الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثقافة الحرمان من التكميم إلى الموت ...

مروان صباح

2019 / 1 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


/ هي فلسفة خاصة قام بها منتج دروب ريمي اليابانية ، بالطبع ، العقول الفاعلة والعاملة لا تخطئها ، فالبنت التى لعبت دور النبيلة التى فقدتها والدتها في عمر الرضاعة كانت محور الحكاية لكن للحكاية أبعاد أكبر من أدوات اللاعبين فيها ، فالقصة كانت أُنتجت من خلال مسلسلين متباعدين التواريخ ، الأول 1977م والثاني 2001م ، ريمي باختصار شديد هي البنت التي جار عليها الزمن وإلتحقت بفرقة فيتاليس بعد ما حاول زوج مربيتها بيعها في أحد أسواق المدن الفرنسية وكانت الشركة العربية المترجمة للعمل أرادوا التسليط على مسألة ضرورية لدى المتابع بأن هناك روح طيبة تعيش بين الناس تناضل لتصل إلى ما تطمح إليه ، ففي يوماً ما وخلال عدة تنقلات بين المدن الفرنسية دخلت ريمي والفرقة مدينة تولوز وبعد العرض المسرحي الأول لهما واجهت الفرقة تحدي من أحد رجال الشرطة الذي لم يجد في فكرة النص والعرض المميز والنادر سوى نباح الكلاب فأبدى على الفور انزعاجه وطالب في البداية برحيل الفرقة عن المكان وعندما وجد عدم اكتراث بتهديداته ، طالب بتكميم الكلاب الذي آثار الطلب حفيظة فيتاليس وجعله يخلع قبعته مع انحناء مبالغ فيه ، تساءل المنحني كيف تريدني تكميم الكلاب طالما النص المسرحي يعتمد عن نباحهم .


في اليوم الذي يليه استمر العرض واستمرت الكلاب بنباح واشتاط غضب ممثل الدولة الذي دفعه اقتحام حلبة المسرح المقام عليها المسرحية الكوميدية وأطلق الشرطي تهديداته مرة أخرى وطالب بتكميمها أو مواجهة الدولة ، وبالفعل في اليوم الثالث ظهرت فرقة فيتاليس على خشبة المسرح والكلاب مكممة بشرائط من الحرير الملونة نزولاً عند رغبات الشرطي ، جاءت تهديدات الشرطي مكمل ساخر إضافي من السلطة الجائرة ، وهذا يكشف الاثار السلبية لتعميم السلطة أو تبنيها نمط التكميم بالطبع سيتسلل التكميم إلى مناطق أخرى، ولأن ايضاً بقدرتها السلطوية قادرة على تحويل ذلك إلى سلوك شعبي دون أن تدرك العامة ممارستها له، بل يظهر ذلك عند أول كلب يجاور سكان في أي منطقة ، كيف تبالغ الأغلبية بانزعاجها من نباح الكلاب ، كأن الشكوى ستغير من أمر نباحها بشيء ، بل كأن الأغلبية ايضاً عندما تطالب بوقف الكلاب عن النباح ، هي إذاً تطالب بلا وعي بقلب القاعدة الخلقية للكلاب ، لأن النباح هو الممكن الوحيد أو المُتاح الأوحد لها ، لهذا يُعتبر الطلب في مضامينه هو الطريق الأسهل للخلاص من الأصوات المختلفة ، بل الخطورة تكمن عندما يكون المنزعج غير قادر على استيعاب مهام الكلاب أو إدراك الفطرة الخلقية التى خُلقت عليها فيلجاء بالمطالبة بتسكيتها ، أما لو كانت الكلاب ضالة لا يوجد خلفها راعي يدافع عنها ، لن يتأخر بقتلها دون أن يرف له جفن ، وبالفعل هذه الصورة تتطابق بين السلطة والبشر فالجميع يلجاء إلى الوسيلة الأسهل ، بالطبع الأسهل دائماً ، تكميم الأخر أو نفيه أو التخلص منه بطريقة ما .

