الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حنين ينتصر دائما

حمدى عبد العزيز

2019 / 1 / 20
الادب والفن


صمدت أم كلثوم وصمد صوتها أمام هجوم اليمين الديني عليه والذي كان قد بدأ بعد نكسة يونيو 67 مباشرة على منابر المساجد وفي شرائط الكاسيت التي راجت في هذه الفترة للشيخ كشك صاحب الخطب الشهيرة التي كانت تتناول أم كلثوم بالسخرية وتنعتها بالكفر وتضليل المسلمين ، حين كان يطل علي المصلين في مسجد الملك الكائن في منطقة دير الملاك كل جمعة فتنتشر تلك الخطب علي الفور لتملي عباراته وغمزاته وتغنجاته الشهيرة في هذا الشأن علي اسمع راكبي التكسي والميكروباس وميكروفونات باعة الكتب الوهابية التي كانت تفترش الأرصفة في القاهرة ومدن عواصم الأقاليم وأطرافها ..

وخلافاً لذلك فقد صمد صوتها المتوهج بنبرات الوجد الصوفي أمام مراهقتي اليسارية ومراهقة غيري من بعض الذين كانوا يعانون من نفس تلك المراهقة التي رأته - تعسفا - كأداة برجوازية من أدوات تزييف الوعي ، ووصفت غنائها بغناء المساطيل والمغببين عن الوعي!!!

هذا حدث حين كنت أحد المصابين بالمراهقة الثورية في شبابي وتمردت مع من تمردوا - وضمن ماتمردت - على صوت أم كلثوم
واتذكر أنني سرعان ماأدركت بعد ذلك بسنوات أن ذلك دليلاً علي عدم عمق ثقافتي ودليل علي عدم الوصول إلي حالة متوازنة من النضج الفكري..

اعترف أنني وقتها لم أكن قد وصلت إلى مستوى ما في الوعي والعمق الفكري والحس الجمالي يسمح لي بتناول أم كلثوم كظاهرة فنية مصرية وجدانية أصيلة وبديعة
رغم أنني كنت اشاهد واسمع كثير من اقاربي وأهلي وجيرانهم في الريف يمزجون همومهم وافراحهم وخلاصة تجاربهم الحياتية اليومية بغناء مقاطع من أغاني "الست" كما كانوا يطلقون عليها ..

يبدو أنني لم أكن قد نضجت بعد وعرفت الفارق بين الغناء الذي يعبر عن الروح المصرية العميقة ، عندما كنت أري ظهورا منحنية علي وجه الحقول تنظم إيقاع ضربات الفؤوس علي إيقاع ماينشدون لأم كلثوم .

، أو أولئك الفلاحون الذين رأيتهم يلصقون آذانهم بالراديو الترانزستور الصغير الذي يحمل علي ظهره حجري بطاريتين محزمين برباط المطاط "الأستيك" ليستمعون إلي الست وهم يسهرون إلي جانب السواقي الدائرة علي حواف الترع لري زراعاتهم ..

ثم لماذا لم التفت وقتها لكون أن صوت أم كلثوم كان أحد مستلزمات السهر علي مذاكرة غالب طلاب المدارس الثانوية وطلاب الجامعات المصرية في الأجيال التي كانت تسبق أجيالنا؟

يالها من مراهقة غبية
ألم تكن سهرة الخميس الأول من كل شهر هي سهرة أبي وأمي المفضلة بجوار الراديو الخشبي الكبير الذي كان يقبع فوق رف خشبي خاص علي الحائط؟

ألم يكن ذلك مايجري عند جيراننا وشباب وبنات جيراننا ، وماكان يحكي لي أصدقائي أنه جري عندهم كذلك عقب كل أول خميس في كل شهر ؟

ألم أكن أنا أرتدي ملابس المدرسة صباحاً بمصاحبة صوتها في أغنيتها الشهيرة "ياصباح الخير ياللي معانا"

ثم أنني بعد أن رحلت أم كلثوم بسنوات كنت أبكي كطفل يعاني من يتم عميق وصولاً إلى درجة النهنة وأنا استمع الى صوتها
أتذكر إنهمار دموعي بغزارة وهي تغني المقطع

(( كانلك معايا
أجمل حكايه
ف العمر كله ))

ولا أعرف حتى الآن سر كل هذا البكاء الذي انفجر داخلي
.. ربما كان هذا تكفيراً عما كان من مراهقة ودعتها - في ذلك الوقت - إلي الأبد ؟
ـــــــــــــــــ
حمدي عبد العزيز








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج المغربي جواد غالب يحارب التطرف في فيلمه- أمل - • فران


.. الفنان أحمد عبدالعزيز يجبر بخاطر شاب ذوى الهمم صاحب واقعة ال




.. غيرته الفكرية عرضته لعقوبات صارمة


.. شراكة أميركية جزائرية في اللغة الانكليزية




.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر