الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عفرين مجتمعاً وجغرافيا بين العمق التاريخي والصراع السياسي

بير رستم
كاتب

(Pir Rustem)

2019 / 1 / 22
القضية الكردية



مقدمة وتمهيد:
إننا نود أن نقف على واقع منطقة عفرين تاريخياً وديموغرافياً وذلك قبل الذهاب إلى قضايا الصراعات الإقليمية والجيواستراتيجية والمتعلقة بأطماع عدد من الدول الإقليمية والأوربية الغربية بخصوص الاستفراد بهذه المنطقة والتي يبدو إنها باتت استراتيجية لعدد من تلك الدول ومصالحهم الحيوية وبالتالي نجد اليوم بأن المنطقة _ونقصد عفرين_ تعيد سيناريو مشابه لما حدث في سوريا منذ سبع سنوات حيث باتت جيوش عدد من الدول تقف على الحدود ومنها من تحاول السيطرة عليها مثل تركيا مع مجاميع من المعارضات والميليشيات الإسلاموية والتي تم جمعها تحت مسمى "الجيس الوطني أو الحر" في حين هناك كل من روسيا والنظام ينتظران اللحظة الحرجة؛ ما قبل الوقوع وبالتالي إنتظار اللحظة المناسبة وإقتناصها وذلك عندما تضطر القوى المدافعة عن المنطقة والإدارة الذاتية الكردية فيها من وحدات حماية الشعب (YPG) والمرأة (YPJ) بالمطالبة بالحماية من الإعتداءات التركية والجماعات التي تأتمر بأوامرها من المعارضة السورية وربما الأمريكان هم الآخرين ينتظرون تلك اللحظة لكي يجبروا الأتراك _حلفائهم في الناتو_ بأن تقبل بالوجود الكردي على حدودها الجنوبية الشرقية أو ترسل جنودها كما في شرقي الفرات لتكون قوات فصل ومراقبة على تلك الحدود وقد تكون هناك مخرجات دولية؛ بأن تصبح عفرين تحت الحماية الدولية وترسل الأمم المتحدة قوات دولية للفصل ومراقبة الحدود ومناطق التوتر والصراع بين الكرد والأتراك، لكن وقبل البحث في تلك القضايا والمخرجات دعونا نتعرف على عفرين جغرافياً وسكانياً ديموغرافياً.

جغرافية عفرين وخصوبة أراضيها:
عفرين؛ هي المدينة والمنطقة الجغرافية التي تشكل الجزء الغربي من كوردستان أو الإقليم الكوردستاني الملحق بالدولة السورية إنها “إحدى مدن محافظة حلب ومركز المنطقة عفرين، تشكل أقصى الزاوية الشمالية الغربية من الحدود السورية التركية، يحدها من الغرب سهل العمق – لواء اسكندرون والنهر الأسود الذي يرسم في تلك المنطقة خط الحدود، من الشمال خط سكة القطار المار من ميدان أكبس حتى كلس، من الشرق سهل أعزاز ومن الجنوب منطقة جبل سمعان. ومنطقة عفرين منطقة جبلية معدل الارتفاع 700 – 1269 م، أعلى قمة فيها الجبل الكبير (كريه مازنGirêMazin) الذي يعد جزءاً من سلسة جبال طوروس في سوريا، يبلغ عرضها _أي عرض المنطقة_ من الشرق إلى الغرب 55 كم وطولها من الشمال إلى الجنوب 75 كم، بمساحة تقدر بحوالي 3850 كم2 أي ما يعادل 2% من مساحة سوريا تقريباً”. وهكذا فإن منطقة عفرين هي “إدارياً تتبع محافظة حلب، ومركزها مدينة عفرين التي تبعد عن حلب 63 كم، عدد سكان المركز حوالي 80 ألف نسمة _قبل الثورة السورية وحالياً تقول الإحصائيات بأن عدد سكان المدينة ربما تجاوز الضعفين بكثير_ وتتألف بالإضافة إلى مركز مدينة عفرين من سبع نواح هم: (شران، شيخ الحديد، جنديرس، راجو، بلبل، المركز ومعبطلي) وكذلك من 366 قرية، ويبلغ مجموع عدد سكان منطقة عفرين (523,258) نسمة* حتى تاريخ 31.12.2010” وهم من الكورد مع نسبة ضئيلة من العرب ويتواجدون في مركز المدينة وناحية جنديرس، طبعاً النسبة السكانية السابقة هي بحسب الاحصائيات الرسمية، لكن بالحقيقة الرقم ربما يكون الضعف واليوم يتجاوز المليون والنصف بسبب وفود النازحين من مناطق التوتر والصراعات في سوريا.

