الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فنزويلا: إنقلاب أمريكي ومأزق يساري!

شاكر الناصري

2019 / 1 / 26
في نقد الشيوعية واليسار واحزابها


من المؤكد أن التدخل الأمريكي السريع في الوضع السياسي الفنزويلي، ودعم زعيم الإنقلاب، لم يكن الأول، وقطعاً لن يكون الأخير الذي ترتكبه الولايات المتحدة الأمريكية في هذه الدولة وغيرها من دول أمريكا اللاتينية التي تسعى لأن تستعيدها كحديقة خلفية، بعد أن خرجت من سيطرتها بوصول حكومات يسارية إلى السلطة، أقدم العديد منها على اتخاذ خطوات جدية تصب في صالح سكان الدول المعنية، كالتعليم والاسكان والصحة وتأميم الثروات النفطية.

الإدعاء بأن أمريكا تدخلت من أجل وقف تدهور الأوضاع وخشيتها من هجرة الملايين من الفنزويليين الذين أصبح من المتعذر عليهم العيش في تلك البلاد بسبب التدهور الاقتصادي والتضخم المهول وسطوة الحزب الحاكم بقيادة مادورو، هو إدعاء لايمت إلى الواقع بصلة، فوقائع السنوات الماضية، تكشف عن محاولات أمريكية جدية، عسكرية ومخابراتية للاطاحة بحكم شافيز ومن بعده مادورو، وكذلك تأليبها للقوى الليبرالية الموالية لها، وتحريكها ضد النظام الحاكم، تصويرها هذه التحركات وكأنها تحركات شعبية ترفض حكم شافيز أو مادورو. يضاف إلى ذلك أن ما يعانيه ترامب من صراعات مع المؤسسات التشريعية الامريكية، التي منعته علناً من إلقاء خطاب وحدة الاتحاد، وتردي شعبيته داخل أوساط من انتخبوه أنفسهم، وتساقط الكثير من مساعديه في قضايا قانونية وأخلاقية، ساهم في دفعه لاتخاذ قرار بدعم خوان غوايدو، زعيم المعارضة الفنزويلية، الذي نَصب نفسه رئيساً للبلاد.

لم تقف أمريكا، ومؤسساتها المخابراتية والعسكرية والدبلوماسية مكتوفة الأيدي إزاء بروز قوى سياسية تستعيد الخطاب الشيوعي، ولا تتردد في اعلان الإنتماء للشيوعية والدفاع عن العمال والاستناد إلى الفئات الفقيرة التي تنتشر في دول أمريكا اللاتينية، فلا شيئ يثير حفيظة أمريكا ومؤسساتها سوى الشيوعية وأن تكون نظم الحكم المجاورة لها أنظمة شيوعية أو يسارية تدافع عن مصالح وحياة الناس ومستقبلها، وتقف ضد الهيمنة واحتكارات رؤوس الأموال، بل سعت جاهدة للتدخل بقوة، عبر فرض العقوبات الاقتصادية والحصار التجاري ومنع التعامل مع هذه الدول وابعادها عن التحالفات الاقتصادية الموجودة في العالم أو في القارة الامريكية، لأمريكا تجربة اجرامية ومخزية تتمثل في فرض حصار اقتصادي ضد كوبا قبل ما يقرب من ستة عقود، وكذلك عبر الشركات والبنوك والوسطاء والقوى السياسية الليبرالية لوضع العراقيل امام مشاريع جادة تهدف للارتقاء بحياة الناس ومستقبلها واخراجها من واقع الفقر والبؤس. ولعل تجربة البرازيل في عهد الرئيس لولا دا سيلفا، والانجازات الكبيرة التي حققها في مجال التعليم والصحة وخفض نسبة الفقر والعشوائيات وأحياء الصفيح ومواجهة الجريمة، كانت تجربة هامة وحية جداً، لكنها باتت تثير الريبة لدى أمريكا ومؤسساتها الاعلامية التي لم تتوقف عن كيل الاتهامات بالفساد والطغيان والدكتاتورية للولا دا سيلفا، مثلما فعلت مع غيره من زعماء الدول التي اصبحت ذات هوية يسارية وشيوعية. كولومبيا والارجنتين والإكوادور الأمر الذي تحقق لها وتمت إطاحة لولا دا سيلفا وزجه في السجن، دون محاكمة ولا أمل في اطلاق سراحه في وقت ما، بل وصل بولسونار، كرئيس جديد للبرازيل، حليف لأمريكا ويبز ترامب في عنصريته وفاشيته!

لم تكن تجارب دول أمريكا اللاتينية التي حكمتها انظمة وسلطات تنتمي لليسار والشيوعية، كما تعلن عن ذلك في خطبها وممارساتها وصراعاتها، تجارب شيوعية حقيقية وجدية، بل شابتها الكثير من الشوائب المدمرة، وكأنها لم تتعظ من تجارب الانظمة الاشتراكية والشيوعية في الاتحاد السوفيتي وأوربا الشرقية، بل أن بعض زعماء هذه الدول هم نسخ مشوهة عن ستالين وهونيكر وشاوشيسكو وغيرهم في الممارسة والتعامل مع من يحكمونهم، أو مع من يختلف معهم أو يعارضهم.

من المعروف أن فنزويلا بلد نفطي، بل من أغنى بلدان العالم قاطبة من حيث مخزونه النفطي، لكن لا شافيز، ولا مادورو تمكنوا من تحويل هذه الثروات الهائلة إلى مصدر قوة للدولة والمجتمع في فنزويلا، والارتقاء بحياة السكان ورفاههم ، وإعادة بناء تنمية اقتصادية واجتماعية، وقبل ذلك احداث التحول الثوري داخل المجتمع، بل أكتفوا بمشاريع رخوة وهشة، مثل مشاريع الاسكان وحولوها إلى منجز عظيم. والانشغال بقضية تصدير الزعيم البوليفاري الذي يمنح الثروات لمن يناصره! المشكلة الحقيقية لنظم الحكم في فنزويلا مادورو، أو برازيل لولا دا سيلفا، انه ترك الاقتصاد دون تدخل مباشر، دون مشروع اشتراكي أو شيوعي ثوري واضح المعالم، بل ترك بنية النظام الرأسمالي تعمل كما هي في البنوك والشركات والأرباح، وأكتفت الدولة بدور الرأسمالي الأكبر الذي يهيمن على كل شيئ.

انحسار المد اليساري والشيوعي في أمريكا اللاتينية وابتعاده عن الحكم، سيساهم في عودة القوى اليمنية الموالية لأمريكا والمنفذة لاجندتها. لكنها هذه المرّة لن تعود بثوب الدكتاتور وحكم العسكر، كما فعل ذلك بينوشية في تشيلي، وبوردابيري في الاوروغواي، وفي الارجنتين وبنما وبارغواي، وكل الانظمة العسكرية الدكتاتورية التي حولت دول هذه القارة إلى مسرح للقتل والتنكيل والإنتهاكات المروعة بحق السكان. بل ستكون رايتها حرية رؤوس الأموال والشركات والبنوك الكبرى وصندوق النقد الدولي وتوأمه في إفقار العالم، البنك الدولي والمؤسسات المانحة الاخرى، والانصياع لكل ما تريده الإدارة الأمريكية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملف الهجرة وأمن الحدود .. بين اهتمام الناخبين وفشل السياسيين


.. قائد كتيبة في لواء -ناحل- يعلن انتهاء العملية في أطرف مخيم ا




.. وسائل إعلام إسرائيلية تناقش تداعيات الرد الإيراني والهجوم ال


.. إيران وروسيا والصين.. ما حجم التقارب؟ ولماذا يزعجون الغرب؟




.. مخلفا شهداء ومفقودين.. الاحتلال يدمر منزلا غربي النصيرات على