الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


[44]. رحلة المئة سؤال وجواب، حوار صبري يوسف مع د. أسماء غريب حول تجربتها الأدبيّة والنّقديّة والتّرجمة والتَّشكيل الفنّي

صبري يوسف

2019 / 1 / 20
الادب والفن


صبري يوسف

44. صدرت عام 2016 عن دار الفرات للثقافة والإعلام مجموعتُكِ القصصيّة (أنا رع)، تحدّثي عن هذا الإصدار القصصيّ؟

د. أسماء غريب

كلّما وقفتُ عند عتبة كتاب جديد لي، تبادرت إلى ذهني العديد من الأسئلة من قبيل، لماذا هذا العمل وكيف ولمن أوجّهه؟ وعليه فإن هذه المجموعة القصصيّة الجديدة تتطلَّب هي الأخرى الجواب عن هذه الأسئلة الَّتي قد تكون أسئلة المتلقّي أيضاً. أمّا وعن لماذا (أنا رع)؟ فالجواب يوجد في طيّات العنوان نفسه، فرَعْ هنا ليس فقطْ بطلاً من أبطال إحدى قصص المجموعة، وإنَّما هو حبل متين يجمع بين كلِّ جزء من أجزائها مهما تنوَّعت واختلفت شخصيَّاتها والأماكن الَّتي تتحرَّك فيها رفقة الأنا السَّرديّ الَّذي لا يفارقها ولو للحظة واحدة.

وبقدر ما يكون رَعْ إله الشَّمس العظيم، وفقاً لما ترويه الأساطير الفرعونيّة القديمة، فإنّه هنا مرادف لانبعاث الأنا السَّردّي من ركام الذّكريات المحكيّة، ليصل بشخصيّة الرَّاوي إلى مدارج السُّمو والرّقي، عبر عمليّة التَّحرر من كلّ تفاصيل الحياة اليوميّة سواء كانت مدوّنة في قالب سردي ذاتيّ واقعي، أو في آخرَ خياليّ، أو في ثالث يجمع بين العنصرين معاً، ليصبح السّرد مزيجاً بين ما هو ذاتيّ وما هو خياليّ غرائبيّ، وبين ما هو واقعيّ سحريّ.

تتكوَّن هذه المجموعة القصصيّة من نصوص سرديّة يفوق عددها الثَّلاثين موزّعة على خمسة فصول، كتبتها كاملة خلال عشر سنوات مضت، ومعظمها ذات طابع تعليمي بيداغوجي محض، انطلاقاً من كون رع السَّيِّد الكبير العارف، هو مربّي الإنسانيّة الأوَّل والسّاهر على تكوين ملامح شخصيّتها في كافّة مجالات العلوم والمعرفة. وبما أنّ كل إنسان هو مُزوّد بحضور رمزيّ لشمس رع الحمراء بداخله، فإنّ كلّاً منّا يناله نصيب من أنوارها وعطاياها كلّما نزلت بقاربها لتعبُر أنهارنا الدّاخليّة وتربّت على أكتافنا بيد من محبّة وعطف وحنان، يد هي قبل هذا وذاك بلسم فيه شفاء للناس من كلّ علّة وداء، وذلك لأنّها حينما تدخل مصْرَ البدن تطهرّه من كل درن أو رجس، وترفعه إلى قُدْس الرُّوح، وتفيض عليه بعد ذلك بأنهار وعيون من العلوم الصَّافية والنَّقيّة. وهذه العيون غالباً ما تكون مؤيّدة بقوّة وعِلْمٍ خاصّيْن.