وبخصوص إسم عفرين تقول المصادر “..تعددت الآراء والأقاويل حول أصلها، فمنهم من يجعله كردياً صرفاً من Ava riwênأي الماء الحمراء العكرة. أما أول ذكر لاسم عفرين بشكله الحالي من حيث اللفظ والمعنى، فقد جاء في نصوص آشورية تعود إلى القرن التاسع على شكل Apre وبنفس الشكل تقريباً في نصوص تاريخية للمؤرخ سترابون منذ القرن الخامس قبل الميلاد، ويجمع المؤرخون أنApتعني الماء في اللغات الآرية القديمة، وهي الكردية الحالية وربما تعني مجرى أو مسيل ماء وهناك من يقول أن تسمية عفرين جاءت من كلمة (عفرو) وتعني بالآرامية الأرض الخصبة كما جاء في المعجم الجغرافي السوري / المجلد الرابع صفحة 314”. وإن تاريخ المنطقة السياسي تقول بأن “في القرن التاسع عشر توطدت السلطة المركزية في الدولة العثمانية في سوريا وترسخت على حساب الحكم الذاتي المحلي، مما أدى إلى زوال الزعامات التقليدية المحلية وظهور طبقة ارستقراطية جديدة تشكلت من ملاّكي الأرض الكبار (الاقطاعيين)، وبالتالي فقدت الزعامات القديمة سلطتها ونفوذها مفسحة المجال للزعامات الجديدة، وهكذا اختفت العشائر والعلاقات العشائرية وتحولت البنية العشائرية لبنية اقطاعية كما باقي المناطق، فبعد أن كان الزعيم يستمد سلطته ونفوذه سابقاً من العلاقات الاجتماعية (العشيرة، الأسرة)، أصبح يستمدها من قوته الاقتصادية، ومن اتساع رقعة الأرض التي يملكها. وبعد أن كان الولاء للعشيرة وشيخها، أصبح للأرض ومالكها الإقطاعي، فلم يعد الفلاح مرتبطاً بعشيرة أو زعيم معين، وإنما بالأرض التي يعمل فيها وبالاقطاعي (الآغـا المالك)، وتطورت العلاقة والبنية الاجتماعية، وتحولت من العشائرية إلى الاقطاعية. واستمر الوضع على هذا النحو حتى بداية ستينات القرن العشرين، حيث بدأ بعدها الزعماء الاقطاعيون يفقدون سلطتهم ونفوذهم تدريجياً بعد تفكك وتفتت الإقطاعات وانتهى عصر الإقطاع في عفرين وكافة مناطق سوريا”.

العمق التاريخي والحضاري للمنطقة:
إننا ومن خلال السرد السابق نتأكد بأن للمنطقة جذور حضارية تمتد إلى العمق التاريخي وذلك لكون المنطقة تتمتع بمناخ طبيعي خصب يساعد على العيش وبناء القرى الزراعية والرعي حيث الغطاء النباتي المتنوع وكذلك الينابيع الطبيعية وأيضاً لوجود مجرى نهر عفرين في وسط المنطقة. وهكذا فإن منطقة عفرين ومن حيث المناخ الطبيعي والجغرافيا فإنها “متنوعة في جغرافيتها بين السهول والجبال ويمر بها نهر عفرين _كما ذكرنا_ والذي يمتد في سوريا مما يقارب 85 كم ويعتبر هذا النهر وروافده من أهم المصادر المائية لهذه المنطقة الزراعية” و”..لقرب منطقة عفرين من البحر _ونقصد البحر الأبيض المتوسط_ يعتبر مناخها متوسطياً، حيث أنه معتدل صيفاً وبارد شتاءً والأمطار غزيرة نسبياً ويهطل فيها الثلوج؛ لهذا تعتبر منطقة خصبة ونموذجية للزراعات المتوسطية، فالمناخ المتوسطي ووجود الوديان والسهول والجبال وخصوبة التربة ووفرة المياه في منطقة عفرين جعلها مناسبة لكل الزراعات المتوسطية، حيث تزرع الحبوب: قمح، عدس، شعير… والخضار بأنواعها والقطن والشوندر السكري والحمضيات والتفاحيات والعنب والفواكه الأخرى، أما الزراعة الرئيسية التي تشتهر بها منطقة عفرين وتعتبر رمزاً لها فهي الزيتون الذي يزرع في كل أنحاء وقرى المنطقة دون استثناء، ويفوق عدد أشجارها الثلاثة عشر مليون شجرة”. ومن حيث الغابات فإن المنطقة تتميز “بوجود غطاء حراجي طبيعي وغابات صناعية غرست من قبل الدولة والأهالي، إذ يعد الأكبر في محافظة حلب، والأشجار الحراجية في معظمها صنوبرية إلى جانب السرو، وهذا الغطاء الحراجي والغابات يستفاد منهم في استخراج الأخشاب وإنتاج البذور من أشجار الصنوبر المثمرة، كما يمكن الاستفادة من هذه الحراج في تنشيط السياحة”.
ولذلك ومع وجود هذا الغطاء النباتي المتنوع فإن المنطقة كانت ملائمة لتربية الحيوانات ولا سيما الماشية منها، لكن هذه الثروة الحيوانية تراجعت كثيراً في السنوات الأخيرة مع فقدان المراعي والاستقرار السكاني وإنتشار حقول الزيتون، حيث اليوم “لا وجود لقطعان الماشية، ولكن توجد بعض الأسر التي تربي عدداً محدوداً من الماعز أو الغنم التي إنتاجها بالكاد يفي حاجة الأسرة ذاتها”. وأما من حيث الصناعة والتجارة فإن “أهم الصناعات هي صناعة السجاد اليدوي التقليدية، والصناعات الشهيرة والمرتبطة بالزيتون مثل استخراج زيت الزيتون وصناعة الصابون والبيرين وهذه تعتمد على زراعة الزيتون وتتأثر به، وتعد عفرين مركز هام في هذا المجال في سوريا. وتنتشر في المنطقة المنشأت والمعامل والمصالح والمحلات التجارية الهامة في عفرين والمناطق التابعة لها، إضافة للصناعات المختلفة كالمصنوعات التراثية والصناعات الحديثة”. وتقدر عدد معامل/معاصر إستخراج زيت الزيتون بـ(250) منها (92) معصرة حديثة متطورة و (158) معصرة فنية قديمة، ويبلغ عدد معامل البيرين في المنطقة (18) معملاً، وعدد معامل الصابون (10) معامل.
ونظراً لما “تتمتع عفرين بموقع رائع وطبيعة خلابة من الغابات الطبيعية التي تغطي بقعه كبيرة من المنطقة إضافة للغابات والاحراج الجديدة التي تم تشجيرها.. ولجمال المنطقة وهوائها العليل وانتشار الينابيع الطبيعية والجبال والمناطق الخضراء وانتشار المواقع الأثرية الهامة” فيمكن لها أن تجذب السياح إلى عفرين، لو تم الإهتمام بها بحيث يتم تشييد المنشآت والطرق السياحية وعلى العموم كانت بعض المنطاق الأثرية تشهد بعض الحركة السياحية وعلى الأخص الداخلية وكان متوقعاً أن تزداد وتنشط المنطقة أكثر لجذب المزيد من السياح والمصطافين لولا الوضع المأساوي والكارثي والذي دخل إليه الشعب السوري نتيجة السياسة المدمرة للنظام البوليسي الأمني في سوريا. وكذلك فإن ضعف حركة السياحة _سابقاً_ كانت جزء من سياسة النظام العروبي البعثي في تهميش المنطقة وافتقاد المنطقة من أي تسليط للضوء عليها وعلى الجانب السياحي في الإعلام المركزي السوري. وذلك “بالرغم من أن عفرين _وكما نوهنا سابقاً_ تملك جميع الامكانيات اللازمة للسياحة اعتبارا من الطقس المعتدل والجميل وصفاء سمائها و جوها العليل إلى توفر الغابات الجميلة والخلابة وينابيع المياه العذبة ونهر عفرين كما أنها تحتوي على العديد من الأماكن الأثرية مثل "مغارة دو ده رية" وقلعة النبي هوري وموقع عينداره وقرى كفرانو وكيمار وبراده وأخيراً قلعة سمعان الأثرية على حدودها مع المناطق العربية وغيرها الكثير من المناطق السياحية، لكنها _وللأسف_ تفتقد إلى الخدمات اللازمة للسياحة من المطاعم والفنادق وغيرها كما أنها لا تجد النور بسبب ضعف الدعاية لها”.

وجود العرب في المنطقة وفق قوانين عنصرية:
طبعاً هذه الطبيعة الخصبة والأراضي الزراعية كانت السبب في استقرار الشعوب والحضارات منذ القدم وربما إكتشاف موقع كهف دودري و"الطفل العفريني" الذي يعد أحد أقدم ثلاثة هياكل عظمية مكتشفة في العالم حيث يعود تاريخه لما قبل أربعين إلى مائة ألف عام قبل الميلاد وقد وجد جثمانه في ذاك الكهف الأثري من قبل بعثة أثرية يابانية سورية مشتركة ومع وجود عدد آخر من المعابد والآثار والأوابد الحضارية، مثل "معبد عين دارا" وكذلك "معبد مار مارون" و"نبي هوري" فكلها تشير إلى قدم وجود الحضارات في هذه المنطقة الخصبة، وهكذا فإن خصوبة أراضيها الزراعية جلبت الكثير من الشعوب والأطماع _قديماً وحديثاً_ لكي تستولي عليها، لكن ولأقل من قرن من الزمن كان قد أصبح الكرد هم السكان الوحيدين الذين يستوطنون قرى ومزارع هذه المناحي من سهل العمق ونواحي بلبلة وراجو من منطقة عفرين وذلك إلى أن كان الجلاء وإستقلال سوريا ومن ثم سيطرة البعث في ستينيات القرن الماضي مع ما سمي حينها بـ"الحركة التصحيحية" وما رافقها من قوانين عنصرية شوفينية مثل (الحزام العربي) الذي طبق في الجزيرة وقد تم تطبيقه في عفرين تحت مسمى "الاصلاح الزراعي" حيث تم الاستيلاء على أراضي زراعية شاسعة من إقطاعي المنطقة وبدل التوزيع على فلاحي وفقرائها فقد تم جلب عناصر عربية من أرياف حلب وإدلب والرقة ووزعت تلك الأراضي عليهم حيث نجد اليوم؛ بأن كل القرى التي تتوزع على ضفاف نهر عفرين في المناطق السهلية الخصبة هي قرى _بل مستوطنات_ عربية تم زرعها في المنطقة الكردية بقوانين بعثية استثنائية ولذلك فإن الديموغرافيا السكانية اليوم تتوزع بغالبية كردية مطلقة تتجاوز الخمسة والتسعين بالمائة والبقية هم من العرب الذين تم جلبهم بقوانين عنصرية شوفينية _الاصلاح الزراعي_ وقلة قليلة نزحوا من "لواء اسكندرون" بعد إنهيار الخلافة العثمانية واستيلاء تركيا عليها وفق معاهدات دولية.

الحركة السياسية الكردية وبدء الصراعات:
إن تلك السياسات العنصرية بحق المنطقة وشعبنا وكذلك بروز دور الحركة الوطنية وثوراتها في عدد من الأقاليم والأجزاء الكردستانية الأخرى وتأثيرها على أبناء الجزء الملحق بالدولة السورية ومنها أبناء منطقة عفرين فقد ذهب بعض الشخصيات الوطنية المتنورة إلى تشكيل أول حزب سياسي كردستاني "كردي" في سوريا عام 1959م وذلك عندما تأسس الحزب الديمقراطي الكردستاني من قبل اللجنة التحضيرية وبالمناسبة كان أربعة أشخاص من أصل سبعة _من الذين كانوا يمثلون اللجنة التحضيرية_ هم من عفرين وهم كل من السادة؛(محمد علي خوجة ورشيد حمو وشوكت حنان وخليل محمد)وذاك دلالة واضحة على التطور الاجتماعي والثقافي للمنطقة ودور النخب الفكرية والثقافية والتي انعكست على الواقع المجتمعي للمنطقة حيث تعتبر عفرين هي المنطقة الوحيدة التي تم تجاوز القبلية والعشائرية فيها وذلك على عكس المناطق الكردية الأخرى، وربما نادراً تجد من يعرف بعفرين إلى أي قبيلة او عشيرة ينتمي، بينما إخوتهم في المناطق والأجزاء الأخرى ما زالوا يفتخرون بذاك الإنتماء الاجتماعي، بل إنه يسجل في البطاقة التعريفية _الهوية الشخصية_ في بعض مناطق كردستان. وهكذا يمكننا القول؛ بأن عفرين قد عرفت العلاقات الاجتماعية المدنية قبل غيرها من المناطق السورية والكردستانية الأخرى ولأسباب عدة تتعلق منها أولاً بالاستقرار وتكون القرى الزراعية الأولى في منطقة ميزوبوتاميا وكردستان إضافةً إلى إنها كانت ملتقى حضارات قديمة عدة وتلالها الكثيرة تشهد على ذلك.. وإن هذا الوعي الاجتماعي الحضاري المدني إنعكس في العلاقات البينية الداخلية حيث رأينا دور المرأة العفرينية إلى جانب الرجل؛ كون هناك تقاليد كردية تحترم المرأة ومكانتها في العائلة وعندما توفر الوعي المجتمعي فقد باتت المرأة العفرينية رمزاً للمرأة التي تمارس حريتها في بيئات إجتماعية محيطة تقيد المرأة بالعزل والحجاب والعورة وغيرها من التقاليد المتوارثة دينياً ومجتمعياً وربما ما نجد اليوم من مقاتلات كرديات جميلات ليس إلا نتاج ذاك الوعي الاجتماعي بمكانة المرأة وكذلك فإن الكثير من العادات مثل مفاهيم الثأر والعداوات القبلية ألغيت في بيئة عفرين المجتمعية وبالتالي وجدنا مجتمعاً أقرب للحالة المدنية منها للعلاقات الريفية والبدوية.

بكل تأكيد هذه الخصائص البيئية الجغرافية وكذلك الحضارية جذبت أطماع الكثيرين؛ شعوب ودول لتكون عفرين واحة حضارية من حصتها وقد حاولت تركيا ووفق الاتفاق الملي لعام 1919 أن تضم عفرين كجزء من ولاية حلب لدولتها الناشئة، لكن الأطماع الفرنسية وتمرد السكان ضد الأتراك ومقاومتهم لحركة المريدين التي تشكلت لمساندة الخلافة العثمانية في أيامها الأخيرة، لكن أغلبية المواطنين العفرينيين وقفوا ضد الحركة وخاصةً إنهم كانوا قد لاقوا الأمرين على يد الأتراك خلال المرحلة العثمانية المتأخرة، مما ذهبت بعفرين لتكون جزء من الحصة الفرنسية كدولة استعمارية ومن ثم جزء من الدولة السورية الحديثة وفق المعاهدات الدولية _"سايكس بيكو" وغيرها_ وذلك إثر الحرب العالمية الأولى، لكن وللأسف فإن سياسات العرب تجاه المنطقة وشعبها وسكانها الكرد _وخاصةً بعد استيلاء البعث على السلطة عام 1963_ لم تكن بأفضل من سابقاتها من حكومات الأمراء والخلفاء العثمانيين، مما دفع ببعض المتنورين الكرد للبحث عن حلول ومخارج لأزمات ومشاكل شعبنا في المنطقة وعموم الجزء الكردستاني الملحق بالدولة السورية، لكن تدخل حكومات إقليمية ودولية في صراعات المنطقة ومنها الحكومة السورية وأجهزتها الأمنية شتت الحركة الكردية بين عدد من الأحزاب والأقطاب وللأسف فإن الخلافات الكردستانية زاد من حدة تلك الصراعات والتي تفجرت في عدد من الصدامات وخاصةً بين ما عرف في الستينيات من القرن الماضي بين تياري اليمين واليسار داخل الحركة ومؤخراً بين البارزانية والأوجلانية والتي أزدادت من الشروخات بعد أن أنهارت الحوارات الكردية الكردية برعاية رئيس إقليم كردستان؛ السيد "مسعود بارزاني"، لنصل اليوم إلى مرحلة الاتهام بالخيانة والعمالة للطرف الآخر وما يخشى هو من تداعيات الصراع في المرحلة القادمة، إلا إن كانت هناك مصالح دولية تجبر الطرفين على الجلوس لطاولة الحوار والمفاوضات مجدداً، لكن يبدو وفي ظل الأجواء والمناخات الراهنة، بأن صراعات المنطقة تخدم تلك الحكومات الإقليمية والدولية ومنها الصراع الأخير أو ما سمته تركيا بعملية "غصن الزيتون".

صراع الدول والأجندات على _وفي_ عفرين:
طبعاً وقبل الحديث عن معركة عفرين أو ما سمتها تركيا ب"غصن الزيتون" وذلك في محاولة سافرة منها لتجميل وجه القباحة واعتدائها على المنطقة وكذلك قبل الخوض في أي تفسيرات عن تداعيات هذه الأزمة، يجب أن ندرك خصوصية المنطقة لمجموع الدول الإقليمية والدولية الفاعلة في صراعات المنطقة حيث وبالإضافة لما ذكرناه عن عفرين من النواحي الديموغرافيا والجغرافية المناخية، فإن الدوافع الأكثر تحريكاً للعمليات العسكرية صوب هذه المنطقة هي الدوافع والعوامل الجيواستراتيجية حيث لو نظرنا للخارطة السورية وقرب منطقة عفرين من البحر الأبيض المتوسط _تقريباً 33كم_ وعرفنا بأن الصراع بالأساس في سوريا هو على جغرافيها وساحلها كبيئة وخزان للغاز من جهة ومن الجهة الأخرى كخط مرور لإيصال نفط وغاز المنطقة للقارة العجوزة الباردة؛ "أوربا" وهي محاولة أو مخرج لكسر الإحتكار الروسي والذي يوصل النفط دون منافس لتلك القارة وبالتالي التحكم بقرارها السياسي من خلال أنبوب الغاز وما كانت من مجموع الضغوطات على بعض الدول الإقليمية ومنها الحكومة السورية إلا محاولات من القارة نفسها مع حاميتها الولايات المتحدة الأمريكية وذلك لإخراج أوربا من تحت الوصاية الروسية من خلال إيصال النفط القطري عبر الأراضي السورية إلى ميناء جيهان التركي حيث كانت القمة الرباعية عام 2009 بين كل من سوريا وتركيا وقطر وفرنسا، لكن أفشل الاتفاق بضغط روسي إيراني وبدل بإتفاق الأخيرتين مع الحكومة السورية لإيصال النفط الإيراني للساحل السوري، مما أشعلت "الثورة السورية" وقبلها كل حروب المنطقة حيث يتم زرع قواعد عسكرية فيها لضمان المصالح الجيواستراتيجية لتلك الدول والشركات متعددة الجنسيات. وهكذا وجدنا بأن كرة النار تدحرجت في كل المنطقة لتشعل "ثوراتها" خدمةً لتلك المصالح والأجندات وبالتالي فإن الكل يريد أن يستولي على أكبر جغرافية "مفيدة" ممكنة لتقوية أوراقه السياسية مستقبلاً على طاولة المفاوضات _أو بالأحرى؛ طاولة تقسيم النفوذ والمصالح_ وإن حرب تركيا على عفرين جزء من ذاك الصراع الذي ربما تورطت فيها وورطت المنطقة وسكانها من أبناء شعبنا الكردي.

كما علينا ومن جانب آخر _بخصوص العدوان التركي على عفرين_ أن نقف بعمق على الأزمة التي تعيشها حكومة العدالة والتنمية في السنوات الأخيرة حيث حينها؛ أي عند التعرف على أزمة هذه "الحكومة النيوإخوانية"، يمكننا فك خطوط الإرتباط بين عدد من المعادلات السياسية في المنطقة حيث وبعد وصول هذا الحزب لسدة الحكم في تركيا وتحقيق نوع من الاستقرار السياسي وذلك بعد أن وعدت بحل عدد من المعضلات السياسية العالقة وعلى رأسها المسألة الكردية والبدء بالحوار مع حزب العمال الكردستاني من بعد عقود من الحرب المدمرة وخاصةً في المناطق الكردية، تفاءل الكثيرين الخير والاستقرار للمنطقة وتركيا. وهكذا فإن الأجواء السياسية السابقة شكّلت أرضية مناسبة لأن تحقق تركيا تنمية اقتصادية خلال العقد الأول من حكومتها والتي جدد لها الناخب التركي بعد أن رأى إنعكاسات سياساتها على الوضع الأمني والمعاشي، مما دفع بالغرب والأمريكان على وجه الخصوص لأن تنظر لهذه التجربة النيوإخوانية، بأنها ربما تكون البديل عن تجربة العسكر وحكوماتها الاستبدادية الشمولية في المنطقة، لكن وبحكم البنية الفكرية للإخوان وعموم الفكر الديني القائم على "الحاكمية المطلقة" وكذلك فإن دور "الدولة العميقة" وبعض الصفات السايكولوجية الزعاماتية لبعض القيادات النافذة في حزب العدالة والتنمية ومحاولة إحياء أمجاد السلطنة والسلاطين -وهنا تحديداً نقصد شخصية الرئيس رجب أردوغان- فإن التجربة أنزلقت إلى الدولة التوتاليتارية البطريركية الشمولية، مما جعل الغرب والأمريكان يعيدون حساباتهم مع هذه التجربة الإسلاموية الجديدة.


وهكذا وبعد أن حاول الغرب تسويق تلك التجربة بديلاً عن حكومات العسكر فإنها انقلبت عليها وخاصةً مع وصول الإخوان في مصر لسدة الحكم ومحاولات تركيا وضع هذه الحكومات وعموم المنطقة العربية تحت نفوذها من خلال ركوبها على ما عرف بالثورات العربية وذلك في مسعى منها لإعادة الخلافة العثمانية بوجهها النيوإخواني وعند ذلك أستنفرت بعض القوى الإقليمية وبمساعدة أمريكية غربية لإيقاف هذا التمدد الإخواني وهكذا فإننا رأينا إجهاض التجربة الإخوانية في مصر بعد أن كانت قد باركتها في مرحلة سابقة الولايات المتحدة بحضور رئيسها السابق؛ "باراك أوباما" إلى العاصمة المصرية.. طبعاً كانت هذه المقدمة ضرورية لكي نعرف؛ أين كانت حكومة العدالة والتنمية وإلى أين وصلت وما هي المآلات التي ستؤول إليها بعد هذه الانتكاسات السياسية والأزمات التي كادت أن تودي بحكومة العدالة والتنمية مع محاولة الانقلاب العسكري الأخيرة.

إذاً علينا أن نعلم جيداً بأن حكومة العدالة والتنمية تعيش عدد من الأزمات، ليس على المستوى السياسي فقط، بل كذلك الأمني والاقتصادي ومن المعلوم أن هذه الحكومات الأبدية الشمولية وبدل أن تقدم استقالتها إعلاناً لفشلها، فإنها تلجأ للهروب إلى الأمام وذلك من خلال خلق مجموعة أزمات جديدة لتغطي على فشلها وإن أكثر الخيارات المجدية _بنظر هؤلاء_ هو البحث عن عدو "خارجي أو داخلي" وذلك لصرف الاحتقان الشعبي وغضبها وقد لجأت إليها كل حكومات المنطقة. وهكذا يمكن فهم المعركة أو بالأحرى العدوان التركي الأخير على المنطقة ضمن سياقات البحث عن مخارج لمجموع الأزمات والمشاكل التي تعاني منها العدالة والتنمية وإن كل "ذرائع" تركيا؛ بأن (أمنها القومي مهدد بحكم هيمنة حزب العمال الكردستاني على الإدارة الذاتية في روج آفا والشمال السوري) هي حجج واهية ولا تقنع أحد، بما فيها العدالة والتنمية ولأسباب عدة وأهمها؛ تأمين الحدود من جانب هذه الإدارة في كل فترة الأزمة السورية، مما يسقط حجة العدالة والتنمية، ناهيكم عما ذكرنا سابقاً من أطماع تركيا بضم لواء حلب والتي تعتبر عفريم جزء منها لدولتها حيث ما زالت تعتبر بأنها جزء من حصتها بأراضي الخلافة العثمانية التي تم تقاسمها بين الدول الإستعمارية.


وبالتالي يمكننا القول؛ بأن واقع حكومة حزب العدالة وأزماتها ومشاكلها الداخلية هي التي ورطت الجيش التركي في "الوحل العفريني" وذلك قبل أن يورطه أحد آخر، رغم إننا ندرك بأن كل من الروس والأمريكان لهم مصلحة في تورط المنطقة بالمزيد من الحروب والأزمات حيث هذه الحروب تزيد من فرص بقاء هذه الدول في المنطقة وسيطرتهم عليها، بل تحقق المزيد من الأرباح لشركات النفط والإنتاج الحربي العسكري ولذلك فإن هذه الدول بالتأكيد لها مصلحة بتوريط الكل وخاصةً الروس حيث لهم المصلحة الأولى؛ كونها من جهة ستضعف تركيا وتحد من تأثيرها ليس فقط في الملف السوري، بل كذلك تضعف من تدخلها في دول القرم ذات الثقافة التركية ومن جهة أخرى من مصلحة الروس أن تكون هناك مواجهة تركية أمريكية من خلال المواجهة الكردية التركية، فإن الأمريكان مجبرين على الخيار بين أحد حليفين لها في المنطقة وأخيراً؛ إضعاف الكرد في محاولة لإخضاعهم للقبول بما ستخرج بها "سوتشي" من توصيات وقرارات بخصوص الملف السوري عموماً.

وهكذا فإن الغرب والأمريكان على وجه الخصوص، يفكرون بطرريقة براغماتية تحقق مصالحهم ولا يهمهم مسألة الخيانات مع الحلفاء أو الأصدقاء، بل ليس في عرف هؤلاء صداقات سياسية أيدلوجية وإنما مصالح ومكاسب إقتصادية،إنهمعموماً لايفكرون بالطريقة الشرقية حيث الخيانة والأمانة، لكن وإن أعتمدنا هذه المصطلحات؛ فإن الغرب عموماً مستعدين لخيانة الجميع إلا مصالحهم الحيوية في العالم وبالتالي علينا أن ندرك بأن مساعدتهم للكرد -أو غيرهم- تعتمد على قدرة هذا الغير (الآخر) القيام بما هو مطلوب منه وقدرتهم على الدور الموكل لهم لتحقيق "شراكته" أو بالأحرى (واجبه) بالحفاظ على مصالح الشريك الأكبر وأعتقد بأن القيادات الكردية في روج آفاي كردستان وعموم المنطقة باتت تدرك هذه الحقيقة وخاصةً بعد عدد من التجارب المريرة مع الغرب والأمريكان وبالأخص تجربة كركوك ومسألة استفتاء إقليم كردستان ولذلك لا "خيانات" في عرف السياسة وأنما تقاطع مصالح وهكذا وبقدر قدرة الكرد على "الوفاء" بالتزاماتهم، فإن الغرب والأمريكان سيقدمون لهم بعض الامتيازات والمكاسب السياسية، لكن بالأخير لن تكون هناك حلول استفرادية في سوريا والمنطقةبحيث يتسيد أحد الأطراف -الإقليمية أو الدولية- على المشهد السياسي، بل لا بد من توافق سياسي وطني بين مختلف المكونات المجتمعية والسياسية في البلدوبرعاية دولية-إقليمية وذلك ضمن سوريا اتحادية ديمقراطية توافقية.


كلمة أخيرة:
عفرين لها تاريخها وواقعها الديموغرافي السكاني وصحيح إنها تتعايش مع الجيران وداخلها وفق عقلية أقرب للحالة المدنية منها لقيم القبيلة والأعراف العشائرية، لكن بالتأكيد تعتز بهويتها وشخصيتها الكردية وبالتالي سيكون من شبه الاستحالة القبول ببعض المخططات الإقليمية التي تحاول تغيير الطابع الديموغرافي للمنطقة، كما تريدها تركيا من خلال إسكان مكونات أخرى مثل العرب والتركمان .. نعم العفرينيين رحبوا بأولئك الإخوة من المكونات الأخرى كنازحين وهاربين من الحرب ومناطق النزاع والصراعات وفتحوا أبواب بيوتهم لهم، لكن ومن المؤكد فإنهم لن يسمحوا بأن يستولي على أراضيها وبلداتها أي طرف إقليمي أو دولي بهدف مخططات استعمارية، إستيطانية.. أما بخصوص الهجوم التركي على عفرين وعمليات ما تسمى بـ:غصن الزيتون" فيمكننا القول مجدداً: بأن يمكن للجيش التركي والميليشيات الإسلاموية التي تأتمر بأمرها أن يدخلوا بعض القرى وخاصةً الحدودية، لكن وبكل تأكيد فلن يقدروا الاحتفاظ بها وذلك لأسباب عدة منها تتعلق بجغرافية المنطقة والصراع الدولي الإقليمي عليها كما ذكرنا وكذلك لعدم وجود حاضنة اجتماعية تقبل باحتلال القوات التركية ومرتزقتها من المجاميع الإسلاموية وأولاً وأخيراً؛ لإيمان أبنائها بأنهم أصحاب حق وإرادة وطنية كردستانية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيتو أمريكي ضد منح العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم الم


.. هاجمه كلب بوليسي.. اعتقال فلسطيني في الضفة الغربية




.. تغطية خاصة | الفيتو الأميركي يُسقط مشروع قرار لمنح فلسطين ال


.. مشاهد لاقتحام قوات الاحتلال نابلس وتنفيذها حملة اعتقالات بال




.. شهادة فلسطيني حول تعذيب جنود الاحتلال له وأصدقائه في بيت حان