الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جمال عبدالناصر . معارضو الناصرية . ( 2 )

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2019 / 1 / 28
مواضيع وابحاث سياسية




في الدراسة السابقة رأينا الابعاد الأساسية التي بنت عليها النظرية الناصرية مشروعها العام ، وهي أبعاد تتعلق بالبعد القومي ، حيث ان جميع معارك عبدالناصر كانت فوق الأرض العربية ، ومن اجل قضايا عربية ، والبعد التحرري في العمل على تحرير الوطن العربي والانسان العربي ، والبعد الديني الذي يركز على العقل لا على النقل ، وربط الدين في مفهومه التثويري بالنضال ضد الاستعمار، وضد الرجعية التي توظف الدين في إدامة استبدادها وطغيانها ، وفي السيطرة على الثورة المفروض انها للامة العربية ، ثم البعد الاجتماعي المبني على اشتراكية أنيسية متوافقة مع الخصوصية العربية .
ان انفراد الناصرية بكل هذه الابعاد الثورية ، وقدرتها في تحريك الشارع العربي والجماهير العربية ، من خلال تصنيفها وعزلها للثالوث الشرير المهدد للامة العربية ، وهو الامبريالية ، والصهيونية ، والأنظمة الرجعية العربية ، وتنظيمات الاخوان المسلمين ، قد جعلها بحق نظرية علمية ثورية ، مستمدة من الأصول التاريخية ، والاجتماعية ، والحضارية للامة العربية ، فشكلت بذلك النظرية الناصرية ، نظرية ثالثة منافسة للنظريات الرأسمالية والماركسية . فكان أكيدا ان هذا الجديد الذي افرزته ثورة الضباط الاحرار ، كنظرية منافسة تحرك الوجدان العربي الشعبي ، ان يكون لها أعداء من مختلف التيارات السياسية والأيديولوجية . فكان اهم عدو هو الأنظمة الرأسمالية الغربية والصهيونية ، وكان ثاني اهم عدو ، هو بيدق هذه القوى الامبريالية والصهيونية المتمثل في الأنظمة الإرهابية الرجعية جماعة الاخوان المسلمين ، التي بادرت الى محاولة اغتيال جمال في حادثة المنشية ، ثم هناك المعارضة الماركسية التي استشعرت بخطر النظرية الناصرية المنافسة بسبب ارتباط الجماهير بها .
ومن خلال الرجوع الى مختلف تبريرات المعارضين ، ونحن الذين عشنا المرحلة وما بعدها عن كثب ، نكاد نحصر هؤلاء من خلال مجموعات ركزت على تبريرات كانت تكذب نفسها بنفسها ، من خلال عجزهم عن اظهار حقيقة ما كانوا يروجون له في صراعهم مع النظرية الناصرية ، وزعيمها جمال عبدالناصر .
يمكن ان نحصر ادعاءات المعارضين للنظرية الناصرية ، في ثلاثة مجموعات ، او ثلاثة دعاوى . وكل دعوى لم تكن غير اباطيل ما بعدها باطل . واننا سنحاول مناقشة كل هذه الاطروحات الزائغة ، والرد عليها بالحجة والدليل ، و بالاستناد الى الحقائق الناطقة ، لا الى الشعارات الزائفة .
1 ) الدعوى الأولى : الناصرية ليست نظرية :
من خلال الرجوع الى مختلف الثورات التي حصلت في العالم ، ورغم اختلاف اشكال حصول الثورة ، ومنْ وقف وراءها حزب او أحزاب ، او طبقة ، او ضباط وطنيين احرار ، سنجد ان كل ثورة من الثورات لها نظرية تخصها ، حيث لا يمكن تصور ثورة بدون نظرية ، ومناضلين يؤمنون بهذه النظرية ويدعون اليها .
كذلك لا بد ان يكون ثمة تنظيم ثوري ، يحرك المناضلين للدفاع عن النظرية ومكتسباتها ، او بتعبير آخر ، لا بد ان تكون هناك أداة جماهيرية ، تؤكد هذه النظرية ، وتحققها على ارض الواقع . وهذا يفند مزاعم الماركسيين ، والشيوعيين القائلين بان الناصرية ليست بنظرية ، لأنه حسب اعتقادهم تبقى الماركسية وحدها توصف بالنظرية ، بحجة انها علمية .
بداية لا بد من إقرار حقيقة غائبة او مغيبة ، ويقفز عليها الجميع ، هي ان الزعيم جمال عبدالناصر ، لم يسبق ان ادعى يوما انه منظر او فيلسوف ، بل كان يدعي انه ثوري ، يتكلم باسم امة التي هي الامة العربية الخالدة . لذا فالتركيز على النظرية من عدمها ، يجعل الناصرية وعاء ومشروعا عاما ، تعرض للخيانات والغدر العربي التي كان على رأسه آل سعود ، وكل الأنظمة الرجعية العربية .
وبالرجوع الى تصريحات فلادمير لينين ، سنجد ان ما يخص النظرية الماركسية ، ينطبق في المجمل على النظرية الناصرية . فلينين لم يعتبر الماركسية نظرية ، وانما اعتبرها مجرد برنامج عمل ثوري ، لان النظرية بمفهومها العلمي ، هي ذاك البناء الفكري ، المنسق ، المتكامل ، المتنامي ، الذي يقدم تحليلا لواقع اجتماعي معين ، في فترة تاريخية معينة ، بقصد تغيير هذا الواقع .
ان هذا البناء الفكري ، هو وحده يحدد المشكلات الجوهرية ، ويحدد حلولها الجذرية ، ويحدد القوى الطامحة في التغيير ، والقوى المضادة له ، كما يحدد أدوات التغيير واسلوبه . فهذه هي النظرية بمعناها الأصيل الذي اتفق عليه المفكرون عموما .
فهل في الناصرية مجموعة أفكار متناسقة ، ومتكاملة ، ومتنامية ، تحدد لنا ملامح نظرية ام لا ؟ وهل البناء الفكري للناصرية منسق ام متناقض ؟ ، بمعنى انه لا يوجد تناقض داخلها ، كما لا تتناقض مع المنهج العلمي .
الناصرية كما فهمتها الأجيال التي ارتبطت بها ولا تزال ، من خلال ابعادها الثورية الأربعة الرئيسية التي عرضناها في الجزء الأول من الدراسة ، هي نظرية متكاملة مترابطة ترابطا عضويا ، وليس بينها تناقض ، لا في جزئياتها ، ولا في كليتها . كما انها لا تتناقض مع العلم في اية صورة من الصور ، بل انها تقف مع العلم ، وتقف مع الدين المبني على العقل لا على النقل . إذن الحقيقة العلمية فوق القانون العلمي ، والقانون العلمي فوق النظرية ، والنظرية فوق الظاهرة .
ان ملامح النظرية الناصرية تتفق مع العلم ، وتتفق مع الدين ، ولا تتصادم معهما ، وليس هناك اطلاقا تناقض فيما بينها ، ولا بينها وبين ما هو خارجها ، وهي متكاملة ، لأنها تبحث جوانب المجتمع كله ، ولا تترك أي جانب منه للصدفة ولا للارتجال .
وإذا كانت النظرية الناصرية لم تتعرض للجانب الفلسفي ، تاركة الفلسفة للدين ، والتراث ، ولمعطيات العلم ، وبخلاف الماركسية التي تعرضت الى هذا الجانب ، وقدمت المادية الجدلية منهجا تستخدمه في النظر لكل الأمور ، منها مثلا انها طبقته على التاريخ فقدمت المادية التاريخية ، فانه رغم عدم تعرض الناصرية للجانب الفلسفي ، سنجد ان فكرة التكامل فيها موجودة ، بل اكثر من ذلك ، تتميز الناصرية بانها نظرية متنامية ، أي لا تقف عند حدّ ، بل انها تقبل التطور لمواجهة المشكلات المتجددة ، التي تنتهي عند حد معين . ان الذي يدعي ان أفكاره نهائية ومطلقة ، انما يضع نفسه كالآه صغير ، لان الحقيقة المطلقة الوحيدة ، هي الحقيقة العلمية ، والحقيقة الكونية .
ان المنهج العلمي الناصري ، جعل ملامح النظرية الناصرية منسقة ، متكاملة ، ومتنامية أيضا . وميزة التنامي فيها ، هي التي تقول بوجود ثوابت ، ووجود متغيرات أيضا ، وهذا سبب خصوبتها . الثوابت لا تتغير ، والتفاصيل المتغيرة ، تخضع للنقاش والتبديل من مكان الى آخر ، ومن وقت الى آخر .
وبرجوعنا الى جوهر الناصرية ، سنجد انها كشفت عن المشكلات الأساسية التي هي : الاستعمار ، القهر ، التسلط ، التخلف ، الجهل ، المرض ، الفساد ..لخ ، وحددت القوى الاجتماعية الجماهيرية العازمة على التغيير ، أي مواجهة تلك المشكلات وحلها ، وهي القوى العاملة المنتجة ، او ما يسمى بتحالف قوى الشعب العامل . كما حددت القوة المضادة للتغيير، وحددت أسلوب التغيير ، وهو الثورة الشاملة في كل جوانب الحياة ، بدون تجزيئ ولا تدرج ، وحددت أيضا أداة التغيير الثوري ، أي التنظيم القومي الثوري الواحد . إذن الناصرية هي بناء متكامل ، منسق غير متناقض ، ومتنامي ، يحدد مشكلات المجتمع وحلولها بشكل مفصل وعلمي ، طبقا لظواهر ووفق لعلم الاجتماع .
وإذا كانت النظرية الماركسية حقيقة علمية او قانونا علميا ، فالسؤال هو : لماذا تشرذمت الماركسية وتعددت مدارسها ؟ هناك ماركسية صينية تختلف عن الماركسية التقليدية ، كانت تجربة يوغوسلافيا ، ورومانيا البانيا ، و كوريا الشمالية ، و كوبا ، واوربة الغربية ... بل ان لينين نفسه اجرى تعديلات خطيرة في أسس الماركسية اسموها هم بتطويرات ، لكنها في الحقيقة تغييرات جذرية في أسس النظرية الماركسية ، ومن هنا نجد في الاتحاد السوفياتي السابق لم تعد الماركسية ، وانما أصبحت ماركسية لينينية .
الحزب الشيوعي الإيطالي مثلا له نظرة مختلفة في الماركسية ، وكذلك الحزب الشيوعي الفرنسي ، والاسباني ، واليوناني .. بل ليس هذا فحسب ، بل سنجد الأحزاب الشيوعية في الوطن العربي ، والمنظمات الماركسية التي تستند الى النظرية الماركسية ، تعاني التشرذم ، ونفس الشيء في الحزب الاشتراكي اليمني ، والحزب الاشتراكي الافغاني ...لخ
إن التشرذم لم يقتصر فقط على المنظمات الماركسية ، بل اصاب وبدرجة اكبر التيار الديني ، وهذا ، أي التشرذم امر طبيعي ، طالما ان الاشتغال ينكب على السياسة ، والمناهج التي تختلف من تنظيم الى آخر .
ان تشرذم التيار الديني لا يستند هنا الى خلاف حول الثوابت او على النصوص ، وانما يستند على درجة فهم وتفسير النصوص ، أي على المتغيرات المرتبطة بتغير الظروف . فليس هنام خلاف بين السني والشيعي ، او بين الحنبلي والحنفي ، والشافعي والمالكي ، او بين مسلم في المغرب ، وآخر في الجزائر ، او حتى في روسيا والصين ...لخ ، مثلا حول وحدانية الله ، والعدل والسماوي ، او حول العبادات والصلوات ، او حول العقيدة .
لكن عندما يتم الانتقال الى المسائل الدنيوية ، وخاصة مسألة الحكم ، هنا يحدث الخلاف والاختلاف . فبعضهم يذهب الى ان الحاكم مسؤول امام الرعية ، والبعض الآخر يقول بمسؤولية الحاكم امام الله فقط . بعضهم يذهب الى ان الشورى ملزمة ، وبعضهم يقول انها ليست ملزمة . بعضهم يذهب الى ان الخلافة ركن أساسي في النظام السياسي الإسلامي ، وبعضهم يقول بانها ليست كذلك ...لخ ، من هنا فعندما يوضع الإسلام موضع الحكم ، سيصبح متغيرا بتغير الزمان والمكان ، وضمن هذا الفهم ليس غريبا ان يتولى أبو بكر الخلافة بطريقة معينة ، ويتولى عمر بطريقة ثانية ، وعثمان بطريقة ثالثة ، وعلي بطريقة رابعة ، ومعاوية بطريقة خامسة .... لخ ، وهكذا ، وهنا نسأل ونتساءل ما العبرة من هذا ؟ .
العبرة في انهم يريدون ان يعلموا الامة ان الحكم في الإسلام متروك للعقل البشري ، أي للاجتهاد يرتبه كما يشاء وفق مصلحة المجتمع او الامة . لكن النتيجة المترتبة والطبيعية لذلك ، ان تشرذم أصاب التيارات السياسية الإسلامية ، وليس التيارات الدينية الإسلامية .وهنا نأتي الى النظرية الناصرية والى الناصريين . هل يستطيع ناصري باي شكل من الاشكال ، او في أي مكان ، ان ينفي عن الناصرية ميزتها المواجهة للثالوث الشرير ، الامبريالية ، والصهيونية ، والقوى والأنظمة الرجعية العربية ؟ فان فعل ، سيكون في نفس الوقت ينفي عن نفسه صفة الناصرية .
ان عنصر التوحيد هو جوهر الناصرية ، من خلال البعد القومي ، والبعد الديني ، والبعد الاجتماعي ، والبعد التحرري ، واي ناصري ان انكر احد الابعاد ، فانه لن يكون ناصريا حقيقيا ، بل سيكون متطفلا على الناصري .
لذا وبخلاف التشرذم الذي أصاب الماركسيين والاسلامويين ، سنجد ان الناصرية ظلت ثابتة متماسكة ومتناسقة ، فلا خلاف بين الناصري في الأردن، وناصري في اليمن ، وآخر في السودان ، وناصري في موريتانيا ، وليبيا ، ولبنان .....هكذا .
( يتبع )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تكتل- الجزائر وتونس وليبيا.. من المستفيد الأكبر؟ | المسائي


.. مصائد تحاكي رائحة الإنسان، تعقيم البعوض أو تعديل جيناته..بعض




.. الاستعدادات على قدم وساق لاستقبال الألعاب الأولمبية في فرنسا


.. إسرائيل تعلن عزمها على اجتياح رفح.. ما الهدف؟ • فرانس 24




.. وضع كارثي في غزة ومناشدات دولية لثني إسرائيل عن اجتياح رفح