الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


[73]. رحلة المئة سؤال وجواب، حوار صبري يوسف مع د. أسماء غريب حول تجربتها الأدبيّة والنّقديّة والتّرجمة والتَّشكيل الفنّي

صبري يوسف

2019 / 1 / 26
الادب والفن


73. متى سيتمُّ التَّركيز في العالم العربي على بناء طفل طبيعي، بعيداً عن لغة العنف والعنف المضادّ؟

د. أسماء غريب

لا يوجد طفل طبيعيّ في العالم العربيّ، وذلك بسبب غياب الآباء الطبيعيّين، أيْ الخالين من الأمراض النّفسيّة والعقليّة. كم يثيرُ استغرابي كيف أنّه قبل عقد القران، يطلبُ الكاتبُ العدلُ شهادات عدّة كشهادتَيْ العذريّة والعزوبيّة، وشهادة عدم الإصابة بمرض الإيدز مثلاً، لكنّي لم يسبق لي أن سمعتُ أو رأيتُ ولا حتَّى في العالم الغربيّ أحداً يطلبُ من العروسَين شهادة السَّلامة النَّفسيّة والعقليّة.

يتزوَّجُ الرَّجل والمرأة في العالم العربيّ وكلّ منهما يحملُ بداخله عالماً من العُقد والمشاكل وغسيل الدّماغ الإيديولوجي الّذي لا أوّل له ولا آخر، ويعتقدُ الجميع بمن فيهم الأهلُ أنّ الحياة تمشي هكذا كما ينبغي لها أن تمشي وكما سار على دربها من سبقهُم من الأجداد، ودون أن يعيَ أحدٌ منهم بالخطر النَّائم في العقول والقلوب، إلى أن يولدَ طفلٌ مَا ويهلّ ضيفاً جديداً يفرح لمقدمه الجميع، وما إن يكبر شيئاً فشيئاً حتَّى يبدأ والداه يشكّلانهِ وفقاً لما يحملان بداخلهما من عُقد واضطرابات نفسيّة، فتجدُ الأبَ يضربُ طفله بقسوة وهو يعتقدُ أنّه هكذا يربّيه، وتجدُ الأمَّ ليست لديها أدنى فكرة عن الحياة ولا التَّدبير المنزليّ، ولا عن كيفيّة تغذية طفلها أو توعيته سوى أنّه يجبُ من وجهة نظرها أن يصبح رجل البيت القائم على أمر أخواته البنات بعد أبيهم. وتمرّ الأيّامُ والسُّنون ثمَّ يذهبُ الطّفلُ إلى المدرسة وهناك يجدُ في استقباله مجموعة منَ المعلّمين والأساتذة المجانين الَّذين يصرخون طوال الوقت، ويعاقبون الأطفالَ على كلِّ صغيرة وكبيرة، ويضربونهم تارةً بالعصا الطَّويلة وتارةً بالعصا المطّاطيّة، ويتفنّنون في تعذيبهم جسديّاً ونفسيّاً أمام زملائهم الآخرين، ولمن يُنكرُ هذا أذكّره بمدارس التَّعليم العمومي في السَّبعينيّات والثّمانينيّات، لأنّهُ في السّنوات الَّتي أتت بعدها بدأتِ المدارسُ في العالم بأسره تعرفُ نوعاً آخر من المشاكل بما فيها التّحرّش الجنسيّ واغتصاب الأطفال، وتنمُّر التّلاميذ وانتشار العنف فيما بينهم، حتّى أنّه في بعض المدارس الأمريكيّة يطلقون الرّصاصَ على بعضهم بعضاً، ويصفّون بعضهم بعضاً.

الطّفلُ يتنفَّسُ العنفَ في كلّ مكان: في البيت، في المدرسة، في الشَّارع، في وسائل التَّرفيه كالتِّلفزيون والإنترنيت وألعاب الفيديو، وقد يحدث أن يكبرَ هذا الطّفل ويصبحَ رجلاً سياسيّاً أو حاكما، فتصابُ بنتائج أمراضه وعُقده الشُّعوب. وإلّا من يشرحُ لنا من أين أتى الطُّغاة في العالم العربيّ وغيره؟ ألمْ يكونوا أطفالاً هم أيضاً في زمن من الأزمنة؟ بل من أين نبعت كلّ هذه الحروب الَّتي يشعلونها في كلّ مكان من الأرض؟

ثمّة مشاكل أخرى يتفادى الحديثُ عنها معظم النّاس، لا أحد يعرف كيف يمكنُ لطفلة أن تعاني من غيرة أمِّها وحقدها عليها حينما تكبر وتصبح شابّة! سيقول أحدكم، مستحيل، هذا لا يمكن أن يحدث. لكنّ الحياة مليئة بهذا النّوع من الأمّهات الحقودات. ولا أحد يمكن أن يشرح كيف أنّ هناك من الآباء من يرى في الأبناء مشروعاً لتحقيق أحلامه الّتي فشل هُو في تحقيقها، فتجده بالتَّالي يوجّه طموحاتهم وفقاً لرغباته الدَّفينة لا وفقاً لرغباتهم وميولاتهم. ثمّ ماذا عن معاناة الأطفال من الفقر، والحروب، وسوء التَّغذية، وتشغيلهم على الرُّغم من صغر سنِّهم؟ وماذا عن الأطفال الّذين يُتاجرُ الكبارُ بأعضائهم، وعن أطفال الشَّوارع؟ من يعتني بهؤلاء؟

هناك مشاكل عدّة تعاني منها الطُّفولة في العالم، ولا يمكننا أن نتجاهل كلّ هذا الألم، ونتحدّث فقط عن الجوانب الإيجابيّة في الحياة.

أتساءل دائماً، كيف وصل الإنسان إلى هذا النَّفق المسدود؟ ولماذا هذا الصَّمت القاتل؟ بل كيف أقدمَ النّاسُ على قتل الطُّفولة وإيذائها بهذا الشّكل المريع؟ عبثاً يدّعي البعضُ الكتابةَ للطفل وعن الطّفل وقلوبهم متكلّسة من شدة القسوة والجبروت، ففي العالم العربي لا يوجد شيء اسمه أدب الطّفولة مثلاً، ولا فنٌّ سينمائي يؤنس وحشة الطّفل، وقلّة هم أولئك الّذين يفكِّرون حقّاً في الطّفل والطُّفولة.

الأطفال يموتون كلّ يوم، ولا أحد يعتني بأحد إلَّا من أجل جمع الأموال في حفلات خيريّة تقام بهدف تمويل الحروب تحت غطاء العمل من أجل الطّفل والسّهر على سلامته وصحّته.

مَن سيدخلُ ملكوت الله، ووجوه الأطفال مضرّجة بالدِّماء؟ لا أحد! ليس بسبب غضب الخالق، وإنّما بسبب موت الطّفل الّذي يحمله كلّ إنسان بداخله، قبل الطّفل بالأبوّة والأمومة والولادة.

شاخ النّاسُ وقست القلوب، ولم يعد فيهم أحد يتذكّر طفله الدّاخليّ، لذا فإنّ كلّ طفل يولد لا يرى فيه أحد تجلّياً إلَهيّاً. ولا أحد يستوعب أنّ أكثر النّاس قرباً من الخالق هو الطّفل، لأنّه يأتي من هناك، من الملكوت نقيّاً طاهراً وبريئاً، ولا يعرف شيئاً عن عالم الكبار، إلى أن يخرجَ من عدَنِ والدته حيث كان يتغذى وينام بدون كدّ ولا عمل ولا تعب، ليكتشف أنّ كلّ ما عليه أن يقوم به في هذه الحياة حقيقة: هو السّعي ما أمكن للحفاظ على طفولته الدَّاخليّة وعلاقته بوطنه الأوَّل مهما كانت تجاربه قاسية ومريرة.

وحدهُم الأطفالُ الكبارُ يستطيعون فهم ما أقوله، ووحدهم أولئك الَّذين تمكّنوا من حماية طفلهم الدّاخليّ من الضّياع يستطيعون أن يعرفوا معنى الطّفولة حقّاً، لأنهم مثلي سيحاولون أن يحتفظوا ببارقة أملٍ، تُذكّرهم بأنهُ لمْ يفتِ الأوان بعدُ من أجل بناء إنسان جديد بقلب طفلٍ وعقل قدّيس حكيم!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا