الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


[82]. رحلة المئة سؤال وجواب، حوار صبري يوسف مع د. أسماء غريب حول تجربتها الأدبيّة والنّقديّة والتّرجمة والتَّشكيل الفنّي

صبري يوسف

2019 / 1 / 27
الادب والفن


النَّوم لا يحدثُ إلّا حينما تختلطُ الأشياء، وهو لهذا سلطان لا فعلَ يسري فيه، ولا يخضعُ لقوانين أو قواعد مهما كانت صرامتها، لأنّه هو وحده قانون تخضَعُ له كلّ القوانين. تخيّل نفسك في غرفتك وقد داهمك النّوم، ستلقي بنفسك على السَّرير، ستتأمّل الأشياء من حولك كما تفعل كلّ يوم؛ هذا مصباح، وتلك حقيبة، وهذه كتب، وتلك أغطية، وأشياء أخرى عدّة عادة ما توجد في غرف النَّوم كالمرآة، وزجاجات العطر، وبضعة أوراق وملابس وما إليها، لكن الّذي يحدث ولا تنتبه له بتاتاً، أنّك وأنت تحدّقُ في كلِّ هذه الأشياء وتفكّر في أحداث مرّت بك في النَّهار أو في أيّام أخرى من حياتك تتحوّل فجأةً إلى شيء يشبه تلك الأشياء المرتّبة في غرفتك، وذلك لسبب واحد فقط: لقد تمكّن منك النَّومُ، وولجَ إلى غرفتك الدّاخليّة ونقلك من عالم الأشياء الحيّة المتحرّكة إلى عالم الأشياء الجامدة، وهذا لا يحدثُ سوى في البداية، لأنَّ هناك مراحل أخرى لا تتحقّق إلّا حينما يصبح نومك عميقاً، أيْ حينما ستبدأ ذاتُك في التَّسلل إلى الخارج الفسيح لتمتزج بالعالم، هناك حيث لا شيء يخضع لقوانين الجمود أو المستحيل أو الموت؛ في ماورائيّات النَّوم الكلّ حيّ! والغرف تصبحُ عوالم شاسعة تصطبغ برغبات نفسك الدَّفينة، ولا تتألّق إلّا بما تمدُّه بها روحُك من نور وضياء.

النَّوم عزيزي القارئ سفر الأسفار الكبرى، وعلى قدر علوّ همّتك وعزيمتك تَشْرُف وتعلو رحلاتك. لأجل هذا كلّه فهو ليس بمهمّ فقط من النّاحية العلميّة لأنّه يقوّي جهاز المناعة ويساعد الجسد على الحفاظ على توازنه البيولوجي، وإنّما النَّومُ مهمّ للروح المحلّقة في الأعالي أيضاً، لأنّه البراق الَّذي تمتطيه من أجل التَّعرف على العالم الحقّ، وبلوغ أرفع درجات ملكوت الكشف والمشاهدات السَّنِيّة.

والنَّوم بالنّسبة للأديب الحقّ ملاذ، إليه يلجأ ليبحثَ عن كنوزه، عن مرجانه ولآلئه، إنّه بحر لا يكشفُ أسرارَه إلّا لمن يعرف العومَ، ويعرف ما الحرف وما النّون، وما القلم وما الدُّواة! ولا يمكن الحديث عن أهمِّيّة النَّوم بالنّسبة للأدباء والخاصّة من الأولياء والأنبياء، دون الحديث عن يوسف وأهل الكهف، لأنّهما معاً ممّن رزقوا مفاتيح عوالم النَّوم ورموز مملكته العظمى، وإذا كان يوسف قد حظي بتفسير الأحلام، فإنّ فتية الكهف لمن عرفهم، هم الأقطاب العلّيّة الّتي دخلت إلى بدن الإنسانيّة ومنه رحلت إلى العوالم السّفليّة بحثاً عن استكمال الرّشد وطريق الاستدلال والمكاشفة مستعينين بالله على محاربة إبليس ومخالفة سلطان النّفس المشار إليه بدقيانوس، وهجْر اللّذّات بكلمة التّوحيد وترك عبادة صنم الجسد، فكان أن بدأت شمسُ الرُّوح تتناوب عليهم تارةً بين البزوغ فيسمو الجميع بالتّجرّد عن غواشي البدن، وتارةً بين الغروب الَّذي يحجبُهم عن الكمالات، يتقلَّبون ذات اليمين وذات الشِّمال بين الخير وطلب الفضيلة وبين الشَّرّ الَّذي تقتضيه نفسهم أو كلبهم الباسط ذراعيه بالوصيد. لذا فلا بدّ للأديب الحقّ من يوسف البهاء، ولا بدّ له أيضاً من كهف الفتية يدخل إليه ليتعرف إلى نفسه ويكتشفَ عوالمها ويمتلك مفاتيح أسرارها ورموزها ليكون أدبه أدب البناء والتّجديد والتَّنوير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا