيضًا، كما أن البرادعي ذاته قد شهد بأن العراق قد تم تجريده وبالكلية من أي قدرات نووية أو حتى مؤسسات ومعامل وأدوات لها علاقة بهذا المجال منذ 1994/ 1995 (لقاء قناة العربي – المصدر: ج)..

إذن كيف قبل البرادعي على نفسه الاستمرار بالمهمة، تحديدًا مهمة التفتيش التي بدأت من جديد في 27 نوفمبر 2002 بعد صدور قرار مجلس الأمن الشهير 1441 في 6 نوفمبر من العام ذاته، مع العلم أن هذه اللجان تابعت على خطى «انسكوم»، وبالرغم من أن جميع التفسيرات العلميّة والمنطقيّة كانت تؤكد استحالة أن يستطيع العراق المُحاصر والذي يتعرض دوريًا للقصف الأمريكي من أن يملك سلاحًا نوويا أو شبه نووي، خاصة بعد تجريده فعليًا من كل برامجه وإمكانياته في 95 ؟.

المنطقي، إذن، أن هذه اللجان لم تكن، فعلًا، سوى لجان تجسس مثلما كانت غيرها، كما هي شماعة تم السماح لها بالعمل لاستهلاك الوقت وإثارة الزوبعة وإخراج البيانات حتى تُنتزع منها جملة أو معلومة يسيء الأمريكي استغلالها، فيُبرر بها احتلاله المُرَتّب والمحسوم أساسًا.

كذلك فإن مساعي تلك اللجان اللحوحة للتنقيب عن الأسلحة والصواريخ واختراق المخازن والمجمعات الصناعية والإصرار على ضرورة الكشف عن كل شيء مُسجّل في الأوراق أو كانت هناك معلومات متداولة بخصوصه، ومطاردة وتدمير أي أسلحة بذريعة كونها كيميائية، أو بيولوجية، أو يمكن لها أن تكون كذلك، كان في الحقيقة بمثابة «تكسيح» استباقي للبلد، وشطب من قدرته على المقاومة، وحتى يمر الأمريكي أثناء غزوه بأقل الخسائر .. وقد قبل البرادعي هذا الدور.

«الدرس هنا: أنك كدولة مغضوب عليها في العالم الثالث عندما تسمح للجان التفتيش بتدمير أسلحتك الخطيرة والمؤذية، واستباحة أراضيك، فأنت تسهل مهمة الغزو المرتقب، وتحفر قبر بلادك بيديك»

الغريب، بالعودة للبرادعي، أنه في تصريح صحفي قبل أن يذهب للعراق (المصدر: د)، قال أنه يُقرّ بتجاوزات «الإنسكوم»، ولا يُنكرها، مشيرا إلى أن مجلس الأمن قرر حلها، وإنشاء لجنة جديدة هى «الأنموفيك»، وأنها سوف تعمل بموضوعية مثل وكالة الطاقة الذرية (وما الذي يمنع أن تكون الجديدة كما القديمة، وأن تكون الوكالة ذاتها مخترقة وستار يتوارى خلفه جُهد مخابراتي، علمًا بأن «الأنسكوم» كانت تابعة للأمم المتحدة؟!).

كان الصحيح أن يرفض البرادعي أصلًا إرسال لجان للعراق في 2002، أو يستقيل بهذا التوقيت ويفضح كل شيء، ويهدّ المعبد، لا أن يشارك في استخدام لغة تخويف العراق وتهديده بضرورة قبول اللجنة، والصحيح بالأساس كان رؤية استقالته مبكرًا في 1998، أو من قبل ذلك بكثير عندما كان جزءًا من فريق تابع للوكالة الذرية توجه للعراق في 91 لتجريده من سلاحه النووي، بل وبحسب قوله إجباره على التخلي عن كل القدرات والمؤسسات التي يُحتمل أن تُنتج تكنولوجيا نووية للاستخدام العسكري (لماذا العراق الذي عليه أن يتخلى، وليس أمريكا أو "إسرائيل"؟، أليس هذا هو المسار الذي يؤدّي إلى تسهيل مهمة الغزو؟).

اللافت أيضًا أن البرادعي في حواره مع الفضائية القطرية التي تبث من لندن (المصدر: أ)، أكّد أن العراق، ورغم سنوات الحرب مع إيران، كان بلدًا جميلا عندما زاره كمفتش للمرة الأولى في 1991، وكانت شوارعه نظيفة، وممتليء بصور النهضة بما فيها النهضة العلمية، لكنه عندما دخله من جديد في 2002، كان قد تم إرهاقه وتخريبه وتدمير بنيته (كعربي، وكإنسان، لماذا لم يلتفت للأمريكي ليبصق عليه وعلى حصاره وقصفه ؟، ولماذا رآها جريمة النظام بالأساس؟!).

اختار البرادعي الوكالة، واختار نوبل في 2005، ثم اختار بعد مغادرته الوكالة الالتحاق بلجنة الأزمات الدولية التي تستقبل تمويلات من مؤسسة فورد وكارنيجي وكذلك من الملياردير راعي الثورات الملوّنة جورج سورس!.

ملحوظة:
من المُحزن أن نشير إلى أن عملية «ثعلب الصحراء»، التي مات فيها جنودنا وتخربت فيها منشآتنا، يُطلق عليها أمريكيًا «حرب مونيكا» لأنه ثمة اعتقاد شائع أن الرئيس الأمريكي بيل كلينتون قد نفّذ تلك العملية لصرف الأنظار عن بعض حلقات مسلسل التحقيق معه على خلفية علاقته بمونيكا لوينسكي !.

المصدر (أ):

https://youtu.be/dKtC7shSvFc

المصدر (ب):

https://arabic.rt.com/prg/telecast/656919-%D8%B3%D9%83%D9%88%D8%AA_%D8%B1%D9%8A%D8%AA%D8%B1_%D9%8A%D9%81%D8%B6%D8%AD_%D9%85%D8%A4%D8%A7%D9%85%D8%B1%D8%A7%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A_%D8%A7%D9%8A_%D8%A5%D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AE%D8%B7%D8%B7%D8%A7%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D8%B1%D9%8A%D9%83%D9%8A%D8%A9_%D9%81%D9%8A_%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82/

https://www.albayan.ae/one-world/2001-07-20-1.1175331

https://en.m.wikipedia.org/wiki/Bombing_of_Iraq_(1998)

https://www.albayan.ae/last-page/1998-12-21-1.1017768

https://www.albayan.ae/one-world/1998-08-28-1.1019751

https://en.m.wikipedia.org/wiki/Operation_Bramble_Bush

https://www.theguardian.com/world/2005/sep/28/iraq.military

http://www.almayadeen.net/news/491763/%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84-%D8%AE%D8%B7%D8%B7%D8%AA-%D9%84%D8%A7%D8%BA%D8%AA%D9%8A%D8%A7%D9%84-%D8%B5%D8%AF%D8%A7%D9%85-%D8%AD%D8%B3%D9%8A%D9%86

https://m.youm7.com/amp/2010/1/8/%D8%B1%D8%AC%D8%A7%D9%84-%D8%A3%D9%85%D9%86-%D9%85%D8%B5%D8%B1%D9%8A%D9%88%D9%86-%D8%A7%D8%B4%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%88%D8%A7-%D9%81%D9%89-%D9%85%D8%AD%D8%A7%D9%88%D9%84%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D8%BA%D8%AA%D9%8A%D8%A7%D9%84-%D8%B5%D8%AF%D8%A7%D9%85/174970

المصدر (ج):

https://youtu.be/oBi0ZWubiJo

المصدر (د):

http://arabic.people.com.cn/200211/26/ara20021126_59365.html

المزيد عن:
- انسكوم - لجنة الأمم المتحدة الخاصة UNSCOM
https://en.m.wikipedia.org/wiki/United_Nations_Special_Commission

- نموذج لهوس لجان التفتيش بمطاردة الأسلحة العراقية، بغرض شطب قدرة الجيش لاحقًا على المقاومة، كما يوضح كيف أن لجان 2002 كانت على خطى "انسكوم"، حيث جاء في الخبر أدناه بتاريخ 3 ديسمبر 2002: ((دخل المفتشون على الفور المجمع الذي كانت لجنة الأمم المتحدة السابقة لنزع الاسلحة العراقية «انسكوم» قد وضعته تحت المراقبة الدائمة بعدما حظرت الأمم المتحدة على العراق امتلاك او صنع هذا الصاروخ الذي يبلغ مداه 650 كيلومترا.))

http://archive.aawsat.com/details.asp?article=139410&issueno=8771#.XDrK_XMVswj









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وزير الخارجية التركي: يجب على العالم أن يتحرك لمنح الفلسطيني


.. غارات إسرائيلية تستهدف بلدتي عيتا الشعب وكفر كلا جنوبي لبنان




.. بلومبيرغ: إسرائيل طلبت من الولايات المتحدة المزيد من القذائف


.. التفجير الذي استهدف قاعدة -كالسو- التابعة للحشد تسبب في تدمي




.. رجل يضرم النار في نفسه خارج قاعة محاكمة ترمب في نيويورك