لكنّ نفس الإنسان كالحيّة لا تثبتُ على مقام واحد، ولا على عطايا رعْ وإن كثرت، وغالباً ما تسعى إلى طلب المزيد ثمَّ المزيد، وقد يصلُ بها الأمر أن تؤثّر عبر قوّة الإلحاح الشَّديد حتّى على القلب، فيصبحُ كلامُها كلامهُ، ومطالبُها مطالبُه. وحينما يحدثُ هذا، يقع الهبوط مباشرة إلى أرض البدن، وبدل المنّ والسَّلوى يكتفي العقل والقلب معا بالبقل والقثاء والفوم والعدس، كناية عن العلوم الدّنيويّة. ولا يدري الإنسان كم من السِّنين تدوم حياته وهو على عتبة هذا النَّوع من العلوم وغيرها مما يشابهها، إلّا أنّه قد يحدث أن يحنّ القلب إلى زمن الصَّفاء والنّقاء الَّذي لا يشوبه شيء، لأنّه مجبول بالفطرة على قوّة الاتصال بصاحب العرش والشَّمس والسَّفينة، وكذا بعقول الأجداد والأولياء الصَّالحين، وبدل أن يظلّ مع رفقة آمون وسحرة معبده وما إلى ذلك من أسماء اتَّخذها آباءُ الحضارة الأولى المصريّة الفرعونيّة كرمز لمختلف مراحل السَّالك في دروب الرّوح، فإنّ الَّذي يحدثُ هو ثورة القلب على النَّفس، فيبدأ بالنِّداء على حورس العقل، ورع العين ليهبّان معاً إلى نجدته من وادي الثَّعابين ووحوش نيل النَّفس، ويظهر رعْ أو إله الشَّمس في أبهى تجلياته، لكن قبل هذا الظهور تحدث بعض الارتضاضات والزلازل في أرض مصر القديمة وتكون النَّتيجة أن يعلن الجسدُ حالة من الإعياء الشَّديد والتَّعب والإرهاق والمرض، إيذانا بقرب مرحلة جديدة في حياة صاحبه، مرحلة تُظهرُ له مكانته الحقيقيّة، ودرجة معارفه وعلومه الحقّة، وتحدِّد له بشكل أكثر وضوحاً، عِلمه القلبيّ الحقيقيّ، في يوم الجمعة، الَّذي هو يوم النّبوّة الخاتمة والوحدة الجامعة.

ويظلّ الإنسان هو الهمّ الرَّئيس في هذه المجموعة، وبطلها الأوَّل والأخير، فَهُوَ هنّا حورسيّ الحضور، يسعى دائماً إلى التَّعلّم من أخطائه، والتَّحوُّل من حالة إلى أخرى أفضل منها طلباً للتقدّم والتَّطوُّر الرُّوحي المُستمرّ إلى أن يصل إلى مقام الطَّمأنينة والسّلام رفقة شمس رع الرّاعية لكلِّ خطوة من خطواته، ليس لأنَّه إنساناً مؤلّها، أو سوبرمانيّاً ولكن لأنّه أوَّلاً وأخيراً، إنسانٌ من نورٍ وتراب، من ضعف وقوّة، من شيء ومن لا شيء. لذا، فإنّ هذه المجموعة تسعى ما أمكن إلى إظهار الإنسان في كلّ حالاته، القويّة والضَّعيفة، السَّليمة والعليلة، العارفة والأمّية، وذلكَ وعياً من الذَّات الرّاوية بضرورة تفادي كلّ إيديولوجية تسعى إلى تنصيب الإنسان إلهاً على غيره، لما عانته البشريّة عبر الحقب والعصور من عواقب وخيمة أتت على الأخضر واليابس، فقط لأنّ أحداً ما في فترة معيَّنة من التَّاريخ كان يحسب نفسه إلهاً دوناً عن بقيّة البشر. وعليه فإنّهُ في هذه المجموعة القصصيّة الجديدة لا تحدث المعجزات، وإنّما المعجزة الواحدة والوحيدة الَّتي قد تحدث هي كرامة الشَّفاء والانبعاث من بين الأنقاض الَّتي أمنحُها للقارئ من مخزون ذاكرتي الفعليّ والتَّخيّلي، وهذه هي القدرة الَّتي أشرتُ إليها بعين حورس في لوحة الغلاف، وصواع رعْ الّذي يحتضنه، كرمز للمعرفة والعلوم، والَّذي نهل منه العديد من أبطال قصص هذه المجموعة كالصَّغيرة سلاف، وليلو الجميلة، وساحر الحجر، والشَّمعة كيارا إلى غير ذلك من الحروف المنغمسة في إكسير المحبّة والانسجام والسّلام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال


.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81




.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد


.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه




.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما