الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدولة العميقة والمتخيل السياسي

فؤاد الصلاحي
استاذ علم الاجتماع السياسي

(Fuad Alsalahi)

2019 / 1 / 27
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية


يري البعض من المراقبين والباحثين ان احد اهم معوقات التغير السياسي والاجتماعي في البلدان العربية يكمن بحضور قوى للدولة العميقة (هذا الاخير مفهوم غير علمي لكنه مصطلح منتشر في الادبيات والخطاب الاعلامي يشير الى قوة مؤسسات الجيش والبيروقراطية التي يهيمن عليها احد اجنحة النخبة السياسية ). وللعلم هذا المفهوم رغم دلالاته الا انه لا يعبر عن دولة حقيقية فاعلة بقدر الاشارة الى قوة مراكز القوى التي احتلت وظائف الدولة ومؤسساتها بالاستناد الى جماعات محددة تشكل تحالف يخدم بعضها بالانتقاص من مفهوم الدولة وتغييب قوانينها ..
ومع ذلك فبعض المؤسسات الفاعلة مثل الامن والمخابرات والجيش او قطاعا منه مع المؤسسات المالية دائما ما تكون تحت هيمنة النخبة المسيطرة سواء جاءت بالانتخاب او بالانقلاب وهي تحظي بدعم الخارج لكنها لا تخدم الشعب الذي تنفصل عنه بل تتسيد عليه باستخدام الادوات القمعية والايدلوجية ..ولما كانت الدولة الحديثة في واقعنا العربي لم يكتمل نموها ولم تتمأسس في واقع المجتمع على الرغم انها اصبحت فاعلة وحاضرة في اوربا منذ معاهدة وستفاليا 1648 وتبلورت اكثر حضورا مع الثورة الفرنسية ونجاحها وما تلى ذلك من متغيرات في الشأن الدولتي في عموم اوربا ..
اما بلداننا العربية رغم اهمية الحاجة الى الدولة موضوعيا وذاتيا باعتبارها رافعة تنيظيمة للمجتمع واخراجه من تكويناته الاولية نحو مسار حداثي في سياق حضاري عالمي الا واقعنا العربي يجعل من الدولة متخيل سياسي نرغب به ونناضل من اجل تحققه اكثر من كونه واقعا معاشا ..فالسائد دولة القبيلة والطائفة والحزب ،دولة تستمد مشروعيتها من الخارج اكثر من الداخل ..
الجدير بالذكر ان ازمة هذه الدولة التي لاتزال في طور النشأة ومشكلاتها لا تنفصل عن ازمة النخب السياسية التي هي في الاصل نخب بائسة فكرا وثقافة ولا تستطيع بفعل نشأتها وتكوينها ان تكون قائدة للتغيير والحداثة من منظور الدولة الوطنية الديمقراطية ..وكثيرا ما تتحول الدولة بفعل هذه النخب الى اداة للجباية وممارسة الاكراهات المادية والمعنوية بحق المواطنين ..وما الحركات الاجتماعية التغييرية الراهنة الا تعبيرا شعبيا ووطنيا من اجل بناء الدولة الحديثة في اطار مبدا المواطنة المتساوية وهذا الامر يشكل هدفا وشعارا ومشروعا يستحق النضال من اجل تحققه في سياق مشروع مدني ديمقراطي يتجاوز العصبويات بكل تكويناتها ..؟
في هذا السياق يمكن القول ان الدولة الحديثة لاتزال في واقعنا العربي متخيل سياسي اكثر من كونها واقع ممأسس في خدمة المجتمع وتطويره .. وبتعبير اكثر وضوح للفكرة سأعرض لمفهوم المتخيل السياسي الذي يشير الى براديم يؤسس لرؤية جديدة تتشكل معها ووفقا لحيثياتها وقائع جديدة تعمل على اعادة انتاج ما هو تاريخي واجتماعي وفق براكسيس يتضمن عملية متراكمة من التحولات والتفاعلات والمقاصد الموضوعية والمحايثة للكيان التاريخي بقصد التاسيس لبنى وعلائق جديدة تتجاوز السائد والمألوف اجتماعيا ..
وهنا تكون الدولة الحديثة تعبيرا عن هذا المتخيل لتأسيسه في واقع المجتمعي فكرة ومؤسسات وبنى وقوانين تشكل في مجموعها منظومة متكاملة من المتغيرات الناقلة للمجتمع نحو آفاق جديدة في مسار حضاري عالمي لا يجب ان نكون متخلفين عنه او مناهضين له ..ومن اجل الانعتاق من ماضويات معيقة للتطور لابد من القطع المعرفي معها حيث تكون الدولة الحديثة بمؤسساتها المدنية وخطابها المدني ايضا بمثابة المخلًص الذي يفك وثائق تربطنا نحو البداوة والصحراء لننطلق في مسار ذو سيرورة لا تتوقف بالحركة نحو المستقبل .
من هنا فتغيير فكر الافراد والمجتمع بمفهوم الدولة ودلالاتها هو مهمة معرفية ونضالية من اجل تحشيد مجتمعي نحو معركة التنمية والتحديث . لم تتأسس الدولة الحديثة في مجتمعاتنا لانها كفكرة لم تكن معروفة بدقه وبصورة كلية ، و روافع الفكرة كانوا يجعلون منها شعارا اكثر من العمل نحو تثبيت مرتكزاتها في المجتمع ، وصراعاتهم نحو المحاصصة في الغنيمة كان اشد قوة من تعاونهم وتكاتفهم للبناء والتجديد سياسيا واجتماعيا ، فتشكلت نخب تستملك السلطة بأدواتها القمعية ولم تستكمل تأسيس الدولة ..
صفوة القول .. الدولة الحديثة حاجة ذاتية وموضوعية للمجتمع العربي عامة واليمني خصوصا ومن هنا يكون على القوى المدنية ان تتلاحم في اطار كتلة تاريخية تجعل المتخيل السياسي واقعا معاشا يرتبط به كل مواطن ..نعلم ان هناك معوقات وكوابح من افراد أوجماعات بل واحزاب انتمائهم جميعا للماضي او بتحويل المتخيل المدني الديمقراطي الى لاهوت مفارق للواقع وللتاريخ ..انه المستقبل ومعه الدولة المدنية وهو رهان يجب الانتصار له ودونه الخروج من التاريخ ..؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نور الغندور ترقص لتفادي سو?ال هشام حداد ????


.. قادة تونس والجزائر وليبيا يتفقون على العمل معا لمكافحة مخاطر




.. بعد قرن.. إعادة إحياء التراث الأولمبي الفرنسي • فرانس 24


.. الجيش الإسرائيلي يكثف ضرباته على أرجاء قطاع غزة ويوقع مزيدا




.. سوناك: المملكة المتحدة أكبر قوة عسكرية في أوروبا وثاني أكبر