الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


[39]. رحلة المئة سؤال وجواب، حوار صبري يوسف مع د. أسماء غريب حول تجربتها الأدبيّة والنّقديّة والتّرجمة والتَّشكيل الفنّي

صبري يوسف

2019 / 1 / 19
الادب والفن


صبري يوسف

39. انكبَبْت على تحليل ونقد ملحمة الكوميديا الإلهية للمبدع أليغييري دانتي، في وقتٍ كنت تترجمين وتقدّمين دراسات نقديّة أخرى، كيف توفّقين بين عدّة مشاريع إبداعيّة في توقيت واحد، وفي وقتٍ قصير؟

د. أسماء غريب

المحبّة هي السّرّ؛ وكم هو رائعٌ أن أحبَّ نصوص من أكتبُ عنهم، لأنّ ذلك يعني أنّني لن أُصابَ في رفقتهم بالملل والضّجر أو الإحباط، ويعني أيضاً أنّ الكتابة عنهم ستصبح ممتعة للغاية، وستجلب لي السَّعادة الّتي يحقّقها الحرفُ للخُلّص من المبدعين والأدباء. ودانتي هو رفيقي في الغربة والسّفر: وقد سُكبَ الكثيرُ من الحِبْرِ للحديث عن هذا البحر والعالم الكبير، وأدلى العديد من الدّارسين والبحّاثة بِدُلِيِّهِم فيه، كلٌّ حسب تخصّصه ودرجة محبّته لدانتي ألغييري وإعجابه بأدبه وغزارة علومه، إلّا أنَّني وأنا أمام موقف الكوميديا الإلهيّة، كنت أجدني دائمة حيرى ولا أعرفُ بأيّ حرف سأكتب عن هذا القطب الّذي نفخ الرّوح في الأبجديّة الإيطاليّة وجعل صيتها يجاوز الأرض والسَّماء، أبحرفِ العشق والإعجاب، أمْ بحرف النّقد والتَّمحيص، أم بهذا وذاك، لا سيّما وأنا أعرف جيّداً أنّ كلا الأمرين يستوجبان الصَّبر وإجادة الوقوف عند كلّ عمل خطّه هذا الأديب الجهبذ، لأنّه هكذا فقط يمكن أن نعرف حقيقةً مَن هو دانتي، أو بصيغة أخرى لماذا دانتي؟

منذ سنوات مراهقتي الأولى لم تكن اللُّغة العربيّة ولا الإيطاليّة هما اللَّتان قادتاني إليه، وإنّما الفرنسيّة، وأذكر أنّني آنذاك قرأتُ ترجمة الفيلسوف ورجل اللَّاهوت الفرنسي فيليسِتي دو لامونيه Félicité de Lamennais، فازداد شغفي بالأدب الإيطالي، وأحببتُ كلّ يوم أكثر فأكثر الطَّريقة الَّتي كان يعبّرُ بها دانتي عن فكره العرفاني الشّاهق، ممَّا جعلَ إيماني بمدى أهمِّيّة التَّرجمة والمترجمين في تلاقح الحضارات وتزاوج العقول وتلاقح القلوب المتنوِّرة، ونشر الفكر القائم على المحبّة السّامية، يترسّخُ بداخلي بشكل أقوى وأعمق يوماً بعد يوم، لا سيّما بعد ما قرأته في مقدِّمة فيليسِتي دو لامونيه من شروحات وافية شملت حياة دانتي، والظّروف السّياسيّة السّائدة آنذاك، وما اعتور الكنيسة من فساد في الحكم والإدارة لدرجة جعلت من دانتي يموضع في الجحيم العديد من الأسماء البابويّة والكهنوتيّة الشَّهيرة، وهذا أمر كان فيه نوع من الإشراق والاستشراف المستقبلي لما كان يجب أن تكون عليه أمور الحياة والدِّين بشكلٍ عام، ولطريقة تعايش هذا الأخير مع الواقع السِّياسي السَّائد، وهذا في حدّ ذاته فيه طرح مبكّر لقضيّة فصل الدِّين عن السِّياسة على ضوء ما تناوله في كوميدياه من الصِّراع القائم بين الكنيسة والحكم الإمبراطوري. فدانتي كما قال عنه البابا الحالي فرانسيس بيرجوليو في عيد ميلاده السبعمائة والخمسين، هو "نبي" من أنبياء الأمل، وأقول عنه إنّه "مبشّر" بالخلاص وبالتَّغيير العميق لكلِّ إنسان على هذه الأرض، لأنّه يدعوه مرّة أخرى إلى إيجاد ذلك المعنى الّذي فُقِدَ خلال هذا السَّفر الإنساني العجيب الّذي هو الحياة، لذا فإنِّي أعتبر دانتي من خلال كوميدياه الإلهيّة باباً من أبوابٍ عدّة قد تفيد الإنسان في العبور بالرُّوح من غياهب الظُّلمات والضّياع، والوصول بها إلى فراديس النُّور، حيث الحبّ وحده المخلّص، والمحبّةُ وحدها تُحَرّكُ الشَّمسَ وباقي الكواكب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سماع دوي انفجارات في أصفهان وتبريز.. ما الرواية الإيرانية؟


.. عاجل.. وفاة الفنان الكبير صلاح السعدنى عن عمر يناهز 81 عاما




.. وداعا العمدة.. رحيل الفنان القدير صلاح السعدنى


.. وفاة الفنان الكبير صلاح السعدني عن عمر يناهز 81 عامًا




.. المتحدة للخدمات الإعلامية تنعى الفنان الكبير صلاح السعدني