لقد استوقفتني منذ زمن بعيد نهاية المتنبي ، ذاك الحوار الذي دار بينه وخادمه قبل الموت ، فناقل الحوار كان الخادم ، أما الحقيقة غادرت مع المتنبي إلى يوم القيامة ، أي أن معرفة إذا كان الخادم هو الذي أعاد المتنبي إلى المواجهة بعد تذكيره بأحد أبياته ( الخيل والليل والبيداء والسيف والرمح والقرطاس والقلم جميعهم يعرفونه ) غير مؤكدة قد يكون الذي قتله بالفعل هجائه لابن جهل الأسدي الذي ظفر به بمدخل بغداد لكن مسألة الهروب والعودة تحتاج إلى تحقيق ما دام الراوي الغلام وليس ابن المتنبي ، لأن إذا كان الأسدي تمكن ورجاله منه في البادية أي لا يوجد فرصة للابن والغلام سوى القتال مع المتنبي أو الهروب وهنا شخصياً يرّجح عندي هروب الإثنين وتركه لمصيره وهذا سبب صمت وقبول ابن المتنبي برواية الغلام الذي وضع نفسه في مكانة عالية ، هي التذكير بتلك القيم التى تناسها المتنبي في لحظة المواجهة أو أنساه الموت إياها ، لكن ما يهمنا من مسألة المتنبي كلها ، علاقاته بالحكام وهجائه ومدحه لهم فالرجل بطريقة ما ولقربه منهم أسقط الستارة عن حاجز كان الحاكم يتوارى خلفه ، لأن الحاشيات كانوا قديماً ومازالوا حتى الآن يقومون نيابةً عنه بتكميم الهاجي أو غيره والهجاء هنا يعتبر أعلى مستويات النقد لأنه يسقط جميع الدبلوماسيات المتعارف عليها ، بل ليس كل ناقد هاجي بقدر أن كل هاجي ناقد ، فالهجاء تجاوز بقدرته أنماط التفكيك بل فعلياً الهجاء فراسة وسرعة بديهية تتجاوز مراحل التأمل ، فالهاجي لديه تأمل وقائي يمارسه في أفضل علاقاته مع الأخر.

مشكلة معظم الهجائيون والنقاد أنهم لا يسعون في قرارة أنفسهم إلى المصلحة العامة بقدر أن الغاية العليا لديهم تحسين أوضاعهم الشخصية وبالتالي تجد هذا دفين عند المتنبي ، فالرجل عاتبَّ سيف الدولة الحمداني في قصيدة الوداع عندما قال ، ( يا أعدل الناس إلا في معاملتي ) ثم ألحقها ببيت بذات القصيدة ( يا من يعز علينا أن نفارقهم ووجداننا كل شيء بعدكم عدمُ ) في المقابل ، نجد أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز كان يطرد عن بابه الشعراء لأنه أعتبر المديح يحول الرجل إلى طفل بل يصبح رهينة مادحينه تماماً كالأم المرضع ، لا يتحسن مزاجه إلا بالرضاعة ولعمر حكاية شهيرة مع الشاعر جرير عندما أعطه من ماله الخاص مائة درهم بعد طول انتظار فقال جرير للشعراء وهو خارج من مجلس الخلفية كانوا قد قضوا ايّام يقفون أمامه ، لقد رأيت عمر يعطي الفقراء ويمنع الشعراء وإني لراضي ، لهذا مجدداً فإن الناقد أو المثقف عندما يرتبط بعطاء الحاكم أو بالمواقع يصبح من الصعب عليه قول الحقيقة بحرّيّة ويصبح أحد أدواته التغديغية ، فبين جرير الذي قبِل ببضعة دراهم وراهن على الموت بتغيب عمر وهذا يعود لفطنته السياسية بتركيبة الحكم بالطبع لكي تعود العطايا مرة أخرى وبين المتنبي الذي قال الحقيقة وهو غارق في عطايا الحمداني فوجد نفسه وحيد في الدنيا وهذا بتقديري الشخصي كان السبب الرئيسي بقتله ليس سواه ، لأن كان المتنبي قد تنبأ بموته مبكراً عندما قال في قصيدته إياها ( شر البلاد مكان لا صديق به وشر ما يكسب الإنسان ما يصمُ ) بل لا تتوازن العلاقة بين الحاكم والمثقف أو العَالم إلا على هذا النحو ، الدعم مقابل الحقيقة وليس المدح ، هكذا تتعامل الدول الكبرى أما من نظن أو يظن بأن قول الحق ممكن بين المادحين سيكون مصيره أما المتنبي بلا أصدقاء وبلا سطح أرض أو على خشبة فتياليس مع نباح الكلاب الذي يتوجب الحذر التام منها لأن حواش الحكام لديهم مهارة في تقليب الكلاب بطريقة ما للانقلاب على صاحبها في أي وقت يتم تجويعها بقصد ، ولأن ايضاً وهو الأهم ، الحق واحد ومن يريد قول الحق لا بد أولاً صنع مسافة بين الحقيقة والباطل . والسلام
كاتب عربي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أوروبية جديدة على إيران.. ما مدى فاعليتها؟| المسائية


.. اختيار أعضاء هيئة المحلفين الـ12 في محاكمة ترامب الجنائية في




.. قبل ساعات من هجوم أصفهان.. ماذا قال وزير خارجية إيران عن تصع


.. شد وجذب بين أميركا وإسرائيل بسبب ملف اجتياح رفح




.. معضلة #رفح وكيف ستخرج #إسرائيل منها؟ #وثائقيات_سكاي