الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تعرية السياسيين في مجموعة -فوق بلاد السواد- أزهر جرجيس

رائد الحواري

2019 / 1 / 25
الادب والفن


المهرج
عزيز نيسين
الأدب الساخر من أصعب أنواع الأدب، لأن الكتاب يكتب عن مأساة، عن ألم، لكن عليه أن يحرر من هذا الألم ويتحدث بلغة أخرى، من هنا تكمن صعوبة الكتابة بهذا النوع من الأدب، كلنا يعلم أن "عزيز "نيسين" من أهم الكتاب الاتراك وحتى العالمين الذين يكتبون بهذا النوع، لكن تكمن أهمية قصية "المهرج" ليس في شكلها الساخر، بل بالدهشة التي تنتهي بها القصة، فالقصة تتحدث عن رجال مرهف الاحساس والمشاعر يتأثر بكل ما يشاهده أو يسمعه، يذهب إلى طبيب نفسي، فيقترح عليه الطبيب الذهاب إلى السرك ومشاهدة المهرج، لكن المريض يخبر الطبي بهذه الحقيقة:
"لكنني أنا المهرج نفسه" فمن خلال هذه النهاية وهذا الخبر نصل إلى حالة الصعقة، فلا خلاص في عالم غارق في الوحل.
والجميل في القصة أن القاص يبدأ القصة بنفسه ثم ينسحب ويترك الحديث للمهرج وللطبيب فقط، وهذا الانسحاب هو الذي ساهم في إحداث الصعقة، لأن القاص أصبح خارج عملية السرد، وترك المجال لشخصيات القصة لتتحدث وتتصرف كيفما تريد.








تعرية السياسيين في مجموعة
"فوق بلاد السواد"
أزهر جرجيس
في بلاد كانت تنعم بالخير والأمان، جاءها السياسيون وفعلوا فعلتهم بها، فحولوها إلى خراب ونشروا الموت، وأكثروا الفساد والمفسدين، فلم تعد تصلح للحياة السوية، هذا الواقع العراق بعد (الديمقراطية)، لكن الأديب عليه أن يقدم هذا الأمر بطريقة أدبية، تجذب المتلقي وتمتعه، كما أنها في ذات الوقت توصل الفكرة، فالعلاقة بين الشكل والمضمون مهمة عند القارئ، وهي التي تجعله يحكم على النص، هذا جيد أو غير ذلك.
أهمية القاص "أزهر جريس" أنه يعري السياسيين ويكشف عروتهم، من هنا هو معرض للخطر، في بلاد أمسى القتل فيها مسألة عادية جدا، ولا تثير أي انفعال، وهذا يعود إلى كثرة الأعمال الإرهابية التي تُوقع القتلى والجرحى في المدن العراقية، إذن هو كاتب مبدئي ينحاز للجماهير وللشعب الذي يعاني الأمرين، ويقف ضد الإرهاب والفساد هذا من جهة، ومن جهة ثانية يقدم هذا الواقع الأسود بالغة أدبية ساخرة، وهنا تكمن عبقرية القاص، تقديم مضمون وأفكار تسهم في تحرير المواطن، وفي ذات الوقت بلغة أدبية ممتعة، بحيث يكون أثر المتعة لوحده كاف لجعل المتلقي يحصل على جرعة من السكينة والراحة، ومن ثمة تجعله قادر على الاستمرار والصمود في مواجهة واقعه.
"عضة شلوع"
تتحدث القصة عن تشكيل حزب سياسي باسم "حزب الأخوين" من قبل "محمد دكمة" فهو الزعيم السياسي للحزب، بينما السارد هو قائد الجناح العسكري للحزب، وهذا الحزب تقتصر عضويته عليهما فقط، يقرر الزعيم السياسي أن تتم عملية ضد مبنى "حزب البعث العربي الاشتراكي" والتي تتضمن "...رمي الزجاج الخلفي لفرقة القعقاع بالحجارة...
ـ عندما تسمع صوت الديك أرم صلبوخك الأول فإن أصاب فيها ونعمت، وإن أخطأت فأرم الثاني وأهرب باتجاه دربونة بيت خيون، مفهوم" ص76، وبعد القيام بالعملية من قبل السارد يتجه نحو الدربونة، لكن الزعيم السياسي يتصرف بهذا الشكل: "..خاف من الحرس وكاد أن يفعلها على نفسه، وبدلا من عرقلتهم سمعته يصيح :"مناك كناك.. بالدربونة بالدربونة" ص72، لكن السارد يستمر في الهرب: "وسقطت في أحضان كلب ...لم يقصر في استقبالي" ص72 ويخرج بهذا الحقيقة "لقد مر على هذه الحكاية عشرات السنين ولا زلت كلما تحسست النياشين التي تركهن شلوع في جسدي أقول في سري:
التوبة إذا وثقت بزعيم سياسي" ص72، الجميل في نهاية القصة أنها جاءت بشكل ساخر، فقد تم تقديم عضات الكلب على أنها نياشين، وجاءت الخلاصة ـ رغم أنها مباشرة ـ بشكل جميل وسلس، واعتقد أن هذا الشكل من الأدب الذي يجمع بين الفكرة والشكل مهم وضروري خاصة في ظل انتشار المخرفين الذي يستخدمون الدين السياسي كوسيلة لتحقيق مآربهم ومصالحهم.

"رضع مع الشيطان"
تتحدث القصة عن "شنان" المشعوذ الذي يدجل على الناس، مستخدما الخرافات ليؤكد مكانته ويأمن معيشته، فالفقر والجهل هما البيئة المناسبة له، يذهب "شنان" إلى قرية "أسود" التي ينعم أهلها بالخير والهناء، فيقرر أن يجعل هذا الهناء والرخاء إلى موت وخراب، فيتقدم من امرأة تحلب بقرتها، ويطلب منها شربه حليب، فتعمل المرأة على تلبية طلبه، لكنه أثناء ذلك يقوم بفرك رباط العجل الذي يهجم على المرأة ويقتلها، وعلى أثرها يأتي أخ المرأة القتيلة ويقتل الثور، ويأتي صاحب الثورة ليطلب بالثأر لمقتل ثوره، وتتفاقم المشكلة ويحمل كل طرف السلاح في وجه الآخر، عندها يقول "شنان" لزوجته: "...سيتقاتلون حتى تحترق بيادرهم، وقضي حلالهم، ويذهب خيرهم... عندها فقط سيأتونني صاغرين" ص82و83، في هذه القصة يحاكي القاص الخراب الذي حصل في العراق، منبها إلى دور المشعوذين الذين يستفيدون من حالة الخراب وتفشي الموت في البلاد.
الجميل في هذه القصة أنها جاءت من خلال حوار دار بين "ياسين العطار" وأبنه "صباح" وحتى لا يمل المتلقي من سرد الحكاية الشعبية/التراثية استخدم هذا الحوار ليحرك أحداث الحكاية الشعبية بطريقة ذكية، فمثلا عندما كان "ياسين" يسرد الحكاية وجاء فيها "...وكان قربها يقف ثور عظيم مربوط إلى وتد، توقف عندها.
ـ من توقف عندها؟
شنان يا غبي " ص82، اعتقد أن هذا التوقف عند الأحداث يثير المتلقي ويجعله يندفع نحو متابعة الأحداث، ونجد القاص يستخدم تناصات مع القرآن الكريم تسهم في تقريب الحكاية الشعبية من المتلقي، وفي ذات الوقت يعطي الحكاية عناصرها وشكلها المتوارث شعبيا: ـ لأنهم كانوا أهل نعمة يتفجر الخير من بين أيديهم ومن حلفهم... فلم يسمع فيها لغوا ولا تأثيما" ص81، اعتقد أن هذا التناص القرآني خدم حالة الرخاء والهناء الذي كانت تعيشه قرية "أسود" وخدم فكرة الخراب التي أحدثها "شنان في القرية.
"حسون الدردة"
القصة تتحدث أن "حسون الدردة" الطالب المهمل والقذر والأزعر الفاشل في المدرسة، وحتى أن شكله كان قبيحا ومؤذي، فالشر يسكنه حتى أنه يؤذي الحصان "...يضع عود فلفل حار في دبر الحصان" ص87، يشكل عصابة من الأتباع "خانعين يسهل انقيادهم" ص88، الذين علمهم السرقة والسطو على الآخرين، ينسب السارد إلى ما آل إليه العراق من خراب وموت إلى أمثال "حسون" فيقول: "لكني أخشى ما أخشاه أن يكون هذا الملعون قد ضحك علينا وركب موجة السياسة، أخشى أن حسون الدردة هذا قد تسلل إلى حزب ما، وصار ممثلا للشعب، .. حينها فقط يحق لي أن أقول لكم أذهبوا إلى مقر الحزب قفوا أمامه، أخلعوا بناطيلكم..بولو" ص89.
أيضا نجد القاص يعري السياسيين ويؤكد أن منبتهم فاسد وقبيح، ولا يمكن أن يأتي منهم الخير بالمطلق، وهنا يتوافق طرح القاص مع واقع العراق، فهو يكتب عن واقعه، يكتب لشعبه، لهذا نجده منحاز ومنتمي لفكرة المواجهة وتعرية الفاسدين وكشف حقيقتهم للمواطن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان الجزائري محمد بورويسة يعرض أعماله في قصر طوكيو بباريس


.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني




.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء


.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في




.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/