الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مجرّد خطوة اخرى نحو وضع حد للحياة

منير المجيد
(Monir Almajid)

2019 / 1 / 24
سيرة ذاتية


اعتدت، حينما أستيقظ في الصباحات الباكرة، على فتح ستارة الباب المُطلّ على الحديقة، وحينها أتمكّن من رؤية شروق الشمس والإنحسار السحري لظلال الأكمات والأشجار الصغيرة.
جاري من تلك الجهة Ole (يُلفظ أوله)، كان قد رفع العلم. ورفع العلم الدانماركي يعود إلى تقاليد قديمة لا علاقة لها بالمشاعر القومية والشوفينية، لأقطع، هنا، الطريق بذلك عن الذين قد يخطر ببالهم التفكير على هذا النحو. هي مُجرّد عادات شعبية تُفصح عن إحتفالية ما. مناسبة وطنية، عيد ميلاد الملكة، أو فرد من أفراد العائلة سيُحتفل بعيد ميلاده هكذا. لم أتمكّن من معرفة المغزى من رفع العلم إلّا فيما بعد.

المناسبة هي عيد ميلادي. هي، في الحقيقة، مناسبة حزينة بالنسبة لي، لأنني أخطو خطوة اخرى نحو وضع حد لحياتي. هكذا.

أيام الدراسة في الجامعة كنّا، ثلّة من الأصدقاء وأنا، نعتبرها مُناسبة لبدء حفل مجون ندعو إليه بعض الفتيات، حتى أنّنا كنّا، كأفراد، نُقيم عدة حفلات عيد ميلاد في السنة. أذكر أنني أقمت خمس حفلات في سنة واحدة، دعوت إليه مجموعات مختلفة، في كلّ مرّة، من الفتيات.

في الدانمارك، يعتبرون اليوم إستثنائياً بشكل مُرعب. تبريكات وإحتفال وهدايا، وحكي عن الطقس. إذا كان اليوم مُشمساً فهذا يعني، ببساطة، أنني كنتُ ولداً باراً، وإن كان الطقس غائماً، فأنا كنت ولداً عاقاً، والعاق يعتبرونه مناسبة لإطلاق بعض النكات.
اليوم كان عاصفاً جداً (كما معظم الأيام الأخيرة) وماطراً. عرفت من أحوال الطقس عن المطر، فتركت سيارتي خارج الكراج منذ البارحة، ليغسل المطر آثار قذارات طرق الشتاء، بما في ذلك ملح الطرقات الذي يمنع تشكّل الجليد. وهذا يعني، بشكل آخر، أنني لم أكن ولداً صالحاً، بالمفهوم الدانماركي.

أردت، في الواقع، أن أتحدّث عن Ole اليوم.
حينما إنتقلت إلى هذا الريف منذ سنتين ونيف، لاحظت أن جداراً من أشجار الصفصاف، التي تنمو بجنون طبيعة المناخ، تفصل بين حديقته وحديقتي. بعد أن تعارفنا، واستفدت من خبرته في زراعة كل شيء، اقترحت عليه إزالة الأشجار، فلم يصّدّق أذنيه. هذه الأشجار حجبت، ومنذ سنوات طويلة، شمس الظهيرة وبعد الظهر عن خضراوته.
ولأنني من أنصار الغلاسنوست، فقد أُتيح لي منظر الصباح الشرح وإمتداد الحديقة مُتجاوزاً تخوم فناء جاري، ممّا نتج عن «إنفتاح» مُبهر بعلاقتنا الشخصية كجيران. صار Ole يعتني بجزّ حشائش حديقتي حينما أكون مُسافراً، ويدعوني إلى عيد ميلاده، وعيد ميلاد زوجته. يأتي بزجاجة شمبانيا بعد الثانية عشرة ليلاً ليقرع كأس «كل عام وأنت بخير» في الساعات الأولى من السنة الجديدة، ويُزّودني بكميات مُعتبرة من فاكهته وخضرواته. في نفس الوقت الذي يقوم جاري الآخر «فرانك» بركن سيارته في فناء بيتي ويرمي قسماً من قمامته في حاويتي، في رسالة واضحة للحرامية مفادها أن من يسكن في هذه الدار ليس بمسافر أو غائب.

قبل نحو شهر، كانت مناسبة عيد ميلاد Ole، ويومها، بحضور جيران آخرين وفرانك، ضُغط عليّ لأبوح بتاريخ عيد ميلادي، فأفشيت سري الدفين، مما أجبرني على دعوتهم جميعاً إلى تناول الغداء عندي اليوم.
وهنا، أردت أن أكون ماكراً، لأنني أعرف أن جيراني، بحكم سكنى الريف وإحتقار الوافدين من المدن، هم تقليديون في تناول نوعية الطعام أيضاً، فقمت بتحضير لفائف السوشي (ماكي)، وأطباق مُحضّرة في البيت مثل سمك الرنجة المخلّل وعجينة كبد الدجاج وشيطنات اخرى أعرف أنهم لم يتذوّقوها من قبل. طبعاً، لم أبخل في تقديم أنواع عديدة من البيرة أردتها أن تكون بلجيكية وليس دانماركية، وأنبذة وكحوليات اخرى.

المفاجأة الكبري كانت أنهم أحبوا أطباقي والتهموها عن بكرة أُمها وليس أبيها. قالوا أنهم جرّبوا مذاقات جديدة وهم في غاية االسعادة.
لقد تمتّعنا بوقت جميل في ظهيرة وبعد ظهر اليوم.

نسيت أن أقول أن رفع العلم الدانماركي اليوم كان لمناسبة عيد ميلادي، ومع غياب الشمس، قام Ole بإنزال العلم، وفق التعاليم والتقاليد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القناة 12 الإسرائيلية: اجتماع أمني تشهده وزارة الدفاع حاليا


.. القسام تعلن تفجير فتحتي نفقين في قوات الهندسة الإسرائيلية




.. وكالة إيرانية: الدفاع الجوي أسقط ثلاث مسيرات صغيرة في أجواء


.. لقطات درون تظهر أدخنة متصادة من غابات موريلوس بعد اشتعال الن




.. موقع Flightradar24 يظهر تحويل الطائرات لمسارها بعيداً عن إير