الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن أي شيء يبحث صديقي وحزبه في هويتنا ؟!

محمد القصبي

2019 / 1 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


هاتفني صديق ، يشغل منصباً مرموقاً في إحدى وزاراتنا المعنية بتجذير الهوية المصرية ..
لاذ به أحد الأحزاب ليضع له برنامجا يتبناه الحزب حول ذات الهدف ..تعميق الهوية المصرية ..بدءاً كان ثمة عتاب ..أنني لم أتصل وأبارك وأهنيء ..على مايراه نجاحاً جديداً في مشواره المهني ..
ولقد صارحته بما يدور بدواخلي أني استقبلت الخبر ليس بالفرحة، بل بالتساؤلات، بعضها ينز بشيء من التشاؤم : هل حقاً الحزب معني بمسألة الهوية المصرية ؟ هل أحد في مصر الآن معني بهذا الأمر الملح ؟ أم أن المسألة لاتعدو كونها محاولة من الحزب لإضافة لمسة أخرى على الديكور السياسي والاجتماعي لقياداته؟!
ألم يكن هذا حال أحزابنا خلال العقود الأربعة الماضية ، تأسيس أي حزب كان "ديكور اجتماعي" لمؤسسه ، سرعان ما ينافسه أحدهم على قيادته ربما بإيعاز من الحكومة، إن أتى بما أغضبها ، ليمضيا سنوات في ساحات المحاكم ، ولانسمع شيئا عن نشاط الحزب ، سوى إجراءات قضائية وأحكام تتخذ لصالح هذا الجانب أو ذاك!!
يستثنى من هذا بالطبع الحزب "الوطني" الذي سقط من رئاسة الجمهورية على الشارع المصري بالبراشوت ليكون لمسة ديكور يحاول من خلالها النظام أن يسوق نفسه في العالم كنظام ديموقراطي .
لكن الحزب سريعاً - وكما هو متوقع - تحول إلى مرتع للانتهازيين والأراجوزات، من رجال أعمال وإعلاميين وغيرهم ،كلٌ برمج قرون استشعاره على طموحه الشخصي ، وليذهب الوطن إلى الجحيم!
بالطبع ثمة أحزاب تأسست على قاعدة أيديولوجية حقيقية ،كحزب التجمع،والوفد ،وغيرهما ، لكن مثل تلك الأحزاب أمام طغيان الحزب "الوطني" فقدت حضورها النافذ بين الجماهير ..
رغم أن أي حزب في مصر يفوق حتى في حضوره الواهن بالشارع هذا الحزب "اللا وطني" ،فقط إن تخلى مبارك عن رئاسته، في تلك الحالة لن يزيد حضوره عن العدم إلا قليلاً، وربما سيكون في حاجة إلى مجهر لرصده!
***
سألت صديقي : هل وقعت على استمارة عضوية في الحزب ؟
فقال: نعم !
ولاأدري..لِمَ ؟ هل قرأ برنامج الحزب جيداً ،هل قرأ برامج غيره من الأحزاب،وقارن بينها، لينتهي أن برنامج حزبه هذا يتناغم مع مواره الفكري لتحقين الدولة المصرية ببلازما الوعي والاستنارة وإيجابية السلوك؟
فإن كان الأمركذلك، فلِمَ الآن ، لِمَ لم ينضم من قبل ،خاصة وأن طبيعة و
مهام منصبه كوكيل وزارة في إحدى وزاراتنا التي يفترض أن ينظر إليها كوزارة سيادية، تجعله في بؤبؤ المشهد!
أم أنه وقع على استمارة العضوية الآن،حين أسندوا إليه مهمة يراها "سلمة" أخرى يصعدها إلى علياء طموحه الشخصي ؟!
ولا أظن أن الحياة الحزبية ،يمكن ان تضيف أو تضفي على ديكوره الشخصي الجديد الذي يبهر .. و من خلال قربي منه ، أراه مؤهلاً -ثقافة ومقدرة إدارية ووعياً وطنياً- لأن يكون الرجل الأول في وزارته هذه ذات يوم ،خاصة وأنه مازال في مطلع الأربعينيات ، مثله مازالوا يترقبون على رصيف البطالة فرصة عمل!
على أية حال تلك أموره الشخصية، ليقرر ما يراه مناسباً بشأنها ..وإني على أتم استعداد للتعاون معه فيما يتعلق بمهمة البحث في مسألة الهوية المصرية ، بالطبع دون الانضمام لهذا الحزب أو غيره.
لكن ما أود قوله إن أمر الهوية المصرية أصبح يتجاوز مجرد التنظيرات في قاعات البحث العلمي ، والطنطنة فوق المنصات ..
والتلويح بأعلام الوطن في مدرجات كرة القدم ..
هوية مصر ومن أجل إنقاذ مصر تستدعي إعادة هيكلة دماغ المصريين ،على ركائزو مقومات تلك الهوية فتكون نبراسا لكل مصري يسعى "بجد" إلى إنقاذ هذا البلد من مستنقعات الفقر و الجهل والتخلف والفساد.
مقومات الهوية المصرية تقدم لنا روشتة لإنقاذ الدولة المصرية من تلك الموبقات. ولنبدأ من الآن ..وليس غداً.
ولاأبالغ إن قلت إن لدى المصريين أعرق هوية
في الكوكب ، بل وأجزم أن أبعاد هويتنا التي تشكلت بعض مقوماتها من 10 ألاف سنة ،تجاوز تأثيرها الجغرافية المصرية ،وانسلت إلى شرايين الشعوب الأخرى لتكون بلازما تطورها ورقيها .
نعم .. إن جماليات الوجود الانساني وعبر الكوكب كانت طرح أول للهوية المصرية.
وكل الشعوب المتقدمة شرقا وغربا ..تعمل الآن طبقا للكثير من مقومات الهوية المصرية !ربما الجميع ، إلا نحن!
..فقط اختزلنا علاقتنا بها إلى مجرد التفاخر فوق المنصات بأن لدينا الهوية الأعرق في العالم !
وفي الشارع ، والبيت والعمل نطفح بكل ماهو متعارض مع مقومات تلك الهوية !
وكما نرى ، كل مكان تحول إلى مستنقع فساد وظلم وقبح وتخلف.
ترتيبنا طبقا لتقرير 2017 الصادر في فبراير العام الماضي عن منظمة الشفافية العالمية في برلين 117 من 180 دولة ،ومجموع الدرجات التي حصلنا عليها 32من 100!!!
وطبقا لأكثر من دراسة يعمل الموظف في المتوسط نصف ساعة يوميا ، وفي نهاية العام يحصل أكثر من 90% من الموظفين في تقاريرهم السنوية على امتياز !!
أيضاً..
63% من المصريين زبائن عند مشايخ الدجل ، والشعوذة ، ويهدرون على مباخرهم أكثر من 20مليار جنيه سنوياً ، بل وصل بنا الأمر أن نطلق على المشعوذ أَجَّل ألقابنا الدينية " شيخ" وأعظم ألقابنا العلمية " عراف " صيغة مبالغة من " عارف" أي الأكثر معرفة وعلماً!!!!
ونادراً ما نجد مصريا حين ينهي تدخين سيجارته يبحث عن سلة مهملات ليلقي بها العُقْب ، بل يقذف به أينما كان .
ووزارة التعليم تحولت إلى وزارة للتلقين ، لاعلاقة لها بالمعرفة ،تلقين أبنائنا،حتى موضوعات التعبير المتوقع أن تأتي في الامتحان ليتقيأها التلميذ في ورقة الإجابة ، فيحصل صاحب الذاكرة الحديدية على 99% لتحتفي به الدولة وتكافئه بمكان فيما تزعم بأنها كليات القمة !!
وأشقاؤنا الأقباط يفتي مشايخ الجاهلية الجديدة بأن تهنئتهم في أعيادهم إثم عظيم !!
وهؤلاء المشايخ أصحاب السطوة على القاع المصري من يوعزون للمصريين باحتقار نسائهم ، حتى أنه في دعوات الزفاف ، يذكر اسم العريس ، أما اسم العروس فعورة ،من العار ذكر اسمها ،ويكتفي فقط بالإشارة إلى الحرف الأول من اسمها " الآنسة sأوj" !!
وكلها ظواهر تتناقض تماما مع مقومات الهوية المصرية المتجذرة في أعماق تربة التاريخ.
منذ 10 ألاف سنة، حين تحول المصريون إلى شعب منظم ، يدير شئونه طبقا لمنظومة مبتكرة تتعلق بالزراعة،
ومقتضيات الزراعة تتطلب تنظيم عملية الري ، الأمر الذي اقتضى التعاون بين الفلاحين ،أنا أروي اليوم وأنت غدا .
خطر الفيضانات اقتضى أيضاً من المصريين أن يكون كل منهم في ظهر الآخر عند المصائب ،إن أطاح الفيضان ببيت يجتمع الجيران لمساعدة صاحبه في إعادة بنائه مرة أخرى.
إنها نسائم النيل التي خصبت الشخصية المصرية بأحد أعظم مكوناتها ..النظام ، ،التعاون ،التكافل ،المؤازرة التسامح ،السلام .
لذا رأى المصريون في الإسلام جوهره الصحيح ، دين يدعو للتعاون والتكافل والسلام .
أما سكان الصحراء ، وبسبب الفقر والجوع ، رأوا فيه دين غزو وإغارة وسبي وغنائم ..!
ومن منظورهم غير الصحيح للدين طفحت الظاهرة الإرهابية التي يدفع ثمنها غاليا العالم الآن.
وثمة آية قرآنية تؤكد بما لايدع مجالا لأي شك ..صحة رؤية المصريين "وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ "
وكلمة ترهبون تعني الردع ، ردع العدو فلايفكر أبدا ً في الاعتداء علينا ،فإن جنح للسلم ، حتى لو كان كافراً عدو لله وعدونا ..يأمرنا الله سبحانه وتعالى أن نجنح أيضا للسلم ..
هذا المنظور المصري للإسلام ، يتجذر في الحضارة المصرية وقبل نزول الرسالة على سيدنا محمد بآلاف السنين ، فلم يحدث أن اعتدى المصريون على جيران لهم ، فإن أرسلوا جيوشهم إلى خارج الجغرافية المصرية فلدرء خطر قادم .
وحتى الغزاة الذين داهموا مصر ، مثل الهكسوس ، حين اختلطوا بالمصريين وتزاوجوا منهم أصبحوا جزءا من الشعب المصري . ،وما الحرب التي شنها أحمس وقبله والده سقنن رع " يقال أنه جده وليس أباه" إلا على قادتهم الذين يحكمون البلاد، أما الهكسوس الذين تمصروا ثقافة وديانة وسلوكيات اجتماعية ،فلم يقترب منهم أحد .
وهذا شأننا الآن مع الآخرين، لدينا تاسع أقوى جيش في العالم ، بنيناه للردع وليس للعدوان والإغارة والسبي .
وكما نرى مصر من الدول القليلة التي تفتح أبوابها للاجئين من الدول الشقيقة ، ليمضوا حياتهم كأي مصري ، يعملون ويتاجرون ،ويتزاوجون ، طبقا لقوانين وأعراف البلاد ، ولم يحدث أن زنزنت مصر لاجئاً داخل معسكرات محاطة بالأسلاك الشائكة، كما يفعل الآخرون!
وإذا كان البعض يظن أن مصر طاردة لأبنائها بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة ، وحتى لو كان هذا صحيحاً في بعض جوانبه ، فهي إحدى أكثر الدول الجاذبة لأبناء الجنسيات الأخرى ،حيث تحتضن حالياً مايقرب من خمسة ملايين من السودان الشمالي والجنوبي ، ودول أخرى أفريقية ،وعراقيين وسوريين ، وغيرهم ..
رقم يفوق ما تحتضنه دول نفطية شقيقة من العمالة الأجنبية !
وهذا سلوك قيادة ، أعني أن القيادة المصرية ومنذ ألاف السنين وحتى الآن حريصة على ترجمة هذا الجانب من
الهوية المصرية ، الانفتاح على الآخر بحب وتسامح.
هل يعد العدل أحد ركائز أي مجتمع متقدم الآن؟
وكان ركيزة أساسية للدولة المصرية منذ ألاف السنين ..ففي الوقت التي كانت الشعوب الأخرى لاتعرف سوى الهمجية في تسيير أمور حياتها ، كان لدى المصريين نظاما قضائيا فريداً، يعد ركيزة النظم القضائية في الدول المتحضرة الآن ..وويله من إلهة العدل" ماعت" من يظلم ويجور على ماليس له ، فلااستثناء من العقاب ، سواء كان فرعون أوأي فلاح بسيط في قرية مجهولة .
وليس صحيحاً أن الفرعون يُستثنى من المحاسبة والأحكام القضائية ، فثمة نوع من الرقابة الشعبية حتى على سلوكيات الحكام الخاصة،وحياتهم اليومية . وكانت عادة المصريين إن مات أحد ملوكهم يوضع في آخر أيام الحداد النعش الذى يضم رفاته أمام مدخل القبر، و أن تُشكل محكمة ليُنظر فيما قدم المتوفي من أعمال في هذه الدنيا ومُباح فيها لمن شاء أن يتهمه، ويقوم الكهنة بتأبينه معددين مساوئه ومحاسنه و ألوف الناس التي إجتمعت لتشييعه تنصت إليهم، فتشترك في تأبينه إذا كان المتوفى قد قضى حياة مجيدة، أما إذا كانت حياته وضيعة تصايحت الجماهير، فيُحرم الملك المتوفى من حق الدفن ، وقد سُنت قوانين ترسم للحاكم سبل تصرفاته.
وكانت إجراءات التقاضي تتم مجاناً حتى تتاح الفرصة أمام الفقراء مقاضاة من يجورون عليهم.
وتضم منطقة الهمامية التابعة لمركز البداري أقصى جنوب أسيوط، بقايا أقدم محكمة في التاريخ. ويرجح بعض المؤرخين إنها ترجع إلى عهد الملك خوفو،أي منذ مايقرب من 4600 عاماً ، وكان الفرعون لا شأن له بما يقضى به القضاء، ورغم أن الملك كان يصدر الأمر بتعيين القضاة، لكنهم كانوا يقسمون عند تعيينهم يمينًا بألا يطيعوه إلا فيما يطابق العدل وأنه من حقهم مخالفته فيما ينافي الحق والعدل، وكان الملك يملك إلغاء قانون نافذ، لكنه لا يملك مخالفته بأوامر وقرارات.
وقد عرف الفراعنة الفصل بين سلطة الإتهام وسلطة القضاء، فمنذ عهد الأسرة الثانية عشر كان هناك ما يسمى بوظيفة " نم سوتن " أي لسان الملك أو وكيل الحضرة الملكية الذى كان بمثابة النائب العام.
***
في بوست متداول على الواتس أفتى رئيس دائرة الافتاء بالمملكة العربية السعودية أن المرأة إن لزمت بيتها فهي بنصف عقل ، وإن خرجت تصبح فقط بربع عقل ، فكيف يسمح لكائن بربع عقل أن يقود السيارة؟
كان هذا في إطار الحملة التي شنها مشايخ الجاهلية الجديدة شرق البحر الأحمر على مطالبات النساء بالسماح لهن بقيادة السيارة ..واستجاب لطموحهن ولي العهد الأمير محمد بن سليمان .
هذا الفكر شديد التخلف لبعض فقهاء شرق البحر الأحمر غزا مصر مع سفر مئات الألاف من المصريين إلى الخليج للعمل، ومازال يتغلغل عبر مروجينه من مشايخ السلفية في قاع المجتمع المصري .وهو ما يتعارض مع أحد أهم مقومات الهوية المصرية الراسخة في تربة التاريخ منذ ألاف السنين.
حيث كانت المرأة في بؤبؤ العين ، لاالقوانين ولا الأعراف ولا السلوكيات ، لاشيء نقله لنا المؤرخون عن أية إهانة لحقت بالمرأة المصرية والتقليل من شأنها ..
وجاء في دراسة لمركزي مصريات ضد الإرهاب ، وايزيس لبحوث المرأة بالأقصر أن المرأة في مصر القديمة تمتعت بحقوق اجتماعية واقتصادية وقانونية وسياسية مساوية للرجل. وشغلت في تلك العصور العديد من المهن والحرف والمناصب المرموقة في مجتمعها، مثل منصب قاضية ووزيرة، "السيدة نبت في الأسرة السادسة،كانت أول وزيرة للعدل في التاريخ" كما كانت الفتاة منذ عهد الدولة القديمة تسلك مجال الطب والجراحة.
وكانت سيدات المجتمع الراقي يشغلن يتولين إدارة مصانع النسيج الكبرى،وعبر العصور الفرعونية برزتسيدات الأعمال،كالسيدة" نيفر " وكانت صاحبة أرض شاسعة وعقارات مهمة وكانت هذه السيدة توكل لوكلائها التجاريين في عهد الدولة الحديثة مهمة ترويج المنتجات التي ترغب في بيعها. ويذكر التاريخ للفراعنة أنهم توجوا المرأة المصرية كملكة، فقد كانت الملكة الأم الوصية على العرش تقوم بدور بالغ الأهمية في إدارة شئون الدولة.
وبالطبع لايمكن تجاهل الملكةحتشبسوت خامس حاكمة في الأسرة 18 والتي شهدت مصر في عهدها الذي اقترب من 22عاماً ، ازدهاراً كبيراً في كافة مناحي الحياة.
***
هل تعاني مصر الآن من افتقاد شهوة المعرفة ،والتفكير العقلاني ؟
وهما من أهم مقومات الهوية المصرية ، وركائز.
ولقد أفزعني جدا كمواطن مصري محاولة البعض نشر الإدعاءات بأن الحضارة المصرية القديمة من فعل غير المصريين ، بل وأن الأهرامات صناعة مخلوقات جاءت من كواكب أخرى ،كهذا الذي قاله أنيس منصور في كتابه " الذين هبطوا من السماء" ..
وللأسف لم يتصد لخرافاته تلك أحد.
فما الأهرامات وغيرها من إنجازات فرعونية إلا انبثاقات للعقل المصري القديم الذي اتخذ من التفكير العلمي سبيلاً له.فبلغ شأناً عظيماً في علوم الهندسة والرياضيات التي وظفها جيداً في تشييد الأهرامات "22هرماً" والمعابد ،على أسس علمية دقيقة.
كما برع المصري القديم في تسجيل ارتفاع منسوب مياه النيل وانخفاضه وحسابهما حسابًا دقيقًا، وكان قياس الأراضي، التي محا الفيضان معالم حدودها، منشأ فن الهندسة.
ومن انجازات المصريين العظيمة التقويم الشمسي ، الذي تراه الباحثة د. شادية علاء الدين أفضل إرث حضاري أمدّت به مصر القديمة العالم المتمدن.
خلال زيارتي لأحد معابد الأقصر المنحوت في الصخر ، وبعمق عشرات الأمتار تحت الأرض سحرتني الألوان الزاهية للرسوم التي تزين الجدران ،وكأنها رُسِمت منذ ساعات وليس منذ ألاف السنين ،أي مواد استخدمها الفنان المصري لصناعة تلك المواد حتى تحتفظ بزهوتها ألاف السنين مضت ، وألاف السنين ستأتي؟
بل والسؤال الأكثر إلحاحاً : أي نوع من الإنارة استخدموها لإضاءة المعبد في زمن لاتوجد به كهرباء، كي يتمكن الفنان من رسم لوحاته الجدارية الجميلة هذه ؟والتي تحتاج إلى ضوء ساطع ؟
"بالطبع لو سألت رئيس نادي الزمالك الذي برر أكثر من مرة هزيمة فريق كرة القدم لناديه بأعمال السحر التي تلجأ لها الفرق المنافسة ، أو رئيس النادي الأهلي الذي ذبح مسئولي فريق الكرة به عجلا لفك النحس الملازم للفريق خلال بعض مبارياته الأخيرة، لأجابوا بأن الرسام الفرعوني لجأ إلى " شيخ" في شبراخيت ساعده في تسخير الجن لإضاءة المعبد !!!!".
هكذا نفكر..حتى النخبويين والذين يعدون قدوة لملايين الشباب !
حين سألت أحد المعنيين بالحضارة الفرعونية حول مسألة رسومات المعابد الفرعونية ، رجح استخدام الرسام الفرعوني للمرايا العاكسة لأشعة الشمس، مرآة في مواجهة مرآة بزاوية محسوبة بدقة، بدءاً من المدخل ،وحتى قاعه المعبد.
إجابة ..حتى لو كانت غير صائبة لكنها تنسجم مع ظاهرة التفكير العقلاني والعلمي التي سادت في مصر القديمة.
***
خلال ندوة شرفت بتنظيمها في قاعة مصطفى أمين بدار أخبار اليوم قال أستاذ في كلية الفنون الجميلة ،إن مشكلة المصريين تجاوزت تفشي القبح في حياتهم إلى ماهو أسوأ ..التعود عليه ، حتى أن إلقاء القمامة في الشوارع لم نعد نراه مشكلة ..
وهذا ما لاحظته ، أكثرمن مرة، حين كنت أنحني لألتقط عقب سيجراة يلقي به أحدهم أينما شاء ! فيحملق فيَّ باستغراب ،هذا يعني أن المشكلة أصبحت فيَّ وليست فيهم..
وما كان هذا حال المصريين القدماء، وبشهادة المؤرخ الإغريقي هيرودوت الذي قال أن قدماء المصريين هم الشعب الأكثر نظافة وايماناً وصحة.
وكان المصري القديم على اقتناع تام بأن الانسان النظيف هو الأقرب إلى الإله.
ويحمل أحد النصوص القديمة هذا التحذير: من يلوّث ماء النيل، سيصيبه غضب الآلهة.

***
تلك هي بعض مقومات الهوية المصرية التي فاضت بها الحضارة المصرية القديمة وكرستها كل الأديان..أظنها ليست غائبة عن صديقي " المتحزب" ،فقط أناشده ألا يكون الهدف من مهمته مجرد التنظير العلمي، إنما ترجمة الاهتمام بالهوية المصرية في تحويل مقوماتها العظيمة إلى سلوك يومي للمصريين.
وبالطبع لاأحمله وأحمل حزبه مالاطاقة لهما به ، فاستعادة مقومات الهوية المصرية - فعلاً وليس تذميراً وتطبيلً- في حاجة إلى مشروع قومي لإعادة هيكلة الدماغ المصري على أسس مستنيرة، وهي ذاتها أسس وأبعاد الهوية المصرية ..لكن ماهو بمقدور الحزب ورئيسه أن يكونوا قدوة ، أن
ينزلوا الشارع مرة كل أسبوع وأنا معهم ، نجمع القمامة ،ونشجر ، ونقدم للمصريين مثلا كيف يستعيدون هويتهم التي كادت تندثر .
وليته –الحزب- ينشيء مدرسة "وأظن أن بعض مؤسسيه من الأثرياء" تضم كل المراحل التعليمية، هدفها ليس امتصاص دماء المصريين كما هو حال المدارس والجامعات الخاصة الآن ، بل غرس أسس الهوية المصرية في نفوس الطلاب ، ليصبحوا مواطنين بالغي الإيجابية في سلوكياتهم .
ولنتوجه إلى المدن و القرى والنجوع بفكرنا المستنير هذا، نخاطب به أطفالنا وشبابنا ..عبر ندوات في مراكز الشباب وقصور الثقافة والأندية والمدارس والجامعات
إن فعل رئيس الحزب هذا وقادته فلن يكون الحزب مجرد ديكور ووجاهة ومحطة على طريق الطموح الشخصي..بل خطوة في رحلة الألف ميل الشاقة لإعادة هيكلة دماغ المصريين ..وكما قلت ..طبقا لمقومات الهوية المصرية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما الهدف وراء الضربة الإسرائيلية المحدودة في إيران؟|#عاجل


.. مصادر: إسرائيل أخطرت أميركا بالرد على إيران قبلها بثلاثة أيا




.. قبيل الضربة على إيران إسرائيل تستهدف كتيبة الرادارات بجنوب س


.. لماذا أعلنت قطر إعادة -تقييم- وساطتها بين إسرائيل وحماس؟




.. هل وصلت رسالة إسرائيل بأنها قادرة على استهداف الداخل الإيران