الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إدوارد بيرن- جونز. . الفنان الذي وظّف الأساطير، وعمّق لوحته بالرموز

عدنان حسين أحمد

2019 / 1 / 19
الادب والفن


لندن: عدنان حسين أحمد
نظّم غاليري Tate Britain بلندن معرضًا استعاديًا للفنان البريطاني إدوارد بيرن- جونز، وهو الثاني من نوعه الذي يلي معرضه الاستعادي الأول عام 1933. يضم المعرض أكثر من 150 لوحة تمثل مختلف مراحل حياته الفنية، كما يشتمل على كل الفنون التي مارسها كالرسم، والتصميم، والزجاج الملون، والمجوهرات والنجود، والسيراميك، والفسيفساء.
لا يمكن استيعاب مضامين هذا المعرض والتقنيات التي استعملها الفنان إدوارد بيرن- جونز (1833- 1898) ما لم نسلّط الضوء على صوته الخاص، وبصمته المتميزة التي حققها في ستينات القرن التاسع عشر، أي بعد ثلاثة عقود من ولادته تقريبًا، فهو لم يطمح ذات يوم بأن يكون فنانًا تشكيليًا، وإنما كان همّه الأساسي منصبًّا على دراسة اللاهوت كي يُصبح قسًا لكن لقاءه بالفنان ومصمم الأثاث والمنسوجات وليم موريس سيقلب حياته رأسًا على عقب ويوجه بوصلته الإبداعية باتجاه الفن التشكيلي وسوف يبدع في المضامير السبعة التي اختارها وانقطع إليها. يُعتبر عام 1877 عامًا حاسمًا في حياة بيرن - جونز إذ وافق على عرض ثماني لوحات من أعماله الفنية في غاليري غروفِنَر Grosvenor الذي أصبح منافسًا حقيقيًا للأكاديمية الملكية آنذاك، وكان من بين اللوحات المعروضة لوحة "إغواء مَرِلين" حيث تصوِّر اللوحة مشهدًا من أسطورة آرثرية عن افتتان مرِلين بسيدة البحيرة نيمو، كما يبدو فيها مُحاصرً وعاجزًا عن الإتيان بأي حركة بينما تقرأ نيمو في كتاب السحر. لا تخلو هذه اللوحة وغالبية اللوحات التي يحتضها هذا المعرض من ثلاثة عناصر أساسية وهي لمسات حركة "ﭘري رفالايت"، أي ما قبل الرفائيلية، والرمزية، والجمالية. وقد ظهرت هذه الحركات الثلاث كنوع من الاحتجاج على مستوى الفن الإنجليزي المتدّني في ذلك الوقت، وبذلوا قصارى جهدهم من أجل إعادة الفن التشكيلي إلى سابق عهده، والتخلّص نهائيًا من مظاهر التفاهة والابتذال اللذين أفضيا إلى انحدار الذائقة الفنية كما يرى فنانو الحركة ما قبل الرفائيلية أمثال هولمان هنت، وجون ميلياس، ودانتي غابرييل روزيتي قبل أن يلتحق بهم إدوارد بيرن- جونز ويصبح واحد من أعلام هذه الحركة في موجتها الثانية. لابد من الإشارة إلى أن الناقد الفني جون رسكن هو الذي ألهمهم هذه النظرية وحثّهم على الخروج إلى الطبيعة، وطلب منهم التوسع في موضوعاتهم الفنية، وعدم البقاء أسرى لثيماتهم الدينية فلاغرابة أن ينفتحوا لاحقًا على الأدب والشعر، بل ويذهب بعضهم أبعد من ذلك كما فعل بيرن-جونز حين انفتح على الأساطير الآرثرية القديمة ووظّفها في لوحاته الفنية، ولعل لوحة "إغواء مَرِلين" المعروضة الآن في الصالة الثالثة من المعرض الحالي إلى جانب 11 لوحة كبيرة الحجم هي خير دليل لما نذهب إليه.
تنطوي معظم لوحات بيرن- جونز على أبعاد رمزية وجمالية، ونعني بالبعد الرمزي تحديدًا تخصيب الثيمة الفنية بعناصر فاعلة تستنطق سرّ الوجود، وتكشف عن أعماق الرسام والشاعر والموسيقي وكل المبدعين في الحقول الأخرى. أما الحركة الجمالية فهي تركِّز على منظومة القيم الجمالية أكثر من تركيزها على الموضوعات الاجتماعية والسياسية، إنها باختصار شديد تطبّق مفهوم "الفن للفن" وتراهن على المتلقين النوعيين الذي يستطيعون التفاعل مع الأعمال الفنية الرمزية والجمالية.
تضم الصالة الأولى العديد من الرسوم والتخطيطات المبكرة التي رسمها الفنان بقلم الرصاص والحبر تحت إشراف الفنان والشاعر دانتي غابرييل روزيتي وهي التي حفّزت جماعة الحركة ما قبل الرفائيلية للقبول به وضمه إلى دائرتهم الفنية. لم يكن بيرن- جونز فنانًا مُهادنًا ففي عام 1870 عرض لوحة "فيليس وديموفون" وبسبب عُريها الفاضح آنذاك أحتج الناس عليه فاضطر إلى سحب هذه اللوحة من المعرض المذكور لكنه انسحب من جمعية ما قبل الرفائيلية وانقطع لعزلته الفنية. جدير ذكره أن موضوع هذه اللوحة مستعار من "أسطورة النساء الصالحات" لتشوسر لكنه قدّمها بطريقة جريئة خدشت حياء الناس، وأثارت حفيظتهم.
تحتوي الصالة الثانية على عدد من اللوحات التي أنجزها بيرن- جونز بعد أربع زيارات متتالية إلى إيطاليا أمدّته بمقاربات فنية جديدة لرسم الجسد البشري بقياسات دقيقة إضافة إلى اللمسات الرمزية والجمالية التي تزدان بها مجمل لوحاته الفنية.
تشتمل الصالة الثالثة على 12 عملاً فنيًا لعلها الأهم من حيث الثيمات وطرق المعالجة والإخراج اللوني وسنكتفي بالوقوف عن لوحة "السلالم الذهبية" التي رسمها بيرن- جونز عام 1876 وعرضها في غاليري غروفِنَر أيضاً عام 1880، وهي بخلاف أعماله الباقية لا تعتمد على مصدر أدبي، وكانت توصف دائمًا بالرمزية لأنها لا تحكي قصة ما لكنها تصوّر المزاج العام للفنان وهو يقف أمام 18 فيكَرًا نسائيًا يحملن آلات موسيقية ويهبطن من سلّمٍ ملتوٍ. هذه اللوحة المهمة رسمها بعد واحدة من زياراته لإيطاليا وأنجزها بسرعة كبيرة كي تجد طريقها إلى المعرض المذكور سلفًا. ثمة معلومات متوفرة في دليل الصالة ذاتها تشير إلى أن اللوحة تحمل أصداءً من عمل للفنان بييرو ديلا فرانشيسكا رآه بيرن- جونز ضمن أعمال جصية أخرى واستنسخها عام 1871 لكن رؤوس هذه الفكَيرات تعود لنساء شابات يعرفهن الفنان من كثب. ولو نظرنا من أعلى السلّم فإن الرابعة هي ابنته مارغريت التي تحمل بوقًا، وأن السابعة هي إيديث غيلبراند التي تبدو منحنية، وماي موريس، ابنة صديقة وليام موريس هي التاسعة من الأعلى وتحمل كمانًا، وهكذا بقية الفتيات اللواتي لا يخرجن عن دائرة المعارف والأصدقاء. المُلاحظ أن الدرجات اللونية لشخصيات العمل الفني لا تخرج عن الأبيض والذهبي والفضي، كما أن شحوب الأوجه يكاد يكون مُستعارًا من عصر النهضة. لا تحتوي هذه اللوحة على ألوان قوية صارخة لكنها تحتفي بتناغم الأبيض ودرجاته المختلفة التي توحي بنوع الشاعرية المحببة إلى النفس. ثمة علاقة مقصودة بين الفضاء المعماري والفتيات الموسيقيات، وكما أن الموسيقى مهيمنة وباقية وإن لم نسمع صوتها فلابد للرسم أن يبقى ويُخلّد أيضًا عبر هذه اللوحة الرمزية التي تنطوي على جمال غامض لا تُحسن غير العين المدرّبة الاستمتاع به. أطلق الفنان على هذه اللوحة عدة تسميات مثل "موسيقى على السلالم" و "موسيقى البلاط الملكي" لكنه استقر أخيرًا على "السلالم الذهبية" التي تعبِّر عن روح المكان.
تكتظ الصالة الرابعة بعدد كبير من البورتريهات وهي في مجملها تخص الأهل والأصدقاء وبعض المعارف لعل أهمها بورتريه زوجته جورجيانا التي جسّد معاناتها الطويلة مع المرض، وابنته المحبوبة مارغريت التي كانت على وشك الزواج في أثناء رسمها، ونصيره الفنان وليم غراهام، وابنته فرنسيس وسواها من البورتريهات التي تعكس تأثره الواضح بفناني عصر النهضة الأوروبية مثل ليوناردو دافنشي، وساندرو بوتشيلّي.
تحتاج الأعمال الفنية في الصالات الثلاث الأخر إلى دراسة نقدية خاصة تحلل أهمية اشتغالاته في السيراميك، والفسيفساء، والمجوهرات فالسجادة التي كان يصممها بيرن- جونز لا تُفرش على الأرض وإنما تعلّق على الجدار كتحفة فنية، وهذا الأمر ينطبق على بقية أعماله الفنية التي تنشد الإبداع الفني الذي يُنمّي الذائقة، ويُثري الخبرة البصرية للمتلقي. جدير ذكره أن هذا المعرض الاستعادي الذي انطلق في 24 أكتوبر 2018 سوف يستمر لغاية 24 فبراير عام 2019.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي


.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع




.